مقالات

تحسين الأخلاق في شهر رمضان المبارك

بسم اللّٰه الرَّحمٰن الرَّحيم

بقلم: زكريَّا بركات


قال رسولُ اللّٰه صلى اللّٰه عليه وآله وسلم: “أيُّها النَّاسُ؛ من حسَّن منكم في هذا الشهر خُلُقَه، كان له جوازاً على الصِّراط يوم تزِلُّ فيه الأقدامُ”.

في هذه الفقرة من خُطبة رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه وآله وسلم) حولَ فضيلة شهر رمضان المبارك، يتحدَّثُ حبيبُ اللّٰه (تعالى) عن أهمِّية حُسن الخلق ودوره يومَ القيامة.. وبالإضافة إلى ذلك هناك معنى نفهمه من فعل (حَسَّنَ) الذي يناسب الأفعال الإرادية، بما يعني أنَّ تحسين الخلُق أمرٌ مقدور عليه وتحت اختيار الإنسان، وليس كما يتصوَّر كثيرٌ من الناس ـ جهلاً أو يأساً ـ أنَّ الأخلاق حالة مستقرَّة يستحيل تغييرها، وكأنَّ حُسن الخلق أو سوء الخلق مجرَّد موهبة وتوفيق من الرحمن، أو مجرَّد حرمان وخذلان، ولا دور في ذلك لإرادة الإنسان..

عبارة (من حسَّن منكم في هذا الشهر خُلُقَه) تدلُّ على أنَّ الإنسان يستطيع أن يقوم بذلك بإذن اللّٰه وبفضل توفيقه.. والاقتناع بهذه الفكرة مع تدبُّرها جيِّداً خطوة مهمَّة في سبيل تحصيل حُسن الخلُق.

من المؤسف أنَّ كثيراً من المسلمين تسوء أخلاقهم في شهر رمضان المبارك حين يعانون من الجوع، وذلك بفعل الارتباط الطبيعي التفاعلي للمعدة بالجهاز العصبي، أو بفعل أمراض خاصَّة يعاني منها كثير من الناس، أو بفعل إدمانهم بعضَ العادات السيِّئة التي يُحرمون منها في نهار الشهر الكريم.. ويشعر كثير من هؤلاء أنَّ حُسن الخلق متعذِّر أو متعسِّر جدًّا عليهم في نهار شهر رمضان بالخصوص، ويعاني منهم أقرباؤهم والمحتكُّون بهم عن قرب على وجه الخصوص.

ولكلِّ هؤلاء يُمثِّل قولُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : “من حسَّن منكم في هذا الشهر خُلُقَه”، مطالبةً صادمةً لأوَّل وهلة، ولذلك قد يحاولون التهرُّب منها بنحو ما، ولكنَّهم لو فكَّروا جيِّداً سيهتدون إلى أنها رسالة إلى الجميع مُفادها: إنكم تستطيعون أن تغيِّروا أنفسكم باتِّجاه الأفضل وترتقوا في أخلاقكم.

ومن المهمِّ أن يعي الإنسانُ أنَّ التغيير والالتزام حين يتَّسمان بالصعوبة، فإنَّ الصعوبة تمنح الإنجاز قيمة أكبر، فيكون الذي يُحسِّن أخلاقه مع صعوبة يواجهها في ذلك، أكثر أجراً وفضيلةً عند الله تعالى.

كما إنَّ الصفات النفسانية كلَّما سمت وكانت النفسُ مُفعمةً بمحاسن الأخلاق، كان الالتزام العملي ومقاومة عوامل الخلل أسهل بتوفيق الله تعالى.

لاحظوا ـ مثلاً ـ أنَّ حبَّ التواصل مع الأصدقاء والأحباب من المخلوقين يجعل المريض متحمِّساً للمراسلة والمكالمة، وينسى ما به من ضيق وألم حين ينشغل بلذَّة التواصل مع الذين يحبهم من الناس.. ولكنَّ المريض نفسه يشعر بثقل في الصلاة وتلاوة القرآن الكريم، ويحاول الاختصار في صلاته والتقليل من تلاوة القرآن الكريم، مع أنَّ الصلاة وتلاوة القرآن الكريم هما نوع تواصل مع الخالق تبارك وتعالى.. وهذا يعني أنَّ المرض لا يمثِّل عائقاً حين تنهمك النفس في ما تحبُّه.

وهكذا هو حُسن الخلق، فالإنسان حين تسمو نفسه بحُبِّ الله تعالى، يرتاح إلى حُبِّ الخير والبرِّ والإحسان في كلامه ومواقفه وسلوكه، ولا يرتاح للإساءة بمختلف صورها.. وحين يُلحُّ عليه المرض ـ مثلاً ـ فيعكِّر مزاجه، يدعوه حبُّه لمرضاة الله تعالى وشعوره بحضور الله وأنه يراه ويراقبه، إلى عصيان داعي الإساءة.. وهكذا تتصارع الدواعي في نفس الإنسان، ويتغلَّب منها ما هو أقوى حضوراً في وعيه وأشدُّ رسوخاً في ذاته.

في الحقيقة، هناك بهجةٌ للقُرب من الله تعالى، كما هو الحال في كلِّ لذَّة يصيبها الإنسان فتؤثِّر في روحه ابتهاجاً، وتزدهي في تكوينه سلوكاً ومزاجاً، وهذه البهجة حين تتحقَّق بفعل العبادات والطاعات وإحساس الإنسان برضا حبيب قلوب الصادقين، وإحساسه بلذَّة كرامة الله وضيافة الله، فإنَّ هذه البهجة تصبح الأساس لحُسن الخُلق واستقامة السلوك، وبقدر هذه البهجة وقوَّة حضورها تنحسر عوامل الخلل وسوء الخلُق ويضعف تأثيرُها..

وإذا أضيف إلى عامل البهجة عاملُ الهيبة والإحساس بالحضور بين يدي الله تعالى، فذلك من درجات اليقين السامية.. وحُقَّ لمن كان على مائدة ملك الملوك وجبَّار السماوات الأرض أن يمتزج عنده شعور البهجة والسرور مع شعور التوتر والمهابة.. فينعكس ذلك على سلوكه بأعلى درجات الاستقامة والانضباط.

فإذا فهمنا هذا جيِّداً، فبإمكاننا أن نفهم سرَّ الموقع الذي يحظى به حُسن الخلُق في منظومة الفكر الإسلامي، وما يدلُّ على ارتباط حُسن الخلق بقرب الإنسان من الله تعالى، ونجاته يوم القيامة، وغير ذلك ممَّا يُستفاد من النصوص الشريفة.

واللهُ وليُّ التَّوفيق.

https://chat.whatsapp.com/FBadxXLwsrl8soEwFPWSKb

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى