الباحث: محمد حاكم الكريطي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين، وبعد:
قال الإمام علي ( عليه السلام ) : (عجب المرء بنفسه أحد حساد عقله ).[1]
إن النفس على قربها الوجودي أو التكويني من الإنسان فهي مع ذلك أشد خطرا على الإنسان نفسه, وهي أقرب ما تكون للقوة العاطفية من العقلية, وهذه القرابة بدورها تمكنت من إزواء العقل قسرا في الذوات التي رضيت بأن تكون النفس حاضرة محل العقل, هذا إذا كانت إرادة الإنسان ضعيفة وقد كان للعاطفة في ذاته دورٌ مكّن النفس من فرض سطوتها على العقل, وهذا ما يُحذر منه الإمام (عليه السلام) ومن قبله القرآن الكريم والنبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله), إذ نهى الله تبارك وتعالى من إتباع النفس في القرآن الكريم عددا من المرات مع تغاير بالألفاظ, نهى عن إتباع النفس مرة وأخرى عن إتباع الهوى, فالهوى هو مركز للنفس فهو الوجود المادي المقابل للوجود المعنوي وهو النفس, فقد قال تعالى مخبرا عن نزوات النفس: ((وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ))[2] , وما جاء على لسان نبيه يوسف (عليه السلام) ما هو إلا دلالة شاملة على نفوس الخلق أجمعين, وتجلت عظمة الله تبارك وتعالى في خلق النفس, فلولاها لم يكن هناك فضل لدخول الإنسان الجنة ولا يستلزم دخوله النار, فوجود النفس داخل الإنسان هي لإحداث شيء من الصراع الداخلي في ذات الإنسان بين قواه الداخلية, العقلية والعاطفية والغضبية, وضمن هذا الصراع لابد أن يكون هناك من منتصر, وإلّا لو كان خلق ابن ادم روح مجردة, لكان أشبه بالملائكة ولم يكن له منقبة تحسب في دخوله الجنة, ذلك لأن الذي أوصله إلى هذا المقام هو خلو ذاته من الدافع الخصم للعقل وهو النفس, ويبقى العقل هو صاحب القول الفصل ولا يمكن له إلا أن يقول خيرا لعدم وجود الشر أصلا ضمن حيز الوجود , يقابل هذا لولا وجود العقل وكانت النفس هي صاحبة الشأن في هذا المقام , لم تكن هناك نار , أو ليس من الحق أن يدخل الإنسان فيها وهذا يتنافى مع عدل الله العظيم, إذن إذا كانت الجنة والنار هما الهدف والغاية فإن العقل والنفس هما الوسيلتان اللتان تحدوان الناس اليهما أي الى الجنة والنار, وهذا الصراع الدرامي هو المحرك الذي يقف وراء سير الأحداث باتجاه مصائر الإنسان الحتمية , فمتى ما كان العقل منتصرا باتحاده مع القلب ليكّون من ذلك وجدانا فيه ترتكز كل الأشياء المنطقية من عمل في الدنيا أو تقديم للآخرة. وإذا رجعنا إلى كلام الإمام (عليه السلام) : إعجاب المرء بنفسه أحد حسّاد عقله. وهذا يدلنا أن إعجاب المرء بنفسه هو ما يجعل الشخص يقف إلى جانب نفسه خاضعا لسطوتها ونزواتها, مضعفا لدور عقله الذي لابد أن يكون له السلطان عليه وهي من تنقاد له لا بالعكس, لذلك لابد أن يكون المرء كما قال الإمام (عليه السلام) في موضع آخر من نهج البلاغة : ( ومن رضي عن نفسه كثر الساخط عليه )[3], ولأن كلامه (عليه السلام) هو من وحي القرآن ويتمم بعضه بعضا كما كانت هذه الميزة للقرآن الكريم لابد أن تكون لقوله (عليه السلام) الذي هو قطعا شبيه القرآن في كل شيء وهذا ما يثبت نفسه في نهج البلاغة. فرضا الإنسان عن نفسه في قوله (عليه السلام) هو إتمام لقوله (عليه السلام) إعجاب المرء بنفسه, فكثرة ذلك الإعجاب هو ما أفضى إلى الرضا عن النفس، وهذا كان سببا لنتيجة سخط الناس عليه . فالإمام (عليه السلام) لم يكن محذرا من النفس وعواقبها عند الله تبارك وتعالى بل ألفت أنظار الناس إلى الناس أنفسهم وحذّرهم من إتباع النفوس خوفا من سخط نفوس الآخرين عليهم, لأن الإنسان يعيش على طول الأمل ولو أنه (عليه السلام) بقي محذرا من عذاب الله للراضين عن أنفسهم يمكن أن يكون صدى قوله (عليه السلام) أقل من أثره عندما ذكرهم بسخط الناس عليهم.
الهوامش:
[1] – نهج البلاغة , قصار الحكم : 523
[2] – سورة يوسف : 53
[3] – نهج البلاغة : 4/4.
المصدر: http://inahj.org