نص الشبهة:
هل كان للنبي (صلى الله عليه وآله) بنات غير فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) ؟
الجواب:
لقد كثر التساؤل في الآونة الأخيرة حول زينب ورقية وأم كلثوم ، هل هن بنات رسول الله صلى الله عليه وآله ، أو أنهن كن ربائبه ، لأنهن بنات زوجته خديجة من زوجين سابقين ، أو أنهن بنات أخت خديجة التي اسمها : (هالة) ، إلا أن خديجة عليها السلام تولت تربيتهن بعد زواجها من رسول الله صلى الله عليه وآله ، وبعد وفاة أختها هالة .
ولبيان هذا الأمر نقول : إن المعروف المشهور شهرة عظيمة بين علماء الشيعة الإمامية والمجمع عليه عند غيرهم هو أن زينب ورقية وأم كلثوم بنات رسول الله صلى الله عليه وآله ، وبهذا تضافرت كلمات أعلام الطائفة .
قال الشيخ المفيد قدس سره في أجوبة المسائل العكبرية (المسألة الخمسين) ، ص 120 في جواب سؤال حول زينب ورقية ، هل هما ابنتا رسول الله صلى الله عليه وآله أو ربيبتاه ، فأجاب قدس سره بقوله : والجواب أن زينب ورقية كانتا ابنتي رسول الله صلى الله عليه وآله ، والمخالف لذلك شاذ بخلافه .
وقال الكليني قدس سره : وتزوج خديجة وهو ابن بضع وعشرين سنة ، فولد له منها قبل مبعثه عليه السلام : القاسم ، ورقية ، وزينب ، وأم كلثوم ، وولد له بعد المبعث : الطيب والطاهر وفاطمة . وروي أيضاً : أنه لم يولد بعد المبعث إلا فاطمة عليها السلام ، وأن الطيب والطاهر وُلدا قبل مبعثه 1 .
وقال الشيخ الطبرسي قدس سره : فأول ما حملت ولدت عبد الله بن محمد وهو الطيب الطاهر ، وولدت له القاسم ، وقيل : إن القاسم أكبر ، وهو بكره ، وبه كان يُكنَّى ، والناس يغلطون فيقولون : وُلد له منها أربع بنين : القاسم ، وعبد الله ، والطيب ، والطاهر ، وإنما وُلد له منها ابنان وأربع بنات : زينب ، ورقية ، وأم كلثوم ، وفاطمة 2 .
وقال ابن شهراشوب قدس سره : أولاده : وُلد من خديجة : القاسم ، وعبدالله ، وهما الطاهر ، والطيب ، وأربع بنات : زينب ، ورقية ، وأم كلثوم ، وهي آمنة ، وفاطمة ، وهي أم أبيها . ولم يكن له ولد من غيرها إلا إبراهيم من مارية ، وُلد بعالية في قبيلة مازن في مشربة أم إبراهيم ، ويقال: ولد بالمدينة سنة ثمان من الهجرة ، ومات بها وله سنة وعشرة أشهر وثمانية أيام ، وقبره بالبقيع 3 .
وقال المحقق التستري رحمة الله عليه : ثم لا ريب في أن زينب ورقية كانتا ابنتي النبي صلى الله عليه وآله 4 .
وقد ذكر المامقاني قدس سره في كتابه تنقيح المقال كلاماً جيداً في هذه المسألة في ترجمة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ، لا بأس بذكره . قال قدس سره : وللسيد أبي القاسم العلوي الكوفي في (الاستغاثة في بدع الثلاثة) كلام طويل ، أصرَّ فيه على أن زينب التي كانت تحت أبي العاص بن الربيع ، ورقية التي كانت تحت عثمان ، ليستا بنتيه صلى الله عليه وآله ، بل ربيبتاه ، ولم يأت إلا بما زعمه برهاناً ، حاصله : عدم تعقل كون رسول الله صلى الله عليه وآله قبل البعثة على دين الجاهلية ، بل كان في زمن الجاهلية على دين يرتضيه الله من غير دين الجاهلية ، وحينئذ فيكون محالاً أن يزوج ابنته من كافر ، من غير ضرورة دعت إلى ذلك ، وهو مخالف لهم في دينهم ، عارف بمكرهم وإلحادهم ، ثم أخذ في نقل ما يقضي بوجود بنتين لأخت خديجة من أمها ، اسمهما زينب ، ورقية ، وأنهما اللتان كانتا تحت أبي العاص وعثمان ، وهذا لب كلامه ، تركنا نقله لطوله ، وهو وإن أتعب نفسه إلا أنه لم يأت بما يغني عن تكلف النظر والثبوت ، وأنه كبيت العنكبوت .
أما أولاً : فلأنه يشبه الاجتهاد في قبال النصوص من الفريقين عن النبي صلى الله عليه وآله وعن أئمتنا عليهم السلام .
وأما ثانياً : فلأنا وإن كنا نسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن في زمان الجاهلية على دين الجاهلية ، بل على دين يرتضيه الله تعالى ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن مشرعاً ، بل كل حكم كان ينزل عليه كان يلتزم به تمام الالتزام ، ولم يكن يخترع من قبل نفسه حكماً ، والأحكام كانت تنزل تدريجاً ، وعند تزويجه زينب ورقية لم يكن الكفاءة في الإيمان شرطاً ، فزوج بنتيه من الرجلين تزويجاً صحيحاً شرعاً في ذلك الزمان ، ثم لما أنزل الله تعالى قوله : ﴿ … وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ … ﴾ 5 فرَّق بين أبي العاص وبين زينب ، ولو كانت الكفاءة في الإسلام شرطاً قبل ذلك لما أنزل الله سبحانه الآية ، فما ذكره لا وجه له .
وأما ثالثاً : فلأنه لا شبهة في كون زينب ورقية اللتين تحت أبي العاص وعثمان مسلمتين ، كما لا شبهة في كون تزويجهما من رسول الله صلى الله عليه وآله ، وبإذنه وبإجازته ، فلا يفرق الحال بين أن تكونا بنتيه أو ربيبتيه ، أو بنتي أخت خديجة من أمها ، أو غير ذلك ؛ لاشتراك الجميع فيما جعله علة للإنكار ، فما ذكره ساقط بلا شبهة ، وإنما أجملنا الكلام في ذلك لعدم كون وضع الكتاب لتحقيق مثل ذلك ، وإنما ألجأتنا إطالة صاحب التكملة بنقل كلمات صاحب الاستغاثة وغيره إلى هذا الإجمال ؛ لئلا تغتر بذلك المقال إن عثرت عليه 6 .
ويدل على أن النبي صلى الله عليه وآله كان عنده عدة بنات قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ 7 .
مضافاً إلى أن الأنساب إنما تثبت بالشهرة ، والشهرة حاصلة في المقام ، وقد اطلعت على ما كتبه بعض فضلاء الشيعة في الاستدلال على أن زينب ، ورقية ، وأم كلثوم ، لم يكنَّ بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وإثبات أنهن ربائبه ، فلم أجد الأدلة التي ذكروها تامة ، بل كلها عندي ضعيفة ، متكلفة ، كتبت بنتائج مسبقة ، والله العالم 8 .
- 1. الكافي 1 / 439 .
- 2. إعلام الورى بأعلام الهدى ، ص 146 .
- 3. مناقب آل أبي طالب 1 / 140 .
- 4. قاموس الرجال 9 / 450 .
- 5. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 221 ، الصفحة : 35 .
- 6. تنقيح المقال 3 / 79 .
- 7. القران الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 59 ، الصفحة : 426 .
- 8. نُشرت هذه الإجابة في الموقع الرسمي لسماحة الشيخ علي آل محسن .