مقالات

قبسٌ من بحث العصمة

بسم اللّٰه الرَّحمٰن الرَّحيم

بقلم: زكريَّا بركات
٢٨ إبريل ٢٠٢٣

رُوي أنَّ هشام بن الحكم (رض) سُئل عن دليله على عصمة الإمام بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ، فقيل له:

من أين زعمتَ أنَّه لا بُدَّ من أن يكون معصوماً من جميع الذُّنوب؟

فأجاب هشام بن الحكم رضوان الله عليه:

إن لم يكن معصوماً لم يُؤمَنْ أن يدخُلَ فيما دخلَ فيه غيره من الذُّنوب، فيحتاج إلى من يُقيم عليه الحدَّ، كما يُقيمه على غيره. وإذا دخل في الذُّنوب لم يُؤمَنْ أن يكتُمَ على جاره وحبيبه وقريبه وصديقه، وتصديق ذلك قولُ الله عزَّ وجلَّ: (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِين) [البقرة: 124] . انتهى.

(بيــان) :

  1. هذا النصُّ نموذج من النصوص الكثيرة في كتب التراث الإسلامي والتي تدلُّ على أنَّ عقيدة العصمة ليست حادثة في زمن الغيبة، بل هي ضاربة في القدم، وجذورها تنتمي إلى عصر حظور الأئمَّة عليهم السلام؛ فهشام بن الحكم من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم عليهما السلام.
  2. عبارة (فيحتاج إلى من يُقيم عليه الحدَّ، كما يُقيمه على غيره) يُقصد بها أنَّ المفترض أن يكون الإمام هو من يقيم الحدود بوصفه السُّلطة التشريعيَّة والقضائيَّة والتنفيذيَّة العُليا، فلو فُرض انتفاءُ العصمة لزم من ذلك احتمالُ ارتكابه لما يوجب إقامة الحدِّ عليه، وهذا خُلْفُ الفَرض، ويلزم منه تعطيل إقامة الحدِّ عمليًّا في حقِّه؛ لأنَّه لا يوجد من يتمكَّن من إصدار الأمر لذلك.
  3. الدَّليل الثَّاني الذي استند إليه هشام بن الحكم (رض) في إثبات العصمة هو أنَّ انتفاءها يعني فتح المجال للتكتُّم على معاصي شريحة واسعة من العباد وعدم إقامة الحدِّ عليهم، وهم أقرباء الإمام غير المعصوم؛ لأنَّه إذا كان ممَّن يقترف المعاصي فلا يبعد أن يتستَّر على أهل بيته وأقربائه وأحبابه إذا صدر منهم ما يوجب المؤاخذة والعقوبة.
  4. الدَّليل الثَّالث الذي استند إليه هشام بن الحكم (رض) هي الآية الكريمة التي نفت وصول العهد إلى من يتَّصف بالظُّلم، والمقصود بالعهد هي الإمامة، ولما كان الذَّنبُ ظُلماً من قِبَل مقترفه في حقِّ نفسه على أقلِّ تقدير، وكان غيرُ المعصوم ـ بحكم الطبع والعادة ـ يقترف قليلاً أو كثيراً من الذُّنوب، فإنَّ دلالة الآية على عدم وصول العهد إلى الظالمين تعني أنَّ غير المعصوم لا ينال منصبَ الإمامة، فدلَّ ذلك على أنَّ العصمة من شروط الإمامة في القرآن الكريم.

(ملاحظة) : هشام بن الحكم في مستوى عالٍ جدًّا من الاستقامة الدينيَّة والوثاقة والعلم، وقد نسب جماعةٌ من المؤلِّفين بعض المذاهب الفاسدة إليه، وهي نسبة غير ثابتة، وإنما تنطلق من الحسابات الطائفية الضيِّقة.

والحمد لله ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى