دور العبادة في تزكية النفس
أبا حسن ابناؤك اليوم حلّقت | بقادمة الأسياف عن خطّة الخسف | |
ثنت عطفها نحو المنيّة مذ أبت | بأن تغتدي للذلّ مثنية العطف | |
مشوا تحت ظلّ المرهفات جميعهم | بأفئدة حرّى إلى مورد الحتف | |
فتلك على الرمضاء صرعى رجالهم | ونسوتهم هاتيك أسرى على العجف | |
سل الطفّ عنهم أين بالأمس طنبّوا | وأين استقلّوا اليوم عن عرصة الطف | |
وهل زحف ذاك اليوم أبقى لحيِّهم | عميد وغى يستنهض الحيّ للزحف | |
فلا وأبيك الخير لم يبق منهم | قريع وغى يقري القنا مهجع الصّف | |
وهل يملك الموتور قائم سيفه | ليدفع عنه الضيم وهو بلا كفّ | |
خذي يا قلوب الطالبيين قرحة | تزول الليالي وهي دامية القرف | |
فانّ التي لم تبرح الخدر أُبرزت | عشية لا كهف فتأوي إلى كهف | |
لقد رفعت عنها يد القوم سجفها | وكان صفيح الهند حاشية السجف | |
وقد كان من فرط الخفارة صوتها | يغضّ فغضّ اليوم من شدّة الضعف | |
لقد فزعت من هجمة الخيل ولهاً | إلى ابن أبيها وهو فوق الثرى مغفي | |
فنادت عليه حين الفته عارياً | على جسمه تسفي صبا الريح ما تسفي (۱) |
* * *
يخويه جيت كون اخبر جنابك | يخويه بالعده نهبو اطنابك | |
يخويه القيت بالمنحر اصوابك | يخويه انشلت ايده اشلون صابك |
* * *
اجت والهه والعين تدمع | للمعركة او شافت المصرع | |
مگصودها منّه تودع | تقله يبو السجاد تسمع | |
اجت والهه والعين تدمع | للمعركة او شافت المصرع | |
يردونه للشام نگطع | وحنه حرم وطفال رضع | |
على بلوتي كل قلب يخشع | لونها ابجبل مرمر تصدع |
لونها ابني مرسل تجزّع
* * *
حملت الرزايا قبل يومك كلّها | فما انقضت ظهري ولا أوهنت كتفي |
* * *
دور العبادة في تزكية النفس :
روى عن الإمام زين العابدين عليه السلام إنّه قال : « إنّ عمتي الحوراء زينب عليها السلام ما تركت تهجّدها الليلي حتّى في ليلة الحادي عشر من المحرّم ».
المقدّمة :
العبادة حاجة ماسّة في شخصيّة الإنسان المؤمن ، وذلك لأنّ الانسان نسيج من مادة وهي التراب وروح ، فكما أنّ الجسد يحتاج إلى الغذاء والطعام المادي كذلك الروح تحتاج إلى غذاء وغذاءها العبادة.
نلاحظ الإنسان الغربي والأُوربي مع توفير كلّ الجوانب الماديّة والغريزيّة له وأرخى العنان لشهواته فلم يمنع أيّ حاجة يريدها ولكنّه لا زال يشعر بفراغ ويشعر أنّ هناك نقصاً لم يسدّ إلى الآن وهذا الشيء هو الجانب الروحي لم يعط حقّه.
الشريعة الإسلاميّة لم تهمل هذا الجانب في حياة الإنسان المسلم لذلك علت بعض التكاليف الغرض منها سدّ الفراغ للجانب الروحي ، وربطت الانسان بعالم الغيب من خلال برامج وضعت للإنسان نذكر على سبيل المثال منها الصلاة اليوميّة ، وصوم شهر رمضان المبارك ، وفريضة الحج لمن كان مستطيعاً لأدائها … الخ. والغرض من هذه التكاليف لأجل إحداث حالة التوازن عند الإنسان لكي لا يطغىٰ الجانب المادي على الجانب الروحي وذلك لطبيعة انشغال الإنسان في إعمار الكون والطبيعة وتوفير حالة الحياة الكريمة الهنيئة له ، وهذه الممارسات العباديّة التي جعلها الإسلام سواء اليوميّة منها أو الأُسبوعيّة أو الشهريّة أو الموسميّة من شأنها أن تسدّ الفراغ عند الإنسان المسلم وتحدث حالة التوازن بين الجانب المادي والروحي.
دور الصلاة والصوم في مقابلة الشدائد :
حينما نرجع إلى حياة الأنبياء والأولياء نجدهم عند الشدائد يفزعوا إلى الصلاة وإلى الصيام عملاً بآيات القرآن الكريم قال تعالى : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ).
قصّة : في ليلة بدر وهي معركة مشهورة بين قوى الشرك المتمثّلة بقريش وعلى رأسهم « أبو سفيان » وبين رسول الله صلّى الله عليه وآله وأصحابه ، وكان عدد المشركين ثلاث أضعاف عدد المسلمين ، وفي ليلة السابع عشر من شهر رمضان لم ينم رسول الله صلّى الله عليه وآله صفّ قدميه إلى جنب نخلة أو شجرة وانشغل بالصلاة والتضرّع إلى الله عزّ وجلّ في نصرة جيشه على المشركين ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ) (۲) ، الله عزّ وجلّ نصر النبي والمسلمين حينما استغاث النبي صلّى الله عليه وآله بربّه. وهكذا نحن إذا لجأنا وفزعنا إلى الله عند الشدّة يستجيب الله لنا ، والصلاة عبارة عن صلة العبد الفقير بربّه الغني. وهكذا ينقل عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه إذا مرّت به شدّة كان يجمّع أولاده وعائلته ويصلّي ركعتين ثمّ يدعوا الله عزّ وجلّ فتنكشف عنه تلك الشدّة.
الانقطاع إلى الله يعزّز العبد عند الله تعالى :
في الحديث الشريف « أوحى الله إلى بعض أنبياءه أمّا انقطاعك إليّ فيعزّزك بي » نعم الخضوع والخشوع لله سبحانه يمنح الإنسان العزّة ، لأنّ العزّة الحقيقيّة بيد الله تعالى قال سبحانه ( وَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ). إذا اشتغل الإنسان في طاعة الله واجتنب معاصيه يكون عزيزاً ، وقد أشار الإمام الحسن المجتبى عليه السلام : « من أراد عزّاً بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان وغنىً بلا مال فليخرج من ذلّ معصية الله سبحانه إلى عزّ طاعته ».
العوامل الوراثية لها دور في صياغة شخصية الإنسان :
الحوراء زينب عليها السلام فتحت عينها وترى تهجد جدّها المصطفى صلّى الله عليه وآله وهو يقوم الليل ويتهجّد بآيات القرآن الكريم ، وهكذا نظرت إلى أُمّها الزهراء عليها السلام وهي تقوم أكثر الليالي حتّى لقد حدّث الحسن المجتبى عليه السلام قال رأيت أُمّي في ليلة من ليالي الجمعة ، وقد صفّت قدميها واستقبلت القبلة ولم تزل راكعة ساجدة إلى أن اتضح عمود الصباح وما سمعتها دعت لنفسها بل كانت تدعوا لجيرانها ولمّا سألها الحسن عليه السلام عن سبب ذلك فقالت الجار ثمّ الدار ، وكذلك نظرت إلى أبيها أمير المؤمنين وكيف كان يقوم الليل حتّى كانت تعتريه بعض الحالات التي يكون فيها كالخشبة اليابسة ، إنّ هذه المشاهد من شأنها أن تؤثر في الذريّة والأبناء وكلّ من يشاهدها ، من هنا كان من ألقاب الحوراء زينب عليها السلام « عابدةٌ آل علي » ، ولذا لا نستبعد ما نقله المحقّق الشيخ جعفر النقدي في كتابه « زينب الكبرى » قال ان الحسين عليه السلام أوصى زينب « أُخيّه لا تنسيني في صلاة الليل ».
من آثار العبادة :
أولاً : اليقين : العبادة تصقل النفس الإنسانيّة وتزكّيها خصوصاً إذا كانت العبادة عن علم ومعرفة ، وإذا زكت النفس ، أصبح القلب مستعدّاً لتلقّي الفيوضات الربانيّة والعلوم الدينية التي تفاض عليه. وهكذا كانت الحوراء زينب عليها السلام كما وصفها جّة العصر زين العابدين عليه السلام : « أنت بحمد الله عالمة غير معلّمة وفهمة غير مفهّمة ».
ثانياً : الصبر على مجابهة الصعاب والشدائد : من جملة آثار العبادة الصحيحة لله عزّ وجلّ ، العبد يشعر بالطمأنينة والسكينة قال تعالى : ( أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) وهذه السكينة التي تحصل عند العبد تورثه الرضا بما يصدر عن الله تبارك وتعالى فلا يعترض على أمره أو شيء من قدره ، وهكذا كانت الحوراء زينب عليها السلام حينما خاطبها اللعين عبيد الله بن زياد في الكوفة أرأيت كيف صنع الله بأخيك الحسين عليه السلام فقالت : ما رأيت إلّا جميلاً ، هؤلاء قومٌ كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم وتحاد وتخاصم فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك أُمّك يابن مرجانه. نلاحظ أنّها قالت « ما رأيت إلّا جميلاً ». وهناك شاهد آخر على صبرها وتسليمها ورضاها بما قضى الله عزّ وجلّ ، وهو أنّها أقبلت إلى جثمان أخيها الحسين عليه السلام وقالت بعد ان رفعته قليلاً إلى السماء « إلهي تقبّل منّا هذا القربان ».
ومن مظاهر صبرها انّها تحمّلت عناء السبيّ ولمحافظة على عيال أبي عبد الله الحسين عليه السلام وكذلك مجابهة الطغاة وفضحهم ، وقامت بمسؤوليّتها على أحسن وجه وكانت تستعين بالصلاة خصوصاً تتهجّد في الليل للقيام بمسؤوليّتها في النهار ومن هنا قال الامام زين العابدين عليه السلام إنّ عمّتي الحوراء زينب لم تترك تهجدها الليلي حتّى في ليلة الحادي عشر من المحرّم بل كانت في الطريق مع متاعب الطريق كانت لا تترك صلاة الليل ، بل ربّما للتعب والأعياء تصلّيها من جلوس.
ولمّا زين العابدين عليه السلام إلى عمّته تصلّي من جلوس فسألها فقالت على الضعف الذي نزل بي ، ولسان حالها :
يعمّه راح الحيل عنّي | من راح ابوك حسين عنّي | |
وطبرات جسمه الضعضعني | ميتة عسن من زغر سنّي |
* * *
ثم تلتفت إلى رأس أخيها ولسان الحال :
يحسين حال الظيم حالي | ظليت حرمه ابغير والي | |
مشدوه من الهظم بالي | او راسك يبو الشيمه اگبالي | |
يتلى الذچر فوگ العوالي | ما چنت اظن غدر الليالي | |
ايخلّيني امشي ابظعن خالي | من كل هلي اهل المعالي |
او دمعي على الوجنات هالي
انه امن ابچي ابحزن مر مانعنه | مصاب احسين من مر مانعنه | |
غريب الطف خواته مانعنه | اشحال الناعيه الراحت سبيه |
* * *
هتكوا عن نساءكم كل خدر | هذه زينب على الأكوار |
* * *
الهوامش
۱. السيّد حيدر الحلي ، ديوانه : ۲۸۳.
۲. سورة الأنفال : الآية ۹.
مقتبس من كتاب : [ المحاضرات المنبرية في المجالس الصفرية ] / الصفحة : ۱۱۸ ـ ۱۲٤