تمهيد
﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون﴾1.
إن الاعتقاد بوجود مصلح إلهي وعالمي موجود في كثير من المذاهب والأديان فليس مقصوراً على الشيعة، وإن كنا نتميز عن غيرنا بأن هذه الفكرة لم تعد فكرة ننتظر ولادتها، ونبوءة نتطلع إلى تحققها، بل واقعاً قائماً ننتظر فاعليته، وإنساناً معيناً يعيش بيننا بلحمه ودمه نراه ويرانا ويعيش مع امالنا والامنا ويشاركنا أحزاننا، وأفراحنا، ويشهد كل ما تزخر به الساحة على وجه الأرض من عذاب المعذّبين وبؤس البائسين وظلم الظالمين، وقد قدر لهذا الإمام القائد المنتظر أن لا يعلن عن نفسه، ولا يكشف للاخرين حياته على الرغم من أنه يعيش معهم، انتظاراً للحظة الموعودة.
وقد ورد في الأحاديث الشريفة الحث المتواصل على انتظار الفرج.
وهكذا نلاحظ أن وجود الإمام أعطى الفكرة زخماً جديداً، وجعل منها مصدر عطاء وقوة بدرجة أكبر، إضافة إلى ما يجده أي إنسان رافض من سلوة وعزاء وتخفيف لما يقاسيه من الام الظلم والحرمان حين يحس أن إمامه وقائده يشاركه هذه الالام ويشعر بها فعلاً بحكم كونه إنساناً معاصراً يعيش معه وليس مجرد فكرة مستقبلية2.
الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في العقيدة الإسلامية
إن الاعتقاد بأن لهذه الأمة مهدياً ليس مورداً للاختلاف بين المسلمين باختلاف مذاهبهم، ويرجعون هذه المسألة إلى أحاديث النبي صلى الله عليه وآله التي ثبت صحة صدورها عنهصلى الله عليه وآله ، والكثير من العلماء يذهب إلى تواتر هذه الأحاديث، وقد دوّن علماء السنة أحاديث المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في مختلف العصور.
روى ابن ماجة بسنده عن علقمة عن عبد اللَّه قال: “بينما نحن عند رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إذ أقبل فتية من بني هاشم فلما راهم النبي صلى الله عليه وآله أغرورقت عيناه وتغير لونه قال: فقلت: ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه. فقال:”إنا أهل بيت اختار اللَّه لنا الاخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً وتشريداً وتطريداً، حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود فيسألون الخير، فلا يعطونه، فيقاتلون، فينصرون، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها لرجل من أهل بيتي فيملأها قسطاً كما ملؤوها جوراً فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج“3.
وورد أيضاً عن أم سلمة (رض) عن النبي صلى الله عليه وآله :”المهدي من عترتي من ولد فاطمة”4.
روى الحمويني بسنده عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله :”إن علي بن أبي طالب إمام أمتي وخليفتي عليها من بعدي من ولده القائم المنتظر الذي يملأ اللَّه به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً والذي بعثني بالحق بشيراً إن الثابتين على القول به في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر“.
فقام إليه جابر بن عبد اللَّه الأنصاري فقال: يا رسول اللَّه، وللقائم من ولدك غيبة؟ قال صلى الله عليه وآله :”أي وربي ليمحّص اللَّه بها الذين امنوا ويمحق الكافرين يا جابر إن هذا الأمر من أمر اللَّه وسر من سر اللَّه، علمه مطوي عن عباده، فإياك والشك فيه فإن الشك في أمر اللَّه كفر“5
الإمام المهدي في الغيبة الصغرى
للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف كما نعلم غيبة صغرى، وكبرى.
الغيبة الصغرى يقصد بها الفترة التي بدأت باستشهاد الإمام العسكري عليه السلام وتسلم الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف مهام الإمامة بعده وقد تم اتصاله بقواعده الشعبية عبر السفراء الأربعة وهم:
الأول: عثمان بن سعيد، مدة سفارته حوالي خمس سنوات.
الثاني: محمد بن عثمان حوالي أربعين عاماً، توفي سنة 305 للهجرة.
الثالثة: الحسين بن روح واستمر واحداً وعشرين سنة.
الرابع: علي بن محمد السمري، وبقي في السفارة ثلاثة سنين وتوفي عام 329ه 6 .
الإمام المهدي في الغيبة الكبرى
كانت وفاة علي بن محمد السمري إيذاناً بإبتداء عصر الغيبة الكبرى وكان التوقيع الصادر عن الإمام عليه السلام إلى علي بن محمد قبل وفاته بستة أيام هو الإعلان عن انتهاء فترة الغيبة الصغرى. ونص التوقع المبارك هو:”بسم اللّه الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري، أعظم اللّه أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا توصِ إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بإذن اللّه تعالى ذكره، وذلك بعد طول أمد وقسوة القلب وامتلاء الأرض جوراً. وسيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة قبل خروج السفياني، والصيحة فهو كذاب مفتر ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم“7.
يتضح من هذا النص عدة أمور منها:
1 – انتهاء دور النيابة الخاصة(السفارة).
2 – هناك مجموعة من العلامات الخاصة التي تسبق خروج الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف .
علامات ظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
قد ذكر الشيخ المحدث الجليل عباس القمي في كتابه منتهى الامال، ج2، ص821، بعض علائم الظهور، وهي عبارة عن اختصار لما كتبه الفقيه المحدث، السيد إسماعيل النوري رحمهم الله.
ونحن بدورنا ننقل بعض هذه العلامات:علامات الظهور على قسمين: علائم حتمية وعلائم غير حتمية.
العلامات الحتمية:
1- خروج الدجال: وفي رواية أبي إمامة أن رسول اللّه قال ما معناه:
ليبصق كل مؤمن رأى الدجال على وجهه وليقرأ سورة الحمد كي يذهب سحر اللعين ولما يظهر اللعين يملأ الأرض بالفتن، وتقوم معركة بينه وبين جيش القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف ، ثم يقتل اللعين على يد الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف أو على يد عيسى بن مريم عليهما السلام .
2 – الصيحة:”يا معشر الخلائق هذا مهدي ال محمد وينسبه إلى أبيه الحسن بايعوه تهتدوا ولا تخالفوا أمره فتضلوا”8.
3 – خروج السفياني: يخرج من واد يابس ليس فيه ماء ولا كلاء يقع بين مكة والشام، وهو رجل قبيح الوجه على وجهه أثر جدري. ربع ضخم الهامة أزرق العينين اسمه عثمان بن عنبسة من ولد يزيد بن معاوية ويملك اللعين خمس مدنٍ كبيرة: دمشق، وحمص، وفلسطين والأردن، وقنّسرين.
4 – الخسف: خسف الأرض بجيش السفياني في البيداء.
5 – النفس الزكية: قتل النفس الزكية وهو من نسل ال محمد صلى الله عليه وآله فيقتل بين الركن والمقام.
6- السيد الحسني: خروج السيد الحسني وهو شاب حسن الوجه يخرج من ناحية الديلم وقزوين، وينادي بصوت عالٍ: أغيثوا ال محمد فإنهم يستغيثونكم، وهذا السيد الظاهر أنه من ولد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام .
7 – الكف: ظهور كف في السماء.
8 – خسوف وكسوف: كسوف الشمس في النصف من شهر رمضان وخسوف القمر في اخره.
9 – رجب: ظهور ايات وعلامات في شهر رجب.
العلامات غير الحتمية:نشير إلى بعضها:
1 – هدم جدار مسجد الكوفة.
2- فيضان شطّ الفرات وجريانه في أزقة الكوفة.
3- عمران الكوفة بعد خرابها.
4- ظهور الماء في بحر النجف.
5- جريان نهر من شط الفرات إلى الغري أي النجف الأشرف.
6- القحط الشديد قبل الظهور.
7- القتل البيوح أي القتل الكثير الذي لم ينقطع.
8 – تحلية المصاحف وزخرفة المساجد وتطويل المنائر.
9 – كثرة القتل وسفك الدماء في الكوفة بسبب الرايات المختلفة.
10 – خروج الرايات السود من خراسان.
11 – هطول مطر شديد غزير في شهر جمادي الثانية وشهر رجب لم ير مثله.
12 – امتلاء العالم بالظلم والكفر والفسوق والمعاصي.
*محطات من سيرة اهل البيت، سلسلة الدروس الثقافية ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1-الأنبياء: 105.
2- الصدر، محمد باقر، بحث حول المهدي، ص12 7.
3- سنن ابن ماجة، ج2، ص1366.
4- كنز العمال، ج14، ص264. وقريب منه ما رواه، ابن ماجة، في السنن، ج2، ص1368.
5- ينابيع المودة، ص494.
6- تاريخ الإسلام، ج4، ص94.
7- الغيبة، الطوسي، ص242.
8- بحار الأنوار، ج53، ص8، باب 25.