رَوى عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهُرْمُزَانِيُّ ، عَنْ الإمام أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ( عليه السَّلام ) أنَّهُ قَالَ : لَمَّا قُبِضَتْ فَاطِمَةُ ( عليها السلام ) دَفَنَهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ سِرّاً وَ عَفَا عَلَى مَوْضِعِ قَبْرِهَا ، ثُمَّ قَامَ فَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) فَقَالَ : ” السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنِّي ، وَ السَّلَامُ عَلَيْكَ عَنِ ابْنَتِكَ وَ زَائِرَتِكَ وَ الْبَائِتَةِ فِي الثَّرَى بِبُقْعَتِكَ ، وَ الْمُخْتَارِ اللَّهُ لَهَا سُرْعَةَ اللِّحَاقِ بِكَ ، قَلَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي ، وَ عَفَا عَنْ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ تَجَلُّدِي ، إِلَّا أَنَّ لِي فِي التَّأَسِّي بِسُنَّتِكَ فِي فُرْقَتِكَ مَوْضِعَ تَعَزٍّ ، فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ ، وَ فَاضَتْ نَفْسُكَ بَيْنَ نَحْرِي وَ صَدْرِي ، بَلَى وَ فِي كِتَابِ اللَّهِ لِي أَنْعَمُ الْقَبُولِ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ .
قَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ ، وَ أُخِذَتِ الرَّهِينَةُ ، وَ أُخْلِسَتِ الزَّهْرَاءُ 1 ، فَمَا أَقْبَحَ الْخَضْرَاءَ وَ الْغَبْرَاءَ 2 .
يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ ، وَ أَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ ، وَ هَمٌّ لَا يَبْرَحُ مِنْ قَلْبِي أَوْ يَخْتَارَ اللَّهُ لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا مُقِيمٌ ، كَمَدٌ مُقَيِّحٌ ، وَ هَمٌّ مُهَيِّجٌ ، سَرْعَانَ مَا فَرَّقَ بَيْنَنَا ، وَ إِلَى اللَّهِ أَشْكُو ، وَ سَتُنْبِئُكَ ابْنَتُكَ بِتَظَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا ، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ 3 ، وَ اسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ ، فَكَمْ مِنْ غَلِيلٍ مُعْتَلِجٍ بِصَدْرِهَا لَمْ تَجِدْ إِلَى بَثِّهِ سَبِيلًا ، وَ سَتَقُولُ وَ يَحْكُمُ اللَّهُ وَ هُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ .
سَلَامَ مُوَدِّعٍ لَا قَالٍ وَ لَا سَئِمٍ ، فَإِنْ أَنْصَرِفْ فَلَا عَنْ مَلَالَةٍ ، وَ إِنْ أُقِمْ فَلَا عَنْ سُوءِ ظَنٍّ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الصَّابِرِينَ ، وَاهَ وَاهاً 4 وَ الصَّبْرُ أَيْمَنُ وَ أَجْمَلُ ، وَ لَوْ لَا غَلَبَةُ الْمُسْتَوْلِينَ لَجَعَلْتُ الْمُقَامَ وَ اللَّبْثَ لِزَاماً مَعْكُوفاً ، وَ لَأَعْوَلْتُ إِعْوَالَ الثَّكْلَى عَلَى جَلِيلِ الرَّزِيَّةِ ، فَبِعَيْنِ اللَّهِ تُدْفَنُ ابْنَتُكَ سِرّاً ، وَ تُهْضَمُ حَقَّهَا ، وَ تُمْنَعُ إِرْثَهَا ، وَ لَمْ يَتَبَاعَدِ الْعَهْدُ ، وَ لَمْ يَخْلَقْ مِنْكَ الذِّكْرُ ، وَ إِلَى اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمُشْتَكَى ، وَ فِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْسَنُ الْعَزَاءِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ ، وَ عَلَيْهَا السَّلَامُ وَ الرِّضْوَانُ ” 5 .
- 1. أي اختطفت بسرعة و على غفلة .
- 2. المراد بالخضراء السماء لأنها تعطي الخضرة ، و بالغبراء الأرض لأنها تعطي الغبرة في لونها ( مجمع البحرين : 3 / 288 ، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي ، المولود سنة : 979 هجرية بالنجف الأشرف / العراق ، و المتوفى سنة : 1087 هجرية بالرماحية ، و المدفون بالنجف الأشرف / العراق ، الطبعة الثانية سنة : 1365 شمسية ، مكتبة المرتضوي ، طهران / إيران ) .
- 3. الحفي : المستقصي بالسؤال عن الشيء ، و أحفى فلان في المسألة : إذا ألح فيها و بالغ ، فمعنى كلام أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) ” أحفها السؤال ” أي استقصها فيه تحكي لك ما صدر من المنافقين و أعداء الدين . ( راجع مجمع البحرين : 1 / 103 ) .
- 4. قال الجوهري : و إذا تعجبت من طيب الشيء قلت واها له ما أطيبه ( مجمع البحرين : 6 / 367 ) .
- 5. الكافي : 1 / 459 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .