مدخل
إنّ النصر النهائي في الحروب التي يخوضها البشر، وبمقتضى الحكمة الإلهية، سوف يكون حتماً لصالح الحق والحقيقة وأنصارهما.
يبشّر الله تعالى في القرآن الكريم أهلَ الحق، ومن أجل ترغيب وتشويق المسلمين إلى الجهاد، وفي ضمن الوعد بالنعم الدنيوية والأخروية، بالنصر النهائي، لكن يرد السؤال من هذه الجهة: بأنه كيف سيتحقّق انتصار الحق وأهله كما هو مقتضى الحكمة الإلهية ومقتضى الوعد والبشارة في القرآن الكريم؟
قد تخطر على ذهن أحدنا هذه الإجابة مباشرة: بأنّ الانتصار النهائي للمؤمنين وأهل الحق سوف يكون مُيسّراً بواسطة الإمدادات الغيبية الإلهية والتسديدات الربّانية، لكن هناك سؤالٌ آخرٌ يطرح نفسه هنا هو التالي:
هل التأييد والنّصر الإلهي لأهل الحق مُطلق لا قيد ولا شرط فيه؟ أم أن هذا النصر مشروط بشروط وقيود يلزم على المؤمنين معرفتها أولاً، ورعايتها والعمل بها ثانياً؟ وما هي طرق تحقق تلك الإمدادات والتسديدات الإلهية؟ وللإجابة على هذا السؤال, سنقوم بالتحقيق في الآيات الواردة في القرآن الكريم حول هذا الموضوع. بداية يمكننا أن نقسّم الإمدادات الغيبية والتسديدات الإلهية إلى قسمين كلّيين:
القسم الأول: المدد الباطني.
القسم الثاني: المدد الظاهري.
الإمداد الباطني
هذا القسم من الإمدادات والتسديدات الإلهية له جنبة باطنية روحية نفسية، بمعنى أن الله تعالى يتصرّفُ في روح وقلب المؤمنين بحيث يجعل أنفسهم تحت تأثير الإحساس بالقدرة والمساندة الإلهية والاطمئنان بالنّصر, مما يهبهم روح الأمل ويرفع من معنوياتهم.
بهذه الروحية يمكن أنْ يرى المؤمنون الأعداءَ ضعفاء – على الرغم من كثرة عديد العدو وتطور عتاده وتجهيزاته المتفوقة ظاهراً – غير عابئين بقدرة هذا العدو الظاهرية لأنهم أصلاً لا يرونها شيئاً، وهذا ما يدفع المجاهد ويشجعه على اقتحام الخطر والهجوم على الأعداء.
يؤثّر الله تعالى بواسطة هذا النوع من الإمداد الغيبي المستقيم في روحية الأعداء وفي نفوسهم أيضاً، مما يجعلهم يتصرّفون برعب وخوف، ويَرَوْن أنفسهم عاجزين وضعفاء وهم يشاهدون في المؤمنين والمسلمين صُوَر الاقتدار والقوة، مما يزيد إحساس المؤمنين بصدقية الوعد الإلهي.
وبالنتيجة: من الطبيعي أن تكون تلك الحالة الروحية والنفسية عند العدو في إحساسه بالضعف من جهة، وإحساسه بقوة المسلمين من جهة ثانية، سبباً لتقهقره وانكساره.
الإمداد الظاهري
هناك قسم آخر من الإمدادات والتسديدات الإلهية له جنبة خارجية ظاهرية، وهو بمعنى تهيئة بعض الظروف والحوادث في العالم الخارجي التي تصب في مصلحة نصر المؤمنين وهزيمة العدو. وقد أشار القرآن الكريم إلى شواهد على كلا هذين القسمين من الإمدادات الإلهية. وسنذكر هنا ثلاثة شواهد قرآنية على القسم الأول وشاهدين على القسم الثاني.
الشواهد القرآنية على الإمداد الباطني
1- قذف الرعب في قلوب الكفار والأعداء:
واحدة من طرق الإمداد الباطني والروحي التي ينصر الله تعالى بها أهل الحق ويهزم بها أهل الباطل هي: إلقاء الرعب وإيجاد الخوف في قلوب الكفار والمشركين، بمعنى أن يُسيطر الرعب والخوف على نفوس الكفار في ميدان المعركة، ما يصيبهم بالاضطراب والقلق بحيث يفقدون القدرة على البقاء في الميدان.
وهذا الانهزام النفسي يؤدي إلى عدم الثبات في مواجهة المسلمين, فيُفضّلون الفرار والانهزام على الالتحام مع أهل الحق.
لقد ذُكر هذا العامل المهم والمدد الروحي في أربعة موارد من القرآن الكريم بشكلٍ مؤكدٍ وقاطع.
ففي موردين يَعِد الله المسلمين بأنّه سوف يُرعِب قلوب أعدائهم أثناء المعركة لسلب الشجاعة والجرأة منهم على قتال وحرب المسلمين.
وفي موردين آخرين تتحدَّث الآيات الشّريفة عن إرعاب وتخويفٍ مُسبَق للأعداء ليكون ذلك عاملاً مساعداً لغلبة المسلمين، ونكتفي هنا بالمرور على الآيات القرآنية مروراً سريعاً:
يقول الله تعالى: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾1.
وفي آية أخرى يُبيّن الله تعالى عامل انتصار المسلمين بهذه الصورة، حيث يقول تعالى: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾2.
وتحدّثت آية ثالثة عن ذلك المدد الربّاني الذي كان سبباً في انتصار المسلمين وهزيمة الكفار، قال تعالى: ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرً﴾3.
وفي آية رابعة إخبار آخر عن إلقاء الرعب، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ
الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾4.
2- إنزال السكينة والطمأنينة على قلوب المؤمنين:
وههنا طريق آخر من طرق الإمداد الغيبي الباطني، وذلك بأنْ يُنزل الله تعالى السكينة على قلوب المؤمنين, مما ينعكس على نفوسهم طمأنينة وهدوءً. والآيات التي تحدثت حول هذا الموضوع يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:
أـ آيات مختصة بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
وفيها إخبار عن السكينة والطمأنينة التي أُنزلت على قلب الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، يقول الله تعالى: ﴿فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾5.
ب ـ آيات تشمل الرسول والمؤمنين:
في هذا القسم من الآيات، يتحدث القرآن عن نزول السّكينة على قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى المؤمنين، يقول الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ﴾6.
وفي آية أخرى يقول الله تعالى: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمً﴾7.
ج ـ آيات تختص بالمؤمنين:
هنا تتحدّث الآيات عن إنزال السكينة والطمأنينة على قلوب المؤمنين، من دون ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبً﴾8.
و في آية أخرى يقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾9.
3- المدد الغيبي وارتباطه بالنفس:
وهناك طريقٌ ثالثٌ من طرق الإمداد الغيبي الباطني, وهو عبارة عن التصرّف الإلهي في نفوس المؤمنين, فيجعل أعداد الكفار في نظرهم قلة، وقدراتهم ضعيفة حتى لا يخاف المؤمنون من مظاهر القوة والقدرة عند العدو فيهابوا ويتراجعوا.
ومن جهة أخرى, يتصرّف الله في نفوس الكافرين فيجعلهم ينظرون باستخفاف إلى معسكر المسلمين ويعدّون جيش الإسلام قلّة وضعفاء، وهذا الاستخفاف يؤثّر في خطط الأعداء الحربية، من عدم نقل السلاح والتجهيزات الكاملة إلى ساحة المعركة وعدم إحضار كلّ الجيش إلى ميدان الحرب، وهذا ما يُوقعهم في سوء تقديرٍ لعدد الجيش الإسلامي وقدراته الحقيقية مما يجرُّهم في النهاية إلى الخسارة والهزيمة.
وحول هذا الموضوع يقول الله تعالى: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الاُمُورُ﴾10.
الشواهد القرآنية على الإمداد الظاهري
شواهد القرآن الكريم على طرق الإمداد الظاهري يُمكن تقسيمها إلى قسمين:
1- الإمدادات الطبيعية:
وقد أشار القرآن الكريم في هذا القسم إلى عاملين طبيعيين:
أ- الرياح الشديدة:
يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ﴾11.
أشارت هذه الآية الكريمة إلى معركة الأحزاب التي كانت فيها الرياح من جملة عوامل النصر للمسلمين والهزيمة للكفار، وفي هذه الآية أُشير أيضاً إلى مدد غيبي آخر وهو إرسال جنود غير مرئيين غير أنّه ليس محل بحثنا الآن، ولكن يُحتمل أن يكون المقصود من الجنود غير المرئيين في هذه الآية أيضاً (الرياح)، لأن الرياح وإن كانت أمراً محسوساً، لكنها تتحرّك بعنوان الجنود الإلهيين وتكون مدداً غيبياً من عند الله تعالى, لإنها لم تكن أمراً معروفاً ومتوقّعاً من قبل البشر.
ب- المطر:
من العوامل الطبيعية للمدد الإلهي والتي أشير إليها ففي القرآن الكريم هو المطر، ففي إحدى الآيات الشريفة تحدّث القرآن حول هذا الموضوع قائلاً: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ﴾12.
إنّ هذه الآية تشير إلى أحداث معركة بدر، ففي الليلة التي سبقت المعركة أنزل الله مطر رحمته ما جعل الأرض تحت أقدام جيش الإسلام سهلة رطبة فسهّلت لهم طريقة الحركة والتنقّل في الأرض وإجراء المناورات اللازمة في الميدان، إضافة إلى التخلّص من آثار الغبار والتراب التي تعيق الحركة أثناء القتال وتعمي الأعين وتضر بالرؤية البصرية.
أما في معسكر الكافرين فقد كان المطر شديداً، مما جعل الأرض تحت أقدامهم موحلة غير مستقرة، فأعاق حركتهم ومناورتهم العسكرية، وكان ذلك عاملاً في هزيمتهم.
إن هذا المطر كان للمسلمين نوع إمداد غيبي ورحمة إلهية، ليصبح المجاهدون أكثر فعالية ونشاطاً وأشد حماسة وثباتاً، وكان سبب رحمةٍ خاصة لهم من جهة تحصيل الطهارة والنظافة الظاهرية والروحية وتأمين مياه الشرب وغير ذلك من النعم، وكل ذلك بفضل هذا المدد الإلهي.
2- إمدادات غير طبيعية:
أشار القرآن الكريم في معرض حديثه عن الإمدادات غير الطبيعية، إلى عاملين أيضاً:
أ- الجنود غير المرئيين.
ب- الملائكة.
يقول الله تعالى حول هؤلاء الجنود: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدً﴾13.
هذه الآية تطرح عدة احتمالات، فمن المحتمل جداً أن يكون هناك جنود غير مرئيين من غير سنخ الملائكة، لكن الاحتمال الأقوى يبقى في أنّ هذين العاملين غير الطبيعيين هما إشارة إلى مصداق خارجي واحد، وبناءً على هذا الرأي يكون المقصود من الجنود غير المرئيين نفس الملائكة، لا شيئاً آخرَ.
لكن يبقى الاحتمال الآخر وارداً, وهو أن يكون المراد من هؤلاء الجنود غير المرئيين هو نفس العواصف والرياح، لأنه وإن كانت العواصف والرياح أموراً محسوسة، لكن عندما تأتي الرياح بعنوان الجند الإلهي والمدد الغيبي لأجل هزيمة العدو وكسر قدرته لن تكون تلك الرياح في تلك اللحظات أمراً متوقعاً ومحسوباً لدى البشر.
وفي آية أخرى يقول الله تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ﴾14.
ولقد صرّح القرآن الكريم في قسم آخر من الآيات, وفي مقام بيان الإمدادات الغيبية, بإرسال الملائكة. والجميل أنه قد صرح أيضاً عن أعدادهم، وكمثال نذكر هذه الآية الشريفة حيث يقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ﴾15.
تحدّثت هذه الآيات الشريفة عن معركة بدر التي كانت أوّل الحروب الإسلامية، وفي بدايات تشكيل المجتمع الإسلامي حيث كان المسلمون من ناحية العديد والعتاد في أضعف حالاتهم، وقد أشار القرآن أيضاً لهذه الحالة بقوله تعالى: ﴿وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ﴾.
ففي مثل هذه الحالة، نجد أنّه من الطبيعي أن يقلق المسلمون من مواجهة معسكر الكفّار بجيشٍ ضعيف, بل كان هذا القلق يكبر عند مشاهدتهم لجيش العدو وتجهيزاته، لأن الكفار كانوا آنذاك ثلاثةَ أضعاف جيش الإسلام.
لكن الله نادى في وسط هذه الحال رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، بأنّني سوف أمدّكم بثلاثة آلاف ملك لنصرتكم، وإذا اقتضى الأمر إرسال المزيد فسنرسله لكم، وفي نهاية المعركة كان النصر للمسلمين في معركة بدر بمساعدة المدد الإلهي بإرسال أفواج الملائكة وتحقق نصر قرّت به أعين المسلمين جميعاً.
ثم تتابع الآيات الشريفة ذِكْرَ سبب النصر والمدد الإلهي موضحة بأن الله تعالى قد كافأ المسلمين نتيجة صبرهم وتقواهم، والنكتة المهمة هنا تكمن في الإلفات إلى أن شرط النصر الإلهي كان هو ثبات المسلمين ورعايتهم لشرط التقوى، وفي صورة تحقّق هذا الشرط فإن الله تعالى وعلى أساس الحكمة والمصلحة الربانية لن يخذلهم ولن يترك نصرتهم.
السرُّ الحقيقي في امداد الغيب
إنّ التأمّل في هذه الآيات, والتدقيق في اسرارالمدد الغيبي, يطلعنا على نكتةٍ بالغة الأهمية.
وهي أن المدد الغيبي الذي ساهم في تحقيق النصر للمسلمين, هو عبارة عن مساعدة وواسطة في النصر. أما النصر الحقيقي, فإن أسبابه وحصوله إنما هو إلهي المنشأ أولاً وآخراً. لذلك يجب على المجاهدين أن لا يتوجّهوا بقلوبهم وتعلّقاتهم إلى غير الله تعالى.
وهذه النكتة أكّد عليها القرآن الكريم في موارد مختلفة، وكان هذا التأكيد لأجل أن لا ينسى الناس أصل التوحيد، وأن يبقى راسخاً في أذهانهم مبدأ: (لا مؤثّر في الوجود إلا الله).
ففي الحرب لا مؤثّر حقيقي غير الذات الإلهية المقدسة، والملائكة لا يعملون إلا بأمر من الله عز وجل، ولا استقلال لهم في شيء لا في نصر المسلمين، ولا في أي أمر آخر، إذ أن كل الأمور حقيقة هي بيد الله تعالى، وتسير بأمره تبارك وتعالى.
يقول الله تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾16.
فهذا المدد الغيبي بإرسال الملائكة, جعل المسلمين أكثر ثباتاً وصلابة في مواجهة أعداء الله وقد تحمّلَ الكفار هزيمة فاضحة وثقيلة، بحيث إن تعداد قتلى المشركين في تلك المعركة كان ثلاثة أضعاف شهداء جيش الإسلام، لذا يلزم على المؤمنين أن لا يعتمدوا على غير الله تعالى، وليعلموا أن النصر هو فقط بإذن الله ومن عنده.
وبملاحظة ما ذكرناه سابقاً حول الإمدادات الغيبية الإلهية نفضي إلى ثلاث نتائج عامة:
– النتيجة الأولى: أن الحكمة الإلهية تقضي بأن ينتصر الحق على الباطل، وأن إرادة الله تعالى التكوينية قد تعلّقت بهذا الانتصار النهائي للحق لذلك فهو لا محالة واقع.
– النتيجة الثانية: أنه في كثير من الآيات القرآنية كما جاء الوعد الإلهي للمجاهدين بالنعم كذلك صدر وعد إلهي آخر بانتصار أهل الحق والجهاد على الأعداء.
– النتيجة الثالثة: لقد صرّح القرآن الكريم – على الأقل – بوقوع ستة أقسام من الإمدادات الغيبية وذكرنا بعض الشواهد القرآنية على بعض تلك الإمدادات.
هل النصر حليف المؤمنين دائماً؟
مع التوجّه إلى هذه النتائج الثلاث، يُطرح في المقام سؤال: هل يلزم من ذلك أن يكون النصر حليف المؤمنين دائماً؟
وهل يلزم أن تكون الإمدادات الغيبية إلى جانب هؤلاء المؤمنين بشكل مطلق (في كل زمان ومكان وتحت أي ظرف وفي أي حال) أي من دون أي قيد أو شرط؟
وهل بمجرّد أن يتوجّه المؤمنون إلى الحرب يلزم أن ينزل النصر والمدد الإلهي عليهم؟
فلو أجبنا على هذا السؤال: بنعم، فإننا لن نستطيع توجيه الهزائم التي حصلت للمؤمنين في بعض المقاطع التاريخية، وسيكون هذا مورد نقض على جوابنا المثبت!
و لو أجبنا بلا، فسوف يتعارض هذا الجواب السلبي مع الآيات التي أوردناها والتي تحدّثت بشكل قاطع عن وعد الله للمؤمنين بالنصر!
والجواب الصحيح لحلّ هذا التعارض يكمن في فهم سر الحياة الدنيا, وأنه يتقوّم بكون الحياة الدنيا محلاً للابتلاء والاختبار. فالله تعالى خلق الإنسان وأعطاه الحرية والاختيار، وبمقتضى هذه الحرية يختار الإنسان خطّ مسيره في هذه الدّنيا، وفي نفس الوقت أرسل الله تعالى الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين لتعليم البشر على الخير والصّلاح، وكيفيّة الوصول إلى الكمال الإنساني الذي لا يكون إلا عن طريق طاعةِ الله والعبودية له.
والطاعة والعبودية ليس معناهما إلا التسليم المطلق والكامل لله تعالى وعدم الخوف من الشدائد والابتلاءات، والعمل بالأوامر الإلهية وترك نواهيه في كل الظروف.
إذاً، فهدف الإنسان الحقيقي في هذه الدنيا هو كسب الرضا الإلهي. ومن الطبيعي أنه كلما كان سير الإنسان لكسب رضا الحق تعالى يستلزم سعياً أكثر ومشقة أكبر، كان تأثير ذلك في كماله أعمق، وإنجازه للعمل أكثر توفيقاً، وسيثمر سيره وسلوكه هذا – برغم المشقات – ثماراً أزكى، ويعطي نتائج أفضل تظل في تزايد ونمو مستمر.
والرواية المعروفة “أفضل الأعمال أحمزها”17 عن المعصومين عليهم السلام, تشير إلى هذه الحقيقة.
أما إذا كان بناؤنا على أن المؤمنين يعلمون مسبقاً بأنّهم سوف يفوزون وينتصرون في كل الحروب على الأعداء فلا حاجة للجهاد والشهادة ولا معنى أصلاً للابتلاء والامتحان، بل لن يكون لعناوين التضحية والفداء، والإقدام والإيثار ذلك التأثير العجيب وتلك القيمة السامية، خصوصاً لو ترافقت مع ظروف مرفهة نسبياً وأوضاع مستقرة نوعاً ما، لا يسودها ذاك القلق الكبير والاضطراب العميق.
إن الذي يعلم مسبقاً أنه منتصر في الحرب لا محالة مئة في المئة، فإن اندفاعه للحرب لن يكون باعثاً للقلق الزائد، ولن تزعجه مواجهة أي مشاكل أساسية، وعليه فبقدر انخفاض نسبة المشاكل والشدائد سوف تنخفض في المقابل درجة التكامل.
ومن هنا نستطيع أن ننظر إلى الصورة المعاكسة, وهي الحال التي يكون فيها المجاهد المؤمن وبقدراتٍ مادية متواضعة, غير واثقٍ من الفوز الظاهري, بل يحتمل الخسارة, فإنه وبسبب ارتباطه بالله, يقدم على المعركة باذلاً مهجته وكل ما يملك لأداء التكليف الالهي.
إن مثل هذه الظروف سوف ترتفع بهذا المؤمن المجاهد لنيل أعلى المنازل وأرقى المراتب في جوار الحضرة الإلهية، وسوف يطوي مدارج السلوك المعنوي بسرعة كبيرة، ولعل سرّ عظمة كربلاء وشهداء كربلاء يكمن في هذا الأمر.
إن الأصل في كل أمور وشؤون الحياة هو بأن تجري الوقائع والأحداث طبق قانون العلل والأسباب وضمن مبدأ الاختيار والامتحان ولا خروج عن هذه القاعدة في الحياة الدنيا.
وفي نفس الوقت، ولأن المطلوب الحقيقي هو تحقيق الخير والوصول إلى الكمال. وقد تعلقت الإرادة التكوينية الإلهية بانتصار الحق، فقد جاء التحذير الإلهي للمؤمنين أن لا يتكلوا على أنفسهم وقدراتهم بشكل مستقل في حربهم ضد الأعداء.
نعم، إن الله سبحانه وتعالى قد يتدّخل في الموارد اللازمة وبواسطة سلسلة من العوامل الباطنية والروحية، أو العوامل الظاهرية والعلنية الأعم أيضاً من الطبيعية وغير الطبيعية، فيجعلها عز وجلّ في خدمة المجاهدين ومُدبِّرة لأمورهم ليصبح السير الكلي للأمور في النهاية لصالح انتصار الحق وهزيمة الباطل.
لذلك يجب على المؤمنين:
أولاً: العمل دائماً بالتكاليف الإلهية والدينية التي يعرفونها والتي وَصلتهم بشكل يقيني.
ثانياً: في طريق العمل بالتكاليف يجب على المؤمنين الاستفادة من كل النعم المادية والأسباب والوسائل الطبيعية، الواقعة تحت تصرّفهم واختيارهم وأن لا يُقصّروا أو يتكاسلوا في تحصيل أية قدرة تساعدهم على إنجاز وظائفهم وأداء تكاليفهم.
وبعد التوجه إلى العمل بهذين الأمرين الواجبين:
فإن كانت النتيجة هي انتصار المسلمين على الأعداء، وكانت هذه القدرات والإمكانات كافية لتحقق هذا النصر بشكل كامل، فعندها لا حاجة لإرسال الإمدادات الغيبية، لأن المدد الغيبي ليس أمراً عبثياً وإنما يخضع للحكمة الإلهية ولحاجة المؤمن الفعلية.
أمّا لو استفاد المسلمون من كل الإمكانات والقدرات الموجودة وبذلوا كل المساعي والجهود ولم يُقصّروا في تحصيل ما يلزم، لكن بالنتيجة تبيّن أن تلك الأسباب والوسائل المادية والعادية قاصرة ولا تفِ لبلوغ المقصود وتحقيق الهدف النهائي وهو (انتصار الحق) فعندها يُرسل الله تعالى الإمدادات والتسديدات الغيبية بمقدار الحاجة الفعلية أولاً، وبمقدار اللياقة المعنوية الموجودة لدى المجاهدين ثانياً.
أما فيما لو تهاون وتكاسل المؤمنون في الاستفادة من الأسباب والوسائل الطبيعية ولم يستعملوا القدرات الموجودة تحت اختيارهم، أو فيما لو قصّروا في تشخيص التكليف الصحيح أو العمل به فإنهم في مثل هذه الصورة سوف يفقدون اللياقة والأهلية لاستقبال الإمدادات الغيبية والتسديدات الإلهية.
إن حال المؤمنين بالنسبة إلى هذا الموضوع، تماماً كوضع شخص مريض، فتكليف المريض أولاً أن يُراجع الطبيب وأن يعمل وفق أوامره الطبيّة، من أخذه للدواء وتجنبه للأطعمة المضرة والإحتياط في كل الأمور ذات الصلة بمرضه حتى يبلغ مرحلة التحسن والشفاء الكامل.
وأما في حال لم ينفع سلوك طريق الوسائل الطبيعية والأسباب العادية (من مراجعة الطبيب وتناول الدواء…) في شفاء المرض، فعندها من الممكن أن تقتضي الحكمة الإلهية أن يكون الشفاء بسلوك طريق الدعاء والتوسل بالذات الإلهية وبطريق الإعجاز الرباني.
لكن المريض الذي يجلس في بيته ويطلب الشفاء من الله تعالى من دون سلوك الطريق الطبيعي والاستفادة من الأسباب العادية التي جعلها الله تعالى فإن مثل هذا المريض لن يَرى أيّ تحسن في حاله ولا أمل له بالشفاء، ولن يجني من ذلك الجلوس في البيت أي نتيجة.
والحاصل في هذا المقام هو أن هناك قاعدة كلية عامة تقول: السنة الإلهية في هذه الدنيا قائمة على أن الأصل في تأمين احتياجات الإنسان هو الاستفادة من الأسباب والعلل الطبيعية والعقلائية، وعدم انتظار المعجزة من البداية لأن الطريقة الإلهية ليست مبنية على الاستفادة من المعاجز في كل زمان ومكان، وليس الأسلوب الإلهي في حل مشكلات العباد هو الطريق الإعجازي دائماً بتوزيع المعجزات يميناً وشمالاً، فمبدأ الإعجاز قائم على أساس الحكمة والمصلحة.
إن الرؤية التوحيدية تفرض علينا الاعتقاد بأن أيّة مشكلة من الممكن حلّها, بطرق عادية, أو بطرقٍ وأسباب إعجازية, غير أن القاعدة الحاكمة في كل هذه الحلول هي قاعدة حاكمية الله تعالى وأنه هو المؤثر الوحيد في كل الأسباب والمؤثرات.
ففي نفس الوقت الذي يلزم على الإنسان أن يستفيد من تلك الأسباب والعلل الطبيعية والعادية يلزم عليه أيضاً أن لا يغفل عن التأثير الإلهي وأن يُبرز الحاجة والفقر دائماً إلى الذات الإلهية وأن يتوسل بالمدد الرباني لإتمام العمل أو حل المشكلات, وأن لا يغتر بنفسه, فيصيبه الغرور والاعتداد بالنفس, وهو مرض روحي قاتل.
وأمّا من ينتظر المدد الغيبي لإنجاز الأعمال وحل المشكلات من دون الاستفادة من الأسباب العادية التي وضعها الله تعالى من قبيل العمل والسعي، وإعمال الفكر والعقل، فهو يسير بخلاف ما أراد الله تعالى وبالتالي لن يصل إلى نتيجة.
فليس صحيحاً أن يجلس الإنسان في بيته ويطلب الرزق من الله تعالى من دون أية حركة أو سعي، أو يطلب المريضُ الشفاءَ من دون مراجعة الطبيب، أو يطلب المؤمن النصر من دون تهيئة أسبابه كشراء السلاح المناسب وإعداد العدّة والتدريب وتجهيز القوة اللازمة، فلو ذهب إلى المعركة من دون الأخذ بالأسباب التي جعلها الله تعالى, فإنه لن يجني إلا الخسارة لإخلاله بالشروط وعمله بخلاف السنة الإلهية واعتماده على سراب.
الخلاصة في الإمدادات الإلهية:
إنّ الخلاصة التي يمكن استفادتها تتجلّى في أنّ الإمدادات الغيبية والتسديدات الإلهية للمسلمين أثناء جهادهم ضد الأعداء مشروطة بشرطين كليين:
أوّلاً: العمل على الاستفادة من كل قدراتهم المتاحة بين أيديهم في ساحة العمل.
ثانياً: انتظار المدد الغيبي الإلهي والمساعدة الربّانية، في حال لم تفِ تلك القدرات والطاقات الظاهرية في رفع حاجة المسلمين ومشكلتهم، لأنه في تلك الحالة سوف يضع الله تعالى تلك الطرق والأساليب الغيبية في خدمة المجاهدين, وذلك حسب ما تقتضيه الحكمة الإلهية والحاجة الفعلية.
وهذه النتيجة قد أيّدها القرآن الكريم حيث تحدّثت بعض الآيات الشريفة، عن أنّ الإمدادات الغيبية الإلهية ليست مطلقةً بل لها شروطُها وظروفها، ومن هنا ننتقل إلى البحث والتحقيق حول شروط الإمدادات الغيبية الإلهية التي وردت في القرآن الكريم.
* الربيون عطاء حتى الشهادة، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة آل عمران، الآية 151.
2- سورة الأنفال، الآية 12.
3- سورة الأحزاب، الآيات 25 – 27.
4- سورة الحشر، الآية 2.
5- سورة التوبة، الآية 40.
6- سورة التوبة، الآية 26.
7- سورة الفتح، الآية 26.
8- سورة الفتح، الآية 18.
9- سورة الفتح، الآية 4.
10- سورة الأنفال، الآيتان 43-44.
11- سورة الأحزاب، الآيتان 9-10.
12- سورة الأنفال، الآية 11.
13- سورة الأحزاب، الآيات 9 – 11.
14- سورة التوبة، الآيتان 26-25.
15- سورة آل عمران، الآيات 123 – 127.
16- سورة الأنفال، الآيات 9 – 12.
17- بحار الأنوار: ج67، ص191.