مقالات

عدالة الصحابة…

معنى الصحابة لغة

أ ـ في قواميس اللغة

الأصحاب ، الصحابة ، صحب ، يصحب صحبة ” بالضم ” و صحابة ” بالفتح ” ، صاحب أي عاشر ، رافق ، جالس ، انقاد ، شايع . و الصاحب هو المعاشر أو المنقاد ، أو المجالس أو المشايع ، أو المرافق ، أو القائم على الشئ ، أو الحافظ له . و يطلق أيضا على كل من تقلد مذهبا ، فيقال : أصحاب الإمام جعفر ( عليه السلام ) ، و أصحاب أبي حنيفة . و أصحاب الشافعي . . . . الخ . يقال :
اصطحب القوم أي صحب بعضهم بعضا ، و اصطحب البعير أي انقاد له 1 .

ب ـ في القرآن الكريم

الله تبارك و تعالى أنزل الكتاب قرآنا عربيا ، و هو بوجه من وجوهه المرجع اليقيني الأوحد للغة العربية ، لأنه كلام الله العالم علما يقينا بأدق خفايا هذه اللغة و أعمق أسرارها .
و بتلاوتنا للقرآن الكريم ، نجد أنه قد اشتمل على كلمات : ” تصاحبني ، و صاحبهما و صاحبه ، و صاحبته ، و أصحاب ، و أصحابهم ” . و أن هذه الكلمات تكررت بمجموعها في القرآن الكريم ( 97 ) مرة .
و من المثير للانتباه ، أننا لم نعثر في القرآن الكريم كله على لفظ لكلمتي ( صحابة / بالفتح / أو صحبة / بالضم ) .
ج ـ استقراء الآيات لصالح المعنى اللغوي
و باستقرائنا لتلك الكلمات نجد أنها تشكل تغطية كاملة للمعاني اللغوية التي أشرت إليها في الفقرة السابقة ( أ ) . فالصحبة يمكن أن تأخذ وجها أو صورة واحدة و يمكن أن تأخذ وجوها أو صورا متعددة ، و يمكن أن يكون لها وجه أمثل يشمل كل نواحي الخير ، و قد يكون لها وجه أبشع يشمل كل نواحي الشر .
د ـ وجوه أو صور الصحبة
فقد تكون بين مؤمن و مؤمن 2 ، و قد تكون بين ولد و والدين مختلفين بالاعتقاد 3 و قد تكون بين رفيقي سفر 4 و قد تكون بين تابع و متبوع 5 و قد تكون بين مؤمن و كافر 6 و قد تكون شمولية على الشر بين كافر و كافرين 7 و قد تكون بين نبي و قومه الكافرين النبي يحاول أن يشدهم نحو الخير و هم يحاولون إعادته إلى حظيرة الشر 8 و قد تكون الصحبة اضطرارية 9 و قد تكون صحبة أثر فيقتدي فاسد بفعل فاسد و ينسج على منواله 10 و قد تكون الصحبة انقيادا لعقيدة إلهية و ولاء مطلق لقيادتها السياسية كانقياد الآل الكرام للعقيدة الإلهية و ولائهم المطلق لقيادة النبي السياسية و تضحياتهم الجسام ، و كانقياد و ولاء الصفوة الصادقة من أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله ) . فمحور الصحبة ( بالضم ) محور شمولي يرتكز على عقيدة و قيادة و أهداف و مثل عليا يسعى القائد و أصحابه لتحقيقها و سيادتها على مجتمع معين 11 .

معنى الصحابة اصطلاحا

يقول ابن حجر العسقلاني الشافعي بالحرف : ” الصحابي من لقي النبي ( صلى الله عليه وآله ) مؤمنا به و مات على الإسلام ” 12 .
أ ـ توضيح ابن حجر لهذا التعريف :
1 ـ فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت .
2 ـ من روى عنه أو لم يرو .
3 ـ من غزا معه أو لم يغز .
4 ـ من رآه و لو لم يجالسه .
5 ـ من لم يره لعارض كالعمى .
و يخرج بقيد الإيمان ” مؤمنا به “
1 ـ من لقيه مؤمنا بغيره كمن لقيه من مؤمني أهل الكتاب قبل البعثة .
2 ـ و هل يدخل من لقيه منهم و آمن بأنه سيبعث ، أو لا يدخل محل احتمال ، و من هؤلاء بحيرة الراهب و نظراؤه .
3 ـ و يدخل في قولنا مؤمنا به كل مكلف من الجن و الإنس .
4 ـ و إنكار ابن الأثير على أبي موسى تخريجه لبعض الجن الذين عرفوا في كتاب الصحابة فليس بمنكر .
5 ـ و قال ابن حزم : من ادعى الإجماع فقد كذب على الأمة فإن الله تعالى قد أعلمنا أن نفرا من الجن آمنوا و سمعوا القرآن من النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) فهم صحابة 13 .
6 ـ الملائكة محل نظر ، و قد نقل الإمام فخر الدين الرازي في ” أسرار التنزيل ” الاجماع على أنه ( صلى الله عليه وآله) لم يكن مرسلا إلى الملائكة ، و نوزع في هذا النقل بل رجح الشيخ تقي الدين السبكي أنه كان مرسلا إليهم و احتج بأشياء .
7 ـ و خرج بقولنا ” و مات على الإسلام ” من لقيه مؤمنا به ثم ارتد و مات على دينه و العياذ بالله من ذلك عدد يسير كعبيد الله بن جحش الذي كان زوجا لأم حبيبة ، فإنه أسلم معها و هاجر إلى الحبشة فتنصر و مات على نصرانيته ، و كعبد الله بن خطل الذي قتل و هو متعلق بأستار الكعبة .
8 ـ و يدخل فيه من ارتد و عاد إلى الإسلام قبل أن يموت سواء اجتمع به ( صلى الله عليه و آله و سلم ) مرة أخرى أم لا . و هذا هو الصحيح المعتمد و الشق الأول لا خلاف في دخوله . و أبدى بعضهم في الشق الثاني احتمالا و هو مردود لإطباق أهل الحديث على أن ابن قيس من الصحابة و على تخريج أحاديثه في الصحاح و المسانيد و هو من ارتد ثم عاد للإسلام في خلافة أبي بكر .
ب ـ تقييم ابن حجر لهذا التعريف
هذا التعريف مبني على الأصح المختار عند المحققين كالبخاري و شيخه أحمد بن حنبل و من تبعهما . و وراء ذلك أقوال آخرين شاذة كقول من قال : لا يعد صحابيا إلا من وصف بأحد أوصاف أربعة : 1 ـ من طالت صحبته . 2 ـ أو حفظت روايته . 3 ـ أو ضبط أنه قد غزا معه . 4 ـ أو استشهد بين يديه . و كذلك من اشترط في صحة الصحبة بلوغ الحلم أو المجالسة و لو قصرت . و أطلق جماعة أن من رأى النبي ( صلى الله عليه و آله ) فهو صحابي ، و هو محمول على من بلغ سن التمييز ، إذ من لم يميز لا تصح نسبة الرؤية إليه ، و عندما يراه النبي ( صلى الله عليه و آله ) فيكون صحابيا من هذه الحيثية و من حيث الرؤية يكون تابعيا . و هل يدخل من رآه ميتا قبل أن يدفن كما وقع لأبي ذؤيب الهذلي الشاعر إن صح محل نظر و الراجح عدم الدخول .
ج ـ وسائل معرفة الصحابة
أن يثبت بطريق التواتر أنه صحابي ثم بالإستفاضة و الشهرة ، ثم أن يروي عن أحد من الصحابة أن فلانا له صحبة مثلا ، و كذلك عن آحاد التابعين بناء على قبول التزكية من واحد و هو الراجح ، ثم بأن يقول هو إذا كان ثابت العدالة : أنا صحابي .
أما الشرط الأول و هو العدالة فجزم به الآمدي و غيره لأنه قوله قبل أن تثبت عدالته :
أنا صحابي ، أو ما يقوم مقام ذلك يلزم من قبوله قوله إثبات عدالته ، لأن الصحابة كلهم عدول فيكون بمنزلة القائل أنا عدل و ذلك لا يقبل .
و فوق ذلك المعاصرة فيعتبر بمضي مائة سنة و عشر سنين من هجرة النبي ( صلى الله عليه و آله ) . و من هنا لم تصدق الأئمة من ادعى الصحبة بعد الغاية المذكورة ، و قد ادعاها جماعة فكذبوا لأن الظاهر كذبهم في دعواهم ، و من لا تعرف حاله إلا من نفسه فمقتضى كلام الآمدي أن لا تثبت صحبته .
د ـ كل الشعب صحابة
من المجمع عليه أن الدعوة المحمدية تمخضت عن الدولة المحمدية التي قادها النبي ( صلى الله عليه و آله ) بنفسه قرابة عشر سنين ، أرسى خلالها قواعد النظام السياسي الإسلامي و بين عقيدة الإسلام بيانا كاملا من خلال نقل النص من النظر إلى التطبيق على كل صعيد ، و من خلال إبراز روحها العامة .
و من المتفق عليه دستوريا أن مقومات الدولة ـ أية دولة ـ على الاطلاق تتكون من : 1 ـ شعب 2 ـ إقليم يستقر فوقه هذا الشعب 3 ـ سلطة تسوس هذا الشعب .
و إذا أخذنا بالتعريف الذي أورده ابن حجر العسقلاني للصحابة فإن المعول لينال شرف الصحبة و يكون صحابيا هو :
1 ـ الالتقاء بالنبي محمد (صلى الله عليه وآله) سواء أكان هذا الالتقاء عن طريق المجالسة أو المحادثة أو المشاهدة . فمن شاهد النبي أو شاهده النبي فهو صحابي حتى ولو كان طفلا رضيعا لأن المشاهدة لا تنسب له إنما تنسب للنبي نفسه .
2 ـ الإيمان بالنبي أنه نبي ، فلو أخذنا برأي ابن حجر العسقلاني لوجب علينا أن نتأكد من حقيقة هذا الإيمان ، و هذا أمر خارج عن قدرة البشر ، وكان على ابن حجر العسقلاني أن يقول: مؤمنا به أو متظاهرا بالإيمان به . فعبد الله بن أبي زعيم المنافقين قولا واحدا هو من الصحابة بالإجماع . فقد قال النبي ( صلى الله عليه و آله ) لمن أشار بقتله: ” فلعمري لنحسنن صحبته ما دام بين أظهرنا ” 14 . و عبد الله بن أبي سرح كان يكتب لرسول الله ثم افترى على الله الكذب ، وأباح الرسول ( صلى الله عليه و آله ) دمه و لو تعلق بأستار الكعبة . و عند فتح مكة تشفع له عثمان و دخل في الإسلام لينجو بروحه . . . . و هو صحابي شاء الناس أم أبوا 15 . و مثله الحكم بن العاص طريد رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) إذ طرده الرسول و حرم عليه دخول المدينة ، و بوفاة الرسول راجع عثمان أبا بكر ليدخله لكن أبا بكر رفض ، و لما مات أبو بكر راجع عثمان عمر ليدخل و لكن عمر رفض أيضا أن يدخله المدينة في عهده ، و لما تولى عثمان الخلافة أدخله معززا مكرما و أعطاه مئة ألف درهم لأنه صحابي 16 . و باختصار فلا يشترط بالشخص حتى يكون صحابيا أن يكون مؤمنا حقيقة بالنبي بل يكفي أن يتظاهر بالإيمان و أن يموت على هذا الإيمان أو على هذا التظاهر به ، لأن النبي لا يعنى بالبواطن إنما يكلها إلى الله .
و من هنا ، و من خلال دعوة النبي و من خلال دولته و غزواته 17 ، و من خلال بيعة الناس له ، و الحج و العمرة و فتح مكة و حجة الوداع خاصة ، و سيطرة دولته الكاملة على الجزيرة العربية أتيحت الفرصة للجميع للإلتقاء به لم يبق في مكة و لا الطائف أحد في السنة العاشرة إلا أسلم و شهد مع النبي حجة الوداع ، و مثل ذلك قول بعضهم في الأوس والخزرج أنه لم يبق منهم أحد في آخر عهد النبي إلا و دخل في الإسلام ، و ما مات النبي و واحد منهم يظهر الكفر 18 ” حتى الأطفال صاروا صحابة ” على سبيل الالحاق لغلبة الظن على أنه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) رآهم لتوفر دواعي أصحابه على إحضارهم أولادهم عنده عند ولايتهم ليحنكهم و يسميهم و يبرك عليهم . و الأخبار بذلك كثيرة : ” كان النبي يؤتي بالصبيان فيبرك عليهم ” ” ما كان يولد مولود إلا أتي به النبي ” 19 .
فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الفوارق قد أزيلت تماما بين الحاكم و المحكوم في دولة النبي ، و أنه كان يمشي في الشارع وحده . و يقضي حاجته بنفسه ، فكان بإمكان أي مواطن في الدولة الإسلامية أن يراه وأن يتكلم معه أو أن يحضر مجلسه مما جعل شعب دولة النبي كله صحابة بهذا المفهوم ، بمعنى أن كل مواطني الدولة قد التقوا بإمامهم و رئيس دولتهم أو شاهدوه أو سمعوه فيه أو جالسوه .
الفرق الإسلامية الأخرى تتفق مع أهل السنة من حيث المعنيين اللغوي و الاصطلاحي ، و لكنهم يختلفون من حيث صفة العدالة ، فبينما يعمم أهل السنة و يرون أن كل الصحابة بلا استثناء عدول ترى الفرق الإسلامية الأخرى أن العدالة لها مستلزمات شرعية و مواصفات موضوعية . فمن توفرت فيه تلك المستلزمات و المواصفات فهو العدل ، و من لم تتوفر فيه فليس بعدل ، و لديهم أدلة من الكتاب و السنة و المنطق .
اتفق أهل السنة على أن جميع الصحابة عدول ، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة ، على حد تعبير ابن حجر العسقلاني ، و يجب الاعتقاد بنزاهتهم ، إذ ثبت أن الجميع من أهل الجنة و أنه لا يدخل أحد منهم النار 20 . و المقصود بالصحابة كل الصحابة بالمعنى الذي عرضناه عند تحليل تعريف ابن حجر .

ما هو دليل أهل السنة على ذلك

ذكر الخطيب أن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم ، و إخباره عن طهارتهم و اختياره لهم . فمن ذلك قوله تعالى : ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ … ﴾ 21 و قوله : ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا … ﴾ 22 و قوله : ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ … ﴾ 23 و قوله : ﴿ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ … ﴾ 24 و قوله : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ 25
و قوله : ﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ ﴾ 26 إلى قوله : ﴿ … إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ 27 و في آيات كثيرة يطول ذكرها ، و أحاديث شهيرة يكثر تعدادها 20 .

مضمون عدالة الصحابة عند أهل السنة

تعني عدالة الصحابة فيما تعنيه ، أن كل من عاصر الرسول أو ولد في عصره ، لا يجوز عليه الكذب و التزوير ، و لا يجوز تجريحه ، و لو قتل آلافا ، و فعل المنكرات . و على أساس ذلك فجميع الطبقة الأولى من الأمويين ، كأبي سفيان و أولاده ، و جميع المروانيين بما فيهم طريد رسول الله و أولاده ، و المغيرة بن أبي شعبة و ولده عبد الله الذي كان في حدود العاشرة من عمره حين وفاة النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، و مع ذلك نسبوا إليه مجموعة من الأحاديث كتبها على النبي في صحيفة يسمونها الصادقة . فجميع هؤلاء من العدول و مروياتهم من نوع الصحاح و لو كانت في تجريح علي ( عليه السلام ) و أهل البيت ، و في التقريظ و التقديس لعبد الرحمن بن ملجم . هذه المرويات يجب قبولها و لا يجوز ردها لأن رواتها من العدول ، و العادل لا يتعمد الكذب ، و الذين اتبعوا معاوية و سايروه طيلة ثلاثين عاما من حكمه ، هؤلاء كلهم على الحق و الهدى ، و حتى الذين سموا الحسن بن علي و قتلوا الحسين و أصحابه ، و فعلوا ما فعلوا من الجرائم في الكوفة و غيرها كانوا محقين و من المهتدين بحجة أن النبي ( صلى الله عليه و آله ) قد قال بزعمهم : ” أصحابي كالنجوم بأيهم اهتديتم اقتديتم ” 28 . و هذا الحديث ضعفه أئمة أهل الحديث فلا حجة فيه و طعن فيه ابن تيمية 29 .

ما هو جزاء من لا يعتقد بهذا الرأي ؟

بأقل أقوال أهل السنة : ” إذا رأيت الرجل ينقص أحدا من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق . و الذين ينقصون أحدا على الاطلاق من أصحاب رسول الله هم زنادقة و الجرح أولى بهم ” 30 . و من عابهم أو انتقصهم فلا تواكلوه و لا تشاربوه و لا تصلوا عليه ) 31 .

ما هو سر هذا التشدد و الصرامة عند أهل السنة ؟

ذلك أن الرسول حق ، و القرآن حق ، و ما جاء به حق ، و إنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة . و هؤلاء الذين ينقصون أحدا من الصحابة يريدون أن يخرجوا شهودنا ليبطلوا الكتاب و السنة و الجرح أولى بهم و هم زنادقة 30 .

استذكار

يقصد أهل السنة بالصحابة ما قصده ابن حجر عند تعريفه للصحابي بدءا من خديجة و علي و زيد بن حارثة و أبي بكر و انتهاء بآخر طفل رأى الرسول أو رآه الرسول ، و يستحسن أن نرجع لعرضنا لتحليل ابن حجر لتعريف الصحابي .

محاولة للتخفيف من هذا الغلو

قال المارزي في شرح البرهان : ” لسنا نعني بقولنا الصحابة عدول كل من رآه النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) يوما أو زاره لماما ، أو اجتمع به لغرض و انصرف عن كثب ، و إنما نعني به الذين لازموه ﴿ … وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ 32 انتهى 33 .

استنكار المحاولة و دفنها

و الجواب على ذلك أن التغييرات المذكورة خرجت مخرج الغالب و إلا فالمراد من اتصف بالإنفاق و القتال بالفعل أو القوة . و أما كلام المازري فلم يوافق عليه بل اعترضه جماعة من الفضلاء . و قال الشيخ صلاح العلاني : هذا قول غريب يخرج كثيرا من المشهورين بالصحبة و الرواية عن الحكم بالعدالة كوائل بن حجر و مالك بن الحويرث و عثمان بن العاص و غيرهم ممن وفد عليه ( صلى الله عليه و آله ) ولم يقم عنده إلا قليلا و انصرف . و كذلك من لم يعرف إلا برواية الحديث الواحد ولم يعرف مقدار إقامته من أعراب القبائل و القول بالتعميم هو الذي صرح به الجمهور و هو المعتبر 33 .

الآثار المترتبة على هذا التعميم

المساواة العشوائية ، فالصحابة حسب رأي أهل السنة متساوون بالعدالة ، فجميعهم عدول ، فالقاعد كالمجاهد ، و العالم كالجاهل ، و من أسلم عن اقتناع تماما كمن أسلم لينجو بروحه ، و السابق كاللاحق ، و المنفق كالمقتر ، و العاصي كالمطيع ، و الطفل المميز تماما كالراشد ، و من قاتل الإسلام في كل المعارك تماما كمن قاتل مع الإسلام كل معاركه . فعلي عليه السلام الذي قاتل مع الإسلام كل معاركه هو تماما كأبي سفيان الذي قاد كل الحروب ضد الإسلام ، و هو تماما كمعاوية ابن أبي سفيان و حمزة عليه السلام و هو المقتول و سيد الشهداء تماما مثل قاتله ( وحشي ) و عثمان بن عفان المبشر بالجنة هو تماما مثل عمه الحكم بن العاص والد خلفاء بني أمية ، و هو طريد رسول الله و طريد صاحبيه . و قد لعنه الرسول و لعن ولده 34 ، و عبد الله بن أبي سرح الذي افترى على الله الكذب و ارتد عن الإسلام و أباح الرسول دمه و لو تعلق بأستار الكعبة 34 هو تماما كأبي بكر ، و عبد الله بن أبي زعيم المنافقين تماما كعمار بن ياسر . . . . . . الخ .
كيف لا ؟ فكلهم صحابة و كلهم عدول و كلهم في الجنة و لا يدخل أحد منهم النار أبدا كما نقلنا .

تساؤل و استنتاج

هل يعقل أن يكون العالم كالجاهل و القاعد كالمجاهد و من أسلم عن اقتناع كمن أسلم خوفا ؟ هل من المعقول أن يتساوى القاتل و المقتول ؟ و هل يتساوى السابق باللاحق ، و المنفق بالمقتر و العاصي بالمطيع و صادق الإيمان بالمتظاهر ؟ و أن يتساوى المؤمن و المنافق . . . . الخ هل يعقل أن يكون معاوية مثل علي ؟
لا الشرع يقبل هذه المساواة و لا العقل و لا المنطق و هي ظلم صارخ و خلط فظيع ينفر منه العقل و تأباها الفطرة الإنسانية السليمة 35 .

نقد رأي أهل السنة

الائتلاف و الاختلاف

على ضوء المعنيين اللغوي و الاصطلاحي لكلمة صحابة فإنه لا بديل أمام أتباع الإسلام ( الفرق الإسلامية ) من الاتفاق على أن اصطلاح الصحابة يشمل كل الذين أسلموا أو تظاهروا بالإسلام و سمعوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أو جالسوه أو شاهدوه ، و لكن الخلاف يكمن في التعميم ، فبينما يرى أهل السنة أن الصحابة بهذا المعنى الواسع كلهم عدول إلا أن الفرق الإسلامية الأخرى لا تقر أهل السنة على ذلك و لا توافق على هذا التعميم .

محاولة للتوفيق

الصحابة بالمعنى الواسع الذي يركن إليه أهل السنة هم كل شعب دولة النبي ، أو هم كل الأمة الإسلامية التي دانت لدولة النبي ( صلى الله عليه و آله ) ، و هم أول المخاطبين المعنيين بآيات القرآن الكريم . فعليهم طبقت أحكامه كلها ، فمن أعلن إسلامه وشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله اعتبر مسلما و مواطنا في دولة النبي ، لأن الله هو المطلع على الضمائر ، العالم بخائنة الأعين و ما تخفي الصدور ، و هو وحده الذي يثيب على هذا الإسلام . و انطلاقا من هذا الاعتقاد ، فقد كان النبي يكتفي بالظاهر و يترك البواطن لله . و سلوك الإنسان متروك للمستقبل و لرحمة الله و تأثير المجتمع المسلم عليه ، و لموقف الفرد من معارك الإيمان مع الكفر تحت قيادة النبي أو من ينتدبه . و من الطبيعي أن النبي لم يقل لمنافق أنت منافق ، بل كان يدعو الله أن يستر على عيوب خلقه و أن يصلحهم و يهديهم ، مع أن القرآن الكريم حافل بالآيات التي تقرع بشدة المنافقين المنتشرين في عاصمته المدينة و من حولها من الأعراب . و كشفت هذه الآيات أسرارهم و فضحت أضغانهم و عالجت أمورا واقعية و وصفت و شخصت حالات فردية لأشخاص كانوا يعتبرون صحابة بل و أقيمت الحدود على الكثير منهم .

و الشريعة وضعت صفات موضوعية لأعمال البر و التقوى و لأعمال الفجور .
فمن توافرت فيه صفات معينة حشرته تلك الصفات بإحدى هاتين المجموعتين ، و ترجمة الصفات و بيانها متروك لسلوك الإنسان ميدانيا . فالصدام مع الكفر لم يتوقف طيلة حياة النبي ، و الإنسان بطبعه يعكس دائما حقيقة اعتقاده بسلوكه آجلا أم عاجلا .
و بانتقال الرسول إلى الرفيق الأعلى ، كان كل مسلم من مواطني الدولة الإسلامية يعرف حقيقة موقعه في حوض التقوى أو في بؤرة الفجور ، و عرف الناس كلهم منازل بعضهم ، مع أن المجتمع المسلم ، خاصة مجتمع المدينة المنورة ، كان مجتمع صحابة و لكل واحد من أفراده صفة صحابي لغة و اصطلاحا . ثم من يأمن مكر الله و ما معنى الأمور بخواتمها ؟ إنه لا بديل من تقسيم الصحابة الكرام إلى مجموعتين كبيرتين :
1 ـ أفاضل الصحابة : و هم الأخيار الذين قامت الدولة على أكتافهم و تحملوا سخرية و أذى الأكثرية الكافرة حتى ظهر أمر الله و تمسكوا بأمر الله و والوا نبيه و والوا من والاه ، و انتقلوا إلى جوار ربهم و هم معتصمون بحبل الله ، فهؤلاء عدول بالإجماع و لا تشذ عن ذلك أية فرقة من الفرق الإسلامية .
2 ـ بقية الصحابة : و هم متفاوتون ، الله أعلم بهم ، فمنهم الصبي و منهم المنافق .
فالمنافقون الأشرار جعلهم الله في الدرك الأسفل من النار مع أنهم كانوا يتظاهرون بالإسلام و يسمون أيضا صحابة بكل المعايير الموضوعية المعروفة عند أهل السنة .

ما هي الفائدة من هذا التقسيم ؟

إن معرفة أفاضل الصحابة أمر في غاية الأهمية ، فهم الذين يبايعون الإمام البيعة الخاصة ، و هم ركن من أركان أهل الشورى ، و هم الذين ينفذون أوامر الإسلام ، و هم حكومة الإمام الفعلية ، و هم الذين يقومون بتهيئة المجتمع لتلقي الذكر و لتطبيق الشريعة و لإعطاء البيعة العامة و برضاهم يجب أن ترضى العامة و بسخطهم يسخطون .
فإذا تحقق ذلك نجت الأمة و نجوا ، و إن لم يتحقق هلكت الأمة و تأخروا ، و وسد الأمر لمن يغلب . و فائدة هذا التقسيم الآن هو دراسة الماضي دراسة موضوعية لمعرفة سر اختلاف المسلمين و بعثرة كلمتهم و انهيار دولتهم تمهيدا لاستشراق مستقبلهم و توثيق خطواتهم بحيث تبقى ضمن المقصود الشرعي كطريق أوحد لتوحيدهم ثانية و إقامة دولتهم التي ينبغي أن تقوم على الأسس الشرعية حتى تدوم و تحقق غايتها و لا تنهار ثانية .
ثم إن التفضيل ضروري لمعرفة الأفضل و من هو المستحق لملء الوظائف العامة . يقول تعالى : ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا … ﴾ 36 ، و قد فسرها الطبري بإسناد الولاية لمن هو جدير بها . و كيف يمكن تأدية هذه الأمانات في هذا المجال دون اللجوء للتفاضل ؟ إن أول من سمع بذلك هم الصحابة ، و من المعني بذلك غيرهم ؟! .

التفاضل سنة إلهية

التفاضل سنة إلهية ، و منهج من مناهج الحياة ، و حافز من حوافز السمو بها تقتضيه طبيعة الحياة و يقتضيه التباين بين الخلق في القدرة و القوة و الفهم ، و تحقيق العدل السياسي و الوظيفي من حيث وضع الشخص المناسب في المكان المناسب المؤدي لتحقيق الغاية الشرعية و وسيلة ذلك كله هو نظام التفاضل الشرعي في الإسلام على اعتبار أن التفضيل مكافأة و حافز إلهي وأن التفاضل وسيلة شرعية .

الدليل الشرعي للتفاضل

وسيلة التفاضل مكرسة بالشريعة الإسلامية و بروحها العامة . قال تعالى :
﴿ … فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ … ﴾ 37 ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ … ﴾ 38 . و التفضيل وارد حتى على مستوى الأسر و الأقوام ، فها هو سبحانه و تعالى يخاطب بني إسرائيل : ﴿ … وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ 39 ﴿ … وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴾ 40 ﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ 41 ﴿ انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾ 42 ﴿ … لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً … ﴾ 43 . . . . . . الخ .
و التفضيل ضرورة لمعرفة الأفضل و من هو المستحق لملء الوظائف العامة عملا بقوله ( صلى الله عليه و آله ) : من ولي على عصابة رجلا و هو يجد من هو أرضى لله منه فقد خان الله و رسوله .

طبقات الصحابة

إن الصحابة شرعا و عقلا و واقعا ليسوا بدرجة واحدة . فمنهم الصادقون و هم طبقات في صدقهم ، و منهم الأقوياء و هم طبقات في قوتهم ، و منهم الضعفاء و هم أيضا طبقات في درجات ضعفهم ، و منهم المنافقون وهم أيضا طبقات في نفاقهم .
أنظر إلى قوله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) لمن أشار عليه بقتل عبد الله بن أبي رأس النفاق في المدينة : ” لعمري لنحسنن صحبته ما دام بين أظهرنا ” 44 فزعيم المنافقين حسب هذا النص صحابي ، و هو صحابي بالموازين المتفق عليها عند أهل السنة .
و لو جارينا أهل السنة بحرفية فهمهم لتجمدت الحياة و لتجمد الفكر تماما . و بالرغم من أن أهل السنة قد أجمعوا أو أشاعوا الاجماع على أن الصحابة كلهم عدول ، إلا أن هذا لم يمنعهم من أن يعترفوا ضمنا بأن هذا التعميم غير واقعي و غير منطقي و يتعارض مع المقصود الشرعي . و لعل تقسيمهم الصحابة الكرام إلى طبقات أكبر شاهد على هذا الاعتراف حيث أن انتماء الصحابة لطبقة من الطبقات يحدد شرعا دوره في الأمور السياسية و الحقوق 45 و هذه ليست مسألة اجتهادية لأن الشرع الحنيف بقرآنه و سنته قد وضع معالم تلك الطبقات . و من هنا فإن ابن سعد تصدى لهذه الناحية فجمع الصحابة في خمس طبقات 46 . و كذلك فإن الحاكم في مستدركه قسم الصحابة إلى اثنتي عشرة طبقة .

طبقات الصحابة كما ذكرهم الحاكم في مستدركه 47

الطبقة الأولى : الذين أسلموا بمكة قبل الهجرة كالخلفاء الراشدين .
الطبقة الثانية : أصحاب دار الندوة .
الطبقة الثالثة : مهاجروا الحبشة .
الطبقة الرابعة : أصحاب العقبة الأولى .
الطبقة الخامسة : أصحاب العقبة الثانية .
الطبقة السادسة : أول المهاجرين الذين وصلوا بعد هجرة الرسول للمدينة .
الطبقة السابعة : أهل بدر .
الطبقة الثامنة : الذين هاجروا بين بدر و الحديبية .
الطبقة التاسعة : أهل بيعة الرضوان .
الطبقة العاشرة : من هاجر بين الحديبية و فتح مكة كخالد بن الوليد و عمرو بن العاص .
الطبقة الحادية عشرة : الطلقاء و هم الذين أسلموا يوم فتح مكة كأبي سفيان و معاوية .
الطبقة الثانية عشرة : صبيان و أطفال رأوه يوم الفتح .
فأول الناس إسلاما خديجة ثم علي عليه السلام : تنبأ رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) يوم الاثنين و أسلم علي ( عليه السلام ) يوم الثلاثاء ثم زيد بن حارثة ثم أبو بكر 48 .
و تقسيم الصحابة إلى طبقات دخول واقعي في باب التفاضل ، فمن غير المنطقي أن يكون أول من أسلم بنفس الدرجة من العدالة التي يتمتع بها طليق أسلم يوم الفتح . و قد تنبه إلى هذه الناحية الفاروق عند توزيع العطايا ، فأخذ بعين الاعتبار توزيع العطايا حسب الطبقة ، ولم يساو بين أول من أسلم و آخر من أسلم ، و لا ساوى بين من قاتل الإسلام بكل فنون القتال حتى حوصر بجزيرة الشرك مع الرجل الذي قاتل مع الإسلام كل معاركه حتى أعز الله دينه . و في اجتماع السقيفة كانت حجة المهاجرين على الأنصار : هي أنهم أول من عبد الله في الأرض ( السابقة في الإيمان ) و أنهم أولياء الرسول و عشيرته و أحق الناس بالأمر من بعده ، و لا ينازعهم إلا ظالم ، و لأن العرب تأبى أن تؤمر الأنصار ونبيها من غيرهم ، و لكن العرب لا ينبغي أن تولي هذا الأمر إلا من كانت النبوة فيهم . و انظر إلى قول عمر : ” من ينازعنا سلطان محمد و ميراثه و نحن أهله و عشيرته ” هذا بالحرف ملخص ما قاله أبو بكر و عمر في السقيفة 49 . ألا ترى أن هذا تطبيق نظري دقيق لعملية التفاضل الشرعية و بالتالي نسف لكامل المقولة إن الصحابة كلهم بلا استثناء عدول ؟ فأذعن الأنصار لتلك الحجج القوية و قالوا : طالما أن الأمر هكذا فإننا لا نبايع إلا عليا 50 . و عند ما واجه الإمام علي القوم بحجته بعد البيعة قال بشير بن سعد الذي شق إجماع الأنصار و بايع أبا بكر مخاطبا عليا : لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان ، و ما كان بالإمكان الوصول إلى هذه القناعات لولا إعمال نظام التفاضل كوسيلة لتقديم الأعلم و الأفضل و الأنسب لكل أمر تحتاجه الأمة . و نظام التفاضل يتعارض بطبيعته مع مقولة ” كل الصحابة عدول : لأنه لو صحت هذه المقولة لما كانت هنالك دواعي لوجود هذا النظام و لا لسلوك منهج التفاضل باعتبار أن الجميع متساوون بالعدالة .

نظام التفاضل في الإسلام

تجنبا للخلاف و الاختلاف ، و استبعادا لدور المزاج و الهوى ، و تقزيما لأي واقع متجبر سيفرض على الأمة ، فقد حدد الإسلام بنصوص قاطعة لا تحتمل الانكار و التأويل الأركان الأساسية لنظام التفاضل في الإسلام و حصرها في خمسة أركان ، لتكون مسارب للفضل و العدالة و طرفا لمنازل الخير ، و هي التي تحدد موقع الإنسان المسلم و تبين دوره و تحدد حجم اعتباره . و هي مجتمعة تقدم الجواب الشرعي الأمثل لكل سؤال يتعلق بالمنازل و الكرامات ، و هي بالتالي الطريق الأوحد لمعرفة الأعلم و الأفضل و الأنسب في كل أمر من الأمور .
فإذا كان الصحابة كلهم بلا استثناء عدول لا فرق بين واحد و آخر ، فما الداعي لإيجاد نظام التفاضل في الإسلام ؟ و ما الداعي لتشريع الحدود و وضع الأحكام ؟

أركان التفاضل أو مسارب العدالة

باستقراء أحكام العقيدة الإلهية الإسلامية ، يتبين لنا أن التفاضل يقوم على خمسة أركان ، و هذه الأركان بمثابة موازين أو معايير شرعية تحدد حجم الاعتبار لكل مسلم و تبين منزلته .
الركن الأول و الأهم : القرابة الطاهرة ، فهم قيادة الأمة السياسية و الروحية بعد نبيه الكريم بالنص الشرعي القاطع . أما لماذا هم بالذات ؟ هذا فضل الله يؤتيه من يشاء لماذا أنزل الله الوحي على محمد و اختاره للرسالة ؟ لماذا محمد بالذات ؟ لماذا موسى بالذات ؟ هذا أمر بيد الله تعالى . هذه القرابة هي مركز الدائرة بالنص و هي سفينة النجاة بالنص ، و هم باب حطة بالنص ، و هم نجوم الهدى بالنص ، و هم الأسبق بالإيمان بالنص ، و هم الأتقى بالنص ، و هم الأعلم بالنص ، و هم الأكثر بلاء بالنص ، و محبتهم مفروضة على الجميع بالنص ، و عميدهم في كل زمان هو الإمام الشرعي للأمة و هو مرجعها فالنبي أولا و الكتاب ثانيا ، و الهادي أولا و الهداية ثانيا فمتى بعث الله رسالة بدون رسول ؟ و متى أنزل الله كتابا إلا على عبد ؟ و سأثبت ذلك في حينه ، فهم محط الولاية و محورها 51 .
الركن الثاني : السابقة في الإيمان .
الركن الثالث : التقوى .
الركن الرابع : العلم .
الركن الخامس : تقييم الرسول القائد أو الإمام الشرعي ( المعين شرعا ) ليقوم مقامه و الذي بايعته الأمة المسلمة بالرضى و بمحض اختيارها بدون إكراه و لا إغراء و لا لف و لا دوران ( بدون غلبة ) .

الحكم على هذه الموازين

تلك موازين شرعية موضوعية مستمدة من الشريعة و من الشريعة وحدها ، و هي تبين معالم العدالة لدى كل فرد ـ و ما سواها ـ مع عميق الاحترام إلا مواءمة بين واقع مفروض و مثال إلهي آخذ بالأعناق ، و هذه الموازين معترف بها ، و كانت حجة لا تعلوها حجة في نظام الخلافة التاريخي .
فعلى سبيل المثال أرجع حجة أبي بكر على الأنصار في سقيفة بني ساعدة 52 ، و راجع إلى حجة عمر في السقيفة 53 ، و راجع إلى حجة أبي عبيدة 54 .
فقد قالوا إنهم الأولى بمحمد : 1 ـ لأن العرب تأبى أن تولي الخلافة إلا من كانت النبوة فيهم . 2 ـ إن أهل محمد و عشيرته هم أولى بميراثه و سلطانه ( و هذا معيار القرابة بعينه ) و قالوا : إنهم أول من عبد الله في الأرض ، و هذا معيار السابقة في الإيمان و التقوى . . . . الخ . ثم طريقة عمر بتوزيع الأعطيات . لقد أخذ بأكثر هذه المعايير 55 .

تساؤلات

فإذا كان الصحابة كلهم عدول و كلهم في الجنة و لا يدخل أحد منهم النار ، و أن الله ساوى بينهم ، فما الذي منع الأنصار من أن يتولوا الخلافة ؟ و لماذا اقتنعت أكثريتهم و أعطوا القيادة للمهاجرين الثلاثة عن قناعة ؟ لماذا فرق الخليفة العادل عمر ولم يساو بينهم بالعطايا مع أنهم صحابة و كلهم عدول و لا فرق بين واحد و آخر ؟
لماذا أقيمت الحدود على بعضهم ؟ و هل يسرق العادل النزيه المضمون دخوله في الجنة ؟ أنتم لستم أفقه من الشيخين في الدين ، و كفى بفقههما عندكم حجة ، ليجب كل واحد منكم على هذه التساؤلات أو ليحاول ، فمتى كان التقليد الأعمى طريقا للهدى ؟ لقد أنبأنا الله أنه طريق إلى النار ، و قد أنعم الله علينا بالعقل لنستثمره في طاعة و معرفة مقاصد الشريعة 56 .

نقض النظرية من حيث الشكل

حجة أهل السنة منقوضة شكلا من وجهين :

الوجه الأول : حول الشهادة و الشهود

إن القرآن الكريم هو الذكر ، و ما جاء به النبي هو بيان لهذا الذكر و ترجمة له و هو من مستلزماته ، و قد تكفل الله جلت قدرته بحفظه على مر الأزمان ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ 57 . فحفظ الذكر مضمون بضمانة إلهية و لا علاقة للصحابة الكرام بهذا الحفظ . فالدين محفوظ و ثابت و بدون شهود لأن الله هو الشاهد و المتكفل بإثباته ، و لأن الرسول ( صلى الله عليه و آله و سلم ) لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن أكمل الله الدين و أتم النعمة . فالشاهد على المسلمين هو محمد و المسلمون في كل زمان هم شهداء على الناس . ثم إن كتاب الله منزل من عند الله و ليس بإمكان أحد كائنا من كان أن يزيد فيه حرفا أو ينقص منه حرفا أو أن يبدل فيه حرفا لأنه ترتيب إلهي . فقد كانت الكوكبة من آيات القرآن الكريم تتنزل على رسول الله مع التوجيه الإلهي بأي سورة توضع ، و عند ما انتقل الرسول إلى جوار ربه ، كان القرآن كله مرتبا بالصورة التي بين أيدينا و مكتوبا كاملا و ليس في صدور الرجال فحسب كما يزعم بعض إخواننا . فالقول بأن الصحابة كلهم عدول لا يزيد الثابت ثباتا و لا المحفوظ حفظا ، و القول بأن المخلصين من الصحابة فقط هم العدول لا يهز هذا الثابت و لا يؤثر على هذا المحفوظ ، و إقحامهم للقرآن و حفظه لإثبات عدالة كل الصحابة لا مبرر له ، لأن الفضل في ذلك كله و المنة و الشكر لله تعالى ، و الفخر لمحمد و لآل محمد و للصادقين من الصحابة الذين التفوا حولهم . ( فلو أن الآل الكرام سلموا محمدا لزعامة قريش أو خلوا بينها و بينه لقتلوه كما قتل كثير من الأنبياء من قبل ) ، و لما تحمل الآل الكرام كل سني الحصار و العذاب و الألم . و بالمناسبة فإنني أتسأل : أين كان كل الصحابة و الهاشميون محصورون في شعاب أبي طالب يأكلون ورق الشجر من الجوع و يمص أطفالهم الرمال من العطش ؟ هل من العدالة الوضعية أو السماوية أن يتساوى المحاصر مع المحاصر ، ﴿ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ 58 .

الوجه الثاني

أما القول بأن هؤلاء الذين ينقصون أحدا من الصحابة ( زنادقة ) فلا يستقيم لعدة وجوه ، لأن الإسلام بوصفه آخر الأديان السماوية ، و بوصفه الصيغة النهائية لدين الله معد و مصاغ ليفهم منه كل إنسان على قدر فهمه ، و الفهم الأمثل هو ما يتطابق مع المقصود الشرعي أو الغاية الشرعية من النص بحيث يكون الفهم هو عين ما أراد الله و تلك مهمة عسيرة بل و اختصاص فني تماما ، و إلا فما الداعي لإرسال الرسل مع الكتب و ابتعاث الهادي مع الهداية ؟ و ما هي الغاية إذن من وجود الأئمة و من رئاسات الأنبياء لدول الإيمان ؟ و من هنا فإن الإسلام شيء و فهمنا له شيء آخر يختلف حسب ثقافاتنا . فاختلاف الرأي و تباين الأفهام ليس زندقة ، و هنالك من الصحابة من عاب النبي نفسه و طعن في عدالته . أنظر إلى قول ابن الخويصرة : ” إعدل يا محمد والله ما أردت بهذه القسمة وجه الله ” لم يقل له النبي : أنت زنديق أو منافق ، قال له :
ويحك من يعدل إن لم أعدل . فهل للصحابي مكانة أعظم من مكانة النبوة ؟ فإذا كان سيد البشر محمد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) يقول : ” أنا بشر أصيب و أخطئ ” فكيف تعممون العدالة على جميع الصحابة و تعتبرون من يناقشكم بالأمر زنديقا ؟
نقض حجة أهل السنة يجمع أهل السنة أو يتظاهرون بالإجماع على القول و بالحرف ” إن الرسول حق و القرآن حق و ما جاء به النبي حق ، و إنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة ، فهم الشهود و هؤلاء الذين ينقصون أحدا من الصحابة ـ أي واحد ـ يريدون أن يخرجوا شهودنا
ليبطلوا الكتاب و السنة و هؤلاء زنادقة 59 ، فمن عابهم أو انتقص منهم فلا تواكلوه و لا تشاربوه و لا تصلوا عليه ” 60 .

قراءة أولية أولا : الخلط

القول بأن النبي حق و القرآن حق و ما جاء به النبي حق ، هذا قول لا غبار عليه و لا اختلاف فيه ، و هو قدر مشترك بين كل المسلمين من سنة بمختلف فرقهم و من شيعته بمختلف فرقها ، و هم يتساوون بالإنتماء لهذا الدين و لحمل هويته الخالدة .
و الدين يتكون من مقطعين : 1 ـ نبي الله بذاته و قوله و فعله و تقريره ، و 2 ـ كتاب الله المنزل من عند الله . هذا إجماع كل المسلمين ، و الخلاف منحصر بفهم المقصود الشرعي لهذا الدين ، فلا ينبغي الخلط بين الدين و بين مفاهيمنا له . فالدين هو المركز الثابت و مفاهيمنا هي المتحركات و المتغيرات من حوله . فالدين شيء و مفاهيمنا له شيء آخر ، هذه المفاهيم عمليا تختلف من فرد إلى فرد ، و من جماعة إلى جماعة حسب درجة العلم و قدرة الفهم و الطاقة و التجرد من الهوى . و لو كان مجديا فرض فهم واحد للنص لفرضه الله تعالى و لما كان هنالك داع للإجماع و لما كان هنالك داع للفهم أصلا . فعندما نفهم نصا معينا بفهم ما ، و يفهم الآخر النص نفسه بفهم آخر ثم يدعي كل واحد منهما أن فهمه هو المقصود الشرعي ، فمعنى ذلك أنه لا بد للاثنين من دراسة النص دراسة ثانية و ثالثة . . . الخ حتى يصلا إلى مفهوم واحد للنص لأن النص الشرعي الواحد له مقصد شرعي واحد و هو عين المقصود الإلهي ، إذ لو قلنا بغير ذلك لأضفينا طابع الشرعية على الفرقة و الاختلاف ، و لذهبت كل جماعة باتجاه مع أن مصلحة الأمة تتحقق بوحدتها لا بفرقتها ، ثم إنه لا مصلحة لك و لا مصلحة لي إذا كانت النفوس خالصة لله أن يصح هذا الفهم أو ذاك ، إنما مصلحتنا تتحقق بفهم المقصود الإلهي الأمثل و العمل به .
فمن غير الجائز أن نخلط أفهامنا بالدين و بنوايا مختلفة حسنت أم ساءت ، نقول : إن هذه الأفهام هي الدين ، ثم نضع عقوبة لمن يخالفنا بهذه الأفهام متجاوزة دائرة الاتباع إلى دائرة التشريع المخصصة لله تعالى . فحكم الزندقة و قرار عدم المواكلة و المشاربة و عدم الصلاة على من يخالفك الرأي هو قرار لا يقره الدين ، و هو عقوبة بغير نص و تصرف ممن لا يملك في ملك الغير ، و هو باطل من أساسه و لا يعادل شروى نقير .

ثانيا : كلمات للتلقين

1 ـ الإسلام كلمة محددة و لفظ يدل على معنى بعينه و هو يعني : نبي الله محمدا بذاته و قوله و فعله و تقريره ، و يعني القرآن الكريم على الصعيدين النظري و العملي ، و هو مجموعة البنى الحقوقية المتكاملة التي أوحاها الله لنبيه و بينها النبي للناس ، إنه العقيدة الإلهية التي أرادها الله أن تكون دينه و دين المطيعين من خلقه . و هو شيء و معنى قائم بذاته و مستقل عن غيره .
2 ـ الصحابة الكرام اتبعوا هذا الدين و والوا نبيه على صعيدي الدعوة و الدولة هم أتباع للدين و ليسوا دينا أو جزءا من الدين .
3 ـ المسلمون كلهم هم الذين اتبعوا الإسلام و آمنوا به ، لكنهم ليسوا هم الإسلام ، إنهم أتباع و شتان ما بين العقيدة و المعتقد و ما بين القانون و الشعب ، و ما بين القضاة و المتقاضين .

ثالثا : الحماية و التستر

قلنا : إن مصلحة الإسلام و المسلمين تتحقق بفهم المقصود الشرعي بالذات و هو عين المقصود الذي قصده الله تبارك و تعالى ، و الوقوف على هذا المقصود يحتاج إلى اختصاص و ملكات خاصة و الوقوف عليه مطلب الجميع و غايتهم ، ولكن أناسا أنزلوا أنفسهم منازل ليست لهم و اجتهدوا ، و هذا حق لهم ، ثم حاولوا رغبة أو رهبة أن يفرضوا هذا الاجتهاد على أبناء الملة و أغلقوا طريق البحث عن الحقيقة الشرعية و أوصدوا مسالك التحري عن المقصود الشرعي وأعلنوا بأن رأيهم هو الدين و من يعارضهم زنديق . . . الخ و هذا ليس من حقهم لأنهم شئ و الدين شئ آخر ، و مخالفتهم بالرأي أو بالاجتهاد أو بالفهم ليس مخالفة للدين لأن القول بغير ذلك ترجيح بغير مرجح و وصاية من إذن شرعي بالوصاية مما يحول العملية كلها إلى تستر بالدين و احتماء به لنصرة رأي على رأي أو مذهب على مذهب . فاختلافك معي بفهم نص من النصوص الشرعية لا يجعل منك زنديقا و لا يجعل مني مرجعا و قديسا ، فذلك ترجيح بغير مرجح و تقبيح بغير سند و خدمة لأولئك الذين غلبوا هذه الأمة و فرقوها إلى شيع و أحزاب بأحابيلهم السياسية الملتوية ، و بمساعدة السذج من علماء السوء الذين يقفون في كل زمان ضد تفاهم هذه الأمة و وحدتها ، فيقولون : هذا زنديق ، و هذا رافضي ، و هذا شيعي ، و هذا سني ، و هذا جعفري و هذا مالكي ، و ذلك كفر و تلك زندقة . . . الخ .
و تلك ألفاظ يعافها الذوق السليم ، و تنفر منها الفطرة النقية ، و قد ترفع عن مثل هذه الأمور حتى الكفرة من أهل الكتاب ، و بالتالي هي تعبر عن ضيق الصدر و تتعارض مع مبادئ الأخوة الإسلامية و روح الإسلام العامة . الله وحده يعلم كم هو مؤذ التعصب و مثير للقرف . يقول الذهبي في رسالته التي ألفها في الرواة الثقات :
” قال أبو عمر بن عبد البر : روينا عن محمد بن وضاح قال : سألت يحيى بن معين ـ يحيى بن معين هذا من كبار أئمة الجرح و التعديل الذي جعلوا قوله في الرجال حجة قاطعة ـ سألته عن الشافعي فقال : ليس ثقة ، و جعفر بن محمد الصادق وثقه أبو حاتم و النسائي إلا أن البخاري لم يحتج به ” 61 . أنت تلاحظ أن يحيى بن معين و هو العملاق الشهير يزعم أن الشافعي ليس ثقة ، مثلما تلاحظ أن البخاري لم يحتج بالإمام جعفر الصادق و احتج بمن هو أقل من الإمام جعفر ، و جعفر عليه السلام هو صاحب مذهب أهل البيت الكرام ، و هو أستاذ أصحاب المذاهب الأربعة ، و هو العالم الألمعي الذي لا يشق له غبار و الذي تخرج على يديه أربعة آلاف فقيه و محدث ، و فوق ذلك كله هو الإمام السادس من أئمة أهل البيت الكرام ، فهو جعفر بن محمد بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، و مع هذا لم يحتج به البخاري ولم يوثقه و تجافى عن روايات أهل البيت مع أنهم صحابة بالمعنى الذي يقصده أهل السنة و الصحابة كلهم عدول .

نقض نظرية كل الصحابة عدول من حيث الموضوع

يؤمن أهل السنة بالنظرية القائلة ” بأن كل الصحابة بلا استثناء عدول ” ، تلك النظرية التي ابتدعها رجال السياسة الغالبون ، كما سنثبت ذلك 62 ، و لغاية في نفس يعقوب ، و ألقوا في روع الغافلين الذين يحبون هذا الدين ، بأن هذه النظرية جزء لا يتجزأ من دين الإسلام و فصل ثابت من فصول العقيدة الإلهية من شك فيها أو خرج عليها أو ناقشها فهو زنديق لا ينبغي أن يواكل أو يشارب أو يصلي عليه إذا مات .
حقيقة أن الصحبة شرف عظيم و مراتبها عالية ، و لكنها بالمعنى اللغوي و بالمعنى الاصطلاحي المتفق عليه عند أهل الملة ، هذه الصحبة تشمل كل المسلمين الذين عاصروا رسول الله . بمعنى أن كل شعب دولة النبي كانوا صحابة ، لأن العبرة و المعول عليه هو :
1 ـ الالتقاء بالنبي .
2 ـ الإيمان الصادق به كحال الصحابة الصادقين أو التظاهر بهذا الإيمان ، وكحال المنافقين وكحال الذين حاربوا الإسلام بكل وسائل الحرب ثم أحيطوا و اضطروا للإسلام لأن كل الأبواب قد أوصدت في وجوههم إلا باب الإسلام فولجوه ، الله وحده أعلم بنواياهم .
3 ـ الموت و هو على هذه الحال .
إن هؤلاء المؤمنين الصادقين ، و المنافقين المتظاهرين ، و من لم يدخل الإيمان في قلوبهم ، لم يكونوا بدرجة واحدة حتى يقال بأنهم جميعا عدول ، بل إن منهم من كان يظهر الإيمان و يبطن الكفر و العصيان ، و هم الفئة المنافقة من المسلمين الذين عاصروا النبي و مات النبي و هم على قيد الحياة .
و قد كشف القرآن الكريم بأن أفراد هذه الفئة مردوا على النفاق و خانوا ، و غدروا ، و وعدوا فأخلفوا ، و حدثوا فكذبوا ، و ابتغوا الفتنة و آذوا النبي ، و قلبوا الأمور .
و كانت راية الإسلام ترتفع كل يوم حتى بسطت دولة النبي سلطانها المبارك على الجزيرة ، و أضفت هيبتها على الجميع وأكمل الله الدين ، و أتم النعمة ، و انتقل النبي إلى جوار ربه ، و تلك الفئة المنافقة على حالها ، و المسلمون متفاوتون بإيمانهم و تضحياتهم و منازلهم .

العجب العجاب

و بدون مقدمات أو بمقدمات سياسية أصبح كل رعايا دولة النبي عدول بحجة أنهم كلهم صحابة شاهدهم النبي أو شاهدوه ، و آمنوا به أو تظاهروا بالإيمان و أنهم ماتوا على هذا الإيمان مع أن النظرية قد ابتدعت في العصر الأموي ( عصر خلافة الطلقاء ) و قبل أن يموت جيل الصحابة بالمفهوم الآنف الذكر ، أي أنهم قد حكموا بالعدالة قبل أن يتأكدوا من حسن الخاتمة ، و هذه النظرية منقوضة من أساسها .

وجوه النقض

1 ـ أنها تتعارض مع النصوص القرآنية القاطعة .
2 ـ أنها تتعارض مع السنة النبوية بفروعها الثلاثة : القول و الفعل و التقرير .
3 ـ نظرية عدالة كل الصحابة ينقضها واقع الحال .
4 ـ أنها تتعارض مع روح الإسلام العامة و مع حسن الخاتمة و مع الغاية من الحياة نفسها .

تفصيل و إثبات وجوه النقض

1 ـ نظرية عدالة كل الصحابة تتعارض مع النصوص القرآنية القاطعة

ظاهرة النفاق

شاعت ظاهرة النفاق في زمن النبي ، و برز المنافقون كقوة حقيقية يحسب حسابها ، و المنافقون هم فئة آمنت بالظاهر ، فهم بأفواههم يشهدون أن لا إله إلا الله ، و أن محمدا رسول الله و يرددون نفس الألفاظ و المصطلحات التي يرددها المسلمون خداعا و استهزاء ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ 63 و هم يجاهرون بذلك ويحرصون على أن يسمعه النبي والذين آمنوا : ﴿ وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا … ﴾ 64 و لا تقتصر ظاهرة النفاق على القول بل تتعداها إلى العمل ، فقد كانوا يصلون و ينفقون و يقدمون الأعذار إذا تخلفوا عن الخروج مع النبي ، و يكررون مزاعمهم بالإيمان . سلوك الإنسان يعكس عاجلا أم آجلا حقيقة اعتقاده ، لكن النوايا لله ، و النبي يعنى بالظاهر و السلوك و يكل البواطن لله ، و هو بطبيعته رؤوف رحيم خلوق و نموذج فرد للإنسان الكامل . و لكنهم تجاوزوا الحدود فبدأت الآيات القرآنية تتنزل و تكشف حقائق هذه الفئة . من ذلك :
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ 63 .
﴿ … وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ ﴾ 64 .
﴿ … وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾ 65 ﴿ وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ … ﴾ 66 .
﴿ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ … ﴾ 67 .
﴿ وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ ﴾ 68 .
﴿ وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ … ﴾ 69 .

الحكم الإلهي القاطع

بعد أن كشف حقيقتهم ، وعرى بواطنهم ، أصدر حكمه العادل الذي يتلاءم و جريمتهم بالكذب على الناس و على الله ، و كلف نبيه أن يبلغهم مضمون هذا القرار الإلهي و حيثياته و أسباب صدوره ﴿ قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ 70 .
لماذا ؟ لأنهم يخادعون الله و الذين آمنوا و مزاعمهم بالإيمان غير صحيحة و استهزاء ، و بالتالي فإنهم قد كفروا بالله و رسوله بالرغم من كل مزاعمهم . و أذاع النبي القرار الإلهي و أسبابه و حيثياته و وضع كل الحقائق أمام الجميع . و مع هذا لطبيعته الفذة ( صلى الله عليه و آله ) كان يستغفر لهم و يسأل الله الهداية فجاءه الرد الإلهي واضحا ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ 71 .

أمثلة على تعارض نظرية عدالة كل الصحابة مع القرآن الكريم

المثال الأول

قال تعالى : ﴿ وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ ﴾ 72 .
إنها قصة ثعلبة ، ذلك الصحابي المعدم الذي سأل الرسول أن يدعو الله له حتى يرزقه المال ، فقال له الرسول : ” ويحك يا ثعلبة ، قليل تشكره خير من كثير لا تطيقه ” فقال ثعلبة : والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله فيرزقني مالا لأعطين كل ذي حق حقه . فقال الرسول : ” اللهم ارزق ثعلبة مالا ” ، فرزقه الله و نماه له ، و عندما طلب منه الرسول زكاة أمواله بخل ثعلبة معللا بخله بأن هذه الزكاة جزية و امتنع عن دفعها و مات النبي و ثعلبة على قيد الحياة ، فأرسل زكاة أمواله إلى أبي بكر الصديق فرفضها ، و أرسلها إلى عمر فرفضها ، و هلك ثعلبة في زمن عثمان 73 .

المثال الثاني

قال تعالى : ﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ 74 .
المؤمن هو علي بن أبي طالب ، و الفاسق هو الوليد بن عقبة ، و قد تولى الكوفة لعثمان ، و تولى المدينة لمعاوية و لابنه يزيد 75 .

المثال الثالث

قال تعالى : ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ 76 .
نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي سرح و هو والي عثمان على مصر ، فهو الذي افترى على الله الكذب ، و أباح الرسول دمه و لو تعلق بأستار الكعبة كما يروي صاحب السيرة الحلبية الشافعي في باب فتح مكة ، و جاء به عثمان يوم الفتح يطلب الأمان له كما يروي صاحب السيرة ، و سكت الرسول على أمل أن يقتل خلال سكوته كما أوضح رسول الله ، و لما لم يقتل أعطاه الأمان 77 .

تحليل الأمثلة الثلاث

1 ـ حكم الله في الثلاث

في المثال الأول : حكم الله بنفاق قلب ثعلبة و أنه من الكاذبين .
وفي المثال الثاني : بين الله أن الوليد بن عقبة فاسق و أنه من أهل النار و أنه لا محيد له عنها و لا مخرج له منها .
و في المثال الثالث : بين الله أن عبد الله بن أبي سرح افترى على الله الكذب ، و حاول أن يحرف كتاب الله و هو من أكثر الخلق ظلما و بين أن من المحال أن يهتدي لأن الله لا يهدي القوم الظالمين .

2 ـ حكم أهل السنة في الثلاث

هؤلاء الثلاثة من الصحابة ، فشروط الصحبة قد توفرت فيهم بالمعنيين اللغوي و الاصطلاحي و بما أنهم صحابة فهم عدول لا يجوز عليهم الكذب و محكوم بنزاهتهم و هم من أهل الجنة و لا يدخل أحد منهم النار ، كيف لا و عبد الله بن أبي سرح و هو والي مصر لعثمان و أحد وزرائه ، و كذلك الوليد بن عقبة فهو والي الكوفة و الذي صلى الصبح أربعا و لو طلبوا الزيادة لزادهم و هو وزير عثمان و والي معاوية على المدينة . و من ينتقص من هؤلاء الثلاثة فهو زنديق و لا يواكل و لا يشارب و لا يصلى عليه إذا مات .
أيهما الأولى بالتصديق : كتاب الله و حكمه أم التقليد الأعمى ؟ و من هنا فإن نظرية عدالة كل الصحابة منقوضة من حيث الموضوع لأنها تتعارض مع النصوص القرآنية القاطعة و هذا التعميم ـ كل الصحابة عدول ـ يتعارض مع الأحكام الإلهية و يخالفها 78 .

2 ـ نظرية عدالة كل الصحابة تتعارض مع السنة النبوية

المثال الأول

ذو الثدية فقد كان من الصحابة المتنسكين و كان يعجب الناس تعبده و اجتهاده ، و كان رسول الله يقول : إنه لرجل في وجهه لسعة من الشيطان . و أرسل أبا بكر ، ليقتله فلما رآه يصلي رجع ، و أرسل عمر فلم يقتله ثم أرسل عليا عليه السلام فلم يدركه 79 . و هو الذي ترأس الخوارج و قتله علي عليه السلام يوم النهروان 80 .

المثال الثاني

كانت مجموعة من الصحابة يجتمعون في بيت أحدهم يثبطون الناس عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأمر من أحرق عليهم هذا البيت 81 .

المثال الثالث

قزمان بن الحرث قاتل رسول الله في أحد قتال الأبطال ، فقال أصحاب النبي :
ما أجزأ عنا أحد كما أجزأ عنا فلان . فقال النبي : أما إنه من أهل النار ، و لما أصابته الجراح و سقط قيل له هنيئا لك بالجنة يا أبا الفيداق . قال جنة من حرمل والله ما قاتلنا إلا على الأحساب 82 .

المثال الرابع

الحكم بن العاص بن أمية بن عبد شمس عم عثمان بن عفان و والد مروان بن الحكم لعنه رسول الله 83 و لعن ما في صلبه و قال ويل لأمتي مما في صلب هذا .
و من حديث عائشة أنها قالت لمروان أشهد أن رسول الله لعن أباك و أنت في صلبه فنفاه النبي إلى مرج قرب الطائف و حرم عليه أن يدخل المدينة ، و لما مات رسول الله راجع عثمان أبا بكر ليدخله فرفض أبو بكر ، و لما مات أبو بكر راجع عثمان عمر ليدخله المدينة فأبى عمر ، و لما تولى عثمان الخلافة أدخله معززا مكرما و أعطاه مئة ألف درهم و اتخذ مروان ابنه بطانة له و تسبب فيما بعد بقتل الخليفة و خراب الخلافة الراشدة . و كان مروان يلقب بخيط باطل ثم خليفة المسلمين . يقول الشاعر :
لي الله قوما أمروا خيط باطل على *** الناس يعطي من يشاء و يمنع 84

المثال الخامس

و هم الذين اتخذوا مسجدا ضرارا و كفرا وتفريقا بين المؤمنين و قالوا : إنهم بنوا هذا المسجد تقربا لله تعالى و كانوا اثني عشر رجلا من الصحابة المنافقين 85 .

المثال السادس : لعن الرسول لبعض الصحابة

قال الحلبي في رواية : صار ( صلى الله عليه و آله و سلم ) يقول : ” اللهم العن فلانا و فلانا ” 86 . و أخرج البخاري قال : حدثني سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الأخيرة من الفجر يقول : ” اللهم العن فلانا و فلانا ” بعد ما يقول : سمع الله لمن حمده . و قال السيوطي و أخرج أحمد و البخاري و الترمذي و النسائي و ابن جرير و البيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم أحد : ” اللهم العن أبا سفيان ، اللهم العن الحرث بن هشام ، اللهم العن سهيل بن عمرو و اللهم العن صفوان بن أمية ” . قال السيوطي و أخرج الترمذي و صححه و ابن جرير و ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : كان النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) يدعو على أربعة نفر و كان يقول في صلاة الفجر : ” اللهم العن فلانا و فلانا ” 87 . و أخرج نصر بن مزاحم المنقري عن عبد الغفار بن القاسم عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال : أقبل أبو سفيان و معه معاوية ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) : ” اللهم العن التابع و المتبوع ، اللهم عليك بالأقيص ” فقال ابن براء لأبيه : من الأقيص قال : معاوية 88 . و أخرج نصر عن علي بن الأقمر في آخر حديثه قال : فنظر رسول الله إلى أبي سفيان و هو راكب و معاوية و أخوه أحدهما قائد و الآخر سائق ، فلما نظر إليهم رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قال : ” اللهم العن القائد و السائق و الراكب ” ، قلنا أنت سمعت رسول الله ؟ قال : نعم و إلا قصمت أذناي 89 . و انظر إلى رسالة محمد بن أبي بكر الصديق التي وجهها لمعاوية فقد جاء فيها : و قد رأيتك تساميه و أنت أنت و هو هو أصدق الناس نية و أفضل الناس ذرية ، و خير الناس زوجة ، و أفضل الناس ابن عم أخوه الشاري بنفسه يوم مؤتة و عمه سيد الشهداء يوم أحد و أبوه الذاب عن رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) و نحن حوزته . و أنت اللعين ابن اللعين لم تزل أنت و أبوك تبغيان لرسول الله ( صلى الله عليه و آله ) الغوائل و تجهدان في إطفاء نور الله تجمعان على ذلك الجموع و تبذلان فيه المال و تؤلبان عليه القبائل و على ذلك مات أبوك و عليه خلفته 90 . ولم ينف معاوية لعنه و لا لعن أبيه مع أنه قد رد ردا بليغا على هذه الرسالة 91 .

دعوة لتحليل هذه الأمثلة

الأمثلة الست التي سقناها عن رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) تنقض نقضا كاملا القول ( بأن كل الصحابة عدول ) . فمن يأمر الرسول بقتله ليس من العدول . و من يحرق عليهم رسول الله البيت ليسوا من العدول .
ومن يقل عن الجنة جنة من ( حرمل ) و يقاتل على الأحساب ليس من العدول .
و من يلعنه الرسول و يلعن ما في صلبه ليس من العدول .
و الذين اتخذوا مسجدا ضرارا ليسوا من العدول .
لأن القول بعدالتهم يتعارض مع السنة المطهرة . فالسنة المطهرة تنفي هذه العدالة ، و المقلدون تقليدا أعمى بعزلة عن التفكير يثبتونها فأيهما أولى بالتصديق سنة المصطفى أم تقليد المقلدين ؟
فلا خلاف بعدالة أفاضل الصحابة ، و لكن الخلاف يكمن في التعميم بالقول ( بأن كل الصحابة عدول ) و القول بالتعميم تنقضه السنة المطهرة لأنه يتعارض معها تعارضا كاملا .

3 ـ نظرية عدالة كل الصحابة ينقضها واقع الحال

المثال الأول

حصل معاوية على البيعة بالتقتيل و التدمير و التحريق و شتمه أنصار رسول الله ، و استغل أموال المسلمين التي جمعها خلال عشرين عاما بولايته على الشام لتوطيد سلطانه بعد أن أخرج أموال المسلمين عن مصارفها الشرعية . و رتب معاوية عطاء اسمه : رزق البيعة يعطى للجند عند تعيين خليفة جديد 92 .
و تأكد أن المطلب الحقيقي لمعاوية هو الملك عندما كتب وصيته من بعده ليزيد ابنه و أخذ له البيعة بالقوة 93 ، و أمره على صحابة رسول الله بالرغم من مجونه و قلة دينه و سوء خلقه .

المثال الثاني

أوصى معاوية بن أبي سفيان ابنه يزيد : ” إذا ثار أهل المدينة فأرسل إليهم مسلمة بن عقبة ” ، و كان مع مسلمة قائمة بأسماء الطاهرين من الصحابة ليقتلهم واحدا واحدا واحدا . و يدخل عقبة عاصمة النبي و يفعل الأفاعيل التي تضج منها السماء ، مروان دليل الجيش يؤشر و عقبة و جيشه المظفر ينفذ و يعدم بغير رحمة ، و تم تنفيذ أبشع مجزرة و كان من نتيجة هذه الوصية أن :
1 ـ أبيد من حضر من البدريين بالكامل .
2 ـ أبيد من قريش و من الأنصار سبعمائة رجل .
3 ـ أبيد من الموالي و العرب عشرة آلاف .
كان ذلك سنة 63 ه‍ في وقعة الحرة . هنالك قال عبد الله بن عمر : ” نحن مع من غلب ” و تحول قوله إلى قاعدة دستورية و كان معتزلا عندما اشتد الصراع بين علي و معاوية 94 .

المثال الثالث

أرسل معاوية بسر بن أرطأة في ثلاثة آلاف سنة 40 ه‍ و قدم المدينة فصعد المنبر و تهدد أهل المدينة بالقتل فأجابوه إلى بيعة معاوية ، و مضى بسر إلى مكة ثم سار إلى اليمن ولم يجد واليها عبيد الله بن العباس و وجد طفليه الصغيرين عبد الرحمن و قلم فقتلهما بسر و قتل معهما خالا لهما من ثقيف ، و قتل بالمدينة وبين المسجدين خلقا كثيرا ، و كذلك بالجوف قتل بها خلقا كثيرا من رجال همدان و قتل بصنعاء خلقا كثيرا من الأبناء . ولم يبلغه عن أحد أنه يمالئ عليا أو يهواه إلا قتله 95 .
و كانت جويرية أم ابني عبيد الله بن العباس اللذين قتلهما بسر تدور حول البيت ناشرة شعرها و ترثيهما بعاطفة تذيب الصلخد الصلد 96 .

المثال الرابع

ذكر أن امرأة الحسن بن علي عليه السلام جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي سقته السم ، و كان معاوية دس إليها : إنك إن احتلت في قتل الحسن وجهت إليك بمائة ألف درهم و زوجتك من يزيد ، فكان ذلك الذي بعثها على سمه . فلما مات الحسن وفى لها معاوية بالمال و أرسل إليها : ” إنا نحب حياة يزيد و لولا ذلك لوفينا لك بتزويجه ” . و ذكر أن الحسن قد قال عند موته : ” لقد حاقت شربته و بلغ أمنيته والله لا وفى لها بما وعد ، و لا صدق فيما قال ” . عن العباس بن عبد المطلب قال : كنت عند رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) إذ أقبل علي بن أبي طالب ، فلما رآه أسفر عن وجهه فقلت يا رسول الله إنك لتسفر في وجه هذا الغلام فقال : ” يا عم رسول الله والله لله أشد حبا له مني ، إنه لم يكن نبي إلا و ذريته الباقية بعده من صلبه ، و إن ذريتي بعدي من صلب هذا . . . ” 97 . و ممن سمهم معاوية عبد الرحمن بن خالد بن الوليد و ذلك عند ما شاور أهل الشام فيمن يعقد له من بعده فقالوا : رضينا بعبد الرحمن ، فشق ذلك على معاوية فسمه 98 . و هذا ما فعله مع عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق .

المثال الخامس : الفرحة الكبرى

حدث محمد بن جرير الطبري عن محمد بن حميد الرازي عن علي بن مجاهد عن محمد بن إسحاق عن الفضل بن عباس بن ربيعة قال : وفد عبد الله بن العباس على معاوية قال : فوالله إني لفي المسجد إذ كبر معاوية في الخضراء ، فكبر أهل الخضراء ثم كبر أهل المسجد بتكبير أهل الخضراء ، فخرجت فاختة بنت قرظة بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف من خوخة لها فقالت : سرك الله يا أمير المؤمنين ما هذا الذي بلغك فسررت به ؟ فقال معاوية : موت الحسن بن علي ، فقالت : إنا لله و إنا إليه راجعون ، ثم بكت و قالت : مات سيد المسلمين و ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ، فقال معاوية : نعما والله ما فعلت ، إنه كان كذلك أهلا أن تبكي عليه . ثم بلغ الخبر ابن عباس فراح فدخل على معاوية ، قال : علمت يا ابن عباس أن الحسن توفي ؟ قال : ألذلك كبرت ؟ قال : نعم 99 .

المثال السادس

تقدم الجيش بقيادة الصحابي عمرو بن سعد بن أبي وقاص . . . و لما تكاثرت العساكر على الحسين عليه السلام أيقن أنه لا محيص له ، فلم يزل يقاتل حتى قتل .
و كان الذي تولى قتله رجل من مذحج و أخذ رأس الحسين و انطلق به إلى ابن زياد و هو يقول :
أوقر ركابي فضة و ذهبا *** أنا قتلت الملك المحجبا
قتلت خير الناس أما و أبا *** و خيرهم إذ ينسبون نسبا
فسلبوه جبته و حذاءه كما يروي البلاذري في أنساب الأشراف ، ولم يكتفوا بذلك إنما أمر الصحابي عمرو بن سعد بن أبي وقاص أن يوطئوا خيلهم جثة الحسين فانتدب لذلك إسحاق بن هبيرة الحضرمي في نفر منه فوطئوه بخيلهم 100 . و عاد عمرو بن سعد بن أبي وقاص مظفرا بعد أن أباد ذرية محمد و ماتوا و هم عطشى و بجانبهم الفرات حلال حتى للكلاب و حرام على ذرية محمد .

المثال السابع و الأخير

قال الحسن عليه السلام أثناء اجتماعه بمعاوية : ” . . . يا أهل الكوفة لو لم تذهل نفسي عنكم إلا لثلاث خصال لذهلت : مقتلكم أبي ، و سلبكم ثقلي ، و طعنكم في بطني ، و إني قد بايعت معاوية . . . ) 101 و كان عليه السلام بعد تولي الخلافة قد خرج في جيش قوامه اثني عشر ألفا و عسكر في المدائن فقام بعض من معه بمباغتته و سلبوه رحله ، و تفرقوا عنه و خذلوه ، بل أن بعضهم أراد أن يوثقه و يسلمه لمعاوية موثقا ، و بعضهم أراد قتله .
تحليل هذه الأمثلة التقتيل و التدمير و التحريق و إبادة البدريين و قتل أحد عشر ألف مسلم بيوم واحد من أهل المدينة المنورة بلا ضرورة أمر يناقض العدالة .
و قتل الأطفال و قتل كل من يظن أنه يهوى ولي الله علي أمر لا يتفق و دعوى العدالة . و سم الحسن ، و قتل الحسين ، و الدوس على جثته الطاهرة بسنابك الخيل و إبادة آل محمد و منعهم من أن يشربوا من ماء الفرات أمر يناقض الزعم بالعدالة .
هذه الأمور و أمثالها مما لا يحصى تنقض بوقوعها مزاعم كل الذين يقولون إن الصحابة كلهم عدول و إنهم كلهم من أهل الجنة و لا يدخل أحد منهم النار ، لأننا لو قلنا بذلك لكان فيه مكافأة للذين انتهكوا محارم الله . إن سم الحسن و قتل الحسين وإبادة أهل البيت ، و إبادة أفاضل الصحابة لا يمكن أن يكون اجتهادا إنما هو عدوان . و من يفعل ذلك لا يمكن أن يكون من العدول بكل المعايير العقلية و الدينية و وفق كل الشرائع الوضعية التي عرفها البشر ، يترفع أي قائد أمريكي أو فرنسي أو روسي أو وثني من أن يقوم بقتل طفلين صغيرين في غياب أبيهما كما فعل ابن أرطأة ، فقتل الطفلين لا يقدم و لا يؤخر في ملك معاوية أو ملك ابنه . و هذا العمل بكل المقاييس عمل وحشي لا يمكن تبريره ، فهل يعقل أن من يقوم بهذا العمل أو يأمر به من الصحابة العدول ؟ و هل يعقل أن يدخله الله الجنة ؟ نعم بالتقليد يقبل كل غريب و لكن وفق قواعد الشرع الحنيف فإنه غير مقبول . و من هنا فإن واقع الحال و ما جرى بعد وفاته ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ينقض نقضا كاملا نظرية كل الصحابة عدول لأن ما جرى يناقضها . و ما وجدت هذه النظرية أصلا إلا لغايات سياسية ، كما سنثبت ذلك و لتغطية الخروج على الشرعية و لتبرير توسيد الأمر لغير أهله و الله غالب على أمره ثم تناقل الناس هذه النظرية تقليدا كتناقل الأزياء .

4 ـ نظرية عدالة الصحابة تتعارض مع روح الإسلام العامة

و مع حسن الخاتمة و مع الغاية من الحياة نفسها فالله سبحانه و تعالى ما خلق الموت و الحياة ، و ما خلق الأرض و ما عليها إلا ليمتحن خلقه أيهم أحسن عملا ، بدليل قوله تعالى :
﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ 102 ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ 103 .
فالحياة وجدت لتكون ميدان اختبار للمكلفين ، و كل ما في الحياة عنصر من عناصر عملية الاختبار ، و تبدأ عملية الاختبار بالتكليف المرتبط بالعقل و التمييز و تنتهي بالموت . فإذا كان كل الصحابة عدول لا يجوز عليهم كلهم الكذب و محكوم بنزاهتهم ، و أنهم جميعا من أهل الجنة و أنه لا يدخل أحد منهم النار ، فهم خارجون تماما عن عملية الابتلاء و لا داعي لامتحانهم ، و هذا يناقض الغاية من حياتهم إذ في ذلك إيقاف لعملية الابتلاء الإلهية .
ثم إنها تناقض روح الإسلام العامة لأن ﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ 104 ، فقدر المسلم أن يكون ملتزما بأوامر الله حتى يتوفاه الله ، و أي خلل بهذا الالتزام يخرجه من دائرة الإسلام و يجر عليه غضب الله بحجم هذا الخلل ، و العبرة دائما بحسن الخاتمة . فلو أن مسلما التزم بأوامر الله طوال حياته و قبل أن يموت بيوم واحد كفر بالله ، لما أغنى عنه التزامه السابق شيئا .
و الرسول بفضل الله عليه على علم بما سيحدث بعده ، لذلك خاطب جميع المؤمنين في حجة الوداع قائلا : ” لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم أعناق بعض ” . و الخطاب موجه للصحابة بالمعنيين اللغوي و الاصطلاحي .
و روى البخاري عن ابن عباس عن النبي قال : ” إنكم تحشرون حفاة عراة ، و إن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات اليمين و ذات الشمال فأقول : أصحابي أصحابي فيقول : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ، فأقول كما قال العبد الصالح : و كنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ” .
و روى مسلم هذا الحديث بلفظ ” ليردن علي ناس من أصحابي حتى إذا عرفتهم اختلجوا من دوني فأقول أصحابي فيقول لا تدري ماذا أحدثوا بعدك ؟ ” .
و روى البخاري عن النبي قال : ” بينما أنا قائم ، فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم قال : هلم ، قلت : أين ؟ قال : إلى النار والله ، قلت : و ما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري ، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم ـ أي القليل ” .
و في رواية أخرى أن النبي قال : ” يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيملأون عن الحوض فأقول : يا رب أصحابي ، فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا ، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري ” .
و أخرج عن سهل بن سعد قال : قال النبي : ” ليوردن علي أقوام أعرفهم و يعرفونني ، ثم يحال بيني و بينهم ” . قال أبو حازم : فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال : هكذا سمعت من سهل فقلت : نعم ، فقال : أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته و هو يزيد فيها : ” فأقول إنهم مني ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول : سحقا سحقا لمن غير بعدي ” .
و أخرج من حديث ابن عباس جاء فيه : ” و إن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : أصحابي أصحابي فيقال : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ” .
و أخرج أبو يعقوب في مسند عمر مثل ذلك .
و أخرج البخاري في باب غزوة الحديبية عن العلاء بن المسيب عن أبيه قال :
” لقيت البراء بن عازب فقلت له : طوبى لك صحبت النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و بايعته تحت الشجرة ، فقال : يا ابن أخي إنك لا تدري ما أحدثناه بعده ” .
و أخرج عن عبد الله عن النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : ” أنا فرطكم على الحوض و ليرفض رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول : يا رب أصحابي فيقال :
إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ” .
قال البخاري تابعه عاصم عن أبي وائل و قال حصين عن أبي وائل عن حذيفة عن النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) .
و أخرج عن أسماء بنت أبي بكر : ” إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم ، و سيؤخذ ناس دوني فأقول : يا رب مني و من أمتي ، فيقال : هل شعرت ما عملوا بعدك ؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم ” .
قال البخاري فكان ابن مليكة يقول : ” اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا و نفتن عن ديننا ” .
هذا بعض ما نقلناه من البخاري و مسلم و في غيرهما كثير أعرضنا عنه خشية التطويل 105 .

تحليل هذه النماذج من النصوص

ثبت من أحاديث رسول الله التي سقناها قبل قليل أن قسما من الصحابة سيبدلون من بعده و سيرتدون على أعقابهم وسيؤمر بهم إلى النار . و من أخرج هذه الأحاديث البخاري و مسلم ، و هما في نظر المقلدين يأتيان بعد القرآن في الصحة و الاعتبار ، فكيف نوحد بين قولهم بأن الصحابة كلهم عدول و كلهم في الجنة و لا يدخل أحد منهم النار و بين هذه النصوص النبوية القاطعة و المتواترة و التي يؤيدها واقع الحال ؟
و طالما أنه لا يمكن التوحيد بين المزاعم و النصوص ، فإن نظرية عدالة كل الصحابة منقوضة من أساسها ، لأنها تتعارض مع الغاية من الحياة و هي الابتلاء ، و تتعارض مع روح الإسلام التي تربط الحياة القويمة بالعمل الصالح و استمرار التواصي بالحق والصبر عليه و تتوج كل ذلك بحسن الخاتمة .

تهافت نظرية عدالة كل الصحابة

روى ابن عرفة المعروف بنفطويه ، و هو من أكابر المحدثين و أعلامهم كما جاء في شرح النهج للمعتزلي : ” إن أكثر الأحاديث في فضائل الصحابة قد افتعلت في أيام بني أمية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون أنوف بني هاشم . و قد صيغت بأسلوب يجعل من كل صحابي قدوة صالحة لأهل الأرض و تصب على كل من سب أحدا منهم أو اتهمه بسوء كما جاء فيما رووه عن أنس بن مالك : ( من سب أحدا من أصحابي فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين ، و من عابهم أو انتقصهم فلا تواكلوه و لا تشاربوه و لا تصلوا عليه ) . و قد جاءت بهذا الأسلوب ولم تفرق بين صحابي و صحابي ” .

عرض

ولي الله بالنص ، و أخو رسول الله بالنص ، و عميد آل البيت بالنص ، و باب مدينة العلم اللدني بالنص هو على الأقل صحابي يحمل هذا اللقب كما يحمله غيره ، فما حكم من يسبه و يفرض سب علي ( عليه السلام ) و الانتقاص منه في جميع المقاطعات التي كانت تخضع لحكم معاوية ؟ و ما حكم الذين أطاعوا معاوية بسبه ؟ هل يشملهم هذا الحديث الآنف ؟ و عندما نصحه بعض خلصائه للتوقف عن سب علي و شيعته قال :
والله لا أدع سبه و شتمه حتى يهرم عليه الكبير و يشب عليه الصغير . و قد بذل للصحابي أبي سمرة بن جندب خمسمائة ألف درهم ليروي له عن النبي ( صلى الله عليه و آله ) أن الآية ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ﴾ 106 نزلت في علي بن أبي طالب . و أن الآية ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ 107 نزلت في عبد الرحمن بن ملجم لأنه قتل عليا عليه السلام . فما لهذه النظرية تفرق بين صحابي و صحابي و تطبق على أناس و لا تطبق على الآخرين ؟ و لا عاقل في الدنيا ينفي أن شتم علي و آله قد فرضته الدولة على كل رعاياها و أنهم قد شاركوا الدولة هذا الإثم رهبة أو رغبة .

دور الصحابة في التسنن و التشريع

في عهد الصحابة و الطبقة الأولى من التابعين كان دور الصحابة منحصرا على نقل أقوال الرسول و أفعاله ، و كانوا يلاحقون الرواة للتأكد من صدقهم و بعضهم يستحلفه و أكثرهم يتجنب مرويات البعض لأن البعض كانوا يكذبون على رسول الله و درة عمر بن الخطاب كانت لهم بالمرصاد .
فبعد أن كانت السنة لا تتعدى أقوال الرسول و أفعاله عند متقدمي الصحابة أصبحت في العصور التي تعددت فيها المذاهب ، و توزعت في العواصم و بقية الأقطار أصبحت هذه السنة تتسع لرأي الصحابي و فتواه ، فإذا لم يجدوا نصا على حكم الواقعة في كتاب الله و سنة الرسول أصبحت آراء الصحابة في أحكام الحوادث التي كانت تعرض عليهم المصدر الثالث من مصادر التشريع بعد كتاب الله و سنة رسوله .
و لعل أئمة المذاهب الثلاثة و علماءهم : الأحناف و المالكية و الحنابلة أكثر تعصبا من الشوافع كما يبدو ذلك من تصريحاتهم و مجاميعهم الفقهية . و مع أن أبا حنيفة كان متحمسا للقياس و يراه من أفضل المصادر بعد كتاب الله فقد كان يقدم رأي الصحابي إذا تعارض في مورد من الموارد . و جاء عنه أنه كان يقول : إذا لم أجد في كتاب الله و لا في سنة رسول الله أخذت بقول أصحابه ، فإذا اختلفت آراؤهم في حكم الواقعة آخذ بقول من شئت و أدع من شئت ، و لا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم من التابعين .
و جاء في أعلام الموقعين لابن القيم ، أن أصول الأحكام عند الإمام أحمد خمسة : 1 ـ النص . 2 ـ فتوى الصحابة . و أن الأحناف و الحنابلة قد ذهبوا إلى تخصيص الكتاب بعمل الصحابي لأن الصحابي العالم لا يترك العمل بعموم الكتاب إلا لدليل فيكون عمله على خلاف عموم الكتاب دليلا على التخصيص و قوله بمنزلة عمله 108 . و ما أبعد ما بين هؤلاء أهل السنة و بين أهل الشيعة القائلين بعدم جواز الاعتماد على السنة في مقام التشريع إلا إذا تأيدت بآية من القرآن لأن فيه تبيان لكل شئ ، و قد نزل بلغة العرب ، و بأسلوب يفهمه كل عربي ، و ذلك لأن السنة رواها عن الرسول جماعة يجوز عليهم الخطأ و الكذب ، و كانوا لا يقبلون مرويات بعضهم أحيانا و يعمل كل منهم بما يوحيه إليه اجتهاده ، و قد تراشقوا بأسوء التهم و استحل بعضهم دم بعض 109 .
و مهما كان الحال فأقوال الصحابة و آراؤهم و اجتهاداتهم من أبرز أصول التشريع عند الجمهور بعد كتاب الله ، و في الوقت ذاته يخصصون بها عمومياته و يقيدون بها مطلقاته و كأنها وحي من السماء لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه . و من المعلوم أن هذا الغلو في تقديس الصحابة الذي لا يختلف عن العصمة في شئ و يتسع للمنافقين و للمشركين الذين أرغموا على التظاهر بالإسلام .
و هذا الغلو في تقديس الصحابة قد تحول في الفترة التي ظهرت فيها المذاهب الفقهية لمحاربة التشيع لأئمة أهل البيت في فقههم و أصولهم و جميع تعاليمهم التي تجسد الإسلام في جميع مراحله و فصوله كما ورثوه عن جدهم عليه السلام ( علي ) و هو مدينة العلم . و كان الأئمة عليهم السلام يقولون : ” إذا حدثنا لا نحدث إلا بما يوافق كتاب الله و كل حديث ينسب إلينا لا يوافق كتاب الله فاطرحوه ” ، كما كان الإمام الصادق يقول : ” حديثي حديث أبي . و حديث أبي حديث جدي ، و حديث جدي حديث رسول الله ، و حديث رسول الله قول الله ” 110 111 .

  • 1. و يمكن لمن أراد التفصيل أن يراجع على سبيل المثال : لسان العرب لجمال الدين محمد بن مكرم بن منظور : 1 / 915 . و تاج اللغة لإسماعيل بن حماد الوهري : 161 ـ 162 . و تاج العروس لمحمد مرتضى الحسيني الزبيدي : 3 / 186 . و المعجم الوسيط لإبراهيم مصطفى و رفقاه : 1 / 509 ـ 510 . و القاموس المحيط للفيروز آبادي مجدي بن محمد يعقوب . و مختارات الصحاح لأبي بكر الرازي : 356 .
  • 2. راجع الآية 26 من سورة الكهف ، و تفسير ابن كثير : 3 / 92 ـ 93 على سبيل المثال .
  • 3. راجع الآية 15 من سورة لقمان و تفسير ابن كثير : 3 / 444 .
  • 4. راجع الآية 36 من سورة النساء و تفسير ابن كثير : 1 / 494 .
  • 5. راجع الآية 40 من سورة التوبة و تفسير ابن كثير : 2 / 358 .
  • 6. راجع الآيتين 34 و 37 من سورة الكهف و تفسير ابن كثير : 3 / 83 .
  • 7. راجع الآية 29 من سورة القمر و تفسير ابن كثير : 4 / 265 .
  • 8. راجع الآية 2 من سورة النجم و الآية 41 من سورة سبأ و : 3 / 543 و : 4 / 246 لابن كثير .
  • 9. راجع الآية 31 من سورة يوسف : 2 / 479 لابن كثير .
  • 10. راجع الآية 59 من سورة الذاريات و : 2 / 238 لابن كثير .
  • 11. راجع سلسلة مقالاتنا المنشورة تباعا في جريدة اللواء الأردنية عام 91 ـ 92 .
  • 12. راجع الإصابة في تمييز الصحابة لأحمد بن علي بن محمد بن علي الكناني العسقلاني الشافعي المعروف بابن حجر : 10 .
  • 13. راجع صفحة 11 و ما فوق من المرجع السابق .
  • 14. راجع الطبقات لابن سعد : 2 / 56 على سبيل المثال و راجع كتابنا النظام السياسي في الإسلام : 103 .
  • 15. راجع المعارف لابن قتيبة : 131 و 141 .
  • 16. راجع المعارف لابن قتيبة : 54 و 131 و راجع كتابنا النظام السياسي في الإسلام : 103 .
  • 17. راجع كتابنا النظام السياسي في الإسلام : 232 و ما فوق .
  • 18. راجع الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني : 16 .
  • 19. الإصابة في تمييز الصحابة : 7 لابن حجر العسقلاني .
  • 20. a. b. راجع الإصابة في تمييز الصحابة : 9 و 10 .
  • 21. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 110 ، الصفحة : 64 .
  • 22. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 143 ، الصفحة : 22 .
  • 23. القران الكريم : سورة الفتح ( 48 ) ، الآية : 18 ، الصفحة : 513 .
  • 24. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 100 ، الصفحة : 203 .
  • 25. القران الكريم : سورة الأنفال ( 8 ) ، الآية : 64 ، الصفحة : 185 .
  • 26. القران الكريم : سورة الأنفال ( 8 ) ، الآية : 59 ، الصفحة : 184 .
  • 27. القران الكريم : سورة الحشر ( 59 ) ، الآية : 10 ، الصفحة : 547 .
  • 28. راجع كتاب آراء علماء المسلمين في التقية و الصحابة : 81 و 82 و صيانة القرآن الكريم للسيد مرتضى الرضوي .
  • 29. المرجع السابق : 91 و قد نقل عن محب الدين الخطيب و عن المنتقى للذهبي .
  • 30. a. b. راجع الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني : 17 و 18 .
  • 31. راجع كتاب الكبائر للحافظ الذهبي : 238 و راجع آراء علماء المسلمين : 85 للسيد مرتضى .
  • 32. القران الكريم : سورة الأعراف ( 7 ) ، الآية : 157 ، الصفحة : 170 .
  • 33. a. b. راجع الإصابة في تمييز الصحابة : 19 .
  • 34. a. b. راجع كنز العمال : 11 / 358 ـ 361 و راجع المعارف لابن قتيبة : 131 و 41 و 54 .
  • 35. راجع كتابنا النظام السياسي في الإسلام : 106 وما فوق .
  • 36. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 58 ، الصفحة : 87 .
  • 37. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 95 ، الصفحة : 94 .
  • 38. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 253 ، الصفحة : 42 .
  • 39. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 47 ، الصفحة : 7 .
  • 40. القران الكريم : سورة الإسراء ( 17 ) ، الآية : 55 ، الصفحة : 287 .
  • 41. القران الكريم : سورة الأنعام ( 6 ) ، الآية : 86 ، الصفحة : 138 .
  • 42. القران الكريم : سورة الإسراء ( 17 ) ، الآية : 21 ، الصفحة : 284 .
  • 43. القران الكريم : سورة الحديد ( 57 ) ، الآية : 10 ، الصفحة : 538 .
  • 44. راجع الطبقات لابن سعد : 6 / 65 و راجع كتابنا النظام السياسي في الإسلام : 103.
  • 45. راجع فتوح البلدان للبلاذري و انظر إلى طريقة عمر بن الخطاب بتسلسل العطايا و مقدارها .
  • 46. و يمكن لمن أراد التوسع أن يراجع طبقات ابن سعد .
  • 47. راجع تاريخ الخلفاء للسيوطي : 227 ـ 228 و راجع كتابنا النظام السياسي في الإسلام : 108 .
  • 48. راجع تاريخ الخلفاء للسيوطي : 227 .
  • 49. راجع تاريخ الطبري : 7 / 198 و راجع الإمامة و السياسة لابن قتيبة و راجع : 2 / 326 من شرح النهج و راجع كتابنا النظام السياسي في الإسلام : 126 و 133 .
  • 50. راجع تاريخ الطبري : 7 / 198 وراجع الإمامة والسياسة لابن قتيبة و راجع شرح النهج : 2 / 326 و راجع كتابنا النظام السياسي في الإسلام : 126 و 133 .
  • 51. راجع الكتاب : 130 ـ 139 ، تحت عنوان ” خصوصية القرابة الطاهرة ” .
  • 52. راجع الإمامة و السياسة : 5 ـ 7 .
  • 53. راجع الإمامة و السياسة : 7 ـ 8 .
  • 54. راجع الإمامة و السياسة : 8 .
  • 55. راجع فتوح البلدان للبلاذري .
  • 56. راجع كتابنا النظام السياسي في الإسلام : 101 و ما فوق فقد فصلنا هذه الموازين بالقدر الذي يفهم .
  • 57. القران الكريم : سورة الحجر ( 15 ) ، الآية : 9 ، الصفحة : 262 .
  • 58. القران الكريم : سورة الصافات ( 37 ) ، الآية : 154 ، الصفحة : 452 .
  • 59. الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني : 17 ـ 19 .
  • 60. كتاب الكبائر للحافظ الذهبي : 238 .
  • 61. راجع آراء علماء المسلمين في التقية و الصحابة و صيانة القرآن للسيد مرتضى الرضوي : 97 ـ 98 .
  • 62. راجع الكتاب : 97 ـ 114 ، تحت عنوان ” جذور السياسية لنظرية عدول الصحابة ” .
  • 63. a. b. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 8 و 9 ، الصفحة : 3 .
  • 64. a. b. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 14 ، الصفحة : 3 .
  • 65. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 54 ، الصفحة : 195 .
  • 66. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 46 ، الصفحة : 194 .
  • 67. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 47 ، الصفحة : 194 .
  • 68. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 56 ، الصفحة : 196 .
  • 69. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 49 ، الصفحة : 195 .
  • 70. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 53 ، الصفحة : 195 .
  • 71. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 80 ، الصفحة : 200 .
  • 72. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآيات : 75 – 77 ، الصفحة : 199 .
  • 73. راجع على سبيل المثال تفسير فتح القدير للشوكاني علي بن محمد : 2 / 185 و راجع تفسير ابن كثير لإسماعيل بن كثير الدمشقي : 2 / 373 . و راجع تفسير الخازن لعلاء الدين علي بن إبراهيم البغدادي : 2 / 125 . و راجع تفسير البغوي محمد بن الحسن بن مسعود الفرا : 2 / 125 بهامش تفسير الخازن . و راجع تفسير الطبري لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري : 6 / 131 .
  • 74. القران الكريم : سورة السجدة ( 32 ) ، الآيات : 18 – 20 ، الصفحة : 416 .
  • 75. راجع شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي : حديث 445 و 453 ، 610 ، 626 و راجع مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي : 324 و 370 و 371 و راجع تفسير الطبري : 21 / 107 و راجع الكشاف للزمخشري : 3 / 514 و راجع فتح القدير للشوكاني : 4 / 255 و راجع تفسير ابن كثير : 3 / 462 و راجع أسباب النزول للواحدي : 200 و راجع أسباب النزول للسيوطي مطبوع بهامش تفسير الجلالين : 550 ، و راجع أحكام القرآن لابن عربي : 3 / 1489 و راجع شرح النهج لابن أبي الحديد : 4 / 8 80 و 6 : 292 و راجع كفاية الطالب للكنجي الشافعي : 140 و راجع الدر المنثور للسيوطي : 5 / 178 و راجع ذخائر العقبى للطبري الشافعي : 88 و راجع المناقب للخوارزمي الحنفي : 197 و راجع نظم درر السمطين للزرندي الحنفي : 92 ، و راجع تذكرة الخواص للسبط الجوزي الحنفي : 207 و راجع مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي و راجع ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : 250 و راجع زاد المسير لابن الجوزي الحنبلي : 6 / 340 و راجع أنساب الأشراف للبلاذري : 2 / 148 حديث 150 ، و راجع تفسير الخازن : 3 / 470 و 5 / 187 و راجع معالم التنزيل للبغوي الشافعي بهامش الخازن : 5 / 187 و راجع السيرة الحلبية للحلبي الشافعي : 2 / 85 و راجع تخريج الكشاف لابن حجر العسقلاني مطبوع بذيل الكشاف : 3 / 514 و راجع الانتصاف في ما تضمنه الكشاف بذيل الكشاف : 3 / 244 و راجع إحقاق الحق : 3 / 273 و راجع فضائل الخمسة : 1 / 268 و راجع المراجعات : 64 حسين الراضي .
  • 76. القران الكريم : سورة الصف ( 61 ) ، الآية : 7 ، الصفحة : 552 .
  • 77. راجع السيرة الحلبية باب فتح مكة .
  • 78. أرجع للمراجع السابقة .
  • 79. راجع الإصابة في تمييز الصحابة : 1 / 439 .
  • 80. راجع آراء علماء المسلمين للسيد مرتضى الرضوي .
  • 81. راجع سيرة ابن هشام : 3 / 235 .
  • 82. راجع الإصابة : 3 / 235 و راجع آراء علماء المسلمين للسيد مرتضى : 127 و ما فوق .
  • 83. راجع كنز العمال .
  • 84. راجع مروج الذهب للمسعودي .
  • 85. راجع سيرة بن هشام .
  • 86. السيرة الحلبية : 2 / 234 .
  • 87. الدر المنثور في التفسير المأثور : د / 71 .
  • 88. وقعة صفين : 217 تحقيق و شرح الأستاذ عبد السلام محمد هارون
  • 89. وقعة صفين : 220 .
  • 90. راجع مروج الذهب للمسعودي : 3 / 14 وقد نقلت هذا المقتطف حرفيا .
  • 91. راجع المرجع السابق : 3 / 15 و 16 من مروج الذهب للمسعودي .
  • 92. راجع نظام الحكم للقاسمي : 283 .
  • 93. راجع كتابنا النظام السياسي في الإسلام : 182 .
  • 94. راجع نتائج معركة الحرة في كل كتب التاريخ و تأكد من صحة هذه النتائج و راجع على سبيل المثال الإمامة و السياسة لابن قتيبة .
  • 95. راجع الإمامة و السياسة و راجع مروج الذهب للمسعودي : 3 / 26 .
  • 96. راجع مروج الذهب : 27 .
  • 97. راجع مروج الذهب للمسعودي : 477 / 2 .
  • 98. راجع ترجمته في الاستيعاب و راجع كتاب شيخ المضيرة : 175 .
  • 99. راجع مروج الذهب للمسعودي : 2 / 478 ـ 479 .
  • 100. راجع مقتل الحسين في أنساب الأشراف للبلاذري .
  • 101. راجع مروج الذهب .
  • 102. القران الكريم : سورة الكهف ( 18 ) ، الآية : 7 ، الصفحة : 294 .
  • 103. القران الكريم : سورة الملك ( 67 ) ، الآية : 2 ، الصفحة : 562 .
  • 104. القران الكريم : سورة العصر ( 103 ) ، الآية : 2 و 3 ، الصفحة : 601 .
  • 105. راجع آراء علماء المسلمين في التقية والصحابة وصيانة القرآن الكريم للسيد مرتضى الرضوي : 100 و ما فوق . و راجع مسند الإمام أحمد : 5 / 50 و 1 / 235 .
  • 106. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 204 ، الصفحة : 32 .
  • 107. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 207 ، الصفحة : 32 .
  • 108. راجع أبا حنيفة لأبي زهرة : 304 و راجع آراء علماء المسلمين في التقية و الصحابة و صيانة القرآن الكريم : 87 و ما فوق فقد لخصنا ما ذكره في هذا المجال الإيماني لموافقته للصواب .
  • 109. راجع المدخل إلى علم أصول الفقه لمعروف الدواليبي : 217 و راجع المرجع السابق .
  • 110. لقد اقتطفنا هذا الموضوع من كتاب آراء علماء المسلمين للسيد مرتضى الرضوي ، فارجع إليه : 87 وما فوق و غايتنا وضع الحقيقة الشرعية أمام طلابها
  • 111. كتاب نظرية عدالة الصحابة للمحامي أحمد حسين يعقوب : 12 ـ 59
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى