مقالات

الخروج على الحاكم…

قال الله عَزَّ و جَلَّ: ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ 1 و لا يشك مسلم في أن الله تعالى أراد للناس أن يكونوا مسلمين يعملون بالقرآن الكريم و يطبقوا تعاليمه في حياتهم وفق ما أرشدهم إليه خاتم النبيين و سيد المرسلين محمد ( صلى الله عليه و آله )، و الناس بطبيعتهم و فطرتهم يريدون ذلك.


فأين الإسلام في أغلب الدول الإسلامية؟ المأساة كل المأساة هي أن المسلمين ابتلوا بحكام و ملوك و رؤساء جائرين في العصر الحاضر ممن يتظاهرون بالإسلام و الإسلام منهم بريء و هم أخطر من الكفار و اليهود و النصارى على الإسلام و المسلمين، حيث أنهم يشكلون العقبة الكبرى أمام صلاح الناس، و هم السبب الأول في ما تعانيه الشعوب المسلمة من الفقر و البطالة و التأخر و المرض و الأمية و غيرها، و لولا نهبهم لثروات شعوبهم الإسلامية و التفريط بمصالحهم لما وُجد في العالم الإسلامي فقير أو أمي، قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ﴾ 2.<--break->هذا من جانب، و من جانب آخر فإنا نجد أن غالب هؤلاء الحكام الظلمة متعاونين مع الدول المعادية للإسلام بل و كأن مسؤوليتهم الأولى هي حماية العدو الصهيوني و أمريكا و الدول الغربية و الدفاع عنهم، و قد قال الله عَزَّ و جَلَّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ ﴾ 3 ، و قال أيضاً: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا ﴾ 4 ، و قال جَلَّ جَلاله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ 5 فإنا لله و إنا إليه راجعون.

واجب المسلمين تجاه حكام الجور

فعلى المسلمين الشرفاء أن لا يقفوا إلى جانب الحكام الظلمة الذين لا يتورعون من أي نوع من أنواع الظلم و الفجور و المنكرات، و الذين يمنعون الناس من أداء الفرائض و الواجبات و يجبرونهم على الحرام و الفساد، فقد قال سبحانه و تعالى: ﴿ وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ ﴾ 6 .
و على علماء الدين إرشاد الناس إلى ما يجب عليهم من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و من لم يعمل من العلماء بما يجب فعلى الناس أن يحذروهم، فقد رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) أنَّهُ قال: “الْفُقَهَاءُ أُمَنَاءُ الرُّسُلِ مَا لَمْ يَدْخُلُوا فِي الدُّنْيَا”.
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَ مَا دُخُولُهُمْ فِي الدُّنْيَا؟
قَالَ: “اتِّبَاعُ السُّلْطَانِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَاحْذَرُوهُمْ عَلَى دِينِكُمْ” 7 .
وَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ): “مَنْ أَرْضَى سُلْطَاناً بِسَخَطِ اللَّهِ خَرَجَ مِنْ دِينِ اللَّهِ” 8 .
وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ): “مَنْ أَرْضَى سُلْطَاناً بِسَخَطِ اللَّهِ خَرَجَ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ” 9 .
وَ عَنْ الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السَّلام ) أنَّهُ قَالَ: “يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يُتَّبَعُ فِيهِمْ قَوْمٌ مُرَاءُونَ يَتَقَرَّءُونَ وَ يَتَنَسَّكُونَ، حُدَثَاءُ سُفَهَاءُ لَا يُوجِبُونَ أَمْراً بِمَعْرُوفٍ وَ لَا نَهْياً عَنْ مُنْكَرٍ إِلَّا إِذَا أَمِنُوا الضَّرَرَ، يَطْلُبُونَ لِأَنْفُسِهِمُ الرُّخَصَ وَ الْمَعَاذِيرَ، يَتَّبِعُونَ زَلَّاتِ الْعُلَمَاءِ وَ فَسَادَ عَمَلِهِمْ، يُقْبِلُونَ عَلَى الصَّلَاةِ وَ الصِّيَامِ وَ مَا لَا يَكْلِمُهُمْ فِي نَفْسٍ وَ لَا مَالٍ، وَ لَوْ أَضَرَّتِ الصَّلَاةُ بِسَائِرِ مَا يَعْمَلُونَ بِأَمْوَالِهِمْ وَ أَبْدَانِهِمْ لَرَفَضُوهَا كَمَا رَفَضُوا أَسْمَى الْفَرَائِضِ وَ أَشْرَفَهَا، إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَرِيضَةٌ عَظِيمَةٌ بِهَا تُقَامُ الْفَرَائِضُ، هُنَالِكَ يَتِمُّ غَضَبُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَيْهِمْ فَيَعُمُّهُمْ بِعِقَابِهِ، فَيُهْلَكُ الْأَبْرَارُ فِي دَارِ الْفُجَّارِ وَ الصِّغَارُ فِي دَارِ الْكِبَارِ، إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ سَبِيلُ الْأَنْبِيَاءِ وَ مِنْهَاجُ الصُّلَحَاءِ، فَرِيضَةٌ عَظِيمَةٌ بِهَا تُقَامُ الْفَرَائِضُ وَ تَأْمَنُ الْمَذَاهِبُ وَ تَحِلُّ الْمَكَاسِبُ وَ تُرَدُّ الْمَظَالِمُ وَ تُعْمَرُ الْأَرْضُ وَ يُنْتَصَفُ مِنَ الْأَعْدَاءِ وَ يَسْتَقِيمُ الْأَمْرُ، فَأَنْكِرُوا بِقُلُوبِكُمْ وَ الْفِظُوا بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ صُكُّوا بِهَا جِبَاهَهُمْ وَ لَا تَخَافُوا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، فَإِنِ اتَّعَظُوا وَ إِلَى الْحَقِّ رَجَعُوا فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِمْ، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، هُنَالِكَ فَجَاهِدُوهُمْ بِأَبْدَانِكُمْ وَ أَبْغِضُوهُمْ بِقُلُوبِكُمْ غَيْرَ طَالِبِينَ سُلْطَاناً وَ لَا بَاغِينَ مَالًا وَ لَا مُرِيدِينَ بِظُلْمٍ ظَفَراً حَتَّى يَفِيئُوا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ وَ يَمْضُوا عَلَى طَاعَتِهِ”.
قَالَ: “وَ أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى شُعَيْبٍ النَّبِيِّ ( صلوات الله عليه ): أَنِّي مُعَذِّبٌ مِنْ قَوْمِكَ مِائَةَ أَلْفٍ، أَرْبَعِينَ أَلْفاً مِنْ شِرَارِهِمْ وَ سِتِّينَ أَلْفاً مِنْ خِيَارِهِمْ!
فَقَالَ ( عليه السَّلام ): يَا رَبِّ هَؤُلَاءِ الْأَشْرَارُ، فَمَا بَالُ الْأَخْيَارِ؟!
فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِ: دَاهَنُوا أَهْلَ الْمَعَاصِي وَ لَمْ يَغْضَبُوا لِغَضَبِي” 10 .
وَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ( عليه السَّلام ): أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) قَدْ قَالَ: “مَنْ رَأَى سُلْطَاناً جَائِراً مُسْتَحِلًّا لِحُرُمِ اللَّهِ، نَاكِثاً لِعَهْدِ اللَّهِ، مُخَالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، يَعْمَلُ فِي عِبَادِ اللَّهِ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوَانِ، ثُمَّ لَمْ يُغَيِّرْ بِقَوْلٍ وَ لَا فِعْلٍ، كَانَ حَقِيقاً عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مَدْخَلَهُ” 11 .
فيا أيها المسلمون عليكم بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بشتى الوسائل و السبل و لا تأخذكم في الله لومة لائم، و النصر من عند الله، و لا شك في أن من يٌقتل دفاعاً عن العقيدة و الشريعة أو يٌقتل دفاعاً عن حقوقه الشريعة مندداً بالأنظمة الظالمة يكون شهيداً، كما و لا شك في أن قمع مثل هذه المظاهرات و قتل الناس الأبرياء الذين يُطالبون بحقوقهم من جانب قوات الأمن و الجيش و الشرطة هي خيانة للإسلام و المسلمين و الوطن، و جزاء من يفعل ذلك الخزي في الدنيا و العذاب الأليم في نار جهنم.

  • 1. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 85 ، الصفحة : 61 .
  • 2. القران الكريم : سورة إبراهيم ( 14 ) ، الآية : 28 ، الصفحة : 259 .
  • 3. القران الكريم : سورة الممتحنة ( 60 ) ، الآية : 1 ، الصفحة : 549 .
  • 4. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 144 ، الصفحة : 101 .
  • 5. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 51 ، الصفحة : 117 .
  • 6. القران الكريم : سورة هود ( 11 ) ، الآية : 113 ، الصفحة : 234 .
  • 7. الكافي : 1 / 46 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .
  • 8. الكافي: 2 / 373.
  • 9. الكافي: 5 / 63 .
  • 10. الكافي: 5 / 55 .
  • 11. بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 44 / 381 ، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، المولود بإصفهان سنة : 1037 ، و المتوفى بها سنة : 1110 هجرية ، طبعة مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان ، سنة : 1414 هجرية .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى