مناسبات

حقيقة ليلة القدر

ليلة القدر هي:

1- ليلة نزول القرآن الكريم.

2- ليلة نزول الملائكة والروح.

3- ليلة الخير العظيم.

1- ليلة نزول القرآن

إنّ نزول القرآن الكريم كان على نوعين:

الأول: نزول تدريجي بحسب المناسبات، وهو الذي استمرّ طيلة ثلاث وعشرين سنة، وهي مدة بعثة النبي الأعظم (ص)، ويعبّر عن هذا النزول بالتنزيل، قال تعالى: ” وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً[1].

وقال تعالى: ” إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[2].

وقد ابتدأ تنزيل القرآن الكريم في السابع والعشرين من شهر رجب، ولذا أطلق عليه يوم المبعث النبوي الشريف.

الثاني:نزول دفعي بحيث نزلت حقيقة القرآن الكريم بغض النظر عن صياغته التفصيلية على قلب رسول الله (ص) قال تعالى: “نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ”[3].

ويعبّر عن هذا النزول بالإنزال، قال تعالى: “إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ”[4].

قال الإمام الخميني (ره): “هذا القرآن النازل في ليلة القدر هو ذلك القرآن العلمي في السرّ المكنون والغيب في النشأة العلية قد أنزلناه عن تلك المراتب وكان متحداً في مقامه مع الذات”[5].

إنّ ليلة القدر باعتبار نزول القرآن هي ليلة تاريخية عظيمة، من الممدوح أن تحيى مناسبتها، إلا أنّها بالمعنى الآتي هي ليلة سنوية ذات حياة مستمرة، بل هي ناظرة إلى المستقبل الآتي.

2- ليلة نزول الملائكة والروح

قال الله تعالى: ” تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا[6].

من المعلوم أنّ الملائكة هي موجودات مجرَّدة عن المادة، لذا فإنّ تنزّلها الوارد في هذه الآية هو تنزّل غير مادي بل تجرُّدي لتحقيق ما أراده الله تعالى، ألا وهو تقدير الأمور خلال سنة قال الله تعالى: “فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا[7].وفي الحديث عن الإمام أبي جعفر (ع) في تفسيره لقوله تعالى: ” تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بإِذن رَبِّهِم مِنْ كُلِّ أَمْر[8]قال: “تنزّل فيها الملائكة والكتبة إلى السماء الدنيا، فيكتبون ما يكون في السنة من أمره، وما يصيب العباد، والأمر عنده موقوف له فيه المشيّة، فيقدّم ما يشاء، ويؤخّر ما يشاء، ويثبت، وعنده أم الكتاب”[9].

من هو الروح؟

قال الإمام الخميني (ره): “اعلم أن الروح الأعظم هو خلق أعظم من ملائكة الله، بمعنى أنه واقع في الرتبة الأولى من ملائكة الله وأشرف وأعظم من الكلّ.

النزول والصعود لهم  [أي الملائكة] بالمعنى الذي للأجسام مستحيل لأنّ المجرد مبرأ ومنزه عن لوازم الأجسام فتنزلهم أعم من أن يكون في مرتبة القلب أو الصدر أو الحس المشترك للولي أو أن يكون في بقاع الأرض والكعبة وحول قبر رسول الله أو في البيت المعمور بطريقة التمثّل الملكوتي أو الملكي كما قال تعالى في شأن تنزل الروح الأمين على مريم. فتمثل لها بشراً سوياً كما أن للأولياء الكمّل أيضاً يمكن أن يكون تمثل ملكوتي وتروّج جبروتي فلملائكة الله استطاعة الدخول في الملك والملكوت وقدرته وقوته على نحو التمثل، وللكمّل من الأولياء قدرة الدخول في الملكوت والجبروت على طور التروّح، والرجوع من الظاهر إلى الباطن.

وليعلم أنه لا يمكن تمثل الجبروتيّين والملكوتيّين في قلب البشر وصدره وحسه المشترك إلا بعد خروجه من الجلباب البشري وحصول المناسبة بينه وبين تلك العوالم، وإلا فما دامت النفس مشتغلة بالتدبيرات الملكية وغافلة عن تلك العوالم لا يمكن أن تحصل لها هذه المشاهدات أو التمثلات، وربما يمكن أن نفوس الأولياء الكمل بعد انسلاخها عن العوالم ومشاهدة الروح الأعظم أو سائر ملائكة الله تصحو وتحفظ حضرات الغيب والشهادة بواسطة قوتها، وفي هذه الصورة تشاهد حقائق الجبروتيين في جميع النشآت في آن واحد وربما يحصل تنزل الملائكة بقدرة الولي الكامل بنفسه والله العالم.

ثم قال اعلم أن ليلة القدر حيث أنها ليلة مكاشفة رسول الله وأئمة الهدى عليهم السلام فلهذا تنكشف لهم جميع الأمور الملكية عن غيب الملكوت وتظهر لهم الملائكة الموكلة بكل أمر من الأمور لحضراتهم في نشأة الغيب وعالم القلب وتنكشف وتعلم لهم جميع الأمور التي قدرت للخلائق في مدة السنة وكتبت في الألواح العالية والسافلة على نحو الكتابة الملكوتية والاستجنان الوجودي، وهذه المكاشفة مكاشفة ملكوتية محيطة بجميع ذات عالم الطبيعة ولا يخفي لولي الأمر شيء من أمور الرعية[10].

على من تنزل الملائكة؟

يؤكّد الإمام الخميني (قده) أن تنزّل ملائكة التقدير بما أنّه ليس مادياً لكونها مجرَّدة، فلا بدّ أن يكون تنزّلها على من يناسب التجرُّد، وبما أنّ نفس الإنسان الكامل يمكن أن تتروَّح، أي يصعد كروح مبتعدة عن المادة فإنّ تنزّل الملائكة يكون على النفس المتروّحة للإنسان الكامل، وهذا يعني أنّ ليلة القدر هي ليلة الوصال بين الملائكة والوليّ الأعظم.

وقد أشارت روايات عديدة إلى هذا المعنى:

– فعن الإمام أبي جعفر (ع): “إنّما يأتي بالأمر من الله في ليالي القدر إلى النبيّ (ص)، وإلى الأوصياء: إفعل كذا وكذا”[11].

– وعنه (ع) أيضاً: “ينزل في ليلة القدر إلى وليِّ الأمر تفسير الأمور سنة سنة، يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا وكذا، وفي أمر الناس بكذا وكذا”[12].

وفي تفسير القمي: “تنزل الملائكة وروح القدس على إمام الزمان ويدفعون إليه ما كتبوه”[13].

من هنا ورد عن الإمام الصادق (ع) في مقام حديثه عن معراج رسول الله (ص): “ثم أوحى الله عز وجل: إقرأ يا محمد نسبة ربّك تبارك وتعالى: الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد… ثم أوحى الله إليه: إقرأ: إنّا أنزلناه؛ فإنّها نسبتك، ونسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة”[14].

إذاً تقدير الأمور من الله تعالى يبلِّغ به وليّ الأمر المتمثِّل بالنبي (ص) في عصره والأئمة (ع) من بعده، ولعلّه لهذه الخلفية كان التأكيد في أعمال ليلة القدر على الصلاة على محمد وآل محمد والدعاء للإمام المهدي (عج).

3- ليلة الخير العظيم

يكفي في عظمة ليلة القدر أنّ الله تعالى وصفها بأنّها خير من ألف شهر أي أفضل من 83 سنة. وقد ورد عن ابن عباس في تفسير هذا الأمر أنّه “ذكر لرسول الله (ص) رجل من بني إسرائيل أنّه حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله ألف شهر، فعجب من ذلك عجباً شديداً، وتمنّى أن يكون ذلك في أمّته، فقال: يا رب، جعلت أمتي أقصر الأمم أعماراً، وأقلّها أعمالاً، فأعطاه الله ليلة القدر، وقال: ليلة القدر خير من ألف شهر الذي حمل الإسرائيليّ السلاح في سبيل الله[15].

وعن الرسول الأكرم (ع): “العمل فيها خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر”[16].

وقد ورد في فضل ليلة القدر روايات عديدة نذكر منها:

1- ما رُوي عن النبيّ الأعظم (ص): “قال موسى: إلهي أريد قربك، قال: قربي لمن استيقظ في ليلة القدر، قال: إلهي أريد رحمتك، قال: رحمتي لمن رحم المساكين ليلة القدر، قال: إلهي أريد الجواز على الصراط، قال: ذلك لمن تصدّق بصدقة في ليلة القدر، قال: إلهي أريد النجاة من النار، قال: ذلك لمن استغفر في ليلة القدر، قال: إلهي أريد رضاك، قال: رضاي لمن صلى ركعتين في ليلة القدر”[17].

2- ما ورد عن الرسول الأكرم (ص): “تفتح أبواب السماء في ليلة القدرة فما من عبد يصلي فيها إلا كتب الله تعالى له بكلّ سجدة شجرة في الجنة، لو يسير الراكب في ظلّها مائة عام لا يقطعها، وبكلّ ركعة بيتاً في الجنة من درّ و ياقوت وزبرجد ولؤلؤ، وبكلّ آية تاجاً من تيجان الجنة، وبكل تسبيحة طايراً من العجب، وبكلّ جلسة درجة من درجات الجنة، وبكل تشهّد غرفة من غرفات الجنة، وبكلّ تسليمة حلّة من حلل الجنّة ، فإذا انفجر عمود الصبح أعطاه الله من الكواعب المألّفات والجواري المهذبات، والغلمان المخلدين، والنجائب المطيّرات، والرياحين المعطّرات، والأنهار الجاريات، والنعيم الراضيات، و التحف والهديّات، والخلع والكرامات، وما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين، وأنتم فيها خالدون”[18].

3- وما ورد عن الإمام الباقر (ع): ” من أحيا ليلة القدر غفرت له ذنوبه، ولو كانت ذنوبه عدد نجوم السماء، ومثاقيل الجبال، ومكائيل البحار”[19].

ليلة القدر وسرُّ التسمية

بناءًا على ما سبق فُسِّر معنى ليلة القدر بما يأتي:

1- أنّها صاحبة قدر (أي منزلة)، نزل فيها القرآن وهو صاحب قدر، بتوسط ملك صاحب قدر، لأمّة صاحبة قدر.

2- لأجل تقدير الأمور والآجال وأرزاق الناس فيها.

3- لأنّ الأرض تضيق بواسطة كثرة الملائكة من باب قدر عليه رزقه أي ضيّق.

متى هي ليلة القدر؟

أ- 19-21-23

ورد عن الإمام الصادق (ع) حينما سئل عن تحديد ليلة القدر بقوله: “أطلبها في تسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين”[20].

إذاً الترديد بين الليالي الثلاث هو ليس بسبب التعارض بين الروايات، بل إنَّ المعصوم (ع) هو الذي طلب أن تُحيى في ثلاث ليال، وهذا الأمر إمّا لأجل التربية على الاحتياط في طلب الكمال والمقامات في المستحبات، وإمّا أنَّ هناك سراً يتعلّق بالليالي الثلاث، وهو ما ورد فيه حديث عن الإمام الصادق (ع): “التقدير في تسع عشر، والإبرام في ليلة إحدى وعشرين، والإمضاء في ليلة ثلاث وعشرين”[21].

ب- 21-23

في بعض الروايات تضييق نطاق الترديد إلى ليلتين، بدل ثلاث ليال، ففي حديث الإمام الباقر (ع)، حينما سئل عن تحديد ليلة القدر، أجاب: “هي ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين”[22]، وكذا في جوابه (ع) حينما سأله عبد الواحد الأنصاري في أيّة ليلة هي، فقال (ع):”في ليلتين، ليلة ثلاث وعشرين، وإحدى وعشرين، فسأله عبد الواحد: أفرد لي ليلة. فقال (ع): وما عليك أن تعمل في ليلتين هي إحداهما”[23].

ج- 23

 ورد عن الإمام الباقر(ع): “أنّ الجهني أتى النبي (ص) فقال : يا رسول الله إنّ لي إبلاً وغنماً وغلمة وعملة فأحب أن تأمرني ليلة أدخل فيها فأشهد الصلاة – وذلك في شهر رمضان – فدعاه رسول الله (ص) فساره في أذنه، فكان الجهني إذا كان ليلة ثلاث وعشرين دخل بإبله وغنمه وأهله إلى مكانه”[24].

قال السيد العابد ابن طاووس في الإقبال: “اعلم أن هذه الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان، وردت أخبار صريحة بأنّها ليلة القدر على الكشف والبيان. فمن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى سفيان بن السمط، قال: قلت لأبي عبد الله (ع) أفرد لي ليلة القدر، قال: ليلة ثلاث وعشرين”[25].

“اللهم صل على محمد وآل محمد ووفقني فيه لليلة القدر على أفضل حال تحب أن يكون عليها أحد من أوليائك وأرضاها لك، ثم اجعلها لي خيراً من ألف شهر، وارزقني فيها أفضل ما رزقت أحداً ممن بلغته إياها وأكرمته بها، واجعلني فيها من عتقائك من النار وسعداء خلقك، الذين أغنيتهم وأوسعت عليهم من الرزق ، وصنتهم من بين خلقك ولم تبتلهم، وممن مننت عليهم، برحمتك ومغفرتك ورأفتك وتحننك وإجابتك ورضاك، ومحبتك وعفوك، وطولك وقدرتك لا إله إلا أنت، برحمتك يا ارحم الراحمين”[26].


[1]سورة الإسراء، الآية106.

[2]سورة الحجر، الآية9.

[3]سورة الشعراء، الآيتان، 193- 194.

[4]سورة القدر، الآية1.

[5]الإمام الخميني، روح الله، الآداب المعنوية للصلاة، ترجمة أحمد الفهري، ط2، بيروت، الأعلمي، 1986 م، ص493.

[6]سورة القدر، الآية4.

[7]سورة الدخان، الآيتان3-4.

[8]نفس المصدر.

[9]المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج94، ص 9.

[10]الإمام الخميني، روح الله، الآداب المعنوية للصلاة، ص510-512.

[11]المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج17، ص135.

[12]نفس المصدر، ج24، ص183.

[13]نفس المصدر، ج94، ص14.

[14]البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج5، ص 10-11.

[15]الفيض الكاشاني، التفسير الصافي، ط2، طهران، مكتبة الصدر، 1416هـ، ج5، 352.

[16]المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج25، ص 80.

[17]نفس المصدر، ج95، ص145.

[18]المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 95،  ص 145.

[19]نفس المصدر، ص146.

[20]البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج9، ص45.

[21]الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج4، 159.

[22]البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج9، ص41

[23]نفس المصدر، ص43.

[24]الطوسي، تهذيب الأحكام، تحقيق حسن الموسوي الخرسان، ط4، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1365ش، ج4، ص330.

[25]ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج1، ص 374.

[26]ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج1، ص83-84.

المصدر:شبكة القائم (عج)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى