تعدّ الثورة الحسينيّة من أهمّ العناصر الّتي استطاعت أن تلهم الأمم والشعوب الوعي واليقظة ورفض الظلم، إذ استطاعت – وعلى مرّ العصور – أن تثير في الإنسان دفائن العقول وتغرس الحياة الحرّة الأبيّة على الأصعدة والمجالات كافّةً، سواءٌ الاجتماعيّة أو التربويّة أو الثقافيّة أو الدينيّة أو غيرها.
ويمكن الحديث عن هذه الثورة المباركة بنحوين:
الأوّل: الجانب المأساويّ التراجيديّ: وهو الجانب الّذي تجلّى فيه عنصر الوجع والألم والمعاناة الكبيرة الّتي رافقت قتل من حضر أرض كربلاء ومحاصرتهم وأسرهم، سواءٌ كانوا رجالًا أو نساءً شيبًا وشبابًا وحتّى أطفالًا رضّعًا. الأمر ظهر جليًّا في الأسلوب والطريقة الّتي قتل فيها الامام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته الكرام وطفله الرضيع، وسبي فيها نساؤه ومن تبقى من عياله، مع أخذهم أسارى في رحلةٍ في غاية المشقّة والإرهاق.
الثاني: الجانب القيميّ والجماليّ: وهو الجانب الّذي تجلّت فيه كلّ معاني الإنسانيّة والاعتقاد الراسخ والأخلاق العظيمة والتفاني في سبيل طاعة الله والفوز برضوانه، الأمر الّذي ظهر في الإمام الحسين (عليه السلام) وكلماته ومواقفه، ولدى أبي الفضل العبّاس (عليه السلام) وأراجيزه وصلابة إيمانه، وعند العقيلة زينب (عليها السلام) وجلادتها وصبرها، وعند الإمام السجّاد (عليه السلام) وخطبه الخالدة.
إنّ إدراك هذين الجانبين ومعرفتهما وفهمهما في حقيقة الثورة الحسينيّة وواقعها جديرٌ جدًّا بغرس الوعي واليقظة في نفوس الناس وأفئدتهم، لا سيّما وإنّنا نمرّ في زمنٍ تختلف فيه الآراء وتتشابك فيه ألوان الخطاب، وفي ظلّ ذلك يضحى المواطن البسيط والإنسان العاديّ كالقشّة في مهبّ الريح، والمركب الصغير بين الأمواج العاتية يسعى للنجاة دون جدوى، ويحاول بوهنٍ الوصول إلى جرف الخلاص دون فائدةٍ، هكذا هو حال الكثيرين في بلادنا.
إنّ المعرفة والوعي سلاحٌ فولاذيٌّ يقهر كلّ صنوف الفتن والتبجّح بامتلاك الحقيقة، وعكسه تمامًا فإنّ الجهل والخرافة سلاحٌ فتّاكٌ يرمي بالمرء في الظلام، ويجعل منه شخصًا عديم اللون والطعم والرائحة. ببساطةٍ فإنّ أبناء وطني بحاجةٍ أكثر من أيّ وقتٍ ما مضى إلى التأمّل والتفكير والتدبّر بما يصل إليهم من رؤًى وأفكارٍ وما يظهر أمامهم من أفعالٍ ومواقف وما يسمعونه من خطاباتٍ ومواعظ …
المصدر: https://aldaleel-inst.com/