مقالات

شبهة وردها…

نص الشبهة: 

هنا وقفة قصيرة عندما نَلحظ أنّ القرآن فضّل الرجال على النساء بدرجة! فهل في ذلك حطٌّ من قَدْر المرأة؟ أو كمال حُظي به الرجل دونها؟

الجواب: 

ليس من هذا أو ذاك في شيء ؛ وإنّما هي مُرافقة مع ذات الفطرة التي جُبِل عليها كلٌّ من الرجل والمرأة .
إنّ معطيات الرجل النفسيّة والخُلُقيّة تختلف عن معطيات المرأة ، كما تختلف طبيعتها الأُنوثيّة المُرْهَفَة الرقيقة عن طبيعة الرجل الصُّلبة الشديدة ، كما قال الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ) 1 ، فنُعومة طبعها وظرافة خُلُقها تجعلها سريعة الانفعال تجاه مُصطَدمات الأُمور ، على خلاف الرجل في تريّثِه ومقاومته عند مقابلة الحوادث .
فالمرأة في حقوقها ومَزاياها الإنسانيّة تُعادِل الرجل ﴿ … وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ … ﴾ 2 ، هذا في أصل خلقتها لتكونَ للرجل زوجاً مِن نفسه أي نظيرَه في الجنس ، فيتكافلان ويتعاونان معاً في الحياة الزوجيّة على سواء ، فلها مثلُ الذي عليها من الحقّ المشترك ، وهذا هو التماثل بالمعروف أي التساوي فيما يعترف به العقل ولا يَستَنكِرُه .
لكنّ الشطر الذي يتحمّله الرجل في الحياة الزوجيّة هو الشطر الأثقل الأشقّ ، فضلاً عن القِوامة والحماية التي تُثقل عبء الرَجُل في مزاولة الحياة ، الأمر الذي استدعى شيئاً من التَمايز في نفس الحقوق الزوجيّة ، ممّا أوجب للرَجُل امتيازاً بدرجة ﴿ … وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ … ﴾ 2 .
وهذا التفاضل في الذات والمُعطيات هو الذي جعل من موضع الرَجُل في الأُسرة موضع القِوامة ، ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ … ﴾ 3 .
إنّ الأسرة هي المؤسَّسة الأُولى في الحياة الإنسانيّة ، وهي نقطة البدء التي تؤثِّر في كلّ مراحل الطريق ، والتي تُزاول إنشاء وتنشئة العنصر الإنساني ، وهو أكرم عناصر هذا الكون في التصوّر الإسلامي ، وإذا كانت المؤسّسات ـ التي هي أقلّ شأناً وأرخص سعراً كالمؤسّسات الماليّة والصناعيّة والتجاريّة وما إليها ـ لا تُوكِل أمرَها عادةً إلاّ للأكفاء من المرشّحين لها ممّن تخصّصوا في هذا الفرع علمياً ، وتدرّبوا عليه عمليّاً فوق ما وِهبوا مِن استعدادات طبيعيّة للإدارة والقِوامة ، فالأًولى أن تُتَّبّع هذه القاعدة في مؤسّسة الأُسرة التي تُنشِئ وتُنشِّئ أثمن عناصر الكون ، ذلك هو العنصر الإنساني .
والمنهج الربّاني يراعي هذا ، ويراعي به الفطرة والاستعدادات الموهَبة لشطري النفس ـ العقلاني والجسماني ـ لأداء الوظائف المَنوطة بهما معاً ، كما يراعي به العدالة في توزيع الأعباء على شطري الأُسرة الواحدة ، والعدالة في اختصاص كلٍّ منهما بنوع الأعباء المهيَّأ لها ، المُعان عليها مِن فطرته واستعداداته المتميّزة المتفرّدة .
والمسلَّم به ابتداءً أنّ الرجل والمرأة كلاهما مِن خَلْقِ اللّه ، وأنّه تعالى لا يريد ظلماً بأحدٍ من خَلقه ، وهو يُهيِّئه ويُعدّه لوظيفة خاصّة ، ويمنحه الاستعدادات اللازمة لإحسان هذه الوظيفة ، وقد خلق اللّه الناس ذكراً وأنثى زوجين على أساسِ القاعدة الكلّيّة في بناء هذا الكون ، وجعل من وظائف المرأة أن تَحمل وتَضَع وتَرضع ، وتَكفُل ثمرةَ الاتّصال بينها وبين الرجل ، وهي وظائف ضَخمة وخطيرة وليست هيّنة ولا يسيرة ، بحيث يمكن أنْ تؤدّى بدون إعداد عضويٍّ ونفسيٍّ وعقليٍّ عميق غائر في كيان الأنثى .
فكان جديراً أنْ يَنوط بالشطر الآخر ـ الرجل ـ توفير الحاجات الضروريّة ، وتوفير الحماية كذلك للأُنثى كي تتفرّغ لأداء وظيفتها الخطيرة ، ولا يُحمَل عليها أن تَحمل وتَضع وتَرضع وتكفل ثُمّ هي التي تعمل وتكدّ وتسهر ليلاً وتَجهد نهاراً لحماية نفسها وكفالة ولدها في آنٍ واحد ! فكان عدلاً كذلك أن يُمنح الرجل من الخصائص في تكوينه العضويّ والعصبيّ والعقليّ والنفسيّ ما يُعينه على أداء وظائفه هذه الخطيرة أيضاً ، وكان هذا فعلاً ﴿ … وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ 4 .
ومِن ثَمَّ زُوِّدت المرأة ـ فيما زُوِّدت به من الخصائص ـ بالرقّة والعطف والحنان ، وسرعة الانفعال والاستجابة العاجلة لمطالب الطفولة بغير وعي ولا سابق تفكير ؛ لأنّ الضرورات الإنسانيّة العميقة كلّها والمُلِحّة أحياناً ـ حتّى في الفرد الواحد ـ قد لا تَتَركُ لأَرجَحة الوعي والتفكير وبطئه مجالاً ، بل فرضت الاستجابة لها غير إراديّة ، لتَسهُل تلبيتها فوراً وفيما يشبه أنْ تكون قسراً ، ولكنّه قسرٌ داخلي غير مفروض من خارج النفس ، ويكون لذيذاً ومستحبّاً في مُعظم الأحيان ؛ لتكون الاستجابة سريعةً من جهةٍ ومريحةً من جهةٍ أُخرى ، مهما يكن فيها من المشقّة والتضحية ﴿ … صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ … ﴾ 5 .
قال سيّد قطب : وهذه الخصائص ليست سطحيّة ، بل هي غائرة في التكوين العضويّ والعصبيّ والعقليّ والنفسيّ للمرأة ، بل يقول كبار العلماء المختصّين : إنّها غائرة في تكوين كلّ خليّة ؛ لأنّها عميقة في تكوين الخليّة الأُولى التي يكون من انقسامها وتكاثرها الجنين ، بكلّ خصائصه الأساسيّة 6 .
وكذلك زُوِّد الرجل ـ فيما زُوِّد به من الخصائص ـ بالمُقاومة والصَلابة ، وبطء الانفعال والاستجابة ، والتروّي واستخدام الوعي والتفكير قبل الحركة والاستجابة ؛ لأنّ وظائفه كلّها منذ بدء الحياة وممارسة التنازع في البقاء كانت تحتاج إلى قَدَرٍ من التروّي قبل الإقدام ، وإعمال الفكر والبطء في الاستجابة بوجهٍ عامّ 7 ، وكلّها عميقة في تكوينه عمقَ خصائص المرأة في تكوينها ، وهذه الخصائص تَجعله أقدر على القِوامة وأفضل في مجالها ، كما أنّ تكليفه بالإنفاق ـ وهو فرع مِن توزيع الاختصاصات ـ يجعله بدوره أولى بالقِوامة .
وهذان العنصران هما اللذان أبرزهما النصّ القرآني ، وهو يقرّر قِوامة الرجال على النساء في المجتمع الإسلامي .
قِوامة لها أسبابها وعِللها من التكوين والاستعداد ، إلى جنب أسبابها من توزيع الوظائف والاختصاصات ، الأمر الذي جعل من مرتبة الرجل أعلى من مرتبة المرأة بدرجة !
قال سيّد قطب : إنّها مسائل خطيرة ، أخطر من أنْ تتحكّم فيها أهواء البشر ، وأخطر من أنْ تُترك لهم يَخبطون فيها خَبْطَ عشواء ، وحين تُركت لهم ولأهوائهم في الجاهليّات القديمة والجاهليّات الحديثة هدّدت البشريّة تهديداً خطيراً في وجودها ذاته ، وفي بقاء الخصائص الإنسانيّة التي تقوم بها الحياة الإنسانيّة وتتميّز .
ولعلّ مِن الدلائل التي تُشير بها الفطرة إلى وجودها وتحكّمها ، ووجود قوانينها المتحكِّمة في بني الإنسان ، حتّى وهم يُنكرونها ويرفضونها ويتفكّرون لها ، لعلّ من هذه الدلائل ما أصاب الحياة البشريّة من تَخبُّطٍ وفسادٍ ، ومن تدهورٍ وانهيارٍ ، ومن تهديدٍ بالدمار والبَوار في كلّ مرّةٍ خُولفت فيها هذه القاعدة ، فاهتزّت سُلطة القِوامة في الأُسرة ، أو اختلطت معالمها ، أو شذّت عن قاعدتها الفطريّة الأصيلة.
ولعلّ من هذه الدلائل تَوَقان نفس المرأة ذاتها إلى قيام هذه القِوامة على أصلها الفطري في الأسرة ، وشعورها بالحرمان والنقص والقلق وقلّة السعادة ، عندما تعيش مع رجلٍ لا يزاول مهامّ القِوامة وتُنقِصُه صفاتها اللازمة ، فيَكِل إليها هي أمرَ القِوامة ! وهي حقيقة مَلحوظة تسلِّم بها حتّى المنحرفات الخابطات في الظلام .
ولعلّ من هذه الدلائل أنّ الأطفال الذين يَنشّأون في عائلة ليست القِوامة فيها للأب ؛ إمّا لأنّه ضعيف الشخصيّة بحيث تَبرُز عليه شخصيّة الأُمّ وتسيطر ، وإمّا لأنّه مفقود لوفاته أو لعدم وجود أبٍ شرعي ، فلمّا يَنشّأون أسوياء وقلّ أنْ لا ينحرفوا إلى شذوذٍ مّا ، في تكوينهم العصبيّ والنفسيّ ، وفي سلوكهم العمليّ والخُلقيّ .
فهذه كلّها بعض الدلائل التي تشير بها الفطرة إلى وجودها وتحكّمها ، ووجود قوانينها المتحكّمة في بني الإنسان ، حتّى وهم ينكرونها ويرفضونها ويتنكّرون لها 8 .
ونتيجةً على ما سبق ، كان تفضيل الرجل على المرأة بدرجة ناظراً إلى جهة قِوامته في الأسرة ، وهذه القِوامة تعود إلى خصائص في تكوين الرجل ووظيفته التي خوّلها له عرف الحياة الزوجيّة ، فنعود نقرأ الآية : ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ … ﴾ 3 في تكوينه ﴿ … وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ … ﴾ 3 حسب وظيفتهم العائليّة .
قال الشيخ مُحمّد عبده : وأمّا قوله تعالى : ﴿ … وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ … ﴾ 2 فهو يُوجب على المرأة شيئاً وعلى الرجل أشياء ؛ ذلك أنّ هذه الدرجة هي درجة الرئاسة والقيام على المصالح المفسَّرة بقوله تعالى : ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ … ﴾ 3 فالحياة الزوجيّة حياة اجتماعيّة ، ولا تقوم مصلحة هذه الحياة إلاّ برئيس مُطاع ، والرجل أَحقُّ بالرئاسة ؛ لأنّه أعلم بالمصلحة وأقدر على التنفيذ بقوّته وماله ، ومِن ثَمّ كان هو المُطالب شَرعاً بحماية المرأة والنفقة عليها 9 .
وقد فسّر العلاّمة الطباطبائي ( المعروف ) في الآية 10 . بما عرفه الناس واستأنسوا به وِفق فطرتهم الأصيلة ، فكان مِن المعروف أيضاً أنْ يَتفاضل الرجل على المرأة بدرجة ، حَسب ما منحت الفطرة لكلٍّ مِنهما من استعدادات وقُوى و صلاحيّات ووظائف في حياتهما الاجتماعيّة … وشرح ذلك شرحاً مستوفىً على أصول متينة ، فراجع 11 12 .

  • 1. نهج البلاغة ، الكتاب رقم 31 : 405 .
  • 2. a. b. c. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 228 ، الصفحة : 36 .
  • 3. a. b. c. d. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 34 ، الصفحة : 84 .
  • 4. القران الكريم : سورة الكهف ( 18 ) ، الآية : 49 ، الصفحة : 299 .
  • 5. القران الكريم : سورة النمل ( 27 ) ، الآية : 88 ، الصفحة : 384 .
  • 6. تفسير في ظِلال القرآن : 5 / 58 ـ 59 ، المجلّد الثاني ، ص 354 ـ 355 .
  • 7. إنّ معدّل سِعة الدماغ في الرجال 1480 سم مكعّب وفي النساء 1300 سم مكعّب ، و وزن دماغ الرجل 1360 غم بينما وزن دماغ المرأة 1210 غم ، إنّ هذا المعدّل يمثّل كافّة شعوب البشر بصورة عامّة ، كتاب الحيوان للدراسة الجامعيّة : 388 .
  • 8. في ظِلال القرآن : 5 / 60 ، المجلّد الثاني ، ص 356 .
  • 9. تفسير المنار : 2 / 380 ، و 5 / 67 .
  • 10. في قوله تعالى : ﴿ … وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ … ﴾ القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 228 ، الصفحة : 36 .
  • 11. تفسير الميزان : 2 / 243 و 273 ـ 291 .
  • 12. شُبُهَات و ردود حول القرآن الكريم ، تأليف : الأُستاذ محمّد هادي معرفة ، تحقيق : مؤسّسة التمهيد ـ قم المقدّسة ، الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة ص 117 ـ 121 .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى