الجهاد و الشهادةسيرة أهل البيت (ع)مقالاتمناسباتمنوعات

سيرة رسول الله صلّى الله عليه وآله مع المسلمين المخالفين

الأستاذ سعيد العذاري
لا نقصد بالمخالفين من غير المسلمين، وانّما نقصد المخالفين لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بالرأي أو الموقف العملي في بعض الحالات، فقد تصدر من أحد الصحابة آراء ومواقف مخالفة في قضية واحدة أو قضيتين أو أكثر، بسبب قربهم من الجاهلية أو تأثر بعضهم بالأوضاع النفسية الضاغطة عليهم، أو تأثرهم بالروابط الاجتماعية أو جهلهم بالحقائق.
ومخالفة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وان كانت من المحرّمات الأكيدة، إلا أنّه صلّى الله عليه وآله وسلم قابلها بالاستيعاب وسعة الصدر من أجل تربية أصحابه تربية سليمة، فكان يعفو عنهم و لا ويرتب أثراً عملياً، مراعياً لضعفهم وعجلتهم وجهلهم بحقائق الأمور، وأحياناً يراعي عنادهم وإصرارهم على مواقفهم.
ففي معركة بدر قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد اُخرجوا كرهاً ولا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقى أبا الختري بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله; فإنّه خرج مستكرهاً».
فقال أبو حذيفة: «أنقتل آباءنا وإخواننا وعشيرتنا، ونترك العباس، والله لئن لقيته لألحمنّه بالسيف».
فاستقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم هذا القول وبالاعتراض الشديد اللهجة برحابة صدر ولم يرتب أيّ أثر أو رد فعل سلبي، وقد أثّر هذا الاستيعاب على وعي وعواطف أبي حذيفة فكان يقول: «ما أنا آمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفاً إلا أن تكفّرها عني الشهادة»(1).
فقد راعى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم مشاعر وعواطف مشاعر وعواطف أبي حذيفة، لأنّ أباه وعمّه قد إشتركا في المعركة الى جنب المشركين، فكان لا يدرك حقيقة الأمر ظنّاً منه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يراعي بني هاشم ولم يراع غيرهم، ولم يعلم أنّ بعضهم أُخرج مكرهاً، بينما أبوه وعمه فقد كانوا من القادة البارزين في جيش المشركين.
وقد تحمّل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بعض الآراء المصحوبة بمواقف عملية مخالفة لقواعد الاحترام والطاعة، واستوعبها برحابة صدر ولم يرتب أثراً عملياً بحقّ مرتكبها.
عن ابن عباس قال: «سمعت عمر بن الخطاب يقول: لمّا توفي عبدالله بن أبيّ دعي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم للصلاة عليه، فقام إليه، فلمّا وقف عليه يريد الصلاة، تحوّلت حتى قمت في صدره، فقلت: يا رسول الله أتصلّي على عدوّ الله عبدالله بن أبيّ سلول والقائل كذا يوم كذا، والقائل كذا يوم كذا؟ اعدّد أيامه، ورسول الله صلّى الله عليه واله يبتسم حتى إذا أكثرت، قال: يا عمر، أخّر عنّي إنّي قد خيرت فاخترت»(2).
واستوعب  صلّى الله عليه وآله وسلم مواقف عديدة قد صدرت من بعض المسلمين، وهي كغيرها تعبّر عن سوء أدب وسوء خلق لا تصدر إلا من المنحرفين الهابطين، لأنها لا تليق بشأن أقل المسلمين إيماناً أو أخلاقاً، فكيف تليق برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم الأمين على الوحي والرسالة وهو المعصوم المطهر.
فبعد معركة حنين جاء ذو الخويصرة الى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا محمد، قد رأيت ما صنعت في هذااليوم.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: أجل، فكيف رأيت؟
فقال: لم أرك عدلت.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «ويحك! إذا لم يكن العدل عندي عند مَن يكون؟»(3).
وبعد نهاية إحدى المعارك وزّع الغنائم على المسلمين، والظاهر أنّه أعطى بعض المؤلفة قلوبهم أكثر من غيرهم ليكفّ شرّهم أو ليكسب ودّهم للإسلام ليكونوا مخلصين ويكفوا عن تآمرهم.
فقال له أحد المسلمين: «إعدل».
فلم يجبه صلّى الله عليه وآله وسلم إلا بهذا الكلام: «لقد شقيت إن لم أعدل»(4).
وفي صلح الحديبية لم يدرك بعض المسلمين المصلحة الحقيقية من ورائه، وقد وعدهم رسول الله صلّى الله عليه واله بالفتح المبين حين توجهه الى مكة، إلا أنّ عقولهم المحدودة التفكير والتي تستند الى الظاهر أو الى الأمور الآنية دفعتهم للاعتراض، وأحياناً تكون خصائصهم النفسية هي منطلقهم في فهم الظواهر والمواقف; لذا نجدهم إعترضوا على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم إعتراضاً غير مبرر وغير مناسب لمقامه الشريف كنبي مرسل، أو كقائد معصوم أثبتت الوقائع أنّه النموذج البشري الأعلى في التخطيط وفي إتخاذ المواقف الصائبة، ولكنّه صلّى الله عليه واله إستوعب الاعتراض برحابة صدر ليربّي أصحابه وليؤلف قلوبهم مراعياً جميع صفات الضعف عندهم.
فعندما قرر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم الصلح مع قريش، والذي هو مقدّمة للفتح كما تحقق لاحقاً; وثب عمر بن الخطاب اليه، قائلاً: يا رسول الله ألسنا بالمسلمين؟ قال صلّى الله عليه وآله وسلم: بلى.
قال عمر: فعلام نُعطي الدنية في ديننا؟
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «أنا عبدالله ورسوله ولن أخالف أمره ولن يضيّعني».
ولقي عمر من القضية أمراً كبيراً، وجعل يردّ على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم الكلام، ويقول: علام نعطي الدنية في ديننا؟
قال ابن عباس: قال لي عمر في خلافته وذكر القصة: أرتبت ارتياباً لم أرتبه منذ أسلمت إلا يومئذ، ولو وجدت ذلك اليوم شيعة تخرج عنهم رغبة من القضية لخرجت(5).
فقد بيّن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أنّه لا يخالف أمر ربّه، ولن يضيّعه الله تعالى، بمعنى أن ما قام به هو أمر الهي ووحي الهي، وهو لا ينطق عن الهوى، ولا يتخذ موقفاً عن الهوى، ومع ذلك يستمر الاعتراض غير المبرّر بعد توضيح رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم إليه، إضافة الى الثوابت التي ينبغي فهمها من أن رسول الله صلّى الله عليه واله لا يخطأ ولا يشتبه وانّه مسدد من الله تعالى في جميع أموره الدينية والدنيوية.

المصادر :
(1) السيرة النبوية لابن هشام 2: 197.
(2) السيرة النبويه 4: 197.
(3) السيرة النبوية لابن هشام 2: 139.
(4) السيرة النبوية لابن كثير 3: 687.
(5) السيرة النبوية لابن كثير 3: 320.

المصدر: https://www.sibtayn.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى