مقالات

الشيعة…

ظلّ التشيّع سائداً في الشام وحلب وبعلبك وجبل عامل منذ القرن الأوّل إلى يومنا هذا، ومن المعروف انّ أباذر هو الّذي بذر بذرته، أو غرس شجرته عندما نفاه عثمان من المدينة إلى الشام، وكان يجول في الشام وضواحيه وهو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، من دون أن يخاف قوّة أو سطوة، أو إهانة أو قسوة، وطبع الحال يقتضي أن يبوح بما انطوت عليه جوانحه من الولاء لعلي وأهل بيته، يدعو له على القدر المستطاع، وقد نمت البذرة في ظل التستّر والتقيّة وأمّا اليوم فالشيعة مجاهرون ولهم شأن عند الدولة ولهم مظاهر في الشام وضواحيه، ترى اسم علي والحسين مكتوبين تحت قبّة المسجد الأموي، وفي الجانب الشرقي مسجد خاص باسم راس الحسين وفي نفس البلد قباب مشيّدة لأهل البيت وفي الوقت نفسه لاتجد أثراً لمعاوية1 ويزيد والحكام الأمويين. إنّ في ذلك لعبرة لاُولي الألباب.
قويت شوكة التشيّع في سوريا حين ما قامت دولة الحمدانيين في الشام والجزيرة فلسيف الدولة أيدي بيضاء في رفع منارة التشيع، كيف وأبو فراس صاحب القصيدة الميمية هو ابن عمّه الّذي يقول:
الحق مهتضم والدين مخترم *** وفيء آل رسول اللّه مقتسم
وأمّا جبل عامل فقد انتشر فيه التشيّع منذ دخل إلى الشام، وقد خرج منها علماء طبقوا البلاد شهرة وصيتاً أخص منهم بالذكر:

  1. محمّد بن مكي المعروف بالشهيد الأول (734 ـ 786) وكان إماماً في الفقه ولكنّه صلب بيد الجور، ثمّ رجم، ثمّ اُحرق، بذنب أنّه شيعيّ موال لأهل البيت ولا يفتي بفتوى أئمّة المذاهب الأربعة . وله كتب فقهية أشهرها اللمعة الدمشقية ألّفها في السجن خلال اسبوع ولم يكن عنده من الكتب الفقهية سوى المختصر النافع للمحقّق الحلّي (600 ـ 676).
  2. زين الدين بن علي الجبعي (911 ـ 966) صاحب الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية والمسالك في شرح الشرائع الّذي يتضمّن مجموع الكتب الفقهية مع ذكر المستند والدليل. وهو قدس اللّه سرّه استشهد قرب شاطئ البحر وفصل رأسه عن جسده واُرسل إلى السلطان. ولا ذنب له إلاّ كذنب الشهيد الأوّل.

ولعمري الحق أنّ هذه المواقف من الحكومات السنّية عبر القرون، تقشعرّ منها الجلود، ويندى منها جبين الإنسانية ويرفضها الدين والعقل فأين الكرامة والحرّية؟ أين السماحة، والرأفة؟
أقول: إذا كان هذا مصير الشيعة مع كونهم سائرين خلف حُجب التقية، فما ظنّك لو لم يتّخذوا من التقيّة ستارا؟
ولقد خرج من جبل عامل وراء هذين الشخصين علماء كبار، فقهاء عظام ولم يزل منار التشيّع مرتفعاً ولواؤه خفّاقاً بهم، ولقد تحمّلوا عبر القرون وخصوصاً في عهد السلطة العثمانية، المصاعب الجسام والّتي ذكرها التاريخ واقرأ في هذا المجال جرائم أحمد باشا الجزّار، ممثّل الدولة العثمانية في بلاد الشام من (1195 ـ 1198). ولقد ألّف الشيخ الحرّ العاملي كتاباً أسماه أمل الآمل في علماء جبل عامل طبع في جزأين واستدرك عليه السيد الجليل حسن الصدر.
بعلبك: إنّ بعلبك تعد من المدن الشيعية العريقة ولقد ظهر بها التشيّع منذ دخل بلاد الشام وراج في ظلّ الدولة الحمدانية. والعيشة فيها كالعراق، عيشة قبليّة وأهلها معروفون بالبسالة والبطولة والجود والكرم2 .

  • 1. نعم في داخل البلد بيت يقال فيه قبر معاوية لا يزوره أحد إلاّ للعبرة، والاطّلاع على ما آل إليه أعمال الامويين من مصير بائس بعد مماتهم.
  • 2. بحوث في الملل والنحل لآية الله الشيخ جعفر السبحاني، ج6 ص617-619 الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، ١٤١٥ هـ.ق.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى