السيد هاني فحص *
في إطلالة على ذكرى يوم الغدير نحاول أن نعرض ما قاله بعض المفكرين والمثقفين وذلك لاستلهام عظمة شخصية أمير المؤمنين عليه السلام التي لم يحدها زمان ومكان ومدى تاثير هذه الشخصية بعد عدة قرون على عقول هؤلاء النفر ومنهم الذين لا ينتمون إلى مذهب الامام علي عليه السلام ولا الى بيئته ودينه وقد تحدثوا عن الامام علي عليه السلام لأنهم وجدوا فيه ضالتهم وفي شخصيته المشروع الإنساني الذي يحتوي كل أطياف البشر وأجناسهم ومن منظورهم كما سوف يتبين لنا الآن أن علي عليه السلام شخصية لن تتكرر ولن يكون لها نسخة أخرى على وجه هذه المعمورة ….
هلم معي أيها القارئ الكريم لكي نستعرض على عجالة كلمات هؤلاء المثقفين والمفكرين والذي يستخلص منها مدى اعجابهم وحبهم لأمير المؤمنين عليه السلام مع ان شخصية الامام عليه السلام لن توفى حقها في المعرفة والوصف والدراسة ولكن ما لا يدرك كله لايترك كله….
ونبدأ بالنظام الذي يقول عن الإمام علي عليه السلام أنه محنة على المتكلم إن وفاه حقه غلا وإن بخسه حقه أساء.
اما الشعبي فيقول : ما ندري ما نصنع بعلي إن أحببناه افتقرنا وإن أبغضناه كفرنا.
وعندما نتوسع لنرى ماذا قال غير المسلمين في الامام علي عليه السلام .
نرى جورج جرداق يخاطب الدهر والطبيعة فيقول لهما : أيها الدهر ليتك كنت تجمع كل ما أوتيت من قوة وأنت أيتها الطبيعة ليتك تجمعين كل قواك ومواهبك لخلق إنسان عظيم .. نبوغ عظيم .. بطل عظيم .. ومن ثم ليمنح الوجود مرة ثانية رجلا كعلي.
أما شبلي شميل ذهب إلى أن الإمام علي بن أبي طالب عظيم العظماء نسخة مفردة لم يرى لها الشرق ولا الغرب صورة طبق الأصل لا قديما ولا حديثا .
ويتحدث ميخائيل نعيمة عن شمولية هذه الشخصية فيقول: بطولات الإمام علي ما اقتصرت يوما على ميادين الحرب فقد كان بطلا في صفاء بصيرته وطهارة وجدانه وسحر بيانه وحرارة إيمانه وسمو دعته ونصرته للمحروم والمظلوم وتعبده للحق أينما تجلى له الحق، ويضيف رأيه في علي عليه السلام ويقول : رأيي أنه بعد النبي سيد العرب على الإطلاق بلاغة وحكمة وتفهما للدين وتحمسا للحق وتساميا على الدنايا، وحديث ميخائيل نعيمة لا يسعنا المجال لنقله هنا لكنه على كل حال يؤمن بأن ليس بين العرب من صفت بصيرته وبلاغته وبيانه صفاء الإمام علي وعن وجود علي في زمان ليس بزمانه .
قال جبران خليل جبران أن عليا لمن عمالقة الفكر والروح في كل زمان ومكان … مات الإمام علي شأن جميع الأنبياء الباصرين الذين يأتون إلى بلد ليس ببلدهم وإلى قوم ليس بقومهم كفى زمن ليس بزمنهم .
ونعود إلى جورج جرداق وعقيدته في أمير المؤمنين عليه السلام والذي يعبر عنها في قوله : في عقيدتي أن ابن أبي طالب كان أول عربي لازم الروح الكلية وجاورها .. مات علي شهيد عظمته، مات والصلاة بين شفتيه، مات وفي قلبه الشوق إلى ربه، ولم يعرف العرب حقيقة مقامه ومقداره حتى قام من جيرانهم الفرس أنا يدركون الفرق بين الجواهر والحصى … التاريخ والحقيقة يشهدان أن عليا هو الضمير العملاق، الشهيد أبو الشهداء، وشخصية الشرق الخالدة.
أما الشاعر جوزيف هاشم يصف شخصية الإمام علي بالمحيط الشاسع العميقة وقول ، كلما سبرت غورا خلته القعر لاحت أمامك أغوار يطول معها الإبحار … من تعرف إلى شخصية الإمام علي استهوته ومن استهوته أثرت فيه ومن أثرت فيه اقتدى بها ومن اقتدى بها أصلح نفسه ومن أصلح نفسه تصالح مع الآخرين ويضيف من تقرب منه ” الإمام علي” التقى معه ومن التقى معه تلاقى مع سائر الأديان والناس .
وإذا عرجنا قليلا على فلاسفة الغرب نجد الفيلسوف الانجليزي كارليل يقول : أما علي فلا يسعنا إلا أن نحبه ونعشقه فإنه فتى شريف القدر عالي النفس بفيض وجدانه رحمة وبرا ويلتظي فؤاده نجدة وحماسة وكأن أشجع من ليث ولكنها شجاعة ممزوجة برقة ولطف ورحمة وحنان … وعلي ينطوي على روح الإباء التي ترفض الدنايا رفضا مطلقا … وعلي قد نضجت في نفسه المقدسة وفي قواها الباطنة سنابل الرحمة وحب الخير للناس اجمعين وهو فوق هذه الصفات الباسقة شجاع لم تعرف ميادين الحروب بطلا أثبت منه قلبا .. ولا اكثر جرأة وإقداما … ولا أشد منه قوة … وهو مع هذه الشجاعة يمتاز بالتواضع والحياء والحنان الرحيم .
ويؤرخ لنا المؤرخ الفرنسي كاراديفو عن الامام علي عليه السلام فيقول : وعلي هو ذلك البطل الموجع المتألم والفارس الصوفي والامام الشهيد ذو الروح العميقة القرار التي يكمن في مطاويها سر العذاب الالهي .
وذهب المفكر الاسلامي العقاد الى ان اداب الفروسية هي مفتاح هذه الشخصية النبيلة الذي يفض منها كل مغلق وعن عدم مخالفته للحق يقول العقاد : وما استطاع احد قط ان يحصي عليه كلمة خالف فيها الحق الصراح في سلمه وحربه وبين صحبه او بين اعدائه وعن مدى التزامه بما يقول يضيف العقاد: وكان ابدا عند قوله : علامة الايمان ان تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك والا يكون في حديثك فضل على علمك وان تتقي الله في حديث غيرك) ويكمل قوله عن الامام عليه السلام : انه طبع على الاسلام وان الدين الجديد لم يعرف قط اصدق اسلاما منه ولا اعمق نفاذا فيه.
وعندما استفتى عبد الرحمن الشرقاوي التاريخ ليطمئن الى صحة التزامه الف كاتبه على امير المتقين فكانت الفتوى هي وجوب النهضة واستمرار الانحياز الى الفقراء وبصرف النظر عن النتائج
ويقول الشرقاوي في مقدمة كتابه تجسدت في علي اخلاق الاسلام ومثله فقد تعهده الرسول طفلا …ورباه صبيا …وثقفه فتى…. وقال عاش علي يناضل دفاعا عن الشريعة والعدل والحق والمودة والاخاء والمساواة بين الناس ….وما عداه في حياته وبعد موته الا البغاة وفرسان الضلال وعبيد الشهوات واهل البدع والاهواء ويضيف: قبض الشهيد واستقر في وعي الزمن انه كلما قيلت كلمة الإمام فهو الامام علي على كثرة الائمة في الاسلام وذلك لان ما امتلكه من علم وفقه في الدين وما اوتي من الحكمة لم يتوفر قط لفقيه او عالم قبض الشهيد الرائع البطولة الاسطوري المثالي واسقتر في ضمير الزمن . ويتسائل الكاتب احمد عباس صالح : لو لم يسر علي في سيرته المثالية اكان تبقى الجذوة مشتعلة كامنة في النفوس … وكان دور علي الوحيد ان يكون مثالا في التاريخ كأنه علامة فارقة من علامات الطريق.
ويحدثنا عميد الادب العربي الدكتور طه حسين عن الامام علي عليه السلام ويقول : وجد علي نفسه … صدق الايمان بالله ونصحا للدين وقياما بالحق واستقامة على الطريق المستقيمة لا ينحرف ولا يميل ولا يدهن في امر الاسلام في قليل ولا كثير وإنما يرى الحق فيمضي اليه لا يلوي على شيء ولا يحفل بالعاقبة ولا يعنيه ان يجد في آخر طريقه نجاحا او اخفاقا.
وعن جواب امير المؤمنين عليه السلام لرجل في معركة الجمل اذ قال عليه السلام ( إنك لملبوس عليك ان الحق والباطل لا يعرفان بأقدار الرجال اعرف الحق تعرف اهله واعرف الباطل تعرف اهله ) وبعد نقله لهذه الكلمات يعلق طه حسين قائلا : ما اعرف جوابا أروع من هذا الجواب الذي لايعصم من الخطأ احدا مهما تكن منزلته ولايحتكر الحق لاحد مهما تكن مكانته بعد ان سكت الوصي وانقطع خبر السماء .
ويغضب امير البيان شكيب ارسلان عند مقارنته بامير المؤمنين عليه السلام وحصل ذلك في الحفل الذي اقيم تكريما له في مصر فيرقى احد الحاضرين المنصة ويقول: رجلان في التاريخ يستحقان ان يلقبا بلقب امير البيان : أمير المؤمنين علي بن ابي طالب ، وشكيب ارسلان ! فيقوم شكيب ارسلان من مجلسه غاضبا ويذهب الى المنصة فيعتب على صديقه الذي عمل هذه المقارنة بينه وبين الامام عليه السلام ويقول (( اين انا واين علي بن ابي طالب ! انا لا اعد نفسي شسع نعل لعلي (ع) )) ….
اما الدكتور علي الجندي رئيس كلية العلوم بجامعة القاهرة في مقدمة كتاب علي بن ابي طالب شعره وحكمه يقول عن نثر الامام (ع) : في هذا الكلام موسيقى موقعة تاخذ القلوب اخذا وفيه من السجع المنتظم ما يصوغه شعرا .
والكلمات بحق هذه الشخصية والتي حررتها عظمتها من المحدود لتصبح مساحة انسانية مشتركة لا تنهي ولكن نكتفي بهذا القدر وقب الختام اجد لازاما علي ان اشكر كل من انشغلوا بعلي (ع) وفكره ومن ثم استقرؤوه وقدموه كنموذج للانسانية التي ارادتها السماء، ولم يوظفوه لمصالحهم الخاصة والضيقة .
* المصادر :
علي في مرآة الفكر – اسبر .
في رحاب نهج البلاغة – مطهري .
علويات – الشاعر جوزيف الهاشم .
الامام علي في محنه الثلاث – المفكرعلى شريعتي .
* كلمة القيت في المستشارية الايرانية بمناسبة تكريم سليمان الكتاني ونشرت في النهار اللبنانية . ****************************
المصدر: http://arabic.balaghah.net/