لا يجد الإنسان المؤمن حرجاً في معاشرة إخوانه و أقربائه و أصدقائه أبداً، بل يكون من دواعي سروره و بهجته أن يعيش معهم فيعاشرهم بالمعروف و يشاركهم في مكاره الدهر و جشوبة العيش كما يشاركهم في الافراح و المسرات، و إنما قد يتردد عندما يعيش في بيئة يتواجد فيها أناس يخالفونه في عقيدته و التزاماته الدينية من أصحاب المذاهب الإسلامية الاخرى، فعندها قد يجد نفسه حائراً و قد لا يعرف كيف يجب أن يتعامل مع هؤلاء المخالفين.
ائمة اهل البيت قدوتنا
يجب على الشيعة أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السَّلام) أن يتعاملوا مع مخالفيهم بنفس الطريقة التي كان أئمة أهل البيت (عليهم السَّلام) يتعاملون بها مع مخالفيهم، ذلك لأنهم أئمتنا و سادتنا و قدوتنا الذين يجب علينا إتباعهم و الالتزام بأوامرهم، و بالفعل فإنهم قد أرشدونا إلى الأسلوب الصحيح في التعامل مع المخالفين.
الائمة و اسلوب التعامل مع المخالفين
لقد كان أئمة الهدى يعاملون مخالفيهم بالأخلاق الحسنة و الاحترام و الإحسان إليهم و غض الطرف عن ما يصدر منهم من الإساءات، و يتجنَّبون المقابلة بالمثل و الرد عليهم، بل و يتجنَّبون كل ما يسبب التخاصم و النزاع و التفرقة، بل كانوا مصرين على حفظ و تقوية أواصر المحبة و التعايش و التآلف و الوحدة بين المسلمين، كل ذلك عملا بتعاليم القرآن الكريم حيث يقول: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ 1، لذلك نجد الكثير من مخالفيهم قد تأثر بأخلاق أهل البيت (عليهم السَّلام) حتى انقلب الكثير من مخالفيهم و أعدائهم إلى محبين و موالين لهم.
و من الواضح أنه لا بُدَّ للشيعي أن يتعامل مع المخالفين بنفس الأسلوب إذا أراد أن يسير على نهج أئمة الهدى (عليهم السَّلام).
جاء في الحديث الصحيح عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ أنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لَهُ 2، كَيْفَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَصْنَعَ فِيمَا بَيْنَنَا وَ بَيْنَ قَوْمِنَا وَ بَيْنَ خُلَطَائِنَا مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ لَيْسُوا عَلَى أَمْرِنَا؟
قَالَ: “تَنْظُرُونَ إِلَى أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تَقْتَدُونَ بِهِمْ فَتَصْنَعُونَ مَا يَصْنَعُونَ، فَوَ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَيَعُودُونَ مَرْضَاهُمْ، وَ يَشْهَدُونَ جَنَائِزَهُمْ، وَ يُقِيمُونَ الشَّهَادَةَ لَهُمْ وَ عَلَيْهِمْ، وَ يُؤَدُّونَ الْأَمَانَةَ إِلَيْهِمْ” 3.
و عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام) أنه قال:”عَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ، وَ حُسْنِ الْجِوَارِ لِلنَّاسِ 4 وَ إِقَامَةِ الشَّهَادَةِ، وَ حُضُورِ الْجَنَائِزِ، إِنَّهُ لَا بُدَّ لَكُمْ مِنَ النَّاسِ إِنَّ أَحَداً لَا يَسْتَغْنِي عَنِ النَّاسِ حَيَاتَهُ، وَ النَّاسُ لَا بُدَّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ” 5.
و عَنْ حَبِيبٍ الْخَثْعَمِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ 6 (عليه السَّلام) يَقُولُ: “عَلَيْكُمْ بِالْوَرَعِ وَ الِاجْتِهَادِ، وَ اشْهَدُوا الْجَنَائِزَ، وَ عُودُوا الْمَرْضَى، وَ احْضُرُوا مَعَ قَوْمِكُمْ مَسَاجِدَكُمْ، وَ أَحِبُّوا لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّونَ لِأَنْفُسِكُمْ، أَ مَا يَسْتَحْيِي الرَّجُلُ مِنْكُمْ أَنْ يَعْرِفَ جَارُهُ حَقَّهُ وَ لَا يَعْرِفَ حَقَّ جَارِهِ” 5.
وصايا الامام الصادق للشيعة
رُوِيَ عن زَيْدٍ الشَّحَّامِ أنه قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السَّلام): “اقْرَأْ عَلَى مَنْ تَرَى أَنَّهُ يُطِيعُنِي مِنْهُمْ وَ يَأْخُذُ بِقَوْلِيَ السَّلَامَ، وَ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ، وَ الْوَرَعِ فِي دِينِكُمْ، وَ الِاجْتِهَادِ لِلَّهِ، وَ صِدْقِ الْحَدِيثِ، وَ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَ طُولِ السُّجُودِ، وَ حُسْنِ الْجِوَارِ، فَبِهَذَا جَاءَ مُحَمَّدٌ (صلى الله عليه و آله).
أَدُّوا الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكُمْ عَلَيْهَا بَرّاً أَوْ فَاجِراً، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه و آله) كَانَ يَأْمُرُ بِأَدَاءِ الْخَيْطِ وَ الْمِخْيَطِ 7.
صِلُوا عَشَائِرَكُمْ، وَ اشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ، وَ عُودُوا مَرْضَاهُمْ، وَ أَدُّوا حُقُوقَهُمْ، فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ إِذَا وَرِعَ فِي دِينِهِ وَ صَدَقَ الْحَدِيثَ وَ أَدَّى الْأَمَانَةَ وَ حَسُنَ خُلُقُهُ مَعَ النَّاسِ قِيلَ هَذَا جَعْفَرِيٌّ، فَيَسُرُّنِي ذَلِكَ وَ يَدْخُلُ عَلَيَّ مِنْهُ السُّرُورُ، وَ قِيلَ هَذَا أَدَبُ جَعْفَرٍ، وَ إِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيَّ بَلَاؤُهُ وَ عَارُهُ، وَ قِيلَ هَذَا أَدَبُ جَعْفَرٍ.
فَوَ اللَّهِ لَحَدَّثَنِي أَبِي (عليه السَّلام): أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَكُونُ فِي الْقَبِيلَةِ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ (عليه السَّلام) فَيَكُونُ زَيْنَهَا، آدَاهُمْ لِلْأَمَانَةِ، وَ أَقْضَاهُمْ لِلْحُقُوقِ، وَ أَصْدَقَهُمْ لِلْحَدِيثِ، إِلَيْهِ وَصَايَاهُمْ وَ وَدَائِعُهُمْ، تُسْأَلُ الْعَشِيرَةُ عَنْهُ فَتَقُولُ مَنْ مِثْلُ فُلَانٍ، إِنَّهُ لآَدَانَا لِلْأَمَانَةِ وَ أَصْدَقُنَا لِلْحَدِيثِ” 8.
- 1. القران الكريم: سورة فصلت (41)، الآية: 33 و 34، الصفحة: 480.
- 2. أي الإمام جعفر بن محمد الصَّادق (عليه السَّلام) ، سادس أئمة أهل البيت (عليهم السلام) .
- 3. الكافي : 2 / 636 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران.
- 4. المراد بحسن الجوار هو التعايش الحسن و تبادل الاحترام.
- 5. a. b. الكافي: 2 / 635.
- 6. أي الإمام جعفر بن محمد الصَّادق (عليه السَّلام) ، سادس أئمة أهل البيت (عليهم السلام) .
- 7. المخيط: الإبرة.
- 8. الكافي: 2 / 636.