نور العترة

الصبر …

عن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» أنّه قال: «الصبر خير مركب، ما رزق الله عبداً خيراً له ولا أوسع من الصبر»1.

يعد الصبر من القيم الأخلاقية الرفيعة، والسجايا النبيلة، ولقد حثت الشريعةُ الإسلاميةُ كتاباً وسنّة على الصبر، وامتدحته وامتدحت المتخلقين به، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ 2.

وقال: ﴿ … وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ 3.

وقال: ﴿ … وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ 4.

وقال جلّ شأنه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ 5.

وقال سبحانه مخاطباً نبيه المصطفى «صلى الله عليه وآله»: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ … ﴾ 6.

وعن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» أنّه قال: «عجباً لأمر المؤمن إنّ أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلاّ للمؤمن إنْ أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإنْ أصابته ضراء صبر فكان خيراً له»7.

وقال الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» : «الصبرُ مطيّةٌ لا تكبو، والقناعةُ سيفٌ لا ينبو»8.

وعنه «عليه السلام» أنّه قال: «الصبر أحسن حلل الإيمان، وأشرف خلائق الإنسان»9.

وعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، وإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان»10.

وعن عبد الله بن مسكان عن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: «إنّ الله عزّ وجل خص رسله بمكارم الأخلاق، فامتحنوا أنفسكم فإن كانت فيكم فاحمدوا الله واعلموا أنّ ذلك من خير، وإن لا تكن فيكم فاسألوا الله وارغبوا إليه فيها، قال: فذكرها عشرة: اليقين، والقناعة، والصبر، والشكر، والحلم، وحسن الخلق، والسخاء، والغيرة، والشجاعة، والمروءة …»11.

وعنه «عليه السلام» قال: «لم يقسم بين العباد أقل من خمس: اليقين، والقنوع، والصبر، والشكر، والذي يكمل به هذا كله العقل»12.

وعنه «عليه السلام» قال: «إنّ المعرفة بكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه، وقلة المراء، وحلمه وصبره وحسن حلقه»13.

وعنه «عليه السلام» قال: «قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: قال الله عزّ وجل: إنّي جعلت الدنيا بين عبادي قرضاً، فمن أقرضني منها قرضاً أعطيته بكل واحدة عشراً إلى سبعمائة ضعف وما شئت من ذلك، ومن لم يقرضني منها قرضاً فأخذت منه شيئاً قسراً فصبر أعطيته ثلاث خصال لو أعطيت واحدة منهن ملائكتي لرضوا بها مني، قال: ثم تلا أبو عبد الله «عليه السلام» قول الله عزّ وجل: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ …﴾ 14 فهذه واحدة من ثلاث خصال ﴿ … وَرَحْمَةٌ … ﴾ 15 اثنتان ﴿ … وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ 15 – ثلاث – ثم قال أبو عبد الله «عليه السلام» : هذا لمن أخذ الله منه شيئاً قسراً»16.

وعن أبي بصير قال: «سمعت أبا عبد الله «عليه السلام» يقول: إنّ الحر حر على جميع أحواله، إن نابته نائبة صبر لها، وإن تداكت عليه المصائب لم تكسره، وإن أسر وقهر واستبدل باليسر عسراً كما يوسف الصديق الأمين صلوات الله عليه لم يضرر حرّيته أن أستبعد وقهر وأسر ولم تضرره ظلمة الجب ووحشته وما ناله، أن منّ الله عليه فجعل الجبار العاتي له عبداً بعد إذ كان له مالكاً، فأرسله ورحم به أمّة، وكذلك الصبر يعقّب خيراً، فاصبروا ووطّنوا أنفسكم على الصبر توجروا»17.

وعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: «إنّ الصبر، والبرّ، والحلم، وحسن الخلق، من أخلاق الأنبياء»18.

من أقسام الصبر

1-الصبر على المكاره والنوائب

إنّ الإنسان معرّض في هذه الحياة الدنيا إلى المآسي والمصائب والأرزاء، وهو لا يملك أمام الكثير منها حولاً ولا قوّة، فما عليه سوى التسلّح بسلاح الصبر لكي يستطيع التغلب عليها ويستفيد من الآثار الإيجابية للمصيبة أو النائبة، فالمشيئةُ الإلهيةُ تقتضي أن تجري على الإنسان بعضُ المصائب، وهذه بقدر ما فيها من آلام يتجرعها الإنسان إلاّ أنّها لا تخلو من إيجابيات عظيمة، ومن هذه الإيجابيات ما يحصل عليه الإنسان من الأجر الكبير والثواب الجزيل جزاءً على صبره، قال تعالى: ﴿ … وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ 2.

وعن الإمام الصادق «عليه السلام» قال: «من صبر واسترجع وحمد الله عند المصيبة، فقد رضي بما صنع الله، ووقع أجره على الله، ومن لم يقبل ذلك جرى عليه القضاء وهو ذميم وأحبط الله أجره»19.

فالصبرُ في هذا المورد هو تلقي المصائب والنّكبات بجلد ومتانة أعصاب، دون أن يجزع أو يصل به الأمر إلى الاعتراض على قضاء الله عزّ وجل.

والتألم والحزن الذي لا يصل إلى حدّ الجزع ولا يُفضي إلى الاعتراض على قضاء الله عزّ وجل فليس بمذموم، فهذا النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» قد أظهر من الحزن والألم الشيء الكثير عند موت ولده إبراهيم وقال: «تدمعُ العين، ويَحْزُنُ القلب، ولا نقول إلاّ ما يرضي الرّب»20، فملاكُ الصبر هو عدم القول بما لا يُرضي الله عزّ وجل من الاعتراض على مشيئته أو سوء الظنّ به.

فالمقادير جارية كما أرادها اللهُ سبحانه وتعالى، سواء صبر الإنسان عليها أم لم يصبر، فمن ابتلي بشيءٍ من المصائب والنوائب وصبر عليها فهو مأجور، ومن لم يصبر وأصابه الجزع واعترض على قضاء الله وأساء الظنَّ بربّه فإن المقادير تجري عليه وهو مأثوم.

قال الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام»: «إنّك إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور، وإن جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور»21.

وينبغي أنْ ننبه هنا إلى أنّ الصبر المحمود في الشرع الشريف هو الصبر على النوائب والمصائب التي لا يستطيع الإنسان دفعها والتخلّص منها، كفقد عزيز أو اضطهاد ظالم مثلاً، أمّا الاستسلام إلى النوائب والمصائب والصبر عليها مع القدرة على درئها، كالصبر على المرض وهو قادر على علاجه، وعلى الفقر وهو يستطيع السعي لكسب المال والتخلّص من الفقر، فهذا النوع من الصبر غير محمود، بل هو مذموم في الشريعة الإسلامية.

من روائع قصص الصبر على المصيبة

ومن القصص الرائعة في الصبر على المصيبة ما ينقل أنّ امرأة مؤمنة كانت تسكن البادية هي وابنها، ونزل عليهما يوماً ضيفان، وكان ولدها مع الإبل فبلغها أنَّ الإبل ازدحمت على ولدها فرمت به في البئر فهلك. فقالت المرأةُ لمن نعى إليها ابنها: اقض ذمام القوم ودفعت إليه كبشاً فذبحه وأصلحه وقرَّب إلى القوم الطعام، فجعلوا يأكلون ويتعجبون من صبرها، فلما فرغ ضيفاها من الأكل قالت لهما: هل فيكم من يحسن من كتاب الله شيئاً؟ فقال أحدهم: نعم، قالت له: فاقرأ عليَّ آيات أتعزّى بها على ولدي، فقرأ: ﴿ … وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ 2، ثم صفت قدميها وصلت ركعات ثم قالت: اللهم إنّي فعلت ما أمرتني فأنجز لي ما وعدتني22.

فما فعلته هذه المرأة المؤمنة هو مما ينبغي أن يفعله أيّ مسلم إذا أصابته مصيبة كالمصيبة التي أصابتها، فعليه أن يصبر ويسلّم أمره إلى الله سبحانه وتعالى ويرضى بقضاء الله لينال أجر وثواب الصابرين، وهو أجر وثواب عظيم، فعن الإمام الباقر «عليه السلام» قال: «لو يعلم المؤمن ما له في المصائب من الأجر لتمنّى أن يقرض بالمقاريض»23، إنّه أجر بدون حساب، تفضّلاً من الله عزّ وجل وكرماً منه، قال تعالى: ﴿ … إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ 24.

2- الصبر على الطاعة وعن المعصية

إنّ عملية الالتزام بالتكاليف الإلهية في جانبي الفعل والترك، عمليّة صعبة وشاقّة لا يمكن للإنسان أن يسير في خطّ الطاعة لله والاستقامة على جادة الحق من دون أن يتسلّح بسلاح الصبر، الذي يكون معه مسيطراً إلى حدٍّ ما على شهوات النفس وغرائزها، والتي تدعوه من جهة إلى التّمرّد على كلّ ما يمكن أن يلزمها بفعل ما لا تتفاعل معه من الأفعال الصعبة عليها، كممارسة الطاعة الشّاقة، وتدعوه من جهة أخرى إلى الاستجابة لها وإشباعها بشكل مطلق دون قيود أو ضوابط معيّنة، حيث تلح على صاحبها إلحاحاً شديداً بأن يستجيب لها ويشبعها سواء أكان ذلك من الطرق المشروعة أو غير المشروعة، فكلاهما سيان عندها، فإذا لم يكن المرء متحلياً بمستوى عال من الصبر فإنّه قد لا يتحمّل الضغوطات التي يواجهها من هذه الغرائز والشهوات، الأمر الذي سيقع معه والحال هذه في المعصية، كما أنّ الوقوف في وجه الشيطان الذي ينفث وساوسه في روع الإنسان لدفعه إلى ارتكاب المعصية بترك الواجب أو فعل المنهي عنه، كل ذلك يحتاج إلى صبر عظيم، فالصبر هو المعونة العظيمة على الطاعة وعن اقتحام المعصية، فإرغام النفس على الاستقامة وهو كما عبرّ عنه النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» بالجهاد الأكبر25 يحتاج إلى صبر قوي وشديد يتحلّى به المجاهد لنفسه، يكون أقوى وأشد من الصبر الذي يحتاجه المجاهد في سوح القتال لأنّ مجاهدة النّفس أشد وأصعب.

3- الصبر على النّعم

والمراد بالصبر على النعم هو ضبطُ النفس عن البطر والطغيان، فكما أنّ إغفال الصبر في الضراء يفضي إلى الجزع، فكذلك إهمال الصبر في السراء يؤدي إلى البطر والطغيان، قال تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ ﴾ 26، فالصبر على نعمة المال يكون بتسخيره في وجوه الخير والبر والإحسان، وبالامتناع عن صرفه في دروب الفساد، وعدم الاستقواء به على معصية الله سبحانه وتعالى، والصبر على نعمة الجاه والمنصب والوظيفة المرموقة يكون بمساعدة المحتاجين، والتواضع للضعفاء والمساكين، ونجدة المظلومين، وهكذا.

4- الصبر في التعامل مع النّاس

فإنَّ التعامل مع النّاس ليس أمراً سهلاً، نظراً لاختلاف طباع النّاس وأخلاقهم وعقلياتهم وتربيتهم، فلا بد من الصبر على معاملتهم واحتمال ما لا يروق من تصرّفاتهم، لذا قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم»27.

5- صبر الزوج على سوء خلق زوجته

تختلف النساء في تعاملهن مع أزواجهن، فهناك من تتعامل مع زوجها بالأخلاق الحسنة وتعاشره بالمعروف، فتلتزم بما عليها من حقوق وواجبات تجاه زوجها، وتسعى لممارسة كل ما يمكن أن يسعد زوجها، وتتجنّب كل ما من شأنه أن يلحق به الأذى ويعكر صفو حياته وعيشه، وهناك صنف من النّساء لا تلتزم بحقوق الزّوج والواجبات التي عليها تجاهه، فلا تعاشره بالمعروف وتسيء أخلاقها في تعاملها وعلاقتها معه، وتخلق له المصاعب والمشاكل، وتحوّل جوّ البيت إلى جحيم لا يطاق، فمن كان هكذا حال زوجته معه، فإن الشريعة الإسلامية، كما أنّها وجهته إلى معالجة نشوزها من خلال ثلاثة أساليب؛ وهي الموعظة، والهجر في المضجع، والضرب الخفيف غير المبرح، قال تعالى: ﴿ … وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ 28، كذلك أيضاً دعته إلى الصبر على سوء معاملتها له، وأنّ له من الأجر والثواب الكثير إن صبر على ذلك احتساباً للأجر من الله سبحانه وتعالى، فعن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» أنّه قال: «من صبر على سوء خلق امرأته واحتسبه، أعطاه الله تعالى بكل يوم وليلة يصبر عليها من الثواب ما أعطى أيوب «عليه السلام» على بلائه، وكان عليها من الوزر في كل يوم وليلة مثل رمل عالج29» 30.

6- صبر الزوجة على سوء خلق زوجها

وكما أنّ هناك من النساء من لا تعاشر زوجها بالمعروف، فإن في الرّجال أيضاً من لا يتعامل مع زوجته بالأخلاق الحسنة، ولا يلتزم بما لها عليه من حقوق وواجبات، فمن كان هذا حال زوجها معها فعليها أن تصبر حفاظاً على كيان الأسرة من التمزّق والضّياع، وأنّها إن صبرت كان لها من الأجر الشيء الكثير، فعن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله»: «من صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها مثل «ثواب» آسية بنت مزاحم»31.

7- الصبر في الدعوة إلى الحق

وذلك لأنّ دعوة الناس إلى سلوك طريق الحق والسير على نهج الله القويم وصراطه المستقيم، تحتاج إلى صبر عظيم يتمتع به الداعية، ويتحمل في هذا السبيل ما يواجهه من المصاعب والمشاق.

لقد عاش كافة الرسل الصبر وتسلّحوا به في دعوتهم الناس إلى الله سبحانه وتعالى وتحملوا شتى المشاق وأنواع الأذى، وكان نبينا الأكرم «صلى الله عليه وآله» قمة في الصبر والتحمل، فقد كذبه قومه وآذوه وأخرجوه من بلده ولكنّه «صلى الله عليه وآله» تحمّل كل ذلك وواجه كل الأذى بعزيمة قوية وصبر عظيم وكبير، وكان يطلب من الله الهداية لقومه، فقد أثر عنه «صلى الله عليه وآله» أنّه كان يقول: «اللهم اهد قومي فإنّهم لا يعلمون»32.

والموارد التي يحتاج المسلم فيها إلى التحلّي بخلق الصبر كثيرة جدّاً، ومن ذلك تتضح لنا العلاقة الوطيدة بين الصبر والإيمان والتي أشارت إليها العديد من الرّوايات، منها ما عن الإمام الصادق «عليه السلام» أنّه قال: «الصبر رأس الإيمان»33، وعنه أيضاً: «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان»34، وذلك لكثرة الموارد التي يحتاج الإنسان فيها إلى الصبر، حيث يكون عدمه لا سيما في بعض الموارد إتلافاً للإيمان وقضاءً عليه كما في حالة عدم الصبر على الطاعة أو عن المعصية أو على المكاره الأمر الذي قد يفضي إلى الجزع المذموم وعدم الرضا بقضاء الله عزّ وجل35.

  • 1. ميزان الحكمة 5/17، برقم: 10176.
  • 2. a. b. c. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآيات: 155 – 157، الصفحة: 24.
  • 3. القران الكريم: سورة النحل (16)، الآية: 96، الصفحة: 278.
  • 4. القران الكريم: سورة لقمان (31)، الآية: 17، الصفحة: 412.
  • 5. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 153، الصفحة: 23.
  • 6. القران الكريم: سورة الأحقاف (46)، الآية: 35، الصفحة: 506.
  • 7. بحار الأنوار 79/139.
  • 8. بحار الأنوار ٦٨/٩٦.
  • 9. ميزان الحكمة 5/17، برقم: 10181.
  • 10. موسوعة الإمام الصادق 13/343 – 344.
  • 11. موسوعة الإمام الصادق 13/10 – 11.
  • 12. موسوعة الإمام الصادق 13/84.
  • 13. موسوعة الإمام الصادق 13/131.
  • 14. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 156 و 157، الصفحة: 24.
  • 15. a. b. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 157، الصفحة: 24.
  • 16. موسوعة الإمام الصادق 13/346 – 347.
  • 17. موسوعة الإمام الصادق 13/350 – 351.
  • 18. الخصال، صفحة 251.
  • 19. ميزان الحكمة 5/26، برقم: 10272.
  • 20. تاريخ الإسلام 2/699.
  • 21. ميزان الحكمة 5/26، برقم: 10268.
  • 22. بحار الأنوار 79/ 153.
  • 23. ميزان الحكمة 5/22، برقم: 10235.
  • 24. القران الكريم: سورة الزمر (39)، الآية: 10، الصفحة: 459.
  • 25. يروى أنّ النبي «صلى الله عليه وآله» استقبل سريّة قد قدمت من جهاد العدو، فقال: «مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النّفس». «الكافي ٥/١٢».
  • 26. القران الكريم: سورة العلق (96)، الآية: 6 و 7، الصفحة: 597.
  • 27. كنز العمال ١/١٥٥، برقم: ٧٦٩.
  • 28. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 34، الصفحة: 84.
  • 29. تعبيرٌ كنائيٌ عن زيادة الشيء وكثرته بحيث لا يكون قابلاً للإحصاء، كما هو الحال في زيادة عدد حبات الرمل المتراكمة في الصحراء، حيث أنها من الكثرة بمكان لا يتصور الانسان امكانية احصائها. قال العلامة الطريحي «رحمه الله» في معنى رمل عالج: ما تراكم من الرمل ودخل بعضه في بعض. وقال: ونُقل أنّ رمل عالج جبال متواصلة يتصل أعلاها بالدهناء، والدهناء بقرب يمامة، وأسفلها بنجد. وقال أيضاً: وفي كلام البعض رمل عالج محيط بأكثر أرض العرب. «مجمع البحرين 2/٣١٩».
  • 30. ميزان الحكمة 4/66، برقم: 8089.
  • 31. ميزان الحكمة 4/66، 8090.
  • 32. بحار الأنوار 20/21.
  • 33. ميزان الحكمة 5/20، برقم: 10221.
  • 34. ميزان الحكمة 5/20، برقم: 10222.
  • 35. المصدر كتاب “دروس من وحي الإسلام” للشيخ حسن عبد الله العجمي حفظه الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى