مقالات

أصدقاء أم أعداء؟

بسم اللّٰه الرَّحمٰن الرَّحيم

بقلم: زكريَّا بركات


في كتاب “أعلام الدين” للديلمي (ت 841 هـ) ، ص309 ، عن مولانا الإمام محمد الجواد عليه السلام، أنه قال:

“قد عاداك من ستر عنك الرُّشد اتِّباعاً لما تهواه”.

وعنه العلّامة المجلسي في “بحار الأنوار” 75 : 364 ، الباب 27 .

أقول: هناك فوائدُ في ضوء هذه الرواية الشريفة، نذكر ما تيسَّر منها فيما يلي:

1 ـ كثيراً ما يكون الرُّشد في خلاف ما يهواه الإنسان وتميل إليه نفسُه، فعلينا أن نكون حذرين من هوى أنفسنا، فليس كلُّ ما نهواه ونحبُّه يصُبُّ في صالحنا. وفي تحف العقول (397) عن مولانا الإمام الكاظم (عليه السلام) ، أنه قال في وصيَّته لهشام: “إذا مرَّ بك أمران لا تدري أيهما خير وأصوب، فانظر أيهما أقرب إلى هواك فخالفه؛ فإنَّ كثير الصواب في مخالفة هواك”.

2 ـ هناك أصدقاء يراعون هوانا وما نشتهيه، إرضاءً لنا، فهم بذلك ليسوا أوفياء لنا.. بل هم يخونوننا بهذا الأسلوب. فعلينا أن نجعل معيار الصداقة والوفاء في الصدق معنا، حتى لو كان ذلك لا يريحنا نفسياً ولا يوافق أهواءنا، ولا نشجِّع أصدقاءنا على إرضائنا.. فالصديق الحقيقي والوفيُّ هو الذي يُرضي ضميره ويُرضي ربَّه بالنصيحة الصادقة ولو كان في ذلك إزعاجٌ لنا.

3 ـ إنَّ الإنسان له دورٌ أساس في توجُّهات أصدقائه وأسلوب كلامهم معه، فعليه أن يتيح لهم المجال ليكونوا صادقين، وأن يشجِّعهم على نقده وإهداء عيوبه إليه، فهذا يجعله يرتقي ويتكامل. وأمَّا إذا كان يريد أصدقاء مجاملين يراضونه بالكلام الذي يريحه بموافقة هوى نفسه دائماً، فهو بذلك يشجعِّهم على الإضرار به.

4 ـ قد يكون الإنسان صاحب موقف خاطئ، ومع ذلك يحبُّ من يوافقه عليه ويتابعه فيه، وهذه طبيعة سيِّئة في الإنسان، حيث يرتاح إلى من يصفِّق له ويشعر بالدعم النفسي من خلال ذلك.. ثمَّ يكون هذا الدعم هو الطاقة التي تجعله يستمر في مساره الخاطئ. فعلينا أن نحذر من هذا التوجُّه الخاطئ والكامن في أنفسنا.. فالإنسان لا يتكامل ولا يرتقي إلَّا حين يكتشف هذا النوع من العيوب الخفيَّة في باطنه، ويعالجها ويسدُّ هذه الثغرات في شخصيَّته.

5 ـ علينا أن نفهم أنَّنا حين نخفي النصيحة الحقيقيَّة والنقد البنَّاء رعايةً لمزاج صديق لنا وتجنُّباً لمضايقته، فنحن ـ في الحقيقة ـ نخونه ونتصرَّف كأعداء له، لأننا بذلك نساعده على الخطأ والاستمرار في السقوط..

6 ـ من الممكن أن يتضايق الصديق من نصيحة نقدِّمها له، إلاّ أننا إذا تكلَّمنا معه بحكمةٍ ولُطف، فإنَّ تضايُقه لن يكون شديداً، كما إنَّه سرعان ما سيكتشف أنَّنا راعينا مصلحته في النصيحة حبًّا له، وبذلك سوف يزول تضايقه منَّا قريباً.. وعلى فرض أنَّه اتَّخذ موقفاً سلبياً منَّا بشكل دائم لأننا نصحناه، ولم يتراجع عن موقفه منا، فعلينا أن لا نتأسَّف ولا نحزن.. فالأطفال لا يحبُّون الأطبَّاء، ولكنَّ هذا لا ينفع الأطفال، ولا يضرُّ الأطباء ولا يقلِّل من شأنهم ماداموا يقومون بدورهم الرساليِّ بشكلٍ صحيح..

والحمدُ للّٰه ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى