سادة القافلةسيرة أهل البيت (ع)في رحاب نهج البلاغةمناسباتمنوعات

الإمام علي عليه السلام والقران الكريم – الأول

إحتجاج أمير المؤمنين صلوات الله عليه على الزنديق المدّعي للتناقض في القرآن

* – جاء بعض الزنادقة إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقال : لولا ما في القرآن من الاختلاف والتناقض ، لدخلت في دينكم ، فقال له علي عليه السلام : وما هو؟

قال : قوله تعالى : نسوا الله فنسيهم .

وقوله : فاليوم ننسيهم كما نسوا لقاء يومهم هذا .

وقوله : وما كان ربك نسيا .

وقوله : يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون .

وقوله : والله ربنا ما كنا مشركين .

وقوله تعالى : يوم القيمة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا .

وقوله : إن ذلك لحق تخاصم أهل النار وقوله : لا تختصموا لدي .

وقوله : اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون .

وقوله : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة .

وقوله : لا تدركه الابصار وهويدرك الابصار .

وقوله : ولقد رآه نزلة أخرى .

وقوله : لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن الآيتين .

وقوله : ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا .

وقوله : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون .

وقوله : هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أويأتي ربك .

وقوله : بلهم بلقاء ربهم كافرون .

وقوله : فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه .

وقوله : فمن كان يرجوا لقاء ربه .

وقوله : ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها  .

وقوله : ونضع الموازين القسط ليوم القيمة .

وقوله : فمن ثقلت موازينه ومن خفت موازينه .

قال أمير المؤمنين عليه السلام :

فأما قوله تعالى : نسوا الله فنسيهم يعني إنما نسوا الله في دار الدنيا لم يعملوا بطاعته ، فنسيهم في الآخرة أي لم يجعل لهم من ثوابه شيئا ، فصاروا منسيين من الخير وكذلك تفسير قوله عز وجل : فاليوم ننسيهم كما نسوا لقاء يومهم هذا يعني بالنسيان أنه لم يثبهم كما يثيب أولياءه الذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين ، حين آمنوا به وبرسوله ، وخافوه بالغيب .

وأما قوله : وما كان ربك نسيا فان ربنا تبارك وتعالى علوا كبيرا ليس بالذي ينسى ، ولا يغفل ، بل هوالحفيظ العليم ، وقد يقول العرب : قد نسينا فلان فلا يذكرنا ، أي أنه لا يأمر لهم بخير ولا يذكرهم به .

قال عليه السلام : وأما قوله عز وجل : يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا  , وقوله عز وجل والله ربنا ما كنا مشركين , وقوله عز وجل : يوم القيمة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا .

وقوله عليه السلام : إن ذلك لحق تخاصم أهل النار وقوله : لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد , وقوله : اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون فان ذلك في مواطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة .

والمراد يكفر أهل المعاصي بعضهم ببعض ، ويلعن بعضهم بعضا ، والكفر في هذه الآية البراءة ، يقول : يتبرأ بعضهم من بعض ، ونظيرها في سورة إبراهيم عليه السلام قول الشيطان : إني كفرت بما أشركتمون من قبل وقول إبراهيم خليل الرحمن : كفرنا بكم يعني تبرأنا منكم .

ثم يجتمعون في موطن آخر يبكون فيها فلوأن تلك الأصوات بدت لأهل الدنيا لزالت جميع الخلق عن معايشهم وانصدعت قلوبهم إلا ما شاء الله ، ولا يزالون يبكون حتى يستنفدوا الدموع ويفضوا إلى الدماء .

ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه فيقولون : والله ربنا ما كنا مشركين وهؤلاء خاصة هم المقرون في دار الدنيا بالتوحيد ، فلم ينفعهم إيمانهم بالله مع مخالفتهم رسله ، وشكهم فيما أتوا به عن ربهم ، ونقضهم عهودهم في أوصيائهم واستبدالهم الذي هوأدنى بالذي هوخير ، فكذبهم الله بما انتحلوه من الايمان بقوله : انظر كيف كذبوا على أنفسهم فيختم الله على أفواههم وتستنطق الأيدي والأرجل والجلود ، فيشهد بكل معصية كانت منهم ، ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم : لم شهدتم علينا ؟ قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ .

ثم يجتمعون في موطن آخر فيفر بعضهم من بعض لهول ما يشاهدونه من صعوبة الامر ، وعظم البلاء ، فذلك قول الله عز وجل : يوم يفر المرء من أخيه [ وأمه وأبيه وصاحبته وبينه ] الآية ثم يجتمعون في موطن آخر ويستنطق فيه أولياء الله وأصفياؤه ، فلا يتكلم أحد إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ، فتقام الرسل فيسألون عن تأدية الرسالات التي حملوها إلى أممهم فأخبروا أنهم قد أدوا ذلك إلى أممهم ويسأل الأمم فتجحد كما قال الله : فلنسئلن الذين ارسل إليهم ولنسئلن المرسلين فيقولون : ما جائنا من بشير ولا نذير فتستشهد الرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيشهد بصدق الرسل وتكذيب من يجحدها من الأمم ، فيقول لكل أمة منهم ، بلى قد جائكم بشير ونذير والله على كل شئ قدير ، أي مقتدر على شهادة جوارحكم عليكم بتبليغ الرسل إليكم رسالاتهم .

وكذلك قال الله تعالى لنبيه : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا فلا يستطيعون رد شهادته خوفا من أن يختم الله على أفواههم ، وأن تشهد عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون ، ويشهد على منافقي قومه وأمته وكفارهم بالحادهم وعنادهم ونقضهم عهده ، وتغييرهم سنته واعتدائهم على أهل بيته ، وانقلابهم على أعقابهم ، وارتدادهم على أدبارهم ، واحتذائهم في ذلك سنة من تقدمهم من الأمم الظالمة الخائنة لأنبيائها ، فيقولون بأجمعهم : ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين .

ثم يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهوالمقام المحمود ، فيثني على الله عز وجل بما لم يثن عليه أحد قبله ، ثم يثني على الملائكة كلهم ، فلا يبقى ملك إلا أثنى عليه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم يثني على الأنبياء بما لم يثن عليهم أحد مثله ، ثم يثني على كل مؤمن ومؤمنة يبدأ بالصديقين والشهداء ثم بالصالحين ، فتحمده أهل السماوات وأهل الأرضين فذلك قوله عز وجل : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا فطوبى لمن كان له في ذلك المقام حظ ونصيب ، وويل لمن لم يكن له في هذا المقام حظ ولا نصيب .

ثم يجتمعون في موطن آخر يلجمون فيه ، ويتبرء بعضهم من بعض وهذا كله قبل الحساب ، فإذا أخذ في الحساب شغل كل إنسان بما لديه ، نسأل الله بركة ذلك اليوم .

قال علي عليه السلام : وأما قوله : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة . ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عز وجل بعد ما يفرغ من الحساب إلى نهر يسمى نهر الحيوان ، فيغتسلون منه ، ويشربون من آخر ، فتبيض وجوههم ، فيذهب عنهم كل أذى وقذى ووعث ، ثم يؤمرون بدخول الجنة ، فمن هذا المقام ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم ، ومنه يدخلون الجنة ، فذلك قوله عز وجل في تسليم الملائكة عليهم : سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين فعند ذلك أثيبوا بدخول الجنة ، والنظر إلى ما وعدهم الله عز وجل فذلك قوله تعالى : إلى ربها ناظرة والناظرة في بعض اللغة هي المنتظرة ، ألم تسمع إلى قوله تعالى : فناظرة بم يرجع المرسلون أي منتظرة بم يرجع المرسلون .

وأما قوله : ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى يعني محمدا صلى الله عليه وآله وسلم حين كان عند سدرة المنتهى ، حيث لا يجاوزها خلق من خلق الله عز وجل ، وقوله في آخر الآية : ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى رأى جبرئيل عليه السلام في صورته مرتين هذه المرة ومرة أخرى ، وذلك أن خلق جبرئيل ، عليه السلام خلق عظيم ، فهومن الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم ولا صفتهم إلا رب العالمين .

قال علي عليه السلام : وأما قوله تعالى : ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أومن وراء حجاب أويرسل رسولا فيوحي باذنه ما يشاء كذلك قال الله تعالى قد كان الرسول يوحي إليه رسل السماء فتبلغ رسل السماء إلى رسل الأرض وقد كان الكلام بين رسل أهل الأرض وبينه من غير أن يرسل بالكلام مع رسل أهل السماء .

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا جبرئيل هل رأيت ربك عز وجل ؟ فقال جبرئيل عليه السلام : إن ربي عز وجل لا يرى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : من أين تأخذ الوحي ؟ قال : آخذه من إسرافيل : قال : ومن أين يأخذه إسرافيل ؟ قال : يأخذه من ملك من فوقه من الروحانيين ، قال : فمن أين يأخذه ذلك الملك ؟ قال : يقذف في قلبه قذفا ، فهذا وحي ، وهوكلام الله عز وجل ، وكلام الله عز وجل ليس بنحوواحد : منه ما كلم الله عز وجل به الرسل ، ومنه ما قذف في قلوبهم ، ومنه رؤيا يراها الرسل ، ومنه وحي وتنزيل يتلى ويقرء ، فهوكلام الله عز وجل .

قال علي عليه السلام : وأما قوله : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فإنما يعني به يوم القيامة عن ثواب ربهم لمحجوبون ، وقوله تعالى : هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أويأتي ربك أويأتي بعض آيات ربك يخبر محمدا صلى الله عليه وآله وسلم عن المشركين والمنافقين الذين لم يستجيبوا لله ولرسوله  فقال : هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أويأتي ربك أويأتي بعض آيات ربك يعني بذلك العذاب يأتيهم في دار الدنيا كما عذب القرون الأولى ، فهذا خبر يخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنهم .

ثم قال : يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل الآية يعني لم تكن آمنت من قبل أن تجئ هذه الآية وهذا الآية هي طلوع الشمس من مغربها ، وقال في آية أخرى : فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا يعني أرسل عليهم عذابا وكذلك إتيانه بنيانهم حيث قال : فأتى الله بنيانهم من القواعد يعني أرسل عليهم العذاب .

قال علي عليه السلام : وأما قوله عز وجل : بل هم بلقاء ربهم كافرون وقوله : الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وقوله : إلى يوم يلقونه وقوله : فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا يعني البعث فسماه الله لقاء ، وكذلك قوله : من كان يرجوا لقاء الله فان أجل الله لآت يعني من كان يؤمن أنه مبعوث فان وعد الله لآت من الثواب والعقاب ، فاللقاء ههنا ليس بالرؤية واللقاء هوالبعث ، وكذلك تحيتهم يوم يلقونه سلام يعني أنه لا يزول الايمان عن قلوبهم يوم يبعثون .

وقال علي عليه السلام : وأما قوله عز وجل : ورأي المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها يعني تيقنوا أنهم داخلوها وكذلك قوله : إني ظننت أني ملاق حسابيه .

وأما قوله عز وجل للمنافقين : وتظنون بالله الظنونا فهوظن شك وليس ظن يقين ، والظن ظنان ظن شك وظن يقين ، فما كان من أمر المعاد من الظن فهوظن يقين ، وما كان من أمر الدنيا فهوظن شك .

قال عليه السلام : وأما قوله عز وجل : ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا فهوميزان العدل تؤخذ به الخلائق يوم القيامة يديل الله تبارك وتعالى الخلائق بعضهم من بعض ، ويجزيهم بأعمالهم ، ويقتص للمظلوم من الظالم . ومعنى قوله : فمن ثقلت موازينه ومن خفت موازينه فهوقلة الحساب وكثرته ، والناس يومئذ على طبقات ومنازل ، فمنهم من يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا ، ومنهم الذين يدخلون الجنة بغير حساب ، لأنهم لم يتلبسوا من أمر الدنيا بشئ ، وإنما الحساب هناك على من تلبس بها ههنا ، ومنهم من يحاسب على النقير والقطمير ، ويصير إلى عذاب السعير ، ومنهم أئمة الكفر وقادة الضلالة ، فأولئك لا يقيم لهم يوم القيامة وزنا ولا يعبأ بهم ، لأنهم لم يعبؤا بأمره ونهيه ، ويوم القيامة هم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون .

ومن سؤال هذا الزنديق أن قال : أجد الله يقول : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم والله يتوفى الأنفس حين موتها والذين تتوفاهم الملائكة طيبين وما أشبه ذلك ، فمرة يجعل الفعل لنفسه ، ومرة لملك الموت ، ومرة للملائكة .

وأجده يقول : ومن يعمل من الصالحات وهومؤمن فلا كفران لسعيه ويقول : وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى أعلم في الآية الأولى أن الأعمال الصالحة لا تكفر ، وأعلم في الآية الثانية أن الايمان والأعمال الصالحة لا ينفع إلا بعد الاهتداء .

وأجده يقول : واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا فكيف يسأل الحي الأموات قبل البعث والنشور .

وأجده يقول : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا فما هذه الأمانة ؟ ومن هذا الانسان ؟ وليس من صفة العزيز الحكيم التلبيس على عباده .

وأجده قد شهر هفوات أنبيائه بقوله : وعصى آدم ربه فغوى وبتكذيبه نوحا لما قال : إن ابني من أهلي بقوله : إنه ليس من أهلك وبوصفه إبراهيم بأنه عبد كوكبا مرة ومرة قمرا ومرة شمسا وبقوله في يوسف عليه السلام : ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه وبتهجينه موسى حيث قال : رب أرني أنظر إليك قال لن تراني الآية وببعثه على داود عليه السلام جبرئيل وميكائيل حيث تسورا المحراب إلى آخر القصة ، وبحبسه يونس في بطن الحوت حيث ذهب مغاضبا مذنبا .

فأظهر خطأ الأنبياء وزللهم ، ثم وارى أسماء من اغتر وفتن خلقه وضل وأضل وكنى عن أسمائهم في قوله : يوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جائني فمن هذا الظالم الذي لم يذكر من اسمه ما ذكر من أسماء الأنبياء .

وأجده يقول : وجاء ربك والملك صفا صفا وهل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أويأتي ربك أويأتي بعض آيات ربك   ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم فمرة يجيئهم ، ومرة يجيئونه .

وأجده يخبر أنه يتلونبيه شاهد منه ، وكان الذي تلاه عبد الأصنام برهة من دهره .

وأجده يقول : لتسئلن يومئذ عن النعيم فما هذه النعيم الذي يسأل العباد عنه .

وأجده يقول : بقية الله خير لكم ما هذه البقية ؟

وأجده يقول : يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وأينما تولوا فثم وجه الله وكل شئ هالك إلا وجهه وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال ما معنى الجنب والوجه واليمين والشمال فان الامر في ذلك ملتبس جدا .

وأجده يقول : الرحمن على العرش استوى ويقول : أأمنتم من في السماء وهو الذي في السماء إله وفى الأرض إله وهو معكم أينما كنتم ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم الآية .

وأجده يقول : وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء ولا كل النساء أيتام ، فما معنى ذلك ؟

وأجده يقول : وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون وكيف يظلم الله ؟ ومن هؤلاء الظلمة ؟ .

وأجده يقول : قل إنما أعظكم بواحدة فما هذه الواحدة .

وأجده يقول : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين وقد أرى مخالفي الاسلام معتكفين على باطلهم ، عير مقلعين عنه ، وأرى غيرهم من أهل الفساد مختلفين في مذاهبهم يلعن بعضهم بعضا فأي موضع للرحمة العامة المشتملة عليهم .

وأجده قد بين فضل نبيه على سائر الأنبياء ثم خاطبه في أضعاف ما أثنى عليه في الكتاب من الازراء عليه ، وانخفاض محله ، وغير ذلك من تهجينه وتأنيبه ما لم يخاطب به أحدا من الأنبياء مثل قوله : ولوشاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين وقوله : ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا وقوله :  وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه وقوله : ما أدري ما يفعل بي ولا بكم وهو يقول : ما فرطنا في الكتاب من شئ وكل شئ أحصيناه في إمام مبين .

فإذا كانت الأشياء تحصى في الامام وهو وصي النبي فالنبي أولى أن يكون بعيدا من الصفة التي قال فيها : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم وهذه كلها صفات مختلفة وأحوال مناقضة وأمور مشككة ، فان يكن الرسول والكتاب حقا فقد هلكت لشكي في ذلك ، وإن كانا باطلين فما على من بأس .

فقال أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه : سبوح قدوس رب الملائكة والروح تبارك الله وتعالى هو الحي الدائم القائم على كل نفس بما كسبت ، هات أيضا ما شككت فيه ،قال : حسبي ما ذكرت يا أمير المؤمنين قال عليه السلام : سأنبئك بتأويل ما سألت ،وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلت ، وعليه فليتوكل المؤمنون .

فأما قوله تعالى : الله يتوفى الأنفس حين موتها وقوله : يتوفاكم ملك الموت وتوفته رسلنا وتتوفاهم الملائكة طيبين والذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فهوتبارك وتعالى أجل وأعظم من أن يتولى ذلك بنفسه ، وفعل رسله وملائكته فعله ، لأنهم بأمره يعملون فاصطفى جل ذكره من الملائكة رسلا وسفرة بينه وبين خلقه ، وهم الذين قال الله فيهم : الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس .

فمن كان من أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة ، ومن كان من أهل المعصية تولى قبض روحه ملائكة النقمة ، ولملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة والنقمة ، يصدرون عن أمره ، وفعلهم فعله ، وكل ما يأتونه منسوب إليه ، وإذا كان فعلهم فعل ملك الموت ، ففعل ملك الموت فعل الله ، لأنه يتوفى الأنفس على يد من يشاء ، ويعطي ويمنع ، ويثيب ويعاقب ، على يد من يشاء ، وإن فعل امنائه فعله ، كما قال : وما تشاؤن إلا أن يشاء الله .

وأما قوله : ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن وقوله : وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى فان ذلك كله لا يغني إلا مع الاهتداء ، وليس كل من وقع عليه اسم الايمان كان حقيقا بالنجاة مما هلك به الغواة ، ولو كان ذلك كذلك ، لنجت اليهود مع اعترافها ، بالتوحيد ، وإقرارها بالله ونجا سائر المقرين بالوحدانية من إبليس فمن دونه مع الكفر ، وقد بين الله ذلك بقوله : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الامن وهم مهتدون وبقوله : الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم . وللايمان حالات ومنازل يطول شرحها ، ومن ذلك أن الايمان قد يكون على وجهين : إيمان بالقلب ، وإيمان باللسان ، كما كان إيمان المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما قهرهم السيف ، وشملهم الخوف ، فإنهم آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم ، فالايمان بالقلب هو التسليم للرب ومن سلم الأمور لمالكها لم يستكبر عن أمره ، كما استكبر إبليس عن السجود لآدم ، واستكبر أكثر الأمم عن طاعة أنبيائهم ، فلم ينفعهم التوحيد كما لم ينفع إبليس ذلك السجود الطويل فإنه سجد سجدة واحدة أربعة آلاف عام ، لم يرد بها غير زخرف الدنيا والتمكين من النظرة فكذلك لا تنفع الصلاة والصدقة إلا مع الاهتداء إلى سبيل النجاة ، وطرق الحق ، وقد قطع الله عذر عباده بتبيين آياته ، وإرسال رسله لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، ولم يخل أرضه من عالم بما يحتاج الخليفة إليه ، ومتعلم على سبيل نجاة أولئك هم الأقلون عددا .

وقد بين الله ذلك في أمم الأنبياء وجعلهم مثلا لمن تأخر ، مثل قوله في قوم نوح وما آمن معه إلا قليل وقوله فيمن آمن من أمة موسى : ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون وقوله في حواري عيسى : حيث قال لسائر بني إسرائيل : من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون يعني أنهم يسلمون لأهل الفضل فضلهم ، ولا يستكبرون عن أمر ربهم ، فما أجابه منهم إلا الحواريون .

وقد جعل الله للعلم أهلا ، وفرض على العباد طاعتهم ، بقوله : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم وبقوله : ولو ردوه إلى الرسول وإلى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم وبقوله : اتقوا الله وكونوا مع الصادقين وبقوله : وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم وبقوله : وأتوا البيوت من أبوابها والبيوت هي بيوت العلم الذي استودعته الأنبياء وأبوابها أوصياؤهم ، فكل عمل من أعمال الخير يجري على غير أيدي أهل الاصطفاء وعهودهم وحدودهم وشرايعهم وسننهم ومعالم دينهم مردود غير مقبول ، وأهل بمحل كفر وإن شملتهم صفة الايمان ، ألم تسمع إلى قول الله تعالى : وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون فمن لم يهتد من أهل الايمان إلى سبيل النجاة لم يغن عنه إيمانه بالله ، مع دفعه حق أوليائه ، وحبط عمله وهوفي الآخرة من الخاسرين . وكذلك قال الله سبحانه : فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا وهذا كثير في كتاب الله عز وجل . والهداية هي الولاية كما قال الله عز وجل : ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون والذين آمنوا في هذا الموضع هم المؤتمنون على الخلائق من الحجج والأوصياء في عصر بعد عصر .

وليس كل من أقر أيضا من أهل القبلة بالشهادتين كان مؤمنا ، إن المنافقين كانوا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويدفعون عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما عهد به من دين الله ، وعزائمه وبراهين نبوته إلى وصيه ويضمرون من الكراهة لذلك ، والنقض لما أبرمه منه ، عند إمكان الامر لهم فيه فيما قد بينة الله لنبيه بقوله : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما وبقوله : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومثل قوله : لتركبن طبقا عن طبق أي لتسلكن سبيل من كان قبلكم من الأمم في الغدر بالأوصياء بعد الأنبياء ، وهذا كثير في كتاب الله عز وجل .

وقد شق على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يؤول إليه عاقبة أمرهم وإطلاع الله إياه على بوارهم ، فأوحى الله عز وجل فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ولا تأس على القوم الكافرين .

وأما قوله : واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا فهذا من براهين نبينا صلى الله عليه وآله وسلم التي آتاه الله إياها ، وأوجب به الحجة على سائر خلقه ، لأنه لما ختم به الأنبياء ، وجعله الله رسولا إلى جميع الأمم وسائر الملل خصه الله بالارتقاء إلى السماء عند المعراج ، وجمع له يومئذ الأنبياء فعلم منهم ما أرسلوا به ، وحملوه من عزائم الله ، وآياته وبراهينه ، وأقروا أجمعين بفضله وفضل الأوصياء والحجج في الأرض من بعده ، وفضل شيعة وصيه من المؤمنين والمؤمنات الذين سلموا لأهل الفضل فضلهم ، ولم يستكبروا عن أمرهم ، وعرف من أطاعهم وعصاهم من أممهم ، وسائر من مضى ومن غبر أوتقدم أوتأخر .

وأما هفوات الأنبياء عليهم السلام وما بينه الله في كتابه ووقوع الكناية عن أسماء من اجترم أعظم مما اجترمته الأنبياء ممن شهد الكتاب بظلمهم ، فان ذلك من أدل الدلائل على حكمة الله عز وجل الباهرة ، وقدرته القاهرة ، وعزته الظاهرة لأنه علم أن براهين الأنبياء تكبر في صدور أممهم ، وأن منهم من يتخذ بعضهم إلها كالذي كان من النصارى في ابن مريم ، فذكرها دلالة على تخلفهم عن الكمال الذي تفرد به عز وجل ، ألم تسمع إلى قوله في صفة عيسى عليه السلام : حيث قال فيه وفي أمه : كانا يأكلان الطعام يعني من أكل الطعام كان له ثفل ومن كان له ثفل فهوبعيد مما ادعته النصارى لابن مريم .

ولم يكن عن أسماء الأنبياء تجبرا وتعززا ، بل تعريفا لأهل الاستبصار أن الكناية عن أسماء ذوي الجرائر العظيمة من المنافقين في القرآن ليست من فعله تعالى ، وأنها من فعل المغيرين والمبدلين الذين جعلوا القرآن عضين ، واعتاضوا الدنيا من الدين .

وقد بين الله تعالى قصص المغيرين بقوله : الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا وبقوله : وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب وبقوله : إذ يبيتون ما لا يرضى من القول بعد فقد الرسول ما يقيمون به أود باطلهم ، حسب ما فعلته اليهود والنصارى بعد فقد موسى وعيسى عليهما السلام من تغيير التوراة والإنجيل ، وتحريف الكلم عن مواضعه .

وبقوله : يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره يعني أنهم أثبتوا في الكتاب ما لم يقله الله ، ليلبسوا على الخليفة ، فأعمى الله قلوبهم حتى تركوا فيه ما يدل على ما أحدثوه فيه ، وحرفوا منه ، وبين عن إفكهم وتلبيسهم وكتمان ما علموه منه ، ولذلك قال لهم : لم تلبسون الحق بالباطل وضرب مثلهم بقوله : فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض . فالزبد في هذا الموضع كلام الملحدين الذين أثبتوه في القرآن ، فهو يضمحل ويبطل ويتلاشى عند التحصيل ، والذي ينفع الناس منه فالتنزيل الحقيقي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والقلوب تقبله ، والأرض في هذا الموضع هي محل العلم وقراره .

وليس يسوغ مع عموم التقية التصريح بأسماء المبدلين ولا الزيادة في آياته على ما أثبتوه من تلقائهم في الكتاب ، لما في ذلك من تقوية حجج أهل التعطيل والكفر ، والملل المنحرفة عن قبلتنا وإبطال هذا العلم الظاهر الذي قد استكان له الموافق والمخالف ، بوقوع الاصطلاح على الايتمار لهم ، والرضا بهم ، ولان أهل الباطل في القديم والحديث أكثر عددا من أهل الحق ، ولان الصبر على ولاة الامر مفروض لقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم : فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل وإيجابه مثل ذلك على أوليائه وأهل طاعته بقوله : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة فحسبك من الجواب في هذا الموضع ما سمعت ، فان شريعة التقية تحظر التصريح بأكثر منه .

وأما قوله : فجاء ربك والملك صفا صفا وقوله : ولقد جئتمونا فرادى وقوله : هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أويأتي ربك أويأتي بعض آيات ربك فذلك كله حق وليست جيئته جل ذكره كجيئة خلقه ، فإنه رب كل شئ ، ومن كتاب الله عز وجل ما يكون تأويله على غير تنزيله ، ولا يشبه تأويله كلام البشر ولا فعل البشر ، وسأنبئك بمثال لذلك تكتفي به إنشاء الله ، وهو حكاية الله عز وجل عن إبراهيم عليه السلام حيث قال : إني ذاهب إلى ربي فذهابه إلى ربه توجهه إليه في عبادته واجتهاده ، ألا ترى أن تأويله غير تنزيله .

وقال : أنزل إليكم من الانعام ثمانية أزواج وقال : وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد فانزاله ذلك خلقه إياه ، وكذلك قوله : إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين أي الجاحدين فالتأويل في هذا القول باطنه مضاد لظاهره .

ومعنى قوله : هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أويأتي ربك أويأتي بعض آيات ربك فإنما [ هي ] خاطب نبينا صلى الله عليه وآله وسلم هل ينتظرون المنافقون والمشركون إلا أن تأتيهم الملائكة فيعاينوهم أويأتي ربك أويأتي بعض آيات ربك ، يعني بذلك أمر ربك والآيات هي العذاب في دار الدنيا ، كما عذب الأمم السالفة ، والقرون الخالية ، وقال : أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها يعني بذلك ما يهلك من القرون ، فسماه إتيانا ، وقال : قاتلهم الله أنى يؤفكون أي لعنهم الله أنى يؤفكون فسمى اللعنة قتالا ، وكذلك قال : قتل الانسان ما أكفره أي لعن الانسان ، وقال : فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى فسمى فعل النبي فعلا له ، ألا ترى تأويله على غير تنزيله .

ومثل قوله : بلهم بلقاء ربهم كافرون فسمى البعث لقاء ، وكذلك قوله : الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم أي يوقنون أنهم مبعوثون ، ومثله قوله : ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم أي أليس يوقنون أنهم مبعوثون ؟ واللقاء عند المؤمن البعث ، وعند الكافر المعاينة والنظر ، وقد يكون بعض ظن الكافر يقينا ، وذلك قوله : ورأي المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها أي أيقنوا أنهم مواقعوها .

وأما قوله في المنافقين وتظنون بالله الظنونا فليس ذلك بيقين ، ولكنه شك ، فاللفظ واحد في الظاهر ، ومخالف في الباطن ، وكذلك قوله : الرحمن على العرش استوى يعني استوى تدبيره وعلا أمره وقوله : وهوالذي في السماء إله وفي الأرض إله وقوله : هومعكم أينما كنتم وقوله : ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم فإنما أراد بذلك استيلاء أمنائه بالقدرة – التي ركبها فيهم – على جميع خلقه ، وأن فعلهم فعله ، فافهم عني ماأقول لك ، فاني إنما أزيدك في الشرح لا ثلج في صدرك ، وصدر من لعله به اليوم يشك في مثل ما شككت فيه ، فلا يجد مجيبا عما يسأل عنه ، لعموم الطغيان والافتتان ، ولاضطرار أهل العلم بتأويل الكتاب إلى الاكتمام والاحتجاب ، خيفة من أهل الظلم والبغي .

أما إنه سيأتي على الناس زمان يكون الحق فيه مستورا ، والباطل ظاهرا مشهورا ، وذلك إذا كان أولى الناس به أعداهم له ، واقترب الوعد الحق ، وعظم الالحاد ، وظهر الفساد ، هنالك ابتلي المؤمنون ، وزلزلوا زلزالا شديدا ، ونحلهم الكفار أسماء الأشرار ، فيكون جهد المؤمن أن يحفظ مهجته من أقرب الناس إليه ثم يتيح الله الفرج لأوليائه ، فيظهر صاحب الامر على أعدائه ، وأما قوله : ويتلوه شاهد منه فذلك حجة الله أقامها على خلقه وعرفهم انه لا يستحق مجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا من يقوم مقامه ولا يتلوه إلا من يكون في الطهارة مثله منزلة لئلا يتسع لمن ماسه رجس الكفر في وقت من الأوقات انتحال الاستحقاق لمقام رسول الله ، وليضيق العذر على من يعينه على إثمه وظلمه ، إذ كان الله قد حظر على من ماسه الكفر تقلد ما فوضه إلى أنبيائه وأوليائه بقوله لإبراهيم : لا ينال عهدي الظالمين أي المشركين لأنه سمى الشرك ظلما بقوله : إن الشرك لظلم عظيم فلما علم إبراهيم عليه السلام أن عهد الله تبارك اسمه بالإمامة لا ينال عبدة الأصنام قال : فاجنبني وبني أن نعبد الأصنام .

واعلم أن من آثر المنافقين على الصادقين ، والكفار على الأبرار ، فقد افترى على الله إثما عظيما ، إذا كان قد بين الله في كتابه الفرق بين المحق والمبطل والطاهر والنجس والمؤمن والكافر ، وأنه لا يتلوالنبي صلى الله عليه وآله – وسلم عند فقده إلا من حل محله صدقا وعدلا وطهارة وفضلا ، وأما الأمانة التي ذكرتها فهي الأمانة التي لا تجب ولا يجوز أن تكون إلا في الأنبياء وأوصيائهم ، لان الله تبارك وتعالى ائتمنهم على خفه ، وجعلهم حججا في أرضه ، فبالسامري ومن اجتمع معه وأعانه من الكفار على عبادة العجل عند غيبة موسى ما تم انتحال محل موسى عليه السلام من الطعام ، والاحتمال لتلك الأمانة التي لا ينبغي إلا لطاهر من الرجس ، فاحتمل وزرها ، ووزر من سلك في سبيله من الظالمين وأعوانهم ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من استن سنة حق كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن استن سنة باطل كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ولهذا القول عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شاهد من كتاب الله وهو قول الله عز وجل في قصة قابيل قاتل أخيه : من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أوفساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا وللاحياء في هذا الموضع تأويل في الباطل ليس كظاهره ، وهو من هداها ، لان الهداية هي حياة الأبد ، ومن سماه الله حيا لم يمت أبدا إنما ينقله من دار محنة إلى دار راحة ومنحة .

وأما ما أراك من الخطاب بالانفراد مرة وبالجمع مرة ، من صفة الباري جل ذكره فان الله تبارك وتعالى على ما وصف به نفسه بالانفراد والوحدانية هو النور الأزلي القديم الذي ليس كمثله شئ لا يتغير ويحكم ما يشاء ويختار ولا معقب لحكمه ، ولا راد لقضائه ، ولا ما خلق زاد في ملكه وعزه ، ولا نقص منه ما لم يخلقه ، وإنما أردا بالخلق إظهار قدرته ، وإبداء سلطانه ، وتبيين براهين حكمته ، فخلق ما شاء كما شاء ، وأجرى فعل بعض الأشياء على أيدي من اصطفى من امنائه ، فكان فعلهم فعله ، وأمرهم أمره ، كما قال : من يطع الرسول فقد أطاع الله .

وجعل السماء والأرض وعاء لمن شاء من خلقه ليميز الخبيث من الطيب ، مع سابق علمه بالفريقين من أهلها ، وليجعل ذلك مثالا لأوليائه وأمنائه ، وعرف الخليفة فضل منزلة أوليائه ، وفرض عليهم من طاعتهم مثل الذي فرضه منه لنفسه وألزمهم الحجة بأن خاطبهم خطابا يدل على انفراده وتوحده ، وبأن له أولياء تجري أفعالهم وأحكامهم مجرى فعله ، فهم العباد المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون .

هم الذين أيدهم بروح منه ، وعرف الخلق اقتدارهم على علم الغيب ، بقوله : عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول وهم النعيم الذي يسأل العباد عنه لان الله تبارك وتعالى أنعم بهم على من اتبعهم من أوليائهم .

قال السائل : من هؤلاء الحجج ؟ قال عليه السلام : هم رسول الله صلى الله عليه وآله ومن حل محله من أصفياء الله ، الذين قرنهم الله بنفسه وبرسوله ، وفرض على العباد من طاعتهم مثل الذي فرض عليهم منها لنفسه ، وهم ولاة الامر الذين قال الله فيهم : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم وقال فيهم : ولو ردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم .

قال السائل : ما ذلك الامر ؟ قال علي عليه السلام : الذي تنزل به الملائكة في الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم : من خلق ورزق ، وأجل وعمل ، وحياة وموت ، وعلم غيب السماوات والأرض ، والمعجزات التي لا تنبغي إلا لله وأصفيائه والسفرة بينه وبين خلقه ، وهم وجه الله الذي قال : فأينما تولوا فثم وجه الله . هم بقية الله يعني المهدي الذي يأتي عند انقضاء هذه النظرة ، فيملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا ، ومن آياته الغيبة والاكتتام عند عموم الطغيان وحلول الانتقام ، ولو كان هذا الامر الذي عرفتك نبأه للنبي دون غيره لكان الخطاب يدل على فعل خاص غير دائم ولا مستقبل ، ولقال نزلت الملائكة ، وفرق كل أمر حكيم ولم يقل تنزل الملائكة ويفرق كل أمر حكيم وقد زاد جل ذكره في التبيان وإثبات الحجة بقوله في أصفيائه وأوليائه عليهم السلام : أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله تعريفا للخليقة قربهم ألا ترى أنك تقول فلان إلى جنب فلان ، إذا أردت أن تصف قربه منه .

وإنما جعل الله تبارك وتعالى في كتابه هذه الرموز التي لا يعلمها غيره ، وغير أنبيائه وحججه في أرضه ، لعلمه بما يحدثه في كتابه المبدلون من إسقاط أسماء حججه منه ، وتلبيسهم ذلك على الأمة ، ليعينوهم على باطلهم ، فأثبت فيه الرموز وأعمى قلوبهم وأبصارهم ، لما عليهم في تركها وترك غيرها من الخطاب الدال على ما أحدثوه فيه ، وجعل أهل الكتاب المقيمين به ، والعالمين بظاهره وباطنه ، من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين باذن ربها أي يظهر مثل هذا العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت ، وجعل أعداءها أهل الشجرة الملعونة الذين حاولوا إطفاء نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره .

ولوعلم المنافقون لعنهم الله ما عليهم من ترك هذه الآيات التي بينت لك تأويلها ، لأسقطوها مع ما أسقطوا منه ، ولكن الله تبارك اسمه ماض حكمه بايجاب الحجة على خلقه ، كما قال : فلله الحجة البالغة أغشى أبصارهم ، وجعل على قلوبهم أكنة عن تأمل ذلك ، فتركوه بحاله ، وحجبوا عن تأكيد الملبس بابطاله ، فالسعداء يتثبتون عليه ، والأشقياء يعمون عنه ، ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور .

ثم إن الله جل ذكره بسعة رحمته ، ورأفته بخلقه ، وعلمه بما يحدثه المبدلون من تغيير كتابه ، قسم كلامه ثلاثة أقسام ، فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل ، وقسما لا يعرفه إلا من صفا ذهنه ، ولطف حسه ، وصح تمييزه ممن شرح الله صدره للاسلام ، وقسما لا يعرفه إلا الله وامناؤه الراسخون في العلم .

وإنما فعل ذلك لئلا يدعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله صلى الله عليه وآله من علم الكتاب ما لم يجعله الله لهم ، وليقودهم الاضطرار إلى الايتمار لمن ولاه أمرهم ، فاستكبروا عن طاعته تعززا وافتراء على الله عز وجل واغترارا بكثرة من ظاهرهم وعاونهم ، وعاند الله جل اسمه ورسوله صلى الله عليه وآله .

فأما ما علمه الجاهل والعالم من فضل رسول الله صلى الله عليه وآله من كتاب الله وهوقول الله سبحانه : من يطع الرسول فقد أطاع الله وقوله : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنا صلوا عليه وسلموا تسليما ولهذه الآية ظاهر وباطن فالظاهر قوله : صلوا عليه والباطن قوله : وسلموا تسليما أي سلموا لمن وصاه واستخلفه عليكم فضله ، وما عهد به إليه تسليما ، وهذا مما أخبرتك أنه لا يعلم تأويله إلا من لطف حسه ، وصفا ذهنه ، وصح تميزه .

وكذلك قوله : سلام على آل يس لان الله سمى النبي صلى الله عليه وآله بهذا الاسم حيث قال : يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين لعلمه بأنهم يسقطون قول : سلام على آل محمد كما أسقطوا غيره ، وما زال رسول الله صلى الله عليه وآله يتألفهم ويقربهم ويجلسهم عن يمينه وشماله ، حتى أذن الله عز وجل له في إبعادهم بقوله : واهجرهم هجرا جميلا وبقوله : فما للذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم كلا إنا خلقناهم مما يعملون وكذلك قال الله عز وجل يوم ندعوا كل أناس بامامهم ولم يسم بأسمائهم وأسماء آبائهم وأمهاتهم .

وأما قوله : كل شئ هالك إلا وجهه فإنما أنزلت كل شئ هالك إلا دينه ، لأنه من المحال أن يهلك منه كل شئ ويبقى الوجه ، هو أجل وأعظم وأكرم من ذلك ، إنما يهلك من ليس منه ، ألا ترى أنه قال : كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ففصل بين خلقه ووجهه .

وأما ظهورك على تناكر قوله : فان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء ، ولا كل النساء أيتاما ، فهو مما قدمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن ، وبين  القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن وهذا ما أشبهه مما ظهرت حوادث المنافقين فيه لأهل النظر والتأمل ، ووجد المعطلون وأهل الملل المخالفة مساغا إلى القدح في القرآن ، ولوشرحت لك كل ما اسقط وحرف وبدل مما يجري هذا المجرى لطال ، وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء .

وأما قوله : وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون فهو تبارك اسمه أجل وأعظم من أن يظلم ، ولكنه قرن امناءه على خلقه بنفسه ،وعرف الخليفة جلالة قدرهم عنده ، وأن ظلمهم ظلمه ، بقول : وما ظلمونا ببغضهم أولياءنا ومعونة أعدائهم عليهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون إذ حرموها الجنة ، وأوجبوا عليها خلود النار

وأما قوله : إنما أعظكم بواحدة فان الله جل ذكره أنزل عزائم الشرايع وآيات الفرائض في أوقات مختلفة كما خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، ولوشاء أن يخلقها في أقل من لمح البصر لخلق ، ولكنه جعل الأناة والمداراة مثالا لامنائه ، وإيجابا للحجة على خلقه ، فكان أول ما قيدهم به الاقرار بالوحدانية والربوبية ، والشهادة بأن لا إله إلا الله . فلما أقروا بذلك ، تلاه بالاقرار لنبيه صلى الله عليه وآله بالنبوة ، والشهادة له بالرسالة ، فلما انقادوا لذلك فرض عليهم الصلاة ، ثم الصوم ، ثم الحج ، ثم الجهاد ، ثم الزكاة ، ثم الصدقات ، وما يجري مجراها من مال الفئ .

فقال المنافقون : هل بقي لربك علينا بعد الذي فرضته علينا شئ آخر يفترضه ؟ فتذكره لتسكن أنفسنا أنه لم يبق غيره ، فأنزل الله في ذلك قل إنما أعظكم بواحدة يعني الولاية فأنزل إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون وليس بين الأمة خلاف أنه لم يؤت الزكاة يومئذ أحد وهوراكع غير رجل واحد لوذكر اسمه في الكتاب لأسقط مع ما اسقط من ذكره ، وهذا وما أشبهه من الرموز التي ذكرت لك ثبوتها في الكتاب ، ليجهل معناه المحرفون ، فيبلغ إليك وإلى أمثالك وعند ذلك قال الله عز وجل : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا .

وأما قوله لنبيه صلى الله عليه وآله : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين فإنك ترى أهل الملل المخالفة للايمان ، ومن يجري مجراهم من الكفار ، مقيمين على كفرهم إلى هذه الغاية ، وأنه لو كان رحمة عليهم لاهتدوا جميعا ونجوا من عذاب السعير ، فان الله تبارك وتعالى اسمه إنما يعني بذلك أنه جعله سبيلا لانظار أهل هذه الدار ، ولان الأنبياء قبله بعثوا بالتصريح لا بالتعريض .

فكان النبي صلى الله عليه وآله فيهم إذا صدع بأمر الله وأجابه قومه ، سلموا وسلم أهل دارهم من سائر الخليقة ، وإن خالفوه هلكوا وهلك أهل دارهم بالآفة التي كانت نبيهم يتوعدهم بها ، ويخوفهم حلولها ونزولها بساحتهم ، من خسف أو قذف أوزجر أوريح أوزلزلة أو غير ذلك من أصناف العذاب ، التي هلكت بها الأمم الخالية وإن الله علم من نبينا ومن الحجج في الأرض الصبر على ما لم يطق من تقدمهم من الأنبياء الصبر على مثله ، فبعثه الله بالتعريض لا بالتصريح ، وأثبت حجة الله تعريضا لا تصريحا بقوله في وصيه : من كنت مولاه فهذا مولاه  وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي .

وليس من خليقة النبي ولا من شيمته أن يقول قولا لا معنى له ، فيلزم الأمة أن تعلم أنه لما كانت النبوة والاخوة موجودتين في خلقة هارون ، ومعدومتين فيمن جعله النبي صلى الله عليه وآله بمنزلته ، أنه قد استخلفه على أمته كما استخلف موسى هارون حيث قال : اخلفني في قومي ولو قال لهم : لا تقلدوا الإمامة إلا فلانا بعينه ، وإلا نزل بكم العذاب لأتاهم العذاب الأليم ، وزال باب الانظار والامهال .

وبما أمر بسد باب الجمع وترك بابه ، ثم قال : ما سددت ولا تركت ولكنني أمرت فأطعت ، فقالوا : سددت بابنا وتركت لأحدثنا سنا ، فأما ما ذكروه من حداثة سنه فان الله لم يستصغر يوشع بن نون حيث أمر موسى أن يعهد الوصية إليه ، وهو في سن ابن سبع سنين ، ولا استصغر يحيى وعيسى لما استودعهما عزائمه وبراهين حكمته وإنما فعل ذلك جل ذكره لعلمه بعاقبة الأمور ، وأن وصيه لا يرجع بعده ضالا ولا كافرا .

وبأن عمد النبي صلى الله عليه وآله إلى سورة براءة فدفعها إلى من علم أن الأمة تؤثره على وصيه ، وأمره بقراءتها على أهل مكة ، فلما ولى من بين أيديهم أتبعه بوصيه ، وأمره بارتجاعها منه ، والنفوذ إلى مكة ليقرأها على أهلها وقال : إن الله عز وجل أوحى إلى أن لا يؤدي عني إلا رجل مني ، دلالة منه على خيانة من علم أن الأمة يختاره على وصيه .

ثم شفع ذلك بضم الرجل الذي ارتجع سورة براءة منه ، ومن يوازره في تقدم المحل عند الأمة إلى علم النفاق عمرو بن العاص في غزاة ذات السلاسل وولاهما عمر ، وحرس عسكره ، وختم أمرهما بأن ضمهما عند وفاته إلى مولاه أسامة بن زيد ، وأمرهما بطاعته ، والتصريف بين أمره ونهيه ، وكان آخر ما عهد به في امر أمته قوله : انفذوا جيش أسامة ، يكرر ذلك على أسماعهم إيجابا للحجة عليهم في إيثار المنافقين على الصادقين .

ولو عددت كل ما كان من رسول الله صلى الله عليه وآله في إظهار معايب المستولين على تراثه ، لطال ، وإن السابق منهم إلى تقلد ما ليس له بأهل ، قام هاتفا على المنبر لعجزه عن القيام بأمر الأمة ومستقيلا مما تقلده لقصور معرفته عن تأويل ما كان يسأل عنه ، وجهله بما يأتي ويذر .

ثم أقام على ظلمه ، ولم يرض باحتقاب عظيم الوزر في ذلك حتى عقد الامر من بعده لغيره ، فأتى التالي له بتسفيه رأيه ، والقدح والطعن على أحكامه ، ورفع السيف عمن كان صاحبه وضعه عليه ، ورد النساء اللاتي كان سباهن على أزواجهن ، وبعضهن حوامل ، وقوله : قد نهيته عن قتال أهل القبلة فقال لي : إنك لحدب على أهل الكفر وكان هو في ظلمه لهم أولى باسم الكفر منهم . ولم يزل يخطئه ويظهر الازراء عليه ، ويقول على المنبر ، كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها فمن دعاكم إلى مثلها فاقتلوه ، وكان يقول قبل ذلك قولا ظاهرا أنه حسنة من حسناته ويود أنه كان شعرة في صدره ، وغير ذلك من القول المتناقض المؤكد بحجج الدافعين لدين الاسلام .

وأتى من أمر الشورى وتأكيده بها عقد الظلم والالحاد والبغي والفساد حتى تقرر على إرادته وما لم يخف على ذي لب موقع ضرره ، ولم تطق الأمة الصبر على ما أظهره الثالث من سوء الفعل ، فعاجلته بالقتل ، واتسع بما جنوه من ذلك لمن وافقهم على ظلمهم وكفرهم ونفاقهم ، ومحاولة مثل ما أتوه من الاستيلاء على أمر الأمة كل ذلك لتتم النظرة التي أوجبها الله تبارك وتعالى لعدوه إبليس إلى أن يبلغ الكتاب أجله ، ويحق القول على الكافرين ، ويقترب الوعد الحق الذي بينه الله في كتابه بقوله : وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم .

وذلك إذا لم يبق من الاسلام إلا اسمه ، ومن القرآن إلا رسمه ، وغاب صاحب الامر بايضاح العذر له في ذلك ، لاشتمال الفتنة على القلوب ، حتى يكون أقرب الناس إليه أشدهم عداوة له ، وعند ذلك يؤيده الله بجنود لم تروها ، ويظهر دين نبيه صلى الله عليه وآله على يديه على الدين كله ولوكره المشركون .

وأما ما ذكرته من الخطاب الدال على تهجين النبي صلى الله عليه وآله والازراء به والتأنيب له ، مع ما أظهره الله تبارك وتعالى في كتابه من تفضيله إياه على سائر الأنبياء فان الله عز وجل جعل لكل نبي عدوا من المشركين كما قال في كتابه وبحسب جلالة منزلة نبينا صلى الله عليه وآله عند ربه كذلك عظم محنته لعدوه ، والذي عاد منه في حال شقاقه ونفاقه وكل أذى ومشقة لدفع نبوته وتكذيبه إياه ، وسعيه في مكارهه ، وقصده لنقض كل ما أبرمه ، واجتهاده ومن مالاه على كفره وفساده ونفاقه وإلحاده في إبطال دعواه ، وتغيير ملته ، ومخالفة سنته ، ولم ير شيئا أبلغ في تمام كيده من تنفيرهم من موالاة وصيه ، وإيحاشهم منه ، وصدهم عنه وإغرائهم بعداوته ، والقصد لتغيير الكتاب الذي جاء به ، وإسقاط ما فيه من فضل ذوي الفضل ، وكفر ذوي الكفر منه وممن وافقه على ظلمه وبغيه وشركه .

ولقد علم الله ذلك منهم فقال : إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا وقال : يريدون أن يبدلوا كلام الله ولقد أحضروا الكتاب كملا مشتملا على التأويل والتنزيل ، والمحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، لم يسقط منه حرف ألف ولا لام ، فلما وقفوا على ما بينه الله من أسماء أهل الحق والباطل وأن ذلك إن ظهر نقض ما عقدوه ، قالوا : لا حاجة لنا فيه ، ونحن مستغنون عنه بما عندنا ، ولذلك قال : فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون .

ثم دفعهم الاضطرار بورود المسائل عليهم عما لا يعلمون تأويله إلى جمعه وتأليفه وتضمينه من تلقائهم ما يقيمون به دعائم كفرهم ، فصرخ مناديهم : من كان عنده شئ من القرآن فليأتنا به ، ووكلوا تأليفه ونظمه إلى بعض من وافقهم على معاداة أولياء الله فألفه على اختيارهم ، وما يدل للمتأمل له على اختلال تمييزهم وتقريبهم وتركوا منه ما قدروا أنه لهم ، وهو عليهم ، وزادوا تناكره وتنافره .

وعلم الله أن ذلك يظهر ويبين ، فقال : ذلك مبلغهم من العلم وانكشف لأهل الاستبصار عوارهم وافتراؤهم ، والذي بدا في الكتاب من الازراء على النبي صلى الله عليه وآله من فرية الملحدين ، ولذلك قال جل ذكره : يقولون منكرا من القول وزورا .

فيذكر لنبيه صلى الله عليه وآله من ما يحدثه عدوه في كتابه من بعده بقوله : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ، فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته يعني أنه ما من نبي تمنى مفارقة مايعاينه من نفاق قومهم وعقوقهم ، والانتقال عنهم إلى دار الإقامة إلا ألقى الشيطان المعرض بعداوته عند فقده في الكتاب الذي أنزل عليه ذمه والقدح فيه والطعن عليه فينسخ الله ذلك من قلوب المؤمنين ، فلا تقبله ولا تصغي إليه غير قلوب المنافقين والجاهلين ويحكم الله آياته بأن يحمى أولياءه من الضلال والعدوان ، ومشايعة أهل الكفر والطغيان ، الذين لم يرض الله أن يجعلهم كالانعام حتى قال : بلهم أضل سبيلا فافهم هذا واعمل به .

واعلم أنك ما قد تركت مما يجب عليك السؤال عنه أكثر مما سألت وإني قد اقتصرت على تفسير يسير من كثير ، لعدم حملة العلم ، وقلة الراغبين في التماسه ، وفي دون ما بينت لك بلاغ لذوي الألباب .

قال السائل ، حسبي ما سمعت يا أمير المؤمنين ، شكر الله لك استنقاذي من عماية الشك ، وطخية الإفك ، وأجزل على ذلك مثوبتك ، إنه على كل شئ قدير ، وصلى الله أولا وآخرا على أنوار الهدايات ، وأعلام البرايات ، محمد وآله أصحاب الدلالات .

يتبع ……

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى