لبيب بيضون
بعض خصائص الامام علي ومآثره
قال الامام علي (ع):
في الخطبة الشقشقية: وإنّه (أي الخليفة الاول) ليعلم أنّ محلّي منها (أي الخلافة) محلّ القطب من الرّحى، ينحدر عنّي السّيل ولا يرقى إليّ الطّير (كناية عن العلووالسمووالرفعة). (الخطبة ٣، ٣٩)
فيا للّه وللشّورى، متى اعترض الرّيب فيّ مع الأوّل منهم (أي ابي بكر) حتّى صرت أقرن إلى هذه النّظائر. (الخطبة ٣، ٤١)
وقال (ع) حين بلغه خبر الناكثين ببيعته: واللّه ما أنكروا عليّ منكرا، ولا جعلوا بيني وبينهم نصفا (أي الانصاف والعدل). (الخطبة ٢٢، ٦٧)
أمّا بعد، فإنّ معصية النّاصح الشّفيق العالم المجرّب (يشير الامام )ع( الى نفسه) تورث الحسرة.. (الخطبة ٣٥، ٩٣)
وقال (ع) يذكر بعض فضائله بعد وقعة النهروان: فقمت بالأمر حين فشلوا (أي قام بالامر بالمعروف في خلافة عثمان) وتطلّعت حين تقبّعوا (أي ظهر حين اختبأ القوم خوفا)، ونطقت حين تعتعوا، ومضيت بنور اللّه حين وقفوا. وكنت أخفضهم صوتا (كناية عن رباطة الجأش في الشدائد)، وأعلاهم فوتا (أي سبقا). فطرت بعنانها، واستبددت برهانها. كالجبل لا تحرّكه القواصف، ولا تزيله العواصف. لم يكن لأحد فيّ مهمز (أي عيب)، ولا لقائل فيّ مغمز. الذّليل عندي عزيز حتّى آخذ الحقّ له، والقويّ عندي ضعيف حتّى آخذ الحقّ منه. رضينا عن اللّه قضاءه، وسلّمنا للّه أمره (هذا الكلام قاله الامام عند ما تفرس في قوم من عسكره أنهم يتهمونه فيما يخبرهم به من أنباء الغيب). أتراني أكذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؟ واللّه لأنا أوّل من صدّقه، فلا أكون أوّل من كذب عليه. فنظرت في أمري فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي، وإذا الميثاق في عنقي لغيري «يصف في هذا الكلام حال نفسه (ع) بعد وفاة النبي (ص). يبيّن فيه أنه مأمور بالرفق في طلب حقه في الخلافة، فبايع الخلفاء الذين قبله مكرها، امتثالا لما أمره به النبي من الرفق، وايفاء بما أخذ عليه النبي من الميثاق في ذلك«. (الخطبة ٣٧، ٩٥)
وقال (ع) بعد ذكره معاوية وأمره بسب علي (ع): فأمّا السّبّ فسبّوني، فإنّه لي زكاة ولكم نجاة. وأمّا البراءة فلا تتبرّاؤا منّي. فإنّي ولدت على الفطرة، وسبقت إلى الإيمان والهجرة. (الخطبة ٥٧، ١١٣)
أنا حجيج المارقين، وخصيم النّاكثين المرتابين. (الخطبة ٧٣، ١٣٠)
من كلام له (ع) حين منعه سعيد بن العاص حقه: إنّ بني أميّة ليفوّقونني (اي يعطونني من المال قليلا) تراث محمّد صلّى اللّه عليه وآله تفويقا. واللّه لئن بقيت لهم لأنفضنّهم نفض اللّحّام الوذام التّربة (الوذام: جمع وذمة وهي القطعة من الكرش أوالكبد تقع على التراب فتنفض). (الخطبة ٧٥، ١٣١)
ومن كلام له (ع) في الرد على عمروبن العاص: عجبا لابن النّابغة يزعم لأهل الشّام أنّ فيّ دعابة، وأنّي امرؤ تلعابة، أعافس وأمارس. لقد قال باطلا ونطق آثما… أما واللّه إنّي ليمنعني من اللّعب ذكر الموت، وإنّه ليمنعه من قول الحقّ نسيان الآخرة. (الخطبة ٨٢، ١٤٩)
واللّه ما أسمعكم الرّسول شيئا إلاّ وها أنذا مسمعكموه. (الخطبة ٨٧، ١٥٨)
فاللّه اللّه أن تشكوا إلى من لا يشكي شجوكم (أي يقضي حاجاتكم الفاسدة)، ولا ينقض برأيه ما قد أبرم لكم (أي أن الامام لا يبرم الاحكام برأيه وانما بمقتضى الشرع، لذلك فهولا ينقض هذه الاحكام، لمجرد تنفيذ مآربكم). (الخطبة ١٠٣، ٢٠١)
فلقد فلق لكم الأمر فلق الخرزة وقرفه (أي قشره) قرف الصّمغة (لان الصمغة اذا قشرت لا يبقى لها أثر). (الخطبة ١٠٦، ٢٠٧)
لن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حقّ، وصلة رحم، وعائدة كرم. (الخطبة ١٣٧، ٢٥١)
واللّه لا أكون كمستمع اللّدم (الضرب على الصدر والوجه عند النياحة)، يسمع النّاعي ويحضر الباكي، ثمّ لا يعتبر (الخطبة ١٤٦، ٢٦٠)
ولقد أحسنت جواركم، وأحطت بجهدي من ورائكم. وأعتقتكم من ربق الذّلّ، وحلق الضّيم، شكرا منّي للبرّ القليل، وإطراقا عمّا أدركه البصر، وشهده البدن، من المنكر الكثير. (الخطبة ١٥٧، ٢٨٠)
… وإنّي لمن قوم لا تأخذهم في اللّه لومة لائم. سيماهم سيما الصّدّيقين، وكلامهم كلام الأبرار. عمّار اللّيل ومنار النّهار. متمسّكون بحبل القرآن. يحيون سنن اللّه وسنن رسوله. لا يستكبرون ولا يعلون، ولا يغلّون ولا يفسدون. قلوبهم في الجنان وأجسادهم في العمل. (الخطبة ١٩٠، ٤، ٣٧٥)
من كتاب له (ع) الى معاوية جوابا: وأمّا قولك: إنّا بنوعبد مناف فكذلك نحن. ولكن ليس أميّة كهاشم، ولا حرب كعبد المطّلب، ولا أبوسفيان كأبي طالب. ولا المهاجر كالطّليق (الطليق هوالاسير الذي اطلق بالفدية. وقد كان معاوية وأبوسفيان من الطلقاء يوم فتح مكة)… وفي أيدينا بعد فضل النّبوّة، الّتي أذللنا بها العزيز، ونعشنا بها الذّليل. (الخطبة ٢٥٦، ٤٥٥)
من كتاب له (ع) الى ابي موسى الاشعري في أمر التحكيم: وليس رجل فاعلم أحرص على أمّة محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وألفتها منّي. أبتغي بذلك حسن الثّواب وكرم المآب. وسأفي بالّذي وأيت على نفسي (أي وعدت). (الخطبة ٣١٧، ٥٦٤)
وقيل له (ع): كيف نجدك يا أمير المؤمنين؟ فقال (ع): كيف يكون حال من يفنى ببقائه، ويسقم بصحّته، ويؤتى من مأمنه. (١١٥ ح، ٥٨٦) وكان (ع) يقول: متى أشفي غيظي إذا غضبت؟ أحين أعجز عن الإنتقام فيقال لي لوصبرت؟ أم حين أقدر عليه فيقال لي لوعفوت؟ (١٩٤ ح، ٦٠٢)
ما أهمّني ذنب أمهلت بعده، حتّى أصلّي ركعتين، وأسأل اللّه العافية. (٢٩٩ ح، ٦٢٦)
أنا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الفجّار. (٣١٦ ح، ٦٢٩)
وصية الامام ووفاته
قال الامام علي (ع)
يخاطب اصحابه: فإذا أنتم ألنتم له (أي للامام) رقابكم وأشرتم إليه بأصابعكم، جاءه الموت فذهب به، فلبثتم بعده ما شاء اللّه. (الخطبة ٩٨، ١٩٣)
وقال (ع) قبيل وفاته: أيّها النّاس كلّ أمريء لاق ما يفرّ منه في فراره. والأجل مساق النّفس، والهرب منه موافاته. كم أطردت الأيّام أبحثها عن مكنون هذا الأمر، فأبى اللّه إلاّ إخفاءه. هيهات علم مخزون… أنا بالأمس صاحبكم، وأنا اليوم عبرة لكم، وغدا مفارقكم غفر اللّه لي ولكم إن تثبت الوطأة في هذه المزلّة فذاك (يريد من المزلة معافاته من جراحه)، وإن تدحض القدم فإنّا كنّا في أفياء أغصان، ومهابّ رياح. وتحت ظلّ غمام. اضمحلّ في الجومتلفّقها (المتلفق: المنضم بعضه على بعض)، وعفا في الأرض مخطّها (يريد أن شأن الدنيا الزوال). وإنّما كنت جارا جاوركم بدني أيّاما، وستعقبون منّي جثّة خلاء: ساكنة بعد حراك، وصامتة بعد نطق. ليعظكم هدوّي، وخفوت إطراقي وسكون أطرافي. فإنّه أوعظ للمعتبرين من المنطق البليغ والقول المسموع. وداعي لكم وداع امريء مرصد للّتلاقي. غدا ترون أيّامي ويكشف لكم عن سرائري، وتعرفونني بعد خلومكاني، وقيام غيري مقامي. (الخطبة ١٤٧، ٢٦١)
من كلام له (ع) قاله قبل وفاته على سبيل الوصية، لما ضربه عبد الرحمن بن ملجم: وصيّتي لكم ألاّ تشركوا باللّه شيئا. ومحمّد صلّى اللّه عليه وآله فلا تضيّعوا سنّته. أقيموا هذين العمودين، وأوقدوا هذين المصباحين، وخلاكم ذمّ. أنا بالأمس صاحبكم، واليوم عبرة لكم، وغدا مفارقكم. إن أبق فأنا وليّ دمي، وإن أفن فالفناء ميعادي. وإن اعف فالعفولي قربة، وهولكم حسنة، فاعفوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَكُمْ. واللّه ما فجأني من الموت وارد كرهته، ولا طالع أنكرته. وما كنت إلاّ كقارب ورد، وطالب وجد ومَا عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرارِ (الخطبة ٢٦٢، ٤٥٩)
من وصية له (ع) بما يعمل في أمواله، كتبه بعد منصرفه من صفين: هذا ما أمر به عبد اللّه عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين في ماله، ابتغاء وجه اللّه ليولجه به الجنّة، ويعطيه به الأمنة.
(منها): فإنّه يقوم بذلك الحسن بن عليّ، يأكل منه بالمعروف وينفق منه بالمعروف، فإن حدث بحسن حدث وحسين حي، قام بالأمر بعده، وأصدره مصدره.
وإنّ لابني فاطمة من صدقة عليّ مثل الّذي لبني عليّ. وإنّي إنّما جعلت القيام بذلك إلى ابني فاطمة ابتغاء وجه اللّه، وقربة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وتكريما لحرمته، وتشريفا لوصلته.
ويشترط على الّذي يجعله إليه أن يترك المال على أصوله، وينفق من ثمره حيث أمر به وهدي له. وألاّ يبيع من أولاد نخيل هذه القرى وديّة (أي فسيلا) حتّى تشكل أرضها غراسا (كناية عن كثرة الغراس فيها).
ومن كان من إمائي اللاّتي أطوف عليهنّ لها ولد، أوهي حامل، فتمسك على ولدها وهي من حظّه، فإن مات ولدها وهي حيّة فهي عتيقة. قد أفرج عنها الرّقّ، وحرّرها العتق. (الخطبة ٢٦٣، ٤٦٠)
من وصية له (ع) لابنه الحسن (ع) بعد انصرافه من صفين: أمّا بعد، فإنّ فيما تبيّنت من إدبار الدّنيا عنّي، وجموح الدّهر عليّ، وإقبال الآخرة إليّ. ما يزعني عن ذكر من سواي، والإهتمام بما ورائي. غير أنّي حيث تفرّد بي دون هموم النّاس همّ نفسي. فصدفني رأيي وصرفني عن هواي، وصرّح لي محض أمري. فأفضى بي إلى جدّ لا يكون فيه لعب، وصدق لا يشوبه كذب. ووجدتك (يخاطب الحسن عليه السلام) بعضي، بل وجدتك كلّي، حتّى كأنّ شيئا لوأصابك أصابني. وكأنّ الموت لوأتاك أتاني. فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي، فكتبت إليك كتابي مستظهرا به إن أنا بقيت لك أوفنيت. (الخطبة ٢٧٠، ١، ٤٧٤)
أي بنيّ، إنّي لمّا رأيتني قد بلغت سنا، ورأيتني أزداد وهنا، بادرت بوصيّتي إليك. وأوردت خصالا منها، قبل أن يعجل بي أجلي دون أن أفضي إليك بما في نفسي. أوأن أنقص في رأيي كما نقصت في جسمي. أويسبقني إليك بعض غلبات الهوى وفتن الدّنيا، فتكون كالصّعب النّفور (الفرس غير الذلل وغير الآنس). (الخطبة ٢٧٠، ١، ٤٧٦)
واعلم يا بنيّ أنّ أحبّ ما أنت آخذ به إليّ من وصيّتي، تقوى اللّه والإقتصار على ما فرضه اللّه عليك، والأخذ بما مضى عليه الأوّلون من آبائك، والصّالحون من أهل بيتك، فإنّهم لم يدعوا أن نظروا لأنفسهم كما أنت ناظر، وفكّروا كما أنت مفكّر، ثمّ ردّهم آخر ذلك إلى الأخذ بما عرفوا والإمساك عمّا لم يكلّفوا، فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا، فليكن طلبك ذلك بتفهّم وتعلّم، لا بتورّط الشّبهات وعلق الخصومات. وأبدأ قبل نظرك في ذلك بالإستعانة بالهك، والرّغبة إليه في توفيقك، وترك كلّ شائبة أولجتك في شبهة، أوأسلمتك إلى ضلالة. فإن أيقنت أن قد صفا قلبك فخشع، وتمّ رأيك فاجتمع، وكان همّك في ذلك همّا واحدا، فانظر فيما فسّرت لك. وإن لم يجتمع لك ما تحبّ من نفسك، وفراغ نظرك وفكرك، فاعلم أنّك إنّما تخبط العشواء وتتورّط الظّلماء، وليس طالب الدّين من خبط أوخلط، والإمساك عن ذلك أمثل. (الخطبة ٢٧٠، ١، ٤٧٧)
… فإنّي لم آلك نصيحة. وإنّك لن تبلغ في النّظر لنفسك وإن اجتهدت مبلغ نظري لك. (الخطبة ٢٧٠، ٢، ٤٧٩)
ويختم الامام (ع) وصيته لأبنه الحسن (ع) وهي تربوعلى ١٦ صفحة بهذا الدعاء:
استودع اللّه دينك ودنياك. واسأله خير القضاء لك في العاجلة والآجلة، والدّنيا والآخرة، والسّلام. (الخطبة ٢٧٠، ٤، ٤٩٠)
من وصية له (ع) للحسن والحسين (ع) لما ضربه ابن ملجم لعنه اللّه: أوصيكما بتقوى اللّه، وأن لا تبغيا الدّنيا وإن بغتكما. ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما. وقولا للحقّ، واعملا للأجر، وكونا للظّالم خصما وللمظلوم عونا.
أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي، بتقوى اللّه، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإنّي سمعت جدّكما صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقول «صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصّلاة والصّيام». اللّه اللّه في الأيتام، فلا تغبّوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم. واللّه اللّه في جيرانكم، فإنّهم وصيّة نبيّكم.
ما زال يوصي بهم، حتّى ظننّا أنّه سيورّثهم. واللّه اللّه في القرآن، لا يسبقكم بالعمل به غيركم. واللّه اللّه في الصّلاة فإنّها عمود دينكم. واللّه اللّه في بيت ربّكم، لا تخلّوه ما بقيتم، فإنّه إن ترك لم تناظروا (أي لا ينظر اليكم بالكرامة، لا من اللّه ولا من الناس(. واللّه اللّه في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل اللّه. وعليكم بالتّواصل والتّباذل. وإيّاكم والتّدابر والتّقاطع. لا تتركوا الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، فيولّى عليكم شراركم، ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم.
ثم قال: يا بني عبد المطّلب، لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون «قتل أمير المؤمنين» ألا، لا تقتلنّ بي إلاّ قاتلي.
انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه، فاضربوه ضربة بضربة، ولا يمثّل بالرّجل، فإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقول «إيّاكم والمثلة ولوبالكلب العقور». (الخطبة ٢٨٦، ٥١١)
انتهى المقال .
منقول من كتاب تصنيف نهج البلاغة : لبيب بيضون