التعليممقالات

اهمية الادارة في الاسلام …

ممّا لا شكّ فيه أنّ الإدارة هي عبارة عن فنّ القيادة للعمل الذي يتولاّه أيّ إنسانٍ كان بغضَّ النظر عن حجم العمل ونوعيّته، لأنّ الإدارة هي عبارة عن حُسنِ سير العمل بما يحقّق الأهداف والغايات المرجوّة منه.
من هنا كانت الحاجة ماسّة في حركة الإسلام وانتشاره إلى معرفة هذا الفن بكلّ جوانبه في أيّ حقلٍ من حقول العمل الإسلاميّ، وذلك لأنّ مضمون العمل الرسالي هو التبليغ للدين الإلهي ضمن المجتمعات الإسلامية أو الإنسانية بوجهٍ عام، وهذا المضمون ينبغي أن يتحقّق ويتجوهر ويبرز في حركة العاملين.
ولا ريب أنّ الإدارة من منظورنا الإسلامي تتميّز عن غيرها من أنواع العمل الإداري البحت بأنّها ذات مضمون وبُعدٍ إيماني وأخلاقي وتربوي باعتبار الإسلام نفسه الذي يستوعب نوعي الحركة المادية والمعنوية معاً للحياة بما هي مرحلة انتقالية إلى الحياة الحقيقية في عالم الآخرة عند المليك المقتدر.
من هنا يمكن أن نعتبر أنّ الإلتزام بالإسلام قلباً وقالباً، شكلاً ومضموناً، من أهمّ الشروط المعتبرة في كلّ من يتولّى عملاً إدارياً، لأنّ هذا الشرط هو الضمانة الأولى والأساس لعدم استغلال الموقع الإداري وتسخيره لهدف الفرد، ولأنّ هذا الشرط هو الذي يحقّق الإنطلاق الصحيح من موقع المسؤولية الشرعية الإلهية نحو الأهداف المحدّدة لنوع العمل المطلوب من ذلك الموقع الإداري المعين.
ومن الأمور المهمّة في شخصية المدير هي تمتّعه بالذوق الأخلاقي الرفيع الذي يسمح له باستيعاب الناس الذين يديرهم، فلا استعلاء ولا تكبّر ولا تحقير لمقام الآخرين، بل أخلاقية العمل الإداري تفرض ممّن يمارس هذا النوع من العمل أن يُشعِر الآخرين بأبوّتِه لهم وتواضعه منهم وقربه أيضاً، مع لين المعاملة والقدرة على امتصاص السلبيات التي تحصل عادة في أغلبية مواقع العمل بين العاملين أنفسهم من جهة، أو بينهم وبين مسؤوليهم من جهةٍ أخرى، فالتعامل الأخلاقي هو الوسيلة الأفضل لتحقيق روحية الدمج والإنسجام والتكتّل لإنجاح العمل.
أمّا إذا كان المدير سيّء الخلق ضيّق الصدر وغير صبور فإنّه يمكن أن يؤدّي إلى زعزعة العمل وإلى شرذمته وإلى صرف جهود وطاقات في غير محلّها، فضلاً عن المشاكل الأخلاقية والتربوية والمفاسد السلوكية التي يرتّبها وجود مثل هذا المدير غير المتمتّع بالمواصفات الأخلاقية.
ولا شكّ أنّ الإدارة بكلّ مستوياتها تفترض الخبرة الكافية والمقدرة الذاتية على النهوض بأعبائها، ولهذا لا يمكن تسليم أيّ عملٍ إداري لإنسان عشوائي من دون تنظيم وتدبير لما يدير، وقد ورد عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا المجال: (إنّي لا أخاف على أمّتي الفقر ولكنّي أخاف عليهم سوء التدبير) الذي يعني وضع الرجل غير المناسب في موقع المسؤولية، ممّا قد يرتّب أخطاراً على المسيرة كلّها أو يعيقها عن التقدّم المخطّط لها.
ومن الأمور المعتبرة في شخصية الإنسان الإداري الناجح هو أن لا يكون مستبدّاً برأيه ومتعصّباً لقناعاته، بل عليه أن يجعل من المشورة مع أهل الرأي والخبرة وسيلة من وسائل إنضاج إدارته وحسن تنفيذه للمهام، وهذه المشورة هي دليل تعقّل ودليل واقعية هذا المدير الذي يريد أن يكون صادقاً مع نفسه وأميناً بلحاظ العمل الذي يديره ويتحمّل مسؤوليته.
ومن الواجبات الأساسية للمدير الناجح هو عدم تخطّي حدود مسؤوليّته وتجاوز القواعد التي تضبط حركة عمله مع حركة عمل الآخرين، لأنّ مثل هذا التجاوز هو تعبير عملي عن عدم احترام الآخرين في مسؤولياتهم ومواقعهم الإدارية، إذ ما معنى أن تضع إنساناً مسؤولاً عن عمل ما ثمّ تتجاوزه ولا تعتبر وجوده من خلال ممارستك لعمله إذا كان يقوم بأعباء عمله على الوجه الأكمل والمحقّق للهدف؟ ألا يكون هذا إلغاءً لوجوده وسحقاً لشخصيّته خاصة أمام العاملين تحت إدارته وإمرته وداخلين ضمن نطاق مسؤوليّته.
إنّنا نعتقد بأنّ أحد أهم شروط العمل الإداري الناجح هو وقوف الإنسان عند حدود إدارته لما هو مطلوب منه، لأنّ هذا واجبه الأساس والمطالب به قبل غيره، لأنّ الفوضى في العمل الإداري لا يمكن أن تحقّق نجاحاً وإن توهم البعض ذلك أحياناً أو حصل في الواقع أحياناً أخرى، بل هو مفسد لأيّ مسيرة صغيرة أو كبيرة، خطيرة أو حقيرة على المدى البعيد، مع أنّنا نرى أنّ الإسلام قد وضع لكلّ شيء نظاماً كما في حال الصلاة مثلاً، فلا يمكنك أن تصلّي الظهر والعصر صباحاً بنية الوجوب أو أن تنتظر خروج الشمس لتصلّي الصبح قضاءً فهذا لا يجوز إذا كانت شروط الأداء متحقّقة ككون الإنسان مستيقظاً عند الفجر وقادراً غير عاجز ومتمكّناً من تحصيل الطهارة.
ولا يفوتنا في هذا المجال أن نذكّر بضرورة أن يدرس الأخوة بتدبير وإمعان كبيرين مسيرة حياة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، ذلك المدير الأول الذي أثبت نجاحاً منقطع النظير في إدارة شؤون الرسالة من جهة والمجتمع الإسلامي الأول من الناحية الأخرى، وفي سيرته العطرة مجال رحب للإستفادة منها لواقعنا العملي في مجال الإدارة وحسن التنظيم والإستفادة من الطاقات واستغلال القدرات والإمكانيات ولو كانت قليلة في الوصول إلى الأهداف المنشودة، ولا يفوتنا أيضاً الرجوع إلى سيرة الإمام الخميني العظيم “قدس سره” الذي استطاع بحسب إدارته وقيادته أن يقود ثورة إسلامية شعبية عارمة ضمن جو عالمي عاصف واقع في حرب باردة ضروس بين الشرق والغرب، واستطاع أن ينتصر على أقدم إمبراطورية معروفة في العالم، ومن دون أن يقع في براثن الغرب والشرق، وانطلق بها مثبتاً لها في عالم متكالب عليها ومصمّم على إزالتها أو على الأقل تحجيمها، ومع هذا كلّه تجاوز بها كلّ الأخطار، ووصل بها إلى شاطئ الأمان وسلّمها بإرشاداته اللطيفة إلى المعنيين لولي أمر المسلمين الفعلي آية الله السيد القائد الخامنئي حفظه الله ورعاه وحماه.
هذه جمل قصيرة نكتفي بها في مقام الإشارة إلى أهمية العمل الإداري وقيمته المعنوية والرسالية الكبيرة التي نسأل الله للأخوة جميعاً التوفيق والنجاح من أجل تقدّم هذه المسيرة الراسخة والثابتة نحو أهداف الحق تعالى في هذه الحياة لنكون جميعاً من الذين يرضى عنهم ويرضون عنه عزّ وجلّ ولكي نكون ممّن يستحقّون شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته الطاهرين سلام الله عليهم.
والحمد لله ربّ العالمين1.

  • 1. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد حفظه الله.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى