نور العترة

مدرسة الحسين(ع)…

إن ثقافة التبرير، وروح الخنوع وقبول الذل هي أسباب تخلف الأمة وعبوديتها وللآخر بل هي مشارط ذبح قيم الرسالة ومبادئ السماء ومعارف الإسلام، لأن الهروب من تحمل المسؤولية هو المرتع الذي تعشعش فيه وساوس شياطين الإنس والجن، وتتكاثر فيه بكتيريا الفساد والمنكرات، وثم تتلوث البيئة الإجتماعية بسموم الثقافة الجاهلية والأفكار الضالة، فتخور الروح وتنحط النفوس المريضة وتتزين الشهوات والأموال وتغر الدنيا زينة ولهواً ولعباً وتفاخر وتكاثراً في الأموال والأولاد.

إن تخلي الأمة عن مسؤولية الإصلاح الاجتماعي الشامل وتغيير الواقع المتردي واقتلاع جذور الفساد والمنكر والطغيان هو سبب مقتلها روحياً بسكين الذات التبريرية التي قطعت أوصال الأمة إلى أشلاء متناثرة باسم دويلات أرنبية تفترسها الذئاب والثعالب، بل إن تخلي الأمة عن مسؤوليتها هو سبب مصرعها، معنوياً الذي حجَّر الفكر جموداً وطين العقيدة تحجراً ونقب خروقاً تسلل من خلالها الفكر الجاهلي والثقافة الضبابية التي مارست الاستلاب والتعالي والتغريب والتهميش حتى أمست الأمة مشلولة الحركة ضحلة الإنتاج معدومة الإبداع يغذيها الآخر تبن الأدب والأشعار، ويسقيها آسن السلوك والأخلاق والآداب ويطعمها أجاج الثقافة والأفكار حتى أنشئ جيل على له خوار صنعه سامري العصر الذي قذف به إلى التيه والضلال.

وما خرج الحسين عليه السلام إلا من أجل رفع لواء المسؤولية ونشر شراعها لإصلاح الأمة إصلاحاً جذرياً شاملاً يقتلع جميع جذور الفساد والطغيان رافضاً خطب التبرير وفلسفات الانهزام، وسطر بدمه كلمات خالدة هي شرعة المجاهدين، ومنهاج الرساليين وشريعة الصادقين الذين لا يبدلون ولائهم لا يتبرؤون من علمائهم الربانيين ولا يوادون أعداء الله ورسوله وأهل بيته بل لا يوادون أعداء العلماء المجاهدين، ولا يعقدون بيعة لغير «الإمام العامل بالكتاب والآخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات الله».

«ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله» «وعلى الإسلام السلام إذا بليت الأمة براع مثل يزيد» «ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز منا بين أثنين بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله والمؤمنين وحجور طابت، وأنوف حمية، ونفوس أبيه، وأن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام» «فسحقاً وبعداً لطواغيت الأمة وشذاذ المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين» «ألا ترون إلى أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برماً» «أما أنه مسلم بن عقيل قضى ما عليه وبقي ما علينا».

لقد نقش الإمام الحسين عليه السلام هذه الدرر بدمه ليرسم منهجاً واضحاً لكل المصلحين الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية الإصلاح الجذري والتغيير الشامل والبناء الرشيد ويقطع تبريرات الجبناء وفلسفات المنهزمين الذين جعلوا القرآن عضين، فعطلوا آيات الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل تحولوا إلى أبواق للظالمين، ولسان حقد وثرثرة على المجاهدين والمؤمنين، ويتتبعون العثرات، وإن لم يجدوها وصموا كذباً وزوراً طهارة الصادقين المخلصين.

لكن الكلمات الحسينية التي اصطبغت بدمه تتجدد في عاشوراء لتفضح المتلاعبين بالعقول المثرثرين بالأقلام والألسن لتبرير تقاعسهم وخنوعهم وجبنهم وراء الدنيا والمصالح والشهرة والزعامة الذين لم يجدوا لتفريغ حقدهم وغيظهم إلا على العلماء المجاهدين، فوقفوا صفاً مع الطغاة يوجهون أسنة رماحهم حملة الدين المخلصين، إنهم عملاء بالمجان يدفعون ضريبة تقاعسهم عن المسؤولية خدمة للطغاة والظالمين.

وهنا نقف لحظة تفكر لسماع النداء الحسيني للحوق بركب سفينة «ألا من ناصر ينصرني» فهل نلبي النداء ونركب السفينة ونتحمل المسؤولية هل نملك الجرأة والشجاعة؟ هل نستلهمها من الحسين (عليه السلام)؟

هل نغلب أنفسنا؟

هل ندحر الجبت والطاغوت ونعود إلى ركب الحسين (عليه السلام)؟

هل نعيد النظر ونعاود قراءة كلمات الحسين (عليه السلام) ونلزمها ولا نقبل الحياد عنها، لا تقدماً عليها ولا تخلفاً عنها «المتقدم لهم مارق، والمتأخر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق».

«كلنا سفن النجاة وسفينة الحسين عليه السلام أوسع وفي لجج البحر أسرع».

«إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة» فمعاً نستصبح بهداة، ونركب سفينته مع من يلهج بأفكار الحسين (عليه السلام) ويلزم مواقفه، ولنبحث عنه بنفوس زكية، وأرواح طاهرة، وقلوب صادقة، وسنجده جلياً واضحاً، معروفاً شاخصاً كالشمس في رابعة النار يغيض الظالمين، ويؤنس المؤمنين «اللهم أحملنا في سفن النجاة» 1 .

1. نشرت في نشرة: رسالة الحسين (ع) (تصدر من العوامية) العدد: العاشر – السنة الثالثة – شهر محرم 1424 هـ

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى