بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
بقلم: زكريَّا بركات
الدليل الثَّاني
(آيةُ النَّفْرِ)
يُقصد بآية النَّفْرِ قولُه تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [التوبة: 122] . وقد تمسَّك بها غيرُ واحدٍ من الأعلام لإثبات حجِّيَّة الفتوى وجواز التقليد، منهم السيِّد الخوئي في “التنقيح” 1 : 85 ، والسيَّد محمَّد سعيد الحكيم في “مصباح المنهاج” 1 : 9 .
وبيان دلالة الآية على المطلوب أنَّ (لولا) التحضيضية ظاهرة في الطلب الوجوبي للنَّفْر لغرض التفقُّه في الدِّين، والتفقُّه في الدين هو عبارة عن تعلُّم الأحكام الدينيَّة واستنباطها من أدلَّتها، والتفقُّه في الدِّين هو مقدِّمة للإنذار (بما تفقَّهوا) أي تبليغ الأحكام المستنبَطَة، والإنذار غايتُه الحذَرُ من قِبَل المنذَرين (بفتح الذال) ، بما يعني أنَّ التبليغَ حُجَّةٌ، وأنَّ العمل بموجب ما بلغ المنذَرين (بفتح الذال) ، واجبٌ بما يعني جواز تقليدهم للمنذِرين (بكسر الذال) ورجوعهم إليهم واستنادهم إلى قولهم وتبليغهم.
ودخول الأحكام الإلزاميَّة من الواجبات والمحرَّمات (المرتبطة بالعقاب) لمناسبتها لعنوان الإنذار، ودخول الأحكام الترخيصيَّة بنكتة عدم الفصل (عند العُقلاء عموماً والمتشرِّعة خُصوصاً) المؤيَّدة بكون الآية في مقام إمضاء المرتكز العقلائي برجوع الجاهل إلى العالم، والمرتكز العقلائي لا يفرِّق بين الإلزاميَّة والترخيصيَّة.
والحذر عنوان للعمل، وليس عبارة عن الخوف النفساني فحسب، ومعنى الحذر: التحفُّظ عن الوقوع في ما لا يُراد من المخاوف والمهالك، وهو ـ في الآية ـ مطلق، فيشمل الحذر سواء كان الإنذار موجباً للعلم أو لم يكن.
وهذا البيان لدلالة الآية الكريمة هو خلاصة ما ذكره غير واحد من العلماء الأعلام في مدرسة أهل البيت عليهم السلام، وهو يحتاج إلى تدبُّر كامل، وقد يتطلَّب الدراسةَ عند أُستاذٍ متمكِّن ليوقف طالبَ العلم على دقائقه. والله وليُّ التوفيق.
والحمدُ لله ربِّ العالمين.