مقالات

نصرة أعداء الله…

نص الشبهة: 

يحدثنا التاريخ أن الشيعة كانوا مناصرين لأعداء الإسلام من اليهود والنصارى والمشركين في حوادث كثيرة؛ من أبرزها : سقوط بغداد بيد المغول ، وسقوط القدس بيد النصارى . . فهل يفعل المسلم الصادق ما فعلوه ، ويخالف الآيات الناهية عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء ؟! وهل فعل علي أو أحد من أبنائه وأحفاده « رضي الله عنهم » فعلهم ؟!

الجواب: 

بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
فإننا نجيب بما يلي :

أولاً : الطوسي في دولة المغول

متى كان الشيعة مناصرين لليهود والنصارى عبر التاريخ ، فإن الشيعة كانوا باستمرار يدافعون عن ثغور الإسلام ، ويرابطون في كل تلك الثغور ، ودعاء إمامهم الإمام زين العابدين « عليه السلام » لأهل الثغور لم يزل مصدر إلهام لهم للعمل على صيانة حدود دولة الإسلام ، مهما كان حكام تلك الدول يكيدون للشيعة ، ويمارسون ضدهم أقسى أنواع الإضطهاد والبطش ، بدون سبب ظاهر سوى التعصب المقيت ، والحقد الذي لا مبرر له . .
وقد حدثنا التاريخ : أن وجود نصير الدين الطوسي مع المغول هو الذي حفظ علماء السنة في بغداد ، وأنقذهم ، وأنقذ التراث الفكري الإسلامي من الهلاك والبوار .
وقد قالوا عنه : « جمع مكتبة عظيمة ، ضم إليها ما نهب من الكتب من بغداد » 1 .
والذي يطالع كتب التاريخ يجد أن الدويدار ، وغيره من الجهاز الحاكم هم الذين تسبَّبوا بسقوط بغداد ، حيث لم يفوا للمغول بتعهداتهم ، بل إن الخليفة نفسه ، الذي كان ألعوبة بيد الدويدار وغيره قد تحول إلى خليع ماجن ، وكان المغول يهاجمون عاصمته ، ويحاصرون دار الخلافة ، وهو مشغول في قصفه ومجونه ، يقول ابن كثير الحنبلي :
« وأحاطت التتار بدار الخلافة ، يرشقونها بالنبال من كل جانب ، حتى أصيبت جارية كانت تلعب بين يدي الخليفة وتضحكه ، وكانت من جملة حظاياه ، وكانت مولدة تسمى عرفة ، جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي الخليفة .
فانزعج الخليفة من ذلك وفزع فزعاً شديداً ، وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه ، فإذا عليه مكتوب : إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره ، أذهب من ذوي العقول عقولهم .
فأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الإحتراز ، وكثرة الستائر على دار الخلافة . . » 2 .
إن دخول المحقق الشيخ نصير الدين الطوسي « رحمه الله » مع المغول قد أسهم في حفظ حياة علماء الإسلام ، وخصوصاً علماء السنة من أن يتعرضوا للكارثة ، وقد نجا بذلك ثلة كبيرة من المفكرين ، والفلاسفة ، والحكماء ، والفقهاء ، والعلماء في مختلف الفنون من الإبادة التي كانت تنتظرهم على يد الجيوش الغازية . .
كما أن مما لا شك فيه : أن وجود نصير الدين الطوسي « رحمه الله » في موقعه عند ملوكهم قد مهد الطريق لدخول أولئك الملوك ، وغيرهم من أتباعهم في الإسلام ، وأصبح أحفاد جنكيزخان حماة لهذا الدين ، وملوكاً يحكمون باسم الإسلام ، ويستظلون بظل راياته . .
كما أن نصير الدين الطوسي « رحمه الله » قد أنقذ التراث الإسلامي من أن تحيق به الكارثة ، وعمل على حفظه من التلاشي والفناء على أيدي أولئك الغزاة . .
وذلك لأن هولاكو كان قد فوض لهذا الرجل أمر أوقاف البلاد ، فقام بضبطها وصرفها على المدارس ، والمعاهد العلمية ، وجمع إليه العلماء ، والفلاسفة ، والحكماء من مختلف البلاد . . وأقام المرصد الكبير في مراغة بآذربيجان ، وأسس مكتبة بجانبه يقال : إنها كانت تحتوي على أربعمائة ألف مجلد . .
قال المستشرق روندلسن : « اقترح الطوسي في مراغة على هولاكو : أن القائد المنتصر يجب أن لا يقنع بالتخريب فقط ، فأدرك المغولي المغزى ، وخوله بناء مرصد عظيم على تل شمال مراغة » .
إلى أن قال :
« وجمع مكتبة عظيمة ، ضم إليها ما نهب من الكتب في بغداد » 3 .
والذي يلاحظ أسماء العلماء الذين جمعهم الطوسي « رحمه الله » لإنشاء وتسيير مرصد مراغة يجد : أنه لم يأت بخصوص علماء أهل نحلته ، بل كان معظمهم من المذاهب الإسلامية المختلفة ، ومن مختلف البلاد والأقطار الإسلامية 4 .
وقال بعضهم عن المحقق الطوسي « رحمه الله » : برزت مظاهر عظمته في قدرته على أن يستحوذ بلباقته تدريجياً على عقل هولاكو ، وأن يروّض شارب الدماء ، فيوجهه إلى إصلاح الأمور الإجتماعية ، والثقافية ، والفنية . وأن يجعل من هادم الحضارات بانياً ، يحتضن الحضارات ، وينمي الثقافات .
وانتهى الأمر إلى أن يوفد هولاكو (فخر الدين لقمان بن عبد الله المراغي) إلى البلاد العربية ، ليحث العلماء الذين فروا بأنفسهم من العاصفة المغولية ، ولجأوا إلى إربل ، والموصل ، والجزيرة ، والشام ، ويشوقهم إلى العودة . وأن يدعو علماء تلك البلاد أيضاً إلى الإقامة في مراغة .
وكان فخر الدين هذا رجلاً كيّساً ، حسن التدبير ، فاستطاع أن ينجز مهمته على أحسن وجه ، فعاد العلماء إلى بلادهم .
كما أنه ـ أعني المحقق الطوسي ـ « رحمه الله » قد قرر رواتب لطلاب المدارس والمعاهد بحسب أهميتها .
قال ابن كثير في البداية والنهاية : « وفيها (أي في سنة سبع وخمسين وستمائة) عمل الخواجة نصير الدين الطوسي الرصد بمدينة مراغة ، ونقل إليه شيئاً كثيراً من كتب الأوقاف التي كانت ببغداد ، وعمل دار حكمة ، ورتب فيها فلاسفة ، ورتب لكل واحد في اليوم والليلة ثلاثة دراهم ، ودار طب فيها للطبيب في اليوم درهمان ، ومدرسة لكل فقيه في اليوم درهم ، ودار حديث لكل محدث نصف درهم في اليوم » 5 .
لذلك أقبل الناس على معاهد الفلسفة والطب ، أكثر من إقبالهم على معاهد الفقه والحديث . بينما كانت العلوم من قبل تدرس سراً ومن دون أجر . .
وقد لقيت دعوة هذا العالم الكبير ، المحقق الطوسي « رحمه الله » استجابة كبرى من علماء العرب وغيرهم ، فلبوا دعوته ، واجتمع هناك علماء من دمشق ، والموصل ، وقزوين ، وتفليس ، وسائر البلاد الإسلامية .
وقال مؤيد الدين العرضي : فجمع العلماء إليه ، وضم شملهم بوافر عطائه ، وكان بهم أرأف من الوالد على ولده ، فكنا في ظله آمنين ، وبرؤيته فرحين 6 . .
والغريب في الأمر : أن وشايات تلامذته عليه إلى هولاكو قد غيرت هولاكو عليه . وكانوا يسعون من وراء ذلك إلى الحلول محله عنده .
والظاهر : أن قطب الدين الشيرازي ، محمود بن مسعود ، وكذلك نجم الدين علي بن عمر المعروف بدبيران ، صاحب متن الشمسية ، قد كانا في جملة هؤلاء الحاسدين ، الذين يقومون بالسعاية والوشاية به إلى هولاكو حتى هدده بالقتل 7 . .
وأما بالنسبة لسقوط بغداد في أيدي المغول . . وتحديد المسؤول عن ذلك ، فقد نجد في النصوص : أن الخليفة وحاشيته هما السبب الأقوى في تحريك هولاكو لمهاجمتها ، وتصميمه على التخلص من الخليفة العباسي . .
وقد كان بالإمكان تلافي هذا الأمر بتقديم بعض التنازلات ، والكف عن بعض السياسات . .
وقد كان مؤيد الدين ابن العلقمي يسعى في هذا الاتجاه ، فلم يوفق لذلك ، واتهم في نواياه ، خصوصاً من قبل مؤلفي الحنابلة ، والشاميين المتعصبين ، الذين كانوا يبالغون في مثل هذه الأمور من منطلق التعصب الديني وغيره . .
وهم ـ في الأكثر ـ قد عاشوا في القرون التي تلت حادثة سقوط بغداد . .
وقد أذكى حرصهم على ذلك . . أن عدداً من ملوك المغول اللاحقين ، قد أعلن أنه يلتزم بمذهب التشيع . . ولهذا البحث مجال آخر . .
وأما ما ورد في السؤال ، من أن وقوف المحقق الطوسي « رحمه الله » مع هولاكو كان هو السبب في سقوط الدولة العباسية . وأنه « رحمه الله » كان أساس تقدم ، ونجاح هولاكو في حملته . .
فلا أدري كيف يمكن قبوله ، فقد كان لدى هولاكو الجيوش القوية ، والطامحة ، والطامعة ، التي لم تنغمس في الملذات ، ولم تألف القصور ، ولا خلدت لحياة الراحة والرفاهية . وكانت تعيش حالة التقشف ، وقد اعتادت الحياة العسكرية ، بما فيها من صعوبات ، ومتاعب . الأمر الذي يجعل من تحملها للمشاق والمتاعب أمراً عادياً وطبيعياً . .
فإذا وُجِدَتْ الدواعي والبواعث القوية ، والطموحات الواسعة ، ولا سيما إذا كان الهدف هو إسقاط خلافة العالم الإسلامي بأسره ، فإن المشاعر ستكون لديهم أكثر التهاباً ، وأشد عنفاً ، وسيكونون أقوى تصميماً وأصلب إرادة . .
فإذا قابلهم مجتمع يعيش حالة الخمول ، والرضا بالواقع ، والخلود إلى الراحة ، والبحث عن اللذة الحاضرة ، والنأي بالأنفس عن كل تعب ، وعناء ، وأي خطر وبلاء . .
بالإضافة إلى ما يعانيه ذلك المجتمع من تمزق وشتات ، فإن روح التردد ، والوهن ، والضعف ، والهروب ، والخوف ، والهزيمة ، ستعين أولئك الغزاة الفاتحين على إنزال أقوى الضربات في خصومهم هؤلاء . .
ولن يزيدهم وجود نصير الدين الطوسي « رحمه الله » معهم قوة ، ولن يكون له دور في إلحاق الهزيمة بدولة العباسيين ولا بغيرها ، إذا كانت هذه هي الحالة القائمة في هذا الفريق ، وفي ذلك الفريق . .

ثانياً : فتوحات صلاح الدين

أما بالنسبة لصلاح الدين الذي اعتبرتموه أعظم الفاتحين بعد عصور الإسلام الأولى ، فإن أمره عجيب ، بل مريب جداً وأي مريب ، فإن الحقيقة لا تحاكي ما هو المشهور عنه ، بل تناقضها ، إذ إن خيانته للأمة أظهر من الشمس ، وأبين من الأمس ، فإن الخطة كانت تقضي بأن يكون هو وعمه نور الدين في الشام ، ليطبقا على القوات الصليبية الغازية ، فنكل صلاح الدين وتراجع . . وتم للغزاة ما أرادوا .
ثم إن ما يثير الدهشة ، ويضاعف الريب : أنه بعد أن حرر القدس ترك للصليبين طريقاً إليها ، وأعطاهم يافا .
كما أن أبناء أخيه هم الذين سلموا القدس للصليبيين ، وسلم أقاربه الآخرون إليهم قلاع تبنين ، وصيدا ، وهونين ، وصفد . . فأي فضل لصلاح الدين بعد هذا ؟!
وها نحن أخيراً نرى ونسمع فتاوى علماء الوهابية ، كابن باز وغيره تشرع للصلح مع اليهود غاصبي فلسطين والقدس ، وبيت المقدس .
وها هي حكومات العرب تتسابق على إقامة العلاقات مع إسرائيل ، وها هي إسرائيل تعلن على لسان مسؤوليها كيف أن حكام العرب يطالبونها بالقضاء على أشرف مقاومة في هذا العصر ، وهي الوحيدة التي استطاعت أن تلحق بأعتى جيش أقسى الهزائم وأعظم النكبات . . ولا نريد أن نقول أكثر من هذا . .
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله . . 8 .

  • 1. مجلة العرفان مجلد 47 ج 4 ص 335 و 336 .
  • 2. البداية والنهاية ج 13 ص 213 و (ط دار إحياء التراث) ج 13 ص 233 .
  • 3. مجلة العرفان م 47 ج 4 ص 335 و336 .
  • 4. راجع كتاب فلاسفة الشيعة ص 483 و 484 .
  • 5. البداية والنهاية (ط دار إحياء التراث) ج 13 ص 249 .
  • 6. راجع : مجلة العرفان 47 ج 4 ص 330 ـ 335 وأعيان الشيعة ج 9 ص 417 والإسماعيليون والمغول ونصير الدين الطوسي للسيد حسن الأمين ص 52 .
  • 7. راجع : روضات الجنات (الطبعة الحجرية) ص 610 .
  • 8. ميزان الحق . . (شبهات . . وردود) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، الجزء الثالث ، 1431 هـ . ـ 2010 م ، السؤال رقم (104) .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى