إنّ من الأشياء التي توجب سلب العناية الإلهيّة من الشخص، ومن البيت بشكلٍ إجماليّ، المعصية. وبعض المعاصي كبيرة وأخرى صغيرة، ولكنّ الصغيرة منها قد تتحوّل إلى كبيرة، بالاستمرار عليها.
•الاستغفار بعد ارتكاب المعصية
في بعض الأحيان، تبدر من أحدهم معصية مثل الكذب -والعياذ بالله-، وبسبب هذا العمل السيّئ يجب أن يتوب المسيء ويستغفر ربّه، ولكن ثمّة من يستمرّ على هذه الحالة، فهو يكذب كلّ يوم، ويغتاب كلّ يوم، ويبثّ الشائعات كلّ يوم، ويظلم كلّ يوم. وهذا خطرٌ جدّاً، ولخطورته الشديدة تعرّض له القرآن الكريم بشكلٍ جليّ، حيث قال فيه: ﴿ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ 1.
فالأفراد المداومون على المعاصي، يرتفع عنهم الاعتقاد بكلّ شيء، بل ويُكذّبون كلّ شيء، ويعتبرونه خرافة.
عن الإمام الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام في روايات عدّة: “إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتةٌ سوداء، فإن تاب انمحت، وإنْ زاد زادت، حتّى تغلب على قلبه، فلا يُفلح أبداً”2.
لذا أطلب منكم أن تسعوا جهد إمكانكم أن لا تنقادوا إلى فعل المعاصي، وإذا ما بدر منكم ذلك، عليكم أن تستغفروا الله بسرعة، وتتوبوا إليه توبةً نصوحاً، وحاولوا أن لا تكونوا من المداومين على المعاصي والآثام.
•هيبة الذنب والتلاطم الروحيّ
قد يكون للمعصية هيبة في القلب؛ أي قد يشعر الفرد بتلاطم باطنيّ بعد نظرةٍ شهوانيّة إلى ما حرّم الله تعالى النظر إليه على سبيل المثال، أو بعد اغتيابه أحداً، أو الكذب على أحد.
ولكن في بعض الأحيان، تراه لا يشعر بشيء أبداً، لا تلاطم روحيّ، ولا امتعاض من عمل المعصية، وهذا ما تجلبه المداومة على المعاصي، حيث ينعدم الإحساس بجلال وهيبة تخطّي حدود الله تُجاه ارتكاب الذنب.
وإذا ما حدث ذلك، وارتفعت حرمة ارتكاب المعصية من القلب، كان ذلك أسوأ من الاستمرار في المعصية؛ لأنّ المستمرّ في المعاصي يمكن أن يوفّق للتوبة في حال وجود تلك الهيبة والجلال من المعصية في القلب، لكنّ فَقد الشعور بهما لن يسمح للفرد بأن يوفّق للتوبة، وإذا تمكّن من ذلك، فالأمر لا يخلو من صعوبة بالغة.
•التبرّج: إشاعة للمعصية
إنّ بعض النساء يستهترنَ بالحجاب في الأعراس ويبدين زينتهنّ، على الرغم من أنّهنّ يعلمن أنّ ذلك لا خير فيه، وأنّه عمل سيّئ، وعندما ينتهي العرس، يتبن إلى الله ويستغفرنه، ويبكين على فعلهنّ ذاك. وهذا ما أسميناه بالتلاطم الروحيّ.
ولكن قد يتحوّل ذلك الاستهتار بالحجاب إلى عادةٍ، من خلال عدم اهتمامها بظهور شعرها أو عنقها، وتزيُّنها بشتّى أنواع المكياج، وبلبسها لقميص ضيّق، وجوارب شفّافة، وتتلطّف بالحديث إلى صاحب المحلّ التجاريّ، بل وتضحك معه.
إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان يقول للأصبغ بن نباتة ما مضمونه: سيأتي زمان على أمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم تكون فيه النساء كاسيات عاريات، بعد ذلك يضيف: وذلك زمان الفتن، وإن تلك النساء سيذهبن إلى جهنّم ليخلدن فيها.
•عليكنّ بالعفّة والتكبّر
لذا أقول للسيّدات: لا بأس في لبس جوربَين -زوج من الجوارب- كي لا يرى الناظر أرجلكنّ، واحذرن لبس الملابس التي تكون أكمامها لا تستر المعصم، وإذا أردتنّ إعطاء البائع ثمن ما تشترين منه، فما عليكنّ إلّا أن تفعلن ذلك بكلّ عفّة وستر، وأكثر من هذا، أطلب منكنّ، إذا تأتّى لأحدهم أن يتحدّث إليكنّ، ويلين بالحديث، فما عليكنّ إلّا أن تكنّ جدّيّات غير ممازحات. إنّ إحدى الصفات التي يجب أن تمتاز بها السيّدات، والتي اعتبرها الإسلام من الصفات الحميدة بالنسبة إلى المرأة، هي التكبّر مقابل الأجنبيّ، وإنّ إحدى علامات المرأة المؤمنة عدم التبسّم والجديّة أثناء الحديث مع غير المحارم؛ لإدراكها أنّ المزاح وما إلى ذلك حرامٌ إلّا مع مَن أحلّ الله لها أن تمازحه ضمن ضوابط وحدود.
وكذا أودّ القول للرجال عند الحديث مع النساء، فما عليكم إلّا أن تكونوا ملتزمين بالشرع الإسلاميّ، مبتعدين عمّا يمكن أن يُعتبر مزاحاً، أو ملاطفة.
على أيّ حال، ينبغي للبائعين أن يحذروا التمادي في القول، وليعلموا بأنّ الأموال التي تستحصل من طرق كهذه، وتصرف في البيت، ستكون وبالاً على ذلك البيت، ومانعةً من نزول البركات.
•تبرير المعصية
قد يرتكب أحدهم معصية ثمّ يعترف بذلك، وقد يرتكب معصية ثمّ يبرّر معصيته، وهو ما يعدّ أكبر الأخطار، كأن يقول إنّه متمدّن أو متحضّر؛ ولذا يمزح كثيراً مع النساء ويلاطفهنّ، ويسعى كلّما سنحت له الفرصة للتحدّث إليهنّ. أو أنّ بعض الفتيات يبدين زينتهنّ وأعناقهنّ، ويرتدين لباس الشهرة مبرّرات ذلك بأنّه تمدّن، أو قد تتحدّث إحداهنّ إلى بعض الشباب وتمزح مع هذا، وتضحك مع ذاك معتبرةً ذلك ثقافةً وحضارةً -والعياذ بالله-.
وقد يغتاب أحدهم أفراداً عدّة، ويبرّر ذلك بأنّه غيبة واجبة أو مبرّرة، ويتّهم فلاناً من الناس تحت عنوان الطاعة لا تحت عنوان المعصية، بل قد يقول: إنّ ما أفعله عين الصواب، وإنّ فيه الأجر والثواب.
إنّ بعض الجهلة يشيعون الكثير من الافتراءات تحت عنوان السياسة، فهو يغتاب، ويتّهم، ويكذب، ويرّوج الإشاعات تحت عنوان السياسة، أو بعنوان الانتماء إلى الثورة أو الجهاد.
هذا خطرٌ جدّيّ على المجتمع؛ لذا أطلب منكم الامتناع عن ممارسة المعاصي الكبيرة والصغيرة كونها تبعث على السقوط والانحطاط. ولي طلب آخر أكبر من الأوّل قليلاً، وهو أن تحذروا خروج هيبة المعصية من قلوبكم، وهو نتيجة المداومة على المعاصي، فإذا ما ذهبت الهيبة من القلب، بدأ صاحبه بتبرير معاصيه وآثامه. وهذا هو عين الانحطاط، وفيه يكمن الخطر؛ لأنّه يمنع الإنسان من التوبة، ويمنعه أيضاً من نيل شفاعة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار عليهم السلام 3.
- 1. القران الكريم: سورة الروم (30)، الآية: 10، الصفحة: 405.
- 2. الأصول في الكافي، ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب الذنوب الحديث، الحديث رقم 13.
- 3. من كتاب الأخلاق البيتيّة، الفصل الثالث – بتصرّف، نقلا عن مجلة بقية الله، العدد 350.