مقالات

تاريخ اليهود…

نورد في هذه الخلاصة الحالة العامة لليهود من زمن موسى عليه السلام الى زمن نبينا محمد صلى الله عليه و آله وقد اعتمدنا فيها على كتاب ( معجم الكتاب المقدس ) الصادر عن مجمع الكنائس للشرق الأدنى ، وكتاب ( تاريخ اليهود من أسفارهم لمحمد عزت دروزة ) . وينقسم تاريخ اليهود في هذه المدة إلى عشرة عهود :

  1. عهد موسى ويوشع عليهما السلام 1270 ق . م 1130 ق . م
  2. عهد القضاة 1130 ق . م 1025 ق . م
  3. عهد داود وسليمان عليهما السلام 1025 ق . م 931 ق . م
  4. عهد الإنقسام والصراع الداخلي 931 ق . م 859 ق . م
  5. عهد السيطرة الأشورية 859 ق . م 612 ق . م
  6. عهد السيطرة البابلية 597 ق . م 539 ق . م
  7. عهد السيطرة الفارسية 539 ق . م 331 ق . م
  8. عهد السيطرة اليونانية 331 ق . م 64 ق . م
  9. عهد السيطرة الرومانية 64 ق . م 638 م
  10. عهد السيطرة الإسلامية 638 . م 1925 . م

عهد موسى ويوشع

عاش النبي موسى عليه السلام مئة وعشرين سنة ، منها نحو ثلاثين سنة أول عمره الشريف في قصر فرعون مصر . ونحو عشر سنوات عند النبي شعيب عليه السلام ، في قادش برنيع الواقعة في آخر سيناء من جهة فلسطين ، قرب وادي العربة .
وتذكر التوراة الموجودة أن عدد بني إسرائيل الذين خرجوا معه عليه السلام ست مئة ألف ماش من الرجال عدا الأولاد 1 . ويقدرهم بعض الباحثين الغربيين بستة آلاف نسمة .
ويرجح المؤرخون أن الخروج من مصر حدث في مطلع القرن الثالث عشر قبل الميلاد ، حدود 1230 ق. م. على عهد الفرعون منفتاح .
وفي الجبل عند قادش توفي موسى عليه السلام فدفنه وصيه يوشع بن نون عليه السلام ، وأخفى قبره . وقد تحمل من بني إسرائيل أنواع الأذى في حياته وبعد وفاته !
تقول توراتهم عنه وعن هارون عليه السلام : ( كلم الرب موسى قائلاً : مت في الجبل كما مات أخوك هارون في جبل هور . لأنكما خنتماني . عند ماء برية مريبة قادش في برية سين إذ لم تقدساني . فإنك تنظر الأرض من قبالتها ولكنك لا تدخل إلى هناك إلى الأرض التي أنا أعطيتها لبني إسرائيل ) 2 !!
وتقول : ( يوشع بن نون هو يدخل إلى هناك ) 3 .
وتولى قيادة بني إسرائيل بعد موسى وصيه النبي يوشع‘ ، فسار بهم إلى الضفة الغربية لنهر الأردن وبدأ بمدينة أريحا وفتح معها 31 مملكة صغيرة الواحدة منها عبارة عن مدينة أو بلدة قد يتبعها قرى زراعية . وكان السكان من الوثنيين الكنعانيين. وقسم المنطقة على أسباط بني إسرائيل المتحاسدين !
وقد ذكرت الإصحاحات 15 إلى 19 من سفر يوشع أسماء مدن وقرى المنطقة ، مئتين وستة عشر مدينة ، حسب تعبيرها .
وتوفي يوشع عليه السلام عن عمر قارب مئة وعشر سنوات ، حوالي 1130 ق. م.

عهد القضاة أو الخلفاء وسيطرة الدول المحلية عليهم

انتقلت قيادة بني إسرائيل بعد يوشع عليه السلام إلى القضاة من قبائل اليهود ، وهم أشبه بالخلفاء من قبائل قريش ، وحكم منهم خمسة عشر قاضياً .
وتميز عهدهم بأمرين سنراهما مرافقين لبني إسرائيل دائما هما : انحرافهم عن خط الأنبياء عليهم السلام ، وتسليط الله تعالى عليهم من يسومهم سوء العذاب ، كما ذكر سبحانه في القرآن .
يتحدث سفر القضاة في الإصحاح الثالث والخامس عن انحراف بني إسرائيل بعد يوشع عليه السلام فيقول : ( سكنوا في وسط الكنعانيين والحيثيين والأموريين والفرزيين والحيويين واليبوسيين ، واتخذوا بناتهم لأنفسهم نساء وأعطوا لبنيهم ، وعبدوا آلهتهم ) .
ويذكر في الإصحاح :3 : 8 أن أول من تسلط عليهم وأخضعهم كوشان رشتعايم ملك آرام النهرين ، مدة ثمان سنين .
ثم هاجمهم بنو عمون والعمالقة واستولوا على مدينة أريحا . قضاة ، إصحاح 3 ـ 13 .
ثم تسلط عليهم يابين ملك كنعان في حاصور عشر سنين . قضاة ، اصحاح 4 : 3 .
ثم استعبدهم بنو عمون والفلسطينيون ثمان عشرة سنة. قضاة ، اصحاح 1 : 8 .
ثم نكل بهم الفلسطينيون وتسلطوا عليهم مدة أربعين سنة . قضاة ، اصحاح 13 : 1
وقد امتد حكم القضاة من بعد يوشع عليه السلام إلى زمن النبي صموئيل عليه السلام ، الذي ذكره الله تعالى في القرآن بقوله ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ 4.
ويقدر المؤرخون هذه المدة بحوالي قرن ، من سنة 1130 ق. م. إلى عهد طالوت وداود عليه السلام 1025 ق. م بينما يفهم من سفر القضاة في التوراة أنها أكثر من ذلك .

عهد داود وسليمان عليهما السلام

جعلنا عهد طالوت ( شاول ) جزءً من عهد داود وسليمان عليهما السلام ، لأنه كان ملكاً على خط الأنبياء عليهم السلام ولم يكن نبياً . ويذكر المؤرخون أنه حكم خمس عشرة سنة 1025 إلى1010 قبل الميلاد ، وحكم بعده داود وسليمان عليهما السلام من 1010 ق. م. إلى 931 ق. م. سنة وفاة سليمان .
ويلاحظ أن مؤلفي التوراة الموجودة قد أكثروا من ظلمهم وافترائهم على أنبياء الله موسى وداود وسليمان عليهما السلام ، ورموهم بعظائم التهم الأخلاقية والسياسية والعقائدية ! وقد تبعهم في ذلك وزاد عليهم أكثر المؤرخين النصارى الغربيين ، ثم تبعهم على ذلك المسلمون أصحاب الثقافة الغربية . صلوات الله على أنبيائه جميعاً ، ونبرأ إلى الله ممن اتهمهم بسوء .
لقد أنقذ داود عليه السلام بني إسرائيل من الوثنية التي تورطوا فيها ، ومن تسلط الوثنيين ، ومد نفوذ دولته الإلهية إلى المناطق المجاورة ، وعامل الشعوب التي دخلت تحت حكمه بالحسنى ، كما وصف الله تعالى في كتابه وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه و آله .
وأراد داود أن يبني مسجداً في مكان عبادة جده إبراهيم‘في القدس على جبل ( المَرِيَّا ) وكان المكان بيدراً للحبوب لأحد سكان القدس من اليبوسيين اسمه أرونا ، فاشتراه منه بخمسين شاقلاً فضة كما تذكر التوراة الموجودة 5 . وبنى فيه مسجداً أقام فيه الصلاة ، وفي جانب منه كانت تذبح الأضاحي لله تعالى . وورث سليمان ملك أبيه‘وبلغ مكة ما ذكره الله تعالى في قرآنه وسنة رسوله صلى الله عليه و آله ، و بنى مسجد أبيه داود وإبراهيم ، بناء جديداً فخماً عرف باسم هيكل سليمان .
إن فترة حكم سليمان عليه السلام هي فترة استثنائية في تاريخ الأنبياء عليهم السلام جسَّد الله تعالى فيها للعالم نموذجاً للإمكانات الهائلة المتنوعة التي يمكن أن يسخرها لحياتهم إذا هم أقاموا كيانهم السياسي بقيادة الأنبياء وأوصيائهم عليهم السلام ، ولم يستغلوها في البغي على بعضهم : ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴾ 6.
وتوفي سليمان عليه السلام وهو جالس على كرسيه كما وصف القرآن ، ويحدد المؤرخون ذلك بسنة 931 ق . م. وبمجرد وفاته وقع الإنحراف في بني إسرائيل والإنقسام في الدولة ، وسلط الله عليهم من يسومهم سوء العذاب .
تقول التوراة الموجودة في سفر الملوك الأول : إصحاح11 : 1 ـ 13 ، بعد أن تفتري على سليمان عليه السلام بأنه ترك عبادة الله تعالى وعبد الأصنام : ( وقال لسليمان : من أجل أن ذلك عندك ، ولم تحفظ عهدي وفرائضي التي أوصيتك بها ، فإني أمزق المملكة عنك تمزيقاً ) .

عهد الانقسام والصراع الداخلي

وقد اشتد صراعهم الداخي حتى استعانوا على بعضهم بالقوى الوثنية المتبقية حولهم ، وبفراعنة مصر وآشور وبابل .
فقد اجتمع اليهود بعد موت سليمان عليه السلام في شكيم ( نابلس ) وبايعت أكثريتهم يربعام بن نباط الذي كان عدواً لسليمان في حياته ، وهرب منه إلى فرعون مصر فلما توفي سليمان رجع ورحب به اليهود ، وأقام في الضفة الغربية كياناً باسم دولة إسرائيل وجعل عاصمته شكيم أو السامرة ، وبايعت قلة منهم رحبعام بن سليمان وجعل عاصمته القدس ، وعرفت دولته باسم يهوذا .
أما وصي سليمان آصف بن برخيا الذي يصفه الله تعالى بأنه ﴿ … عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ 7فلم يكن نصيبه من بني إسرائيل إلا التكذيب !
وتذكر التوراة أن الكفر وعبادة الأصنام كان علنياً في أتباع يربعام وأنه : ( صنع عجلين من ذهب ووضع أحدهما في بيت إيل والثاني في دان وجعل عندهما مذابح وقال لهم : هذه آلهتكم التي أصعدتكم من مصر فاذبحوا عندها ولا تصعدوا إلى أورشليم ، فاستجاب له الشعب ) ! 8 .
وإلى جانب العجلين أمر يربعام بعبادة آلهة أخرى منها عشتروت إلهة الصيدونيين وكموش إله الموآبيين ، ومكلوم إله العمونيين! 9 .
وبعد ثلاث سنوات سارت مملكة يهوذا في ذات الطريق فعبدت الأصنام! 10 .
وقد اغتنم شيشق فرعون مصر هذه الفرصة وقام في سنة 926 ق. م. بحملة لمساعدة يربعام ، والقضاء على دولة ابن سليمان وجماعته ، فاحتل القدس : ( وأخذ خزائن بيت الرب وبيت الملك ، وأخذ كل شئ ، وأخذ أتراس الذهب التي عملها سليمان ) 11 .
ويبدو أن ظروف فرعون مصر لم تساعده لفرض سيطرته المستمرة أو سيطرة حليفه يربعام . فبعد انسحاب شيشق استعادت المملكة الصغيرة شيئاً من كيانها ، ولكن الحروب استمرت مع يربعام .
كما استغل الأراميون ضعف الدولتين فهاجموا مملكة يهوذا وساقوا رؤساءهم سبايا إلى عاصمتهم دمشق ، وفرضوا عليهم الجزية وذلك في عصر الملك الأرامي بن هدد : 879 ـ 843 ق . م. 12 .
ثم فرضوا الجزية والحماية على مملكة يربعام في زمن مملكة آخاب بن عومري 874 ق . م 853 ق . م .
وتذكر التوراة أيضاً غزو الفلسطينيين والعرب الذين بجانب الكوشسيين لمملكة يهوذا في زمن الملك يهورام ، حيث احتلوا القدس واستولوا على الأموال في بيت الملك وسبوا أبناءه ونساءه! 13 .
و تذكر أن الجيش الأرامي غزا بيت المقدس وأهلك كل الرؤساء وأخذ جميع الخزائن وقدمها إلى حزائيل ملك الأراميين ) ! 14 .
وكذلك هجم يوآش ملك إسرائيل على يهوذا وهدم سورها ، وأخذ كل الذهب والفضة وجميع الآنية الموجودة في بيت الرب وفي خزائن بيت الملك ) 15 .
وقد استمرت هذه الحالة من الصراع فيما بينهم ، وتسلط الممالك المجاورة عليهم إلى الإحتلال الآشوري !!

عهد السيطرة الآشورية

بدأت السيطرة الآشورية على اليهود بحملة شلمنصر الثالث ملك الآشوريين 859 ق.م. ـ 824 ق. م. على مملكة الأراميين ومملكة إسرائيل حيث أخضع المنطقة لحكمه وحكم من بعده من الآشوريين ، ويبدو أن مملكة يهوذا كانت محافظة على طاعة الآشوريين بعكس مملكة إسرائيل ، لأن التوراة تذكر طلب ملكها آحاز بن يوثام من تغلث فلاسر ملك آشور القيام بحملة على مملكة إسرائيل والأراميين فاستجاب له الأخير وقام بحملة في سنة 732 ق.م ، وتابع مهمته خلفه شلمنصر الخامس ولكنه توفي أثناء حصاره لعاصمتها شكيم ( السامرة ) فأكمل خلفه سرجون الثاني احتلال السامرة ، وقضى على هذه المملكة نهائياً .
وقد استعمل الآشوريون في القضاء على مملكة إسرائيل خطة الإجلاء لليهود ، فقد سباهم تغلث فلا سر إلى بلاده ، وأسكن مكانهم آشوريين ، كما وورد في سفر أخبار الملوك الثاني إصحاح 15 : 29 . وقام بعده الملك فقح بإكمال الخطة فسبى سبط منسي وغيره ، كما في أخبار الأيام ، إصحاح 5 : 29. وسرجون الثاني الذي أجلى منهم حوالي ثلاثين ألفاً إلى حران وضفة الخابور وميديا ، وأسكن مكانهم الأراميين . الملوك الثاني إصحاح 17 : 5 ، 6 و 18 .
ثم خرجت مملكة يهوذا عن طاعة الآشوريين في عهد ملكها حزقيا الذي قام على ما يبدو بالإتصال بالمصريين ، فغضب عليه سنحاريب ملك آشور وقام بآخر حملة آشورية لإخضاع مملكة يهوذا حوالي سنة701 ق.م وأخضع المنطقة واحتل القدس ودفع له حزقيا ( جميع الفضة الموجودة في بيت الرب وفي خزائن بيت الملك ) !16 .
وتذكر التوراة الموجودة غير من تقدم من ملوك آشور : أسرحدون ، وآشور بانيبال آخر ملوكهم ، وأنهما نقلا أقواماً من آشور وأسكنوهم في السامرة . سفر عزرا ، إصحاح4 : 10 .

عهد السيطرة البابلية

سقطت عاصمة الآشوريين نينوى سنة 612 ق.م. على يد الماذيين والبابليين ( الكلدانيين ) فتقاسموا ممتلكاتها ، وكان العراق وبلاد الشام وفلسطين من حصة البابليين ، وأشهر ملوكهم نبوخذ نصر الذي قام بحملتين لإخضاع بلاد الشام وفلسطين ، الأولى سنة 597 ق. م والثانية سنة 586 ق.م .
في الحملة الأولى ، حاصر القدس وفتحها وأخذ خزائن بيت الملك ، وسبى عدداً كبيراً من اليهود من جملتهم الملك يهوياكين ورجاله ، وعين صدقيا عم يهوياكين على من بقي من اليهود ، وأسكن المسبيين في منطقة نيبور عند نهر الخابور ببابل ) 17 .
وجاءت الحملة الثانية بسبب صراع النفوذ بين نبوخذ نصر وفرعون مصر خوفرا حيث قام الأخير بتحريض ملوك بلاد الشام وفلسطين ومنهم صدقيا ملك القدس على التحالف معه ضد البابليين فاستجابوا له ، فوجه حملته إلى المنطقة ، ولكن نبوخذ نصر سارع بإرسال حملة تمكن بها من هزيمة المصريين واحتلال كافة المنطقة ، ودخل الجيش البابلي القدس ودمر الهيكل وأحرقه ونهب خزائنه ، وكذلك فعل ببيوت كبار اليهود ، وسبى منهم حوالي خمسين ألف شخص ، وذبح أولاد صدقيا أمامه ، ثم فقأ عينيه وحمله مقيداً مع الأسرى ، وقضى بذلك على مملكة يهوذا ) ! 18 .

عهد السيطرة الفارسية

احتل كورش ملك فارس بلاد بابل وقضى على دولتها سنة 539 ق. م ، ومضى في حملته ففتح بلاد الشام وفلسطين ، وسمح لمن أراد من أسرى نبوخذ نصر واليهود الموجودين في بابل بالرجوع إلى القدس ، وأعاد إليهم كنوز الهيكل ، وسمح لهم بإعادة بنائه ، وعين زر بابل حاكماً عليهم ) 19 .
وبدأ الحاكم اليهودي التابع لكورش ببناء الهيكل ، ولكن الأقوام المجاورة توجست من ذلك واشتكت إلى قمبيز خليفة كورش ، فأمر بايقاف البناء ، ثم سمح لهم دارا الأول فأتموا بناءه سنة 515 ق. م. ) 20 .
واستمرت السيطرة الفارسية على اليهود من سنة 539 ق . م ـ 331 ق . م حكم فيها كورش ، وقمبيز ، وداريوش الأول ( دارا ) ، وأحشوريوش ، وأرتحشستا المعاصر لعزير عليه السلام ، وحكم بعده عدة ملوك منهم داريوس الثاني وأرتحشست الثاني ، والثالث ، وكان آخر ملوكهم داريوس الثالث الذي قضى عليه الإسكندر اليوناني . وأكثر هؤلاء الملوك ورد ذكرهم في التوراة الموجودة .

عهد السيطرة اليونانية

زحف الإسكندر المقدوني على مصر وبلاد الشام وفلسطين ففتحها ، وهزم الحاميات الفارسية والقوى المحلية التي وقفت في وجهه ، ودخل القدس وأخضعها فيما أخضع ، ثم اتجه الى ايران فقضى على داريوس الثالث وجيشه في معركة أربيل الحاسمة بشمال العراق ، وتابع زحفه فاحتل إيران وغيرها .
وبذلك دخل اليهود تحت السيطرة اليونانية سنة 331 ق . م .
وقد تنازع قادة جيش الإسكندر بعد وفاته على امبراطوريته الكبيرة ، وبعد صراع دام عشرين سنة سيطر البطالسة في مصر ( نسبة إلى بطليموس ) على أكثر أجزاء الدولة ، والسلوقيون في سوريا ( نسبة إلى سلقس ) على أجزاء أخرى ، ودخلت القدس تحت سيطرة البطالسة في سنة 312 ق.م. حتى انتزعها منهم انطيوخوس الثالث السلوقي سنة 198 ق.م. ثم غلب عليها البطالسة مرة أخرى حتى الفتح الروماني سنة 64 ق . م .
وذكرت التوراة الموجودة ستة من البطالسة باسم بطليموس الأول والثاني . الخ . وأن الأول دخل أورشليم يوم السبت ، وسبى عدداً من اليهود إلى مصر 21 . كما ذكرت خمسة من السلوقيين باسم انطيوخوس الأول والثاني. الخ . وأن الرابع منهم ( 175 ق . م .163 ق. م. ) زحف على القدس ونهب جميع النفائس من المعبد ، وبعد سنتين ضربها ضربة عظيمة ونهبها وهدم بيوتها وأسوارها ، وسبى نساءها وأطفالها ، ونصب تمثالاً لإلهه زفس في الهيكل وأمر اليهود بعبادته فاستجاب له كثير منهم . بينما لجأ بعضهم إلى المخابئ والمغاور ، فكان ذلك سبب ثورة اليهود المكابيين سنة 168 ق.م 22 .
وهذه الثورة التي يفتخر بها اليهود كثيراً أشبه بحرب عصابات قام بها متدينو اليهود ضد اليونانيين الوثنيين ، وقد حققت انتصارات محدودة في فترات مختلفة واستمرت حتى جاءت السيطرة الرومانية .

عهد السيطرة الرومانية

في سنة 64 ق.م. احتل القائد الروماني بومبي سورية وضمها إلى إمبراطورية روما ، وفي السنة الثانية احتل القدس وجعلها تابعة لحاكم سوريا الروماني . وفي سنة 39 ق.م. عين القيصر أغسطس هيرودس الأدومي ملكا على اليهود ، وبدأ ببناء الهيكل بناء جديداً واسعاً مزيناً ، وتوفي سنة 4 ق.م. وقد ذكره إنجيل متى ص 2 .
كما ذكرت الأناجيل ابنه هيرودس الثاني الذي حكم من سنة 4 ق.م. إلى سنة 39 م. والذي ولد في زمانه المسيح عليه السلام ، والذي قتل يحيى بن زكريا عليهما السلام وأهدى رأسه على طبق من ذهب إلى سالومة إحدى بغايا بني إسرائيل ! 23 .
وتذكر الأناجيل والمؤرخون الإضطرابات التي وقعت في القدس وفلسطين على عهد نيرون 54 م ـ 68 م والتي كانت بين اليهود والرومان ، وبين اليهود أنفسهم ، فقام القيصر فسبسيان بتعيين ابنه تيطس سنة 70 م. ملكاً على المنطقة وقام تيطس بحملة على القدس ، فتحصن فيها اليهود حتى نفدت مؤنهم وضعفوا ، واخترق تيطس السور واحتل المدينة وقتل الألوف من اليهود ، ودمر بيوتهم ودمر الهيكل وأحرقه وأزاله من الوجود تماماً ، بحيث لم يعد يهتدي الناس إلى موضعه ، وساق الأحياء الباقين إلى روما .
ويذكر المسعودي في كتابه التنبيه والأشراف ص 110 أن عدد القتلى في هذه الحملة بلغ من اليهود والمسيحيين ثلاثة آلاف ألف ، أي ثلاثة ملايين! والظاهر أن فيه مبالغة .
وقد اشتدت قبضة الرومان على اليهود بعد هذه الحوادث ، ثم بلغت ذروتها عندما تبنى قسطنطين ومن بعده من القياصرة الديانة المسيحية فنكلوا باليهود ولهذا استبشر اليهود بغزو كسرى أبرويز لبلاد الشام وفلسطين وانتصاره على الروم سنة 620 م. في عهد النبي صلى الله عليه و آله ، وفرح بذلك إخوانهم يهود الحجاز واستفتحوا على المسلمين ، فنزل قوله تعالى :
﴿ … الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ 24.
ويذكر المؤرخون أن اليهود اشتروا من الفرس عند انتصارهم عدداً كبيراً من الأسرى النصارى الروم بلغ تسعين ألفاً ، وذبحوهم !
وعندما انتصر هرقل على الفرس بعد بضع سنين نكَّل باليهود وطرد من بقي في القدس منهم ، وأصبحت القدس عند النصارى محرمة على اليهود ، ولذلك اشترطوا على الخليفة عمر بن الخطاب أن لا يسكن فيها يهودي فأجابهم إلى طلبهم ، وكتب ذلك في عهد الصلح لهم كما ذكر الطبري في تاريخه : 3 / 105 وكان ذلك في سنة 638 م . ، أي سنة 17 هجرية حيث أصبحت القدس وفلسطين جزءً من الدولة الإسلامية إلى سنة 1343 هـ. 1925 م. عندما سقطت الخلافة العثمانية بأيدي الغربيين .
***
هذه الخلاصة لتاريخ اليهود تكشف لنا أموراً عديدة ، منها تفسير الآيات الشريفة حولهم في سورة الإسراء. وحاصل تفسيرها : أن المقصود بقوله تعالى : ﴿ وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴾ 25، مرة قبل بعثة النبي صلى الله عليه و آله ومرة بعدها ، فهو التقسيم الوحيد المناسب لإفسادهم الكثير الملئ به تاريخهم .
وأن المقصود بقوله تعالى : ﴿ … بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ … ﴾ 26: هم المسلمون ، حيث سلطهم الله تعالى عليهم في صدر الإسلام فجاسوا خلال ديارهم ، ثم دخلوا المسجد الأقصى .
ثم رد الكرة لليهود على المسلمين عندما ابتعدوا عن الإسلام ، وأمدهم بأموال وبنين ، وجعلهم أكثر نفيراً وأنصاراً علينا في العالم .
ثم يسلطنا الله تعالى عليهم في المرة الثانية في حركة التمهيد للمهدي عليه السلام وحركة ظهوره .
ولا نجد في تاريخ اليهود قوماً سلطهم الله عليهم ، ثم رد الكرة لليهود عليهم ، غير المسلمين .

***
أما علو اليهود الموعود على الشعوب والأمم الأخرى ، فهو مرة واحدة لا مرتين ، وهو مقارن لإفسادهم الثاني ، أو ناتج عنه .
ولا نجد شيئاً من هذا العلو في أي فترة من تاريخهم إلا في حالتهم الحاضرة بعد الحرب العالمية الثانية .
فاليهود اليوم بحكم نص القرآن في مرحلة الإفساد الثاني والعلو الكبير .
ونحن في بداية تسليط الله تعالى لنا عليهم ، في مرحلة إساءة وجوههم ومقاومتهم.. حتى يفتح الله تعالى وندخل المسجد قبل ظهور الإمام المهدي عليه السلام أو معه ، كما دخله أسلافنا أول مرة ، ونُتَبِّرَ علوهم في العالم تتبيراً ، أي نسحقه سحقاً .
أما قوله تعالى : ﴿ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ﴾ 27فيدل على أن اليهود يبقى منهم عدد كثير في العالم بعد إزالة إسرائيل واخراج من لم يسلم منهم من بلاد العرب على يد المهدي عليه السلام وأنهم قد يعودون إلى الإفساد وذلك في حركة الدجال الأعور كما تذكر الروايات الشريفة فيقضي عليهم الإمام المهدي عليه السلام والمسلمون ، ويجعل الله تعالى جهنم حصيراً لمن لم يقتل منهم ، ويحصر المسلمون من بقي منهم ويمنعونهم من التحرك والإفساد 28 .

  • 1. سفر الخروج ص 12 : 37 ، وسفر العدد ص 33 : 36 .
  • 2. سفر التثنية ص 32 : 5ـ 53 .
  • 3. سفر التثنية ، ص 1 : 38 .
  • 4. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 246، الصفحة: 40.
  • 5. سفر صموئيل الثاني : إصحاح 24 : 24 ، وسفر الأخبار الأول : إصحاح 21 : 22 ، 28 .
  • 6. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 27، الصفحة: 486.
  • 7. القران الكريم: سورة الرعد (13)، الآية: 43، الصفحة: 255.
  • 8. سفر الملوك إصحاح 12 : 26 ـ 33 .
  • 9. سفر أخبار الملوك الأول ، إصحاح 12 : 31 وأخبار الملوك الثاني ، إصحاح 11 : 13 ـ 15 وإصحاح 13 : 9 .
  • 10. سفر أخبار الملوك الأول ، إصحاح 14 : 21 ـ 24 والملوك الثاني ، إصحاح 11 : 13 ـ 17 وإصحاح 12 .
  • 11. سفر أخبار الملوك ، إصحاح 14 : 25 ـ 26 .
  • 12. سفر الملوك الثاني إصحاح 13 : 3 ـ 13 .
  • 13. الملوك الثاني ص 21 : 16 ـ 17 .
  • 14. سفر الملوك الثاني ، إصحاح 24 : 3 وإصحاح 12 ـ 17 ـ 18 .
  • 15. سفر الملوك الثاني إصحاح 14 : 11 ـ 14 وإصحاح 25 : 21 ـ 24 .
  • 16. سفر أخبار الملوك الثاني ، إصحاح 18 : 13 ـ 15 .
  • 17. أخبار الملوك الثاني ، إصحاح 24 : 1 ـ 6 .
  • 18. سفر الملوك الثاني ، إصحاح 24 : 17 ـ 20 و 25 وسفر الأخبار الثاني إصحاح 36 : 11 ـ 21 وسفر أرميا ، إصحاح 39 :1 ـ 4 .
  • 19. سفر عزرا إصحاح 6 : 3 ـ 7 وإصحاح 1 : 7 ـ 11 .
  • 20. سفر عزرا ، إصحاح 6 :1 ـ 15 .
  • 21. سفر دانيال ، إصحاح 11 : 5 .
  • 22. سفر المكابيين ص 1 : 41ـ 53 .
  • 23. إنجيل مرقس 6 : 16 ـ 28 .
  • 24. القران الكريم: سورة الروم (30)، من بداية السورة إلى الآية 5، الصفحة: 404.
  • 25. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 4، الصفحة: 282.
  • 26. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 5، الصفحة: 282.
  • 27. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 8، الصفحة: 283.
  • 28. عصر الظهور ، الشيخ علي الكوراني العاملي ، الطبعة السابعة عشر ، سنة 1427.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى