لقد اتفقت كلمة أئمة أهل البيت عليهم السلام ، وشيعتهم تبعاً لهم ، على أن أبا طالب عليه السلام كان مؤمناً مستكمل الإيمان ، وأنه كان يكتم إيمانه رعاية لمصالح الدعوة الإسلامية ، وأما أهل السنة فاختلفوا في إسلامه ، فذهب المشهور إلى أنه عليه السلام مات كافراً ، وذهب قلة من علمائهم إلى أنه كان مؤمناً .
والأدلة الدالة على إيمانه كثيرة ، وكل دليل منها كاف في الجزم بإيمانه .
منها : مواقفه العظيمة في نصرة الإسلام والدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، وحسبك دليلاً على إيمانه أشعاره الكثيرة التي كان يصرح فيها باعتقاده بنبوة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهي كثيرة جداً :
منها : ما أخرجه الحاكم في المستدرك 2 / 623 بإسناده عن ابن إسحاق قال : قال أبو طالب أبياتاً للنجاشي يحضّهم على حسن جوارهم والدفع عنهم ـ يعني عن المهاجرين إلى الحبشة من المسلمين ـ :
ليعلمْ خيارُ الناسِ أنَّ محمداً . . . . . . وزيرٌ لموسى والمسيحِ ابنِ مريمِ
أتانا بهديٍ مثلِ ما أتيا به . . . . . . . . . فكلٌّ بأمرِ اللهِ يهدي ويعصمُ
وإنكمُ تتلونه في كتابِكم . . . . . . . .. بصدقِ حديثٍ لا حديثِ المبرجمِ
وإنك ما تأتيك منها عصابةٌ . . . . . . . بفضلِك إلا أرجعوا بالتكرمِ
ومن أشعاره الدالة على إيمانه قوله :
ألا أبلغا عني على ذاتِ بينِها . . . . . . . . . لويا وخصا من لوي بني كعبِ
ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً . . . . . . . . . رسولاً كموسى خُطَّ في أولِ الكُتْبِ ؟
وأنَّ عليه في العبادِ محبةً . . . . . . . . . ولا حيفَ فيمن خصَّه اللهُ بالحبِ
فلسنا وبيتِ اللهِ نُسْلِمُ أحمداً . . . . . . . . . لعزاء من عضِّ الزمانِ ولا كربِ
ومن أشعاره قوله مخاطباً النبي صلى الله عليه وآله :
واللهِ لن يصلوا إليك بجمعِهم . . . . . . . . . حتى أُوسدَ في الترابِ دفينا
فاصدعْ بأمرِك ما عليك غضاضةٌ . . . . . . . . . وابشرْ بذاك وقرَّ منك عيونا
ودعوتَني وعلمتُ أنك ناصحي . . . . . . . . . ولقد دعوتَ كنتَ ثم أمينا
ولقد علمتُ بأنَّ دينَ محمدٍ . . . . . . . . . مِن خيرِ أديانِ البريةِ دينا
وهذه الأبيات ذكرها الثعلبي في تفسيره وقال : قد اتفق على صحة نقل هذه الأبيات عن أبي طالب مقاتل ، وعبد الله بن عباس ، والقسم بن محضرة ، وعطاء بن دينار .
كما ذكرها ابن كثير في تاريخه 3 / 42 ، وأبو الفداء في تاريخه 1 / 120 ، وابن حجر في فتح الباري 7 / 153 ، 155 ، والإصابة 4 / 116 ، والقسطلاني في المواهب اللدنية 1 / 61 وغيرهم .
قال ابن أبي الحديد في شرحه 2 / 315 بعد ذكر جملة من شعر أبي طالب : فكل هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر ، لأنه إن لم يكن آحادها متواترة فمجموعها يدل على أمر واحد مشترك ، وهو تصديق محمد صلى الله عليه وآله ، ومجموعها متواتر ، كما أن كل واحدة من قتلات علي عليه السلام الفرسان منقولة آحاداً ، ومجموعها متواتر ، يفيدنا العلم الضروري بشجاعته ، وكذلك القول فيما روي من سخاء حاتم ، وحلم الأحنف ، ومعاوية ، وذكاء إياس . . . وغير ذلك .
وقال القسطلاني في المواهب اللدنية 1 / 48 قال ابن التين : إن في شعر أبي طالب هذا دليلاً على أنه كان يعرف نبوة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يُبعث لما أخبره به (بحيرا) وغيره من شأنه .
وأورد السيد أحمد زيني دحلان أبياتاً في السيرة النبوية هامش الحلبية 1 / 88 ثم قال : قال الإمام عبد الواحد السفاقسي في شرح البخاري : إن في شعر أبي طالب هذا دليلاً على أنه كان يعرف نبوة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث لما أخبره به (بحيرا) الراهب وغيره من شأنه ، مع ما شاهده من أحواله ، ومنها الاستسقاء به في صغره ، ومعرفة أبي طالب بنبوته صلى الله عليه وسلم جاءت في كثير من الأخبار زيادة على أخذها من شعره .
وقال شيخنا الأميني قدس سره في الغدير 7 / 340 : أنا لا أدري كيف تكون الشهادة والاعتراف بالنبوة إن لم يكن منها هذا الأساليب المتنوعة المذكورة في هذه الأشعار ؟ ولو وجد واحد منها في شعر أي أحد أو نثره لأصفق الكل على إسلامه ، لكن جميعها لا يدل على إسلام أبي طالب ، فاعجب واعتبر 1 .
- 1. سماحة الشيخ علي آل محسن ـ 24 / 8 / 2007م و قد نشرت هذه المقالة في الموقع الرسمي لسماحته .