عقائد2مقالات

كلمات أعلام المذاهب حول الزيارة …

 الشيخ جعفر السبحاني
إذا كانت زيارة قبور المسلمين من السنن التي دعا إليها النبيّ الاكرم (صلى الله عليه وآله) وعمل بها بمرأى ومسمع من نسائه وصحابته، فزيارة قبر سيد ولد آدم ومن أُنيطت إليه سعادة البشر أولى بها، لذا جرت سيرة المسلمين على زيارة قبره، وصرّح بها فقهاء الاُمة، وتضافرت السنّة على استحبابها.
ولنقدّم بعض الكلمات من أكابر الاُمة التي تعرب عن موقف المسلمين طيلة القرون تجاه المسألة، فقد قيّض سبحانه في كلّ عصر رجالاً يجاهرون بالحقّ، وينفون غبار الباطل عن وجهه نذكر منهم شخصيتين كبيرتين من السنّة والشيعة:
1 ـ الامام تقي الدين السبكي الشافعي المتوفّى سنة 567 هـ عليه سحائب الرحمة والرضوان فقد خصّ في كتابه «شفاء السقام في زيارة
خير الانام» باباً لنقل نصوص العلماء على استحباب زيارة قبر سيدنا رسول الله، وقد بيّن أنّ الاستحباب أمر مجمع عليه بين المسلمين(1) .
2 ـ العلاّمة الكبير الاميني في الغدير الجزء 5 / 109 ـ 512، فقد استدرك عليه بما لم يقف عليه الامام السبكي، ونقل كلمات أعلام المذاهب الاربعة بما يتجاوز الاربعين كلمة. شكر الله مساعيهما.
وقد راجعنا أكثر المصادر التي نقلا عنها حسب ماحضرنا منها. واكتفينا بالنقل عنهما في غيره، وأضفنا بعض ما فات عنهما. ولعل المعثور عليه من الكلمات أقل مما لم يُعثر عليها.
كلمات أعلام المذاهب حول الزيارة
1 ـ قال أبو عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي الجرجاني الشافعي (م/034هـ) بعد الحث على تعظيم النبيّ الاكرم (صلى الله عليه وآله): فأمّا اليوم فمن تعظيمه زيارته(2) .
2 ـ قال أبو الحسن أحمد بن محمد المحاملي الشافعي (م/524هـ): ويستحب للحاجّ إذا فرغ من مكّة أن يزور قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله)(3) .
3 ـ قال القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري (م/045هـ): ويستحب أن يزور النبي (صلى الله عليه وآله) بعد أن يحجّ ويعتمر(4) .
4 ـ قال أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي (م/045هـ): فإذا عاد (ولي الحاج) سار بهم على طريق المدينة لزيارة قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)ليجمع لهم بين حج بيت الله عزّ وجلّ وزيارة قبر رسول الله رعاية لحرمته وقياماً بحقوق طاعته، وذلك وإن لم يكن من فروض الحج فهو من مندوبات الشرع المستحبة وعبادات الجميع المستحسنة(5) . وقال أيضاً في كتابه الحاوي: أمّا زيارة قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله) فمأمور بها ومندوب إليها(6) .
5 ـ حكى عبد الحقّ بن محمد الصقلي (م/466هـ) عن الشيخ أبي عمران المالكي أنّ زيارة قبر النبي واجبة، قال عبد الحقّ: يعني من السنن الواجبة(7) .
6 ـ قال ابو إسحاق إبراهيم بن محمد الشيرازي الفقيه الشافعي (م/674هـ): ويستحب زيارة قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)(8) .
7 ـ وممّن بسط الكلام في زيارة النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) الامام الغزالي في كتاب الحج من إحياء العلوم قال: الجملة العاشرة في زيارة المدينة وآدابها قال: من زارني بعد وفاتي فكأنّما زارني في حياتي. وقال (صلى الله عليه وآله): «من وجد سعة ولم يَفِد إليَّ فقد جفاني» إلى أن قال: فمن قصد زيارة المدينة فليصلّ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في طريقه كثيراً فإذا وقع بصره على حيطان المدينة وأشجارها قال: اللّهمّ هذا حرم رسولك فاجعله لي وقاية من النار وأماناً من العذاب وسوء الحساب، ثم ذكر آداب الزيارة وصيغتها، كما ذكر زيارة الشيخين وزيارة البقيع بمن فيها، كزيارة قبر عثمان وقبر الحسن بن علي، ثم قال: ويصلي في مسجد فاطمة رضي الله عنها ويزور قبر إبراهيم ابن رسول الله وقبر صفيّة عمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)فذلك كلّه بالبقيع، ويستحب له أن يأتي مسجد قباء في كلّ سبت ويصلّي فيه لما روي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «من خرج من بيته حتى يأتي مسجد قباء ويصلّي فيه كان له عدل عمرة»(9) .
8 ـ قال أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوداني الفقيه البغدادي الحنبلي (م/105هـ): وإذا فرغ من الحج استحبّ له زيارة قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله)وقبر صاحبيه(10) .
9 ـ قال القاضي عياض المالكي (م/544هـ): وزيارة قبره (صلى الله عليه وآله) سنّة مجمع عليها وفضيلة مرغّب فيها، ثم ذكر عدّة من أحاديث الباب فقال: قال إسحاق بن إبراهيم الفقيه: وممّا لم يزل من شأن من حج المزور(11) بالمدينة والقصد إلى الصلاة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتبرّك برؤية روضه ومنبره وقبره ومجلسه وملامس يديه ومواطن قدميه والعمود الذي استند إليه ومنزل جبرئيل بالوحي فيه عليه(12) .
10 ـ قال ابن هبيرة (م/056هـ): اتّفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل ـ رحمهم الله تعالى ـ على أنّ زيارة النبي (صلى الله عليه وآله)مستحبة(13) .
11 ـ عقد الحافظ ابن الجوزي الحنبلي (م/975هـ) في كتابه باباً في زيارة قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله) وذكر حديث ابن عمر وحديث أنس اللَّذين سنذكرهما(14) .
12 ـ قال أبو محمد عبد الكريم بن عطاء الله المالكي (م/126هـ): إذا كمل لك حجّك وعمرتك على الوجه المشروع لم يبق بعد ذلك إلاّ إتيان مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)للسلام على النبيّ (صلى الله عليه وآله) والدعاء عنده، والسلام على صاحبيه، والوصول إلى البقيع وزيارة ما فيه من قبور الصحابة والتابعين، والصلاة في مسجد الرسول فلا ينبغي للقادر على ذلك تركه(15) .
13 ـ قال أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسين بن أحمد بن القاسم بن إدريس السامري الحنبلي (م/616هـ): وإذا قدم مدينة الرسول(صلى الله عليه وآله) استحبّ له أن يغتسل لدخولها. ثم ذكر أدب الزيارة وكيفية السلام والدعاء والوداع(16) .
41 ـ قال الشيخ موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي (م/206هـ): يستحب زيارة قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله)، ثم ذكر حديثي ابن عمر وأبي هريرة من طريق الدار قطني وأحمد(17) .
51 ـ قال محي الدين النووي الشافعي (م/776هـ): ويُسنُّ شرب ماء زمزم وزيارة قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد فراغ الحج(18) .
61 ـ قال نجم الدين بن حمدان الحنبلي (م/596هـ): ويسنّ لمن فرغ عن نسكه زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله) وقبر صاحبيه رضي الله عنهما، وله ذلك بعد فراغ حجة وإن شاء قبل فراغه(19) .
17 ـ قال القاضي الحسين: إذا فرغ من الحجّ فالسنّة أن يقف بالملتزم ويدعو، ثم يشرب من ماء زمزم، ثم يأتي المدينة ويزور قبر النبي (صلى الله عليه وآله)(20) .
18 ـ قال القاضي أبو العباس أحمد السروجي الحنفي (م/710هـ): إذا انصرف الحاج والمعتمرون من مكّة فليتوجّهوا إلى طيبة مدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وزيارة قبره فإنّها من أنجح المساعي(21) .
19 ـ قال الامام القدوة ابن الحاج محمد بن محمد العبدري القيرواني المالكي (م/738هـ) بعد أن ذكر لزوم وكيفية زيارة الانبياء والرسل ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ والتوسّل بهم إلى الله تعالى وطلب الحوائج منهم قال: وأمّا في زيارة سيد الاولين والاخرين
صلوات الله عليه وسلامه فكل ما ذكر يزيد عليه أضعافه، أعني في الانكسار والذلّ والمسكنة، لانّه الشافع المشفّع الذي لا تُردّ شفاعته، ولايُخيّب من قصده، ولا من نزل بساحته، ولا من استعان أو استغاث به، إذ أنّه عليه الصلاة والسلام قطب دائرة الكمال وعروس المملكة ـ إلى أن قال ـ: فمن توسّل به أو استغاث به أو طلب حوائجه منه، فلا يرد ولا يخيب لما شهدت به المعاينة والاثار، ويحتاج إلى الادب الكلّي في زيارته عليه الصلاة والسلام، وقد قال علماؤنا رحمة الله عليهم: إنّ الزائر يشعر بنفسه بأنّه واقف بين يديه عليه الصلاة والسلام كما هو في حياته(22) .
20 ـ وقال شمس الدين ابن قدامة الاندلسي: فإذا فرغ من الحج استحبّ زيارة قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله) وقبر صاحبيه ـ رضي الله عنهما ـ واستدلّ على ذلك بروايتي ابن عمر، وأبي هريرة(23) .
21 ـ قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي المقدسي: إنّ ابن تيمية ذكر في مناسكه «باب زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله): إذا أشرف على مدينة النبيّ (صلى الله عليه وآله) قبل الحج أو بعده، فليقل ما تقدم: إذا دخل استحب له أن يغتسل، نصّ عليه الامام أحمد، فإذا دخل المسجد بدأ برجله اليمنى وقال: بسم الله والصلاة على رسول الله، اللّهمّ اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، ثم يأتي الروضة بين القبر والمنبر فيصلّي بها ويدعو بما شاء، ثم يأتي قبر النبيّ فيستقبل جدار القبر ولا
يمسّه ولايقبّله، ويجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر على رأسه ليكون قائماً وجاه النبي، ويقف متباعداً كما يقف لو ظهر في حياته بخشوع وسكون منتكس الرأس، غاض الطرف، متحضراً بقلبه جلالة موقفه ثم يقول:
السلام عليك يارسول الله ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يانبيّ الله وخيرته من خلقه، السلام عليك يا سيّد المرسلين، وخاتم النبيين، وقائد الغرّ المحجّلين، أشهد أنْ لا إله إلاّ الله وأشهد أنّك رسول الله، أشهد أنّك قد بلّغت رسالات ربك، ونصحت لاُمتك، ودعوت إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وعبدت الله حتى أتاك اليقين فجزاك الله أفضل ماجزى نبياً ورسولاً عن أُمته اللّهمّ آته الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً(24) .
22 ـ ألّف الشيخ تقي الدين السبكي الشافعي (م/567هـ) كتاباً حافلاً في زيارة النبيّ الاعظم (صلى الله عليه وآله) وأسماه «شفاء السقام في زيارة خيرالانام» ردّاً على ابن تيمية، وممّا قال فيه: لاحاجة إلى تتبّع كلام الاصحاب في ذلك مع العلم بإجماعهم وإجماع سائر العلماء عليه. والحنفية قالوا: إنّ زيارة قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله) من أفضل المندوبات والمستحبّات بل تقرب من درجة الواجبات، وممّن صرّح بذلك منهم أبو منصور محمد بن مكرم الكرماني في مناسكه، وعبد الله بن محمود
*************
(1) السبكي، شفاء السقام : 65 ـ 79 ونحن نغترف من هذا العين المعين ونذكر كلمات المحققين من أهل السنة حول زيارة النبي (صلى الله عليه وآله).
(2) المنهاج في شعب الايمان، كما في شفاء السقام : 65.
(3) التجريد، كما في شفاء السقام : 65.
(4) نقله عنه السبكي في شفاء السقام : 65.
(5) الاحكام السلطانية : 109، دار الفكر، بيروت.
(6) الحاوي، كما في شفاء السقام : 65.
(7) تهذيب الطالب، كما في شفاء السقام : 68.
(8) المهذب في فقه الامام الشافعي 1 : 233، دار الفكر، بيروت.
(9) الغزالي، إحياء علوم الدين 1 : 305و306.
(10) الهداية، كما في شفاء السقام : 66.
(11) قيل بكسر الميم وسكون الزاء وفتح الواو: مصدر ميمي بمعنى الزيارة.
(12) الشفاء 2 : 194 ـ 197، ط دار الفيحاء، عمان.
(13) ابن الحاج، المدخل 1 : 256.
(14) مثير العزام الساكن إلى أشرف الاماكن، كما في شفاء السقام : 67.
(15) المناسك، كما في الغدير 5 : 110.
(16) المستوعب، كما في شفاء السقام : 67.
(17) المغني 3 : 788.
(18) المنهاج، المطبوع بهامش شرح المغني 1 : 494 ـ كما في الغدير 5 : 111.
(19) الرعاية الكبرى في الفروع الحنبلية، كما في شفاء السقام : 67.
(20) نقله السبكي في شفاء السقام : 66.
(21) الغاية، كما في شفاء السقام : 66.
(22) ابن الحاج، المدخل 1 : 257.
(23) ابن قدامة، الشرح الكبير على المقنع 3 : 494.
(24) عبد الهادي الحنبلي، الصارم المنكي في الرد على السبكي : 7، الطبعة الاُولى، القاهرة المطبعة الخيرية. ولو صحّ ما نقله يحمل على تبدلّ الاجتهاد والمعروف أنه نهى عن السفر للزيارة لا عن أصلها. وسيوافيك بعض شبهاته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى