بين يدي القائم (عج)

دولة القائم (عج)

رئيس الدولة

إنّ أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به
نائب الإمام (أو الحاكم الأعلى زمن الغيبة)
وهنا.. وبعد أن انتهيت من الحديث حول المفارقة المنهجية التي أشرت إليها، يأتي دور الإجابة على أول السؤالين المتقدمين، لنتعرف على الحاكم الأعلى للدولة الإسلامية، الذي يقوم بوظيفة النيابة عن الإمام المنتظرعليه السلام، في فترة الغيبة:
متى حاولت أن أبحث المسألة بحثاً موضوعياً لأعطي الجواب صورة تامة المعالم والملامح، أراني ملزماً من ناحية منهجية بعرض جميع الأقوال في المسألة، فالإشارة إلى دليل كل منها، محاولاً المقارنة بينها..

ربما كانت الأقوال في النيابة عن الإمام، أو في الحاكم الأعلى عصر الغيبة، ترجع إلى ما يلي:
1- من يعيّنه المسلمون.
2- الفقيه العادل.
3- الأعلم.

1- الحاكم الأعلى هو من يعيّنه المسلمون
حصيلة الاستدلال
وحصيلة الاستدلال على هذا القول بما يلي:
إن الآيات القرآنية الكريمة التي تضمنت الأوامر الإلهية بتطبيق النظام الإسلامي، تعمم الخطاب إلى المسلمين كافة أمثال:
1- ﴿أَقِيمُواْ الصَّلاةَ…﴾ (النساء 76)
2- ﴿وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ..﴾ (البقرة 195)
3- ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ .. (البقرة 183)
4- ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ..﴾ (آل عمران 104).
5- ﴿وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ ..﴾ (المائدة 35)
6- ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ..﴾ (الحج 78)
7_ ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا..﴾ (النور 2)
8_ ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا..﴾ (المائدة 38)
9- ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ..﴾ (البقرة 179)
10- ﴿وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ..﴾ (الطلاق 2)
11- ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ..﴾ (أل عمران 103)
12-﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ .. (الشورى 13)
13- ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ .(آل عمران 144).

يضاف إليه:
إن المستفاد من جميع الآيات المذكورة أعلاه: إن الدين صبغة اجتماعية، حمله الله على الناس، ولا يرضى لعباده الكفر، ولم يرد إقامته إلا منهم بأجمعهم)1.
وفي زمان النبي صلى الله عليه وآله حيث أنيطت المسؤولية الأولى لتطبيق النظام به صلى الله عليه وآله، وامتثل هذا التكليف من قبله صلى الله عليه وآله، وتحققت الغاية من تشريعه، سد مجال التكليف2.
وكذلك في زمان حضور الإمام المعصوم، وبخاصة عند توليه السلطة.
وفي زماننا (زمن الغيبة) حيث لم يسد مجال التكليف من قبل الإمام المعصوم المنصوص عليه، وهو الإمام المنتظر عليه السلام، وذلك لغيبته، يبقى الامتثال مفروضاً على عامة المكلفين.

يقول السيد الطباطبائي: (أمر الحكومة الإسلامية بعد النبي صلى الله عليه وآله، وبعد غيبة الإمام – كما في زماننا الحاضر – إلى المسلمين من غير إشكال..
والذي يمكن أن يستفاد من الكتاب في ذلك: إن عليهم تعيين الحاكم في المجتمع على سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله، وهي سنة الإمامة، دون الملوكية والإمبراطورية، والسير فيهم بحفاظة الأحكام من غير تغيير، والتولي بالشورى في غير الأحكام من حوادث الوقت والمحل – كما تقدم -.
والدليل على ذلك كله: جميع ما تقدم من الآيات في ولاية النبي صلى الله عليه وآله3.. مضافة إلى قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ4.. الأحزاب 21) .

ويناقش هذا الاستدلال بما خلاصته
1- إن الدليل المذكور – على تقدير تماميته – لا يؤخذ بما أنهي إليه إلا عند عدم ثبوت نيابة الفقيه العادل عن الإمام عليه السلام – وهو القول الثاني – أو ثبوت حكومة الأعلم – وهو القول الثالث -.
أما عند ثبوت نيابة الفقيه العادل عن الإمام عليه السلام، أو حكومة الأعلم، حيث يسد مجال التكليف بقيامه بمسؤولية الحكم، فيؤخذ بما أنهي إليه الدليل المذكور عند عدم وجود الفقيه العادل أو الأعلم فقط، كما هو الأمر في النبي صلى الله عليه وآله، والإمام عليه السلام.. فيلتقي هنا – في الواقع – مع ما يفيده دليل (الحسبة) حيث يلزم بقيام عدول المؤمنين بتطبيق النظام..

وعلى أقل تقدير فيما يفيده: هو قيامهم بتطبيقه في المجالات التي يتوقف عليها تقويم وحفظ كيان المجتمع الإسلامي، والذي يقطع بغضب الله تعالى وسخطه عند تعطيله فيها.
2- إن الدليل المذكور – على تقدير تماميته – يرد عليه: إن الطريقة التي يتبعها المسلمون في تعيين الحاكم الأعلى لم تبيّن بلسان الشرع.
وفي مثله – عادة – يرجع إلى العقل وما يحكم به.

والذي يبدو: إن طريقة تعيين الحاكم الأعلى من قبل المسلمين – هنا – منحصرة في الانتخاب.
وهو (أعني الانتخاب) على نحو الاتفاق الكامل من جميع المسلمين متعذر.

والعقل – هنا – لا يستطيع أن يرجح أي لون من ألوان الانتخاب المحتملة، أمثال:
– احتمال الأخذ برأي الأكثرية.
– احتمال الأخذ برأي الأقلية..
– احتمال إشراك النساء..
– احتمال عدم إشراكهن..
وما شاكل.
وذلك لتكافؤ الاحتمالات، وعدم وجود قدر متيقن في البيّن، غير الاتفاق الكامل، وهو متعذر هنا – كما أشرت إليه.

2- الحاكم الأعلى هو الفقيه العادل
منهج البحث لدى الفقهاء:
يمنهج الفقهاء – رضوان الله عليهم – البحث حول موضوع الحكم الإسلامي في عصر الغيبة إلى جانبين هما:-
أ- البحث حول اصل مسألة الحكم الإسلامي زمن الغيبة.
ب – والبحث حول نيابة الفقيه العادل عن الإمام المنتظر عليه السلام صاحب الحق الشرعي في رئاسة الدولة.
وربما كان ذلك تمشياً على ضوء طريقتهم المنهجية المتبعة في البحث الفقهي الاستدلالي وهي: الاستدلال – أولاً – على أصل المسألة، فالبحث – ثانياً – عن تفريعاتها.
وربما كانت في مقابل من يتوهم منه الإنكار لأصل المسألة – كما ألمحت إليه -.

وأياً كانت دواعيهم – رضوان الله عليهم -، فالذي أراه مناسباً هو استعراض المسالة على ضوء منهجهم.. وإن كانت المنهجة الأصيلة تأبى ذلك، وتعتبره مفارقة منهجية، بعد ثبوت المسألة بالضرورة من الدين – كما أشرت إليه في مدخل البحث -.
غير أني سأحاول إدخالها في قائمة الأدلة على الجانب الثاني من البحث، وهو نيابة الفقيه العادل، لصلاحيتها للاستدلال بها على ذلك، ولأجل المحافظة على أصالة المنهج..

أدلته:
وهي كما يلي:
1- (الدليل الاجتماعي التاريخي):
وهو الدليل الذي استدل به على لزوم قيام حكومة إسلامية في مجتمع المسلمين زمن الحضور..

وخلاصته:
إن الحكومة ظاهرة اجتماعية، فرضتها حاجة المجتمع إلى الأمن وحفظ الحقوق وإشاعة العدالة.
وإن المجتمع الإسلامي ليس بدعاً من المجتمعات البشرية في طبيعة ما يستلزمه تنظيم علاقاته من تشريع نظام اجتماعي بغية تحقيق الأمن وحفظ الحقوق وإشاعة العدالة بين أفراده، وقيام حكومة تقوم على تنفيذ ذلك النظام لتحقيق الغاية من تشريعه.

ولو كان مجتمع المسلمين يختلف عنها في طبيعة حاجته إلى ذلك، لكان النبي صلى الله عليه وآله أو الإمام عليه السلام أولى وألزم ببيان ذلك والتنبيه عليه.
وحيث لم ينبها على ذلك، فهو إذن – أعني مجتمع المسلمين – كبقية المجتمعات البشرية في لزوم قيام حكومة فيه.
بهذا الدليل نفسه يستدل على وجوب إقامة دولة إسلامية زمن الغيبة، على اعتبار أن مجتمع المسلمين زمن الغيبة هو الآخر لا يختلف عن المجتمعات البشرية في طبيعة حاجته إلى النظام، والى الحكومة، لتقوم على تنفيذه لتحقيق الغاية من تشريعه.

يقول السيد البروجردي: (إن في الاجتماع أموراً لا تكون من وظائف الأفراد ولا ترتبط بهم، بل تكون من الأمور العامة الاجتماعية التي يتوقف عليها حفظ نظام الاجتماع، مثل: القضاء، وولاية الغيّب والقصّر، وبيان مصرف اللقطة والمجهول المالك، وحفظ الانتظامات الداخلية، وسد الثغور، والأمر بالجهاد والدفاع عند هجوم الأعداء، ونحو ذلك مما يرتبط بسياسة المدن.
فليست هذه الأمور مما يتصدى لها كل أحد، بل تكون من وظائف قيّم الاجتماع، ومن بيده أزمّة الأمور الاجتماعية، وعليه أعباء الرياسة والخلافة)5.

ويضاف إليه:

إن العقل يحكم – بعد تسليم هذه المقدمة المذكورة لثبوتها بما برهن عليه في محله – بدوران الأمر _ بسبب لزوم حاجة المجتمع المسلم إلى الحكومة – بين: قيام حكومة إسلامية أو قيام حكومة كافرة لأنه لا ثالث للكفر والإسلام.

فيتفرع عليه: وجوب قيام حكومة إسلامية لحرمة الخضوع للحكم الكافر – كما سيأتي -.
كذلك يحكم العقل – هنا – بدوران الأمر – بعد ثبوت وجوب قيام حكومة إسلامية – بين اعتبار الحاكم هو من تختاره الأمة مطلقاً، وبين الفقيه العادل.
ولما كان اعتبار الفقيه العادل حاكماً ثابت – كما سيأتي – واعتبار من تختاره الأمة حاكماً موضع شك.. يتعين اعتبار الفقيه العادل حاكماً.


2- (الدليل العقائدي):
ويتلخص:
بأن العقيدة الإسلامية تملي على المسلم وجوب القيام بتطبيق الإسلام في حياته.
والإسلام – كما هو واقعه – وكما يستفاد من استقراء أحكامه وتشريعاته – نظام كامل محتوٍ على جميع التشريعات التي تتطلبها الحياة في مختلف مجالاتها: فردية وجماعية.. اقتصادية واجتماعية وسياسية وغيرها.

ومن البديهي أن قسماً من هذه التشريعات أمثال: التشريعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لا يتم تطبيقها إلا عن طريق السلطة الحاكمة. وعليه.. فلابد من قيام دولة إسلامية عصر الغيبة.
ومن هنا عادت الحكومة الإسلامية من ضروريات الدين أيضاً.

وهنا.. نقول أيضاً: إن المسألة تدور بين أن يعود أمر الحكومة الإسلامية: إلى الأمة والى اختيارها..
أو إلى الفقيه العادل نيابة عن الإمام المنتظر عليه السلام صاحب الحق الشرعي في رئاسة الدولة.
وحيث قد ثبت الثاني – كما سيأتي – يكون هو المتعين.

3- (الدليل العقلي):
وموجزه: 
إن العقل الحاكم بلزوم نصب الإمام حاكماً للدولة الإسلامية والرئاسة العامة بعد النبي صلى الله عليه وآله لأجل حفظ الإسلام بصفته مبدأ، ورعاية شؤون المسلمين بصفتهم أمة..
إنه نفسه يحكم بلزوم نصب من يقوم مقامه حال غيبة للغاية نفسها.. وليس هو إلا الفقيه العادل لثبوت نيابته عن الإمام – كما سيأتي -.

يقول صاحب الجواهر في الاستدلال على وجوب إقامة الحدود من قبل الفقهاء: (إن المقتضي لإقامة الحد قائم في صورتي حضور الإمام وغيبته، وليست الحكمة عائدة إلى مقيمه (يعني به الإمام – عليه السلام -) قطعاً، فتكون عائدة إلى مستحقه، والى نوع المكلفين (يعني الأمة)..

وعلى التقديرين لابد من إقامته مطلقاً..
وثبوت النيابة لهم (يعني الفقهاء) في كثير من المواضع على وجه يظهر منه عدم الفرق بين مناصب الإمام أجمع..
بل يمكن دعوى المفروغية منه بين الأصحاب, فان كتبهم مملوءة بالرجوع إلى الحاكم، المراد به نائب الغيبة في سائر المواضع..

قال الكركي – في المحكي من رسالته التي ألفها في صلاة الجمعة -:
اتفق أصحابنا على أن الفقيه العادل الأمين الجامع لشرائط الفتوى – المعبّر عنه بالمجتهد في الأحكام الشرعية – نائب من قبل أئمة الهدى في حال الغيبة في جميع ما للنيابة فيه مدخل)6.
على أننا – فيما يبدو لي – إذا لم نلتزم بثبوت حكم العقل بلزوم نصب حاكم عام للدولة الإسلامية زمن الغيبة، يكون الدليل المشار إليه قاصراً عن إثبات الإمامة..

ويترتب عليه ما يلي:
1- انحصار دليل الإمامة بالنص بالدليل النقلي..
2- صحة الرأي الأول – على تقدير تمامية دليله – القائل برجوع أمر الحكومة في غير موارد النص – كما في زمن الغيبة – إلى المسلمين.
3- أو نقول: إن الغاية من نصب الإمام بعد النبي صلى الله عليه وآله عقلاً، هي: قيام الإمام بمهمة إتمام عملية التغيير الاجتماعي الشامل الذي استهدفه الإسلام بصفته حركة اجتماعية ثورية, وذلك لإنهاء فترة الانتقال حيث تتم فيها عملية التغيير الاجتماعي الشامل – إن تم دليل هذا الرأي-.

وفي ضوئه:
يعود أمر تشريع قضية الحكومة إلى الإمام الذي ستنتهي على يديه فترة الانتقال بإنهاء عملية التغيير الاجتماعي الشامل.
إلا أنه حيث لم توات الظروف التاريخية الأئمة عليهم السلام للقيام بمهمة إنهاء فترة الانتقال يعود الأمر إلى التماس الحكم من النصوص إن كانت،.. وإلا فمن العقل7.

ولما كان الدليل العقلي المشار إليه ثابتاً – كما هو مبرهن عليه في محله – فلابد من الأخذ بما ينهي إليه، وهو: حكم العقل بلزوم نصب حاكم عام للمسلمين زمن الغيبة, وليس هو إلا الفقيه العادل.
وذلك لدوران الأمر بين عدم النصب أو نصب الفقيه العادل.
حيث ثبت بطلان الأول (وهو عدم النصب) بالدليل العقلي المشار إليه، يتعين الثاني (وهو نصب الفقيه العادل).

4- (الدليل النقلي):
استدل بنصوص من الكتاب والسنة.. أهمها ما يلي:
أ- (من الكتاب):
استدل بأن الخطابات القرآنية الواردة في أمثال قوله تعالى: (فاجلدوا) – في آية حد الزني8 – ، وقوله تعالى: (فاقطعوا) – في آية حد السرقة9 ، مطلقة تشمل زماني الحضور والغيبة10.
ولم يرد ما يدل على تقييدها بزمن الحضور..
فإذن على عامة المسلمين امتثالها..

إلا أنه مع صدور الإذن من الأئمة عليهم السلام للفقهاء بتطبيق كثير من جوانب النظام الاجتماعي العام – التي هي من وظائف وصلاحيات الحاكم العام11 – الذي يفاد منه الإذن بالجميع, وذلك للقطع الذي يستفاد من سيرة الأئمة عليهم السلام، وحرصهم الشديد على القيام بأداء مسؤوليتهم من تبليغ الأحكام وتطبيقها.. يكون على الفقهاء القيام بامتثالها.
فيتعين – على ضوئه – نصب الفقيه العادل حاكماً عاماً للمسلمين من قبل الأئمة عليهم السلام.

يقول الفيض الكاشاني: (وكذا إقامة الحدود والتعزيرات وسائر السياسات الدينية، فان للفقهاء المؤمنين إقامتها في الغيبة بحق النيابة عنه عليه السلام..
لأنهم مأذونون من قبلهم عليهم السلام في أمثالها كالقضاء والإفتاء وغيرهما..
ولإطلاق أدلة وجوبها..
وعدم دليل على توقفه على حضوره عليه السلام12 .

ويقول السيد البروجردي: (إنه لما كان هذه الأمور والحوائج الاجتماعية مما يبتلى بها الجميع مدة عمرهم غالباً، ولم يكن الشيعة في عصر الأئمة متمكنين من الرجوع إليهم عليهم السلام في جميع الحالات، كما يشهد بذلك – مضافاً إلى تفرقهم في البلدان – عدم كون الأئمة مبسوطي اليد، بحيث يرجع إليهم في كل وقت، لأي حجة اتفقت، فلا محالة يحصل لنا القطع بأن أمثال: زرارة، ومحمد بن مسلم، وغيرهما من خواص الأئمة، سألوهم عمن يرجع إليه في مثل تلك الأمور العامة البلوى، التي لا يرضى الشارع بإهمالها، بل نصبوا لها من يرجع إليه شيعتهم إذا لم يتمكنوا منهم عليهم السلام، ولا سيما مع علمهم عليهم السلام بعدم تمكن أغلب الشيعة من الرجوع إليهم، بل عدم تمكن الجميع في عصر غيبتهم التي كانوا يخبرون عنها غالباً، ويهيئون شيعتهم لها..

وهل لأحد أن يحتمل انهم عليهم السلام نهوا شيعتهم عن الرجوع إلى الطواغيت وقضاة الجور، ومع ذلك أهملوا لهم هذه الأمور، ولم يعينوا من يرجع إليه الشيعة في فصل الخصومات، والتصرف في أموال الغيّب والقصّر، والدفاع عن حوزة الإسلام، ونحو ذلك من الأمور المهمة، التي لا يرضى الشارع بإهمالها؟..
وكيف كان.. فنحن نقطع بأن صحابة الأئمة عليهم السلام سألوهم عمن يرجع إليه الشيعة في تلك الأمور مع عدم التمكن. وإن الأئمة عليهم السلام أيضاً أجابوهم بذلك، ونصبوا للشيعة مع عدم التمكن منهم عليهم السلام أشخاصاً يتمكنون منهم إذا احتاجوا..

غاية الأمر سقوط تلك الأسئلة والأجوبة من الجوامع التي بأيدينا، ولم يصل إلينا إلا ما رواه عمر بن حنظلة وأبو خديجة.
وإذا ثبت بهذا البيان النصب من قبلهم عليهم السلام، وانهم لم يهملوا هذه الأمور المهمة، التي لا يرضى الشارع بإهمالها – ولا سيما مع إحاطتهم بحوائج شيعتهم في عصر الغيبة – فلا محالة يتعين الفقيه لذلك إذا لم يقل أحد بنصب غيره.

فالأمر يدور:
بين عدم النصب..
وبين نصب الفقيه العادل..
وإذا ثبت بطلان الأول – بما ذكرنا – صار نصب الفقيه مقطوعاً به..
ويصير مقبولة ابن حنظلة من شواهد ذلك..
وإن شئت ترتيب ذلك على النظم القياسي، فصورته هكذا:
إما أنه لم ينصب الأئمة عليهم السلام أحداً لهذه الأمور العامة البلوى..
وإما أن نصبوا الفقيه لها..
لكن الأول باطل، فثبت الثاني..
فهذا قياس استثنائي مؤلف من قضية منفصلة حقيقية، وحملية دلت على رفع المقدم، فينتج وضع التالي.. وهو المطلوب)13.

ويناقش بما خلاصته:
بأن الإذن من الأئمة عليهم السلام للفقهاء ببعض التصرفات العامة لا يستلزم الإذن بالجمعي،. لما سيأتي في مناقشة هذا الرأي بصورة عامة، من أن العقل – هنا – يستبعد نصب كل فقيه عادل لرئاسة الدولة لما يترتب عليه من محاذير.
ب – (من السنة):
استدل بروايات عدة، وعلى طوائف مختلفة..
وربما كان أهمها ما يلي:
1- مقبولة عمر بن حنظلة، وهي: (قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة، أيحل ذلك؟..
فقال: من تحاكم إلى الطاغوت فحكم له، فإنما يأخذ سحتاً، وإن كان حقه ثابت, لأنه أخذ بحكم الطاغوت، وقد أمر الله – عز وجل – أن يكفر به..
قلت: كيف يصنعان؟..
قال: انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فارضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنما بحكم الله استخف، وعلينا رد، والراد علينا راد على الله، وهو على حد الشرك بالله)14.

وخلاصة الاستدلال بها
إن قوله عليه السلام: (فإني قد جعلته عليكم حاكماً) ظاهر في إعطاء الولاية العامة للفقيه العادل، وذلك أن قوله عليه السلام: (جعلته) يفيد نصب الفقيه العادل من قبل الإمام عليه السلام.. .
وإن قوله عليه السلام: (حاكماً) ظاهر في إفادة الولاية العامة لمختلف المجالات والشؤون الاجتماعية العامة، حيث أن الحاكم – فيما يفهم من مدلول الكلمة -: (هو الذي يرجع إليه في جميع الأمور العامة الاجتماعية التي لا تكون من وظائف الأفراد، ولا يرضى الشارع – أيضاً – بإهمالها، ولو في عصر الغيبة، وعدم التمكن من الأئمة عليهم السلام)15.

ويناقش بما حاصله
(أولاً): إن الرواية واردة في القضاء، كما هو ظاهر السؤال حيث أنه يدور حول المنازعة في دين أو ميراث، فتعميم مدلولها إلى القضاء وسائر شؤون الحكم يفتقر إلى دليل، وبخاصة وأن الرواية في ملابساتها التاريخية واردة في نوع من القضايا التي تقع زمن الحضور من الأمور التي يستطيع الشيعة أن يستقلوا بها عن الرجوع إلى القضاة الرسميين والحكام آنذاك.

وفي ضوئه: فالتفكير من قبل الشيعة بأن يستقلوا بحكومة خاصة يرأسها الفقيه العادل بعيد جداً.ولعوامل أخر منها:
وجود الإمام..
ولما يبدو من الملابسات التاريخية للسؤال، حيث أنهم (أعني الشيعة) أمام أمر واقع من نفوذ سلطان الحكومات القائمة آنذاك، الشيء الذي يدعوهم إلى محاولة التخلص والخروج من عهدة التكليف ولو بهذه الصورة التجزيئية من التطبيق.

وأجيب عنه:
بأن التشريع الإسلامي لا يفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) فقد رأينا النبي (صلى الله عليه وآله)، ورأينا خلفاءه أمثال: الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يجمعون بين السلطات الثلاث، كما يثبت التاريخ ذلك، وكما هو ظاهر (من بعض الأخبار أنه كان شغل القضاء ملازماً عرفاً لتصدي سائر الأمور العامة البلوى، كما في خبر إسماعيل بن سعد عن الرضا عليه السلام: عن الرجل يموت بغير وصيّة وله ورثة صغار وكبار،.. أيحل شراء خدمه ومتاعه من غير أن يتولى القاضي بيع ذلك؟..)16.
فحمل الرواية على إرادة القضاء، وحده يتطلب إثبات استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، وذلك بعيد جداً..

إلاّ أنه يردّ:
بأن التشريع الإسلامي لا يفصل بين السلطات في منصب الخلافة، على اعتبار أن الجمع بين السلطات من حق الخليفة بصفته خليفة..
أما القاضي أو الفقيه العادل الذي نحاول إثبات نيابته العامة بأمثال هذه الرواية لا نستطيع الذهاب إلى أن التشريع الإسلامي لا يفصل بين السلطات في منصبه على اعتبار أنها من حقوقه بصفته قاضياً أو فقيه, لأنه لا دليل على ذلك.
بل لعل ما يفيده التاريخ الإسلامي هو استقلال القاضي بوظيفة القضاء وحده، أو بها وببعض الأمور التنفيذية التي ترتبط إلى حد كبير بالقضاء ،كما هو ظاهر سيرة القضاة المنصوبين من قبل الخلفاء.

و(ثانياً): بأن الظاهر من الحاكم هو (من له وظيفة الحكم بين الناس، فيختص بفصل الخصومة، أو مطلقاً فيشمل الفتوى، كما يناسبه العدول عن التعبير بالحكم إلى التعبير بالحاكم، حيث قال عليه السلام: فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً)17.
وبخاصة وان كلمة (حاكم) لم يثبت استعمالها بمدلولها الواسع زمن صدور الرواية.

2- مقبولة أو مشهورة أبي خديجة.. وهي: (قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضائنا، فاجعلوه بينكم، فإني قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه)18.
وأستدل بها على نصب الفقيه العادل حاكماً عاماً من قبل الإمام عليه السلام بما تضمنته من تحذير الإمام عليه السلام ونهيه أن يتحاكم إلى أهل الجور، ومن أمره عليه السلام بالرجوع إلى الفقيه، وبتصريحه بجعله قاضياً ليتحاكم إليه، ولا فصل بين القضاء وبقية شؤون الحكم الأخرى في التشريع الإسلامي – كما تقدم -.
وفي ضوئه: فنصبه عليه السلام الفقيه قاضياً لا يعني إرادة القضاء وحده، بعد علمنا بعدم الفصل بين سلطتي القضاء والتنفيذ.

ونوقش بما يلي:
بأن الجميع بين السلطات من حقوق الخليفة، وليس من حقوق القاضي – كما مر في مناقشة الرواية قبلها -، فجعل الفقيه قاضياً (إنما يقتضي أن يكون له وظيفة القضاة من فصل الخصوّمة فقط، أو ما يعمه وبعض الأمور الأخر، مثل الولاية على أخذ الحق من المماطل، وحبسه، وبيع ماله، والتصرف في مال القصير، ونصب القيّم عليه، ونحو ذلك مما ثبت كونه من وظائف القضاة في عصر صدور الرواية المذكورة)19.

3- التوقيع الشريف الصادر من الإمام المنتظر عليه السلام إلى الشيخ المفيد.. وهو: (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فانهم حجتي عليكم وأنا حجة الله تعالى)20.

وملخص الاستدلال به:
إن الرواية ظاهرة في إرادة كون الفقيه حجة فيما فيه الإمام عليه السلام حجة الله على المسلمين، ومنها – كما هو بديهي – تولي شؤون الحكم العامة21.
هذا على المشهور من متن الرواية المتضمن عبارة (حجتي)..
أما على ما في بعض الكتب حيث تضمنت الرواية عبارة (خليفتي) بدل (حجتي)22، تكون (أشد ظهوراً، ضرورة معلومية كون المراد من الخليفة عموم الولاية عرفاً، نحو قوله تعالى: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق)..)23.

ونوقش:
بأن (إجمال الحوادث المسؤول عنها مانع من التمسك به، إذ من المحتمل أن يكون المراد منها الحوادث المجهولة الحكم)24.
والذي يؤخذ على هذا القول بصورة عامة:
هو أن الإطلاقات القرآنية التي استدل بها – هنا – لا تدل على أكثر من وجوب تطبيق النظام من قبل عامة المسلمين.
وان النصوص التي استدل بها على نصب الفقيه العادل لتكون مقيدة لإطلاقات القرآن غير وافية بذلك.

يضاف إليه:
إن نصوص السنة – على تقدير تمامية دلالتها على نصب الفقيه العادل – تدل على نصب مطلق الفقيه العادل،.. فتكون رئاسة الدولة – على ضوئه – من حق كل فقيه..
وهو أمر أقل ما ينجم عنه الفوضى في إشغال المنصب والقيام بالتطبيق – كما سألمح إليه -.
وكذلك الأدلة الأخرى (العقلي والعقائدي والاجتماعي التاريخي) لا تدل على أكثر من لزوم وجود حكومة إسلامية زمن الغيبة، لما فيها من إطلاق يشمل زماني الحضور والغيبة،..
وذلك لأن اعتبار الفقيه العادل حاكماً موقوف على تمامية دلالة ما استدل به من نصوص السنة على ذلك، لتكون مقيدة لذلك الإطلاق، وهي غير ناهضة: لقصور ظهورها في إعطاء الولاية العامة للفقيه العادل..
ولما يرد عليها من محذور – إن تمت دلالتها – كما أشرت إليه..
فإذن.. لابد من التماس مقيد لتلكم الإطلاقات ينهض بتعيين الحاكم الأعلى للدولة الإسلامية،.. وهو ما سنقف عليه في القول الآتي.

3- الحاكم الأعلى هو الأعلم
ونعني بالأعلم – هنا – الأعلم المطلق، وهو (الأفقه).
ويشترط فيه: توفره على العدالة.. لأنها شرط أساسي في أمثال منصب الرئاسة العامة.

وخلاصة ما استدل به لهذا القول:
إن إطلاق الأدلة الأربعة المتقدمة في القول الثاني (الاجتماعي، التاريخي، والعقائدي، والعقلي، والإطلاقات القرآنية) – التي مر ثبوت تمامية دلالتها على إلزام المسلمين بإيجاد حكومة إسلامية زمن الغيبة -.
إن إطلاقها يقيد بالنص الوارد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، والذي يفيد تعيين (الأعلم) المطلق حاكماً عاماً، وهو:
(إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به)25.

ونوقش:
بأن الأولوية في النص مجملة فلا يستطاع الأخذ بهما.

وردت:
بأن الأولوية – هنا ظاهرة في قيام الأعلم مقام الأنبياء منصب رئاسة الأمة، لمناسبة الحكم للموضوع.
على أنه إذا لم يوقف على نص خاص يوضح للمسلمين كيفية امتثال هذا التكليف، يرجع في أمثاله – عادة – إلى حكم ا لعقل..

والصور التي يراها العقل محتملة – هنا – هي ما يلي:
1- أن يراد الامتثال من الجميع.
2- أن يراد الامتثال من كل فرد من أفراد المسلمين.
و بعبارة أوضح: أن يجعل الامتثال – هنا – من حق كل فرد من المسلمين.
3- أن يراد الامتثال من البعض فقط.

وهذه الصورة الأخيرة تتفرع إلى ما يلي:
أ- أن يسند الامتثال من يختاره المسلمون عامة, لأن الخطاب بالامتثال موجه إليهم جميعاً.. (وهو القول الأول).
ب – أن يسند الامتثال إلى الفقيه العادل لثبوت نيابته عن الإمام عليه السلام في الجملة.. (وهو القول الثاني).
ج – أن يسند الامتثال إلى الأعلم، لأنه القدر المتيقن – هنا -.. (وهو القول الثالث).

وفي الصورة الأولى: لا يتحقق الامتثال، إما لاستحالته من الجميع، أو لعسره على أقل تقدير.
وفي الصورة الثانية: إن اقل ما ينجم عن الامتثال من محذور يمنع من تحققه هو شيوع الفوضى،.. وهو واضح.

وفي الفرع الأول من الصورة الثالثة:
 يؤخذ عليه ما تقدم في المناقشة حوله عند الحديث عن القول الأول.
وفي الفرع الثاني من الصورة الثالثة: يؤخذ عليه ما سلف في المناقشة حوله عند الحديث عن القول الثاني. 
فيتعين الفرع الثالث لبطلان ما عداه، وانحصار الامتثال به، بوصفه قدراً متيقناً في البيّن.
ويدعمه الدليل العقلي الذي يلزم بتقليد الأعلم للاطمئنان بتوفر المؤمّن والمعذّر بالرجوع إليه 26.


1- السيد محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج4 ص 130. 
2- المصدر السابق / الطباطبائي، ص 130. 
3- الآيات هي:
أ- وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول .. (التغابن 12)
ب – لتحكم بين الناس بما أراك الله.. (النساء 105)
ج – النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم.. (الأحزاب 6)
د – قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله.. (أل عمران 31).
يراجع المصدر السابق : الطباطبائي، ص 129. 
4- المصدر السابق / الطباطبائي، ص 132. 
5- المصدر السابق ص 52. 
6- المصدر السابق ص 618. 
7- الرأي المشار إليه لأستاذي الجليل العلامة المحقق السيد محمد تقي الحكيم.
تراجع: محاضراته في التاريخ الإسلامي على طلبة كلية الفقه.
8-  الآية 2 من سورة النور. 
9- الآية 38 من سورة المائدة.
10- يراجع: الجواهر، ص 617. 
11- للتعرف على تلك الموارد المأذون فيها يقرأ: السيد المراغي، ص 353.. والسيد آل بحر العلوم، ص 384. 
12- كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
13-المصدر السابق ص 55، 56، 57. 
14- الحر العاملي، وسائل الشيعة إلى تفصيل أحكام الشريعة، مج 3، كتاب القضاء، باب أنه يشترط فيه الإيمان والعدالة.
15- البروجردي، ص 57. 
16- المصدر السابق.
17- الإمام الحكيم، نهج الفقاهة، ج1 ص 300. 
18- الحر العاملي، المصدر السابق.
19- الإمام الحكيم، المصدر السابق.
20- الجواهر، ص 617.. وفيما يرويه السيد صدر الدين الصدر (وأن حجة الله عليهم) تقرأ: ص 182. 
21- يراجع: الجواهر، ص 617. 
22- يقرأ: الجواهر، ص 617. 
23- المصدر السابق .
24- الإمام الحكيم، ص 300، 301. 
25- نهج البلاغة، مج 4 ص 283. 
26- دولة القائم المنتظر / العلامة عبد الهادي الفضلي .

المصدر:شبكة المعارف الاسلامية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى