نص الشبهة:
يعتقد الشيعة أنّ أئمّتهم يعلمون الغيب ، فلو صحّ ذلك ألا يُعدّ شرب الإمام للسمّ نوعاً من الانتحار ؟
الجواب:
إنّ الشهادة في سبيل الله واختيار الموت الأحمر من الإمام هو نوع من أداء التكليف ، بل هو عين التسليم لمشيئة الله تعالى . فالحسين بن عليّ ( عليهما السلام ) سلك طريق كربلاء مع علمه التام بأنّه سيُقتل ; لأنّ الشهادة كانت بالنسبة إليه تكليفاً ، حتّى يطّلع المسلمون على حقيقة الأمويّين ويزول ذلك الوضع السيّىء ، ويكون قد أحيا روح الجهاد ضدّ حكّام الجور ، فحاكم مثل يزيد الّذي ينكر الوحي ويشكّك في النبوّة ويقوم بالانتقام لأسلافه في حروب بدر وأحُد ، وهو القائل :
لعـبت هاشـم بالمـلك فلا *** خبرٌ جـاء ولا وحـيٌ نزل
لستُ من خندف إن لم أنتقم *** من بنـي أحمد ما كان فعل
ليت أشياخي ببـدر شهِـدوا *** جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهـلّوا واستـهلّوا فرحـاً *** ثمّ قـالوا يا يـزيـد لا تشـل 1
فمثل هذا الحاكم يجب القيام بوجهه والثورة عليه وبيان انحرافه عن الإسلام الصحيح .
وفي مواجهة الحكومة الجائرة لابدّ للإمام مع العلم القطعي بموته ، من قبوله للشهادة والعمل بتكليفه ووظيفته ، هذا كله حول ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأمّا شهادة سائر الأئمة بالسمّ فالإجابة عن ذلك بوجهين :
الأوّل : إنّ عمليات الاغتيال بالسمّ التي تعرّضوا لها كان نتيجة لجهادهم باللِّسان والقلم ضدّ الظَلَمة وخلفاء الجور . ولو أنّهم آثروا السلامة بالتخلّي عن هذا الجهاد ، لكانوا قد أعطوا الفرصة للأعداء المترصّدين لهم للقضاء على الإسلام ، لذلك عندما يُقال إنّ شهادتهم وموتهم كان باختيارهم فالمقصود هو هذا ، أي محاربة الظالمين باختيارهم مع علمهم بالنتيجة الحتميّة المتمثّلة في القتل والتسميم ، ولو وضعوا يداً على يد ، وباركوا أعمال الظَلَمة من خلفاء الأمويّين والعبّاسيّين لاستحال عليهم نيل تلك الشهادة .
إنّ حياة الأئمّة ( عليهم السلام ) لم تكن حياةً إنزوائيّة إنعزاليّة ، فهم كانوا يقومون بأداء وظائفهم من تبيين الأحكام وبيان العقائد وفضح ظلم الحكام ، حيث كانت النتيجة الحتميّة لذلك هو قتلهم وتسميمهم ، وهم قد قبلوا ذلك بكامل اختيارهم لضمان النجاح والتقدّم لمقاصد الإسلام ، وهذا هو المقصود من اطلاعهم على شهادتهم .
والثاني: هو أنّ تمكّن الإمام من العلم بالغيب ليس علماً حضورياً بل هو علم حصولي يتوقف على مشيئته فإن شاء علم ، مثل ذلك مثل من يحمل معه رسالة ، فهو يستطيع في أيّ وقت أن يفتحها ويطّلع على مضمونها ، فإن لم يفتح لا يقف على مضمونها . فإذا وافتهم المنية بالسم وغيره ، فإنّما هو لأجل عدم رغبتهم في الاطلاع على الغيب 2 .
- 1. روضة الواعظين: 191 ; الاحتجاج: 2 / 34 ; تاريخ الطبري: 8 / 187 .
- 2. هذه الإجابة نُشرت على الموقع الالكتروني الرسمي لسماحة آية الله العظمى الشيخ جعفر السبحاني دامت بركاته .