السوال:
كيف تتحقق الوحدة بين المسلمين ؟
الجواب:
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ، و بعد : الوحدة الاسلامية مطمح كل مسلم يطلب وجه الله و رضوانه و يريد خير الامة الاسلامية و صلاحها ، و الفرُقة و الاختلاف و العدواة و البغضاء عمل شيطاني لا يؤدي إلا الى إهدار الطاقات الفردية و الاجتماعية بكل أشكالها ، كما و يؤدي الى التنافر و التناحر ثم الفشل الذريع و الخسران المبين ، و من يثير الفتن ـ خاصة في مثل هذه الظروف ـ من خلال إطلاق النعرات الطائفية و المذهبية إنما يخدم مصالح أعداء الله و أعداء الأمة الاسلامية ، و يخدم مصلحة المستعمرين الجدد أصحاب المقولة المعروفة ” فرِّق تَسُد ” ، و يمهد لهم طريق السيطرة على مقدرات المسلمين ، و من يدعو الى الفرقة و يكفِّر المسلمين فهو يخالف الله عز و جل مخالفة صريحة و واضحة ، حيث أن الله تعالى دعى المسلمين في القرآن الكريم الى التآلف و التآخي و الوحدة ، و حذرهم من الفرقة و الاختلاف .
قال الله عز و جل : { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ } ، ( سورة الانبياء : 92 ) . و قال عزَّ مِن قائل : { وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ } ، ( سورة المؤمنون : 52 ) . و قال جل جلاله : { وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } ، ( سورة الانفال : 46 ) . و قال سبحانه و تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ، ( سورة الحجرات : 10 ) . ما هو السبيل الأمثل لوحدة المسلمين ؟ لكي نُقدم حلاً واقعياً معقولاً و قابلاً للتطبيق لا بد لنا من أن نستعرض كافة الحلول المتصورة لتحقيق الوحدة الاسلامية أولاً حتى نتمكن من اختيار الحل المعقول ، أو الحل الأفضل . الحلول المتصورة : الحل الأول : إجبار المسلمين بكل طوائفهم و مذاهبهم و فرقهم على إختيار مذهب واحد في العقيدة و الشريعة و ترك ما هم عليه الآن من المذاهب المختلفة ، و هذا الأمر هو ما طبَّقه عدد من الخلفاء و الحكام و القادة المتجبرين بقوة السيف ، و أجبروا الناس على إتباع مذهب السلطان و الخليفة المدعوم بمنطق القوة لا بقوة المنطق ، و رغم النجاح النسبي الذي حققه هذا الأسلوب العنيف و القمعي في جعل مذهب السلطان مذهب الأكثرية من خلال إجبار الجموع الغفيرة على الدخول في مذهب السلطان ، إلا أنه يتنافى مع روح الدين الاسلامي و جوهر الرسالة المحمدية الغراء و القيم الاسلامية ، خاصة و أن العقيدة لا تحصل بالإكراه و الاجبار ، بل تحصل بالحرية و الاختيار . ثم أنه و رغم كل ذلك فلقد أثبت التاريخ فشل هذا الحل ـ إن صحَّ تسميته حلاً ـ ، مضافاً الى مخالفته الواضحة للقرآن الكريم ، حيث يقول الله تعالى : { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ، ( سورة البقرة : 256 ) . الحل الثاني : و هو ما يُعبَّر عنه في العصر الحاضر بـ ” اسلام بلا مذاهب ” ، أي نبذ المذاهب كلها الى جانب و الالتفاف حول الاسلام بعيداً عن المذاهب ، و هو حل نظري أكثر من كونه حلاً عملياً ، حيث أن الكلام هو عن الاسلام الواقعي أين هو ، و أي مذهب من المذاهب يمثله ؟ و ما هي الفرقة الناجية ؟ و ذلك لأن كل طائفة و فرقة تعتقد بصحة مذهبها ، و تعتقد بأن مذهبها يمثِّل الاسلام الصحيح الذي نزل به القرآن الكريم و جاء به الرسول المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) ، فأي مذهب من المذاهب أُخذ به بقي الخلاف على حاله ، و سوف لا يقبل به أصحاب المذاهب الأخرى . الحل الثالث : الانفتاح على المذاهب الاسلامية المختلفة و دراستها من مصادرها المعتمدة لديها لمعرفة أفكارهم و حججهم من خلال إجتماع أهل الحل و العقد من العلماء و المفكرين من جميع المذاهب و الفرق الاسلامية بروح عالية و على أسس موضوعية و منطقية لمعالجة الأمر بمناقشة أصول الإختلاف من جذورها و التحاكم الى القرآن الكريم و الاحاديث الشريفة ـ المتفق عليها لدى المسلمين جميعاً ـ و العقل بغية التوصل الى المعتقد الصحيح و الحكم الشرعي المبريء للذمة في كل صغيرة و كبيرة مما يحتاج إليه المسلمون في شؤون حياتهم الفردية و الاجتماعية ، و من ثم إعلام الأمة الاسلامية بما سيتوصلون اليه لقبوله معتقداً موحداً و ممحصاً و منقحاً لا غبار عليه ، و هذا يتفق مع ما دعى اليه القرآن الكريم حيث قال : { … فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } ، ( سورة الزمر : 17 و 18 ) . و لقد بذل عدد من العلماء المخلصين و المصلحين جهوداً كبيرة لتحقيق هذا الهدف السامي ، و من هؤلاء العلماء الأعلام العلامة آية الله السيد عبد الحسين شرف الدين ( رحمه الله ) و العلامة القدير الشيخ سليم البشري المالكي شيخ الأزهر ( 1 ) و كانت نتيجة حواراتهم كتاب المراجعات المعروف ( 2 ) ، و الشيخ محمود شلتوت ، . الحل الرابع : تبادل الإحترام بين المذاهب الاسلامية كلها دون التعرض لرموزها و معتقداتها و التعامل مع أتباع المذاهب جميعاً على أنهم مسلمين موحدين تجوز مناكحتهم و تحل ذبائحهم و تصان دماؤهم و أعراضهم و أموالهم و مساجدهم و مقدساتهم من أن يتعرض لها ، و منع الجهات التكفيرية من توزيع الاتهامات على المسلمين . و من الصحيح أن يُعمل بهذا الحل حتى يأتي اليوم الذي تساعد الظروف على العمل بالحل الثالث إن شاء الله تعالى . ـــــــــــــــــ ( 1 ) الشيخ سليم البشري المالكي هو شيخ الأزهر الذي تولى مشيخة الأزهر لفترتين متعاقبتين ، كانت الأولى سنة : 1900 م الموافق لعام : 1320 هجري ، و الثانية استمرت من سنة : 1909 م حتى سنة وفاته ، أي سنة : 1916 م الموافق لسنة : 1335 هـ . ( 2 ) المراجعات كتاب يحتوي على ( 112 ) مناظرة و مراجعة تناول الطرفان فيها مباني العقيدة الاسلامية ، و للاطلاع على هذا الكتاب القيم يمكنك الرجوع اليه من خلال الوصلة التالية : http://www.rafed.net/books/aqaed/morajaat/index.html