مقالات

المنافقين…

من الاسئلة المهمة الحساسة التي يجب ان نطرحها على انفسنا ، ونعثر لها على الاجابة الشافية السؤال التالي : كيف يجب ان تتعامل الامة وقياداتها مع المنافقين ، خصوصاً وانهم قد تحولوا الى شريحة اجتماعية ، ومجموعة بشرية متماسكة في الامة ؟

والجواب ؛ ان هناك عدة اعمال علينا ان نقوم بها للتعامل مع اولئك المنافقين ؛ اي مع هذه الشريحة الاجتماعية الموجودة داخل كيان الامة الإسلامية :

1 ـ الفضح والتعرية

في المرحلة الأولى من محاربتنا لهذه الظاهرة واصحابها علينا ان نعمد الى فضحهم وكشفهم وتعريتهم امام الجماهير الإسلامية ، وذلك من خلال التعرف الدقيق على اسرارهم وخباياهم وتنظيماتهم وعلاقاتهم الخارجية والداخلية ، بهدف منعهم من ممارسة التأثير في المجتمع ، وتحصين افراد الامة من تأثيراتهم السلبية وافكارهم الهدامة .
واذا ما استطعنا ان نبعد الشريحة المنافقة عن الجماهير ، فاننا سنكون قد كسبنا نصف المعركة ضد هذه الشريحة ، لان سلاحها ووسيلتها يتمثلان في الجماهير التي من المفروض ان نقوم نحن بتوعيتها لكي تكون بمعزل عن تأثيرات المنافقين ، ولكي لا تستطيع تلك الشريحة المنافقة القيام باعمال ونشاطات هدامة ضدها . وهذه هي المرحلة الأولى من التعامل مع المنافقين ، وهي مرحلة التعرف عليهم ثم عزلهم عن الجماهير .
وقد فصل لنا القرآن الكريم كيفية هذا العزل في آيات كثيرة كقوله تعالى : ﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا … ﴾1.
فقد اراد هؤلاء المنافقون الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، واستهدفوا بذلك التمويه والتضليل والتظاهر بانهم مسلمون ، ولكنهم عندما جوبهوا بهذا الجواب القاطع من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله : ﴿ … لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا … ﴾ 1اضطروا الى الابتعاد . وبهذا الاسلوب استطاع النبي صلى الله عليه وآله كشف حقيقة أمرهم .
﴿ … فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ﴾ 1. فقد قعدتم ـ ايها المنافقون ـ عن الجهاد في المرة الأولى عندما كان ضد مصلحتكم ، والان وبعد ان اصبح هذا الجهاد محققاً لمصالحكم من خلال الغنائم التي سوف تغتنمونها ان اشتركتم في هذا الجهاد ، اخذتم تبدون استعدادكم للمشاركة فيه . ولذلك فان الرسول صلى الله عليه وآله أمر بان يبعدهم ، ولا يسمح لهم بالمشاركة .

2 ـ نسف القيم الزائفة للمنافقين

المرحلة الثانية هي المرحلة التي يصفها الله سبحانه وتعالى بانها مرحلة العدل الشعوري ؛ بمعنى ان الإنسان المنافق يختلف عن غيره باعتماد على قيم زائفة ، فالمنافقون يمثلون طبقة اجتماعية معينة تعتمد على قيم مادية من مثل قيمة السلطة والجاه .
ومن اجل القضاء على ظاهرة النفاق ، يأمر الإسلام بضرب جميع تلك القيم الزائفة في المجتمع لكي لا تستطيع الشريحة المنافقة النمو والترعرع . فالمجتمع الذي يولي القيمة للمال ، والثروة والجاه ، والعلاقات الاجتماعية المنحرفة ، والفساد الاداري . . . فان من الطبيعي ان تتكون فيه فئة منافقة .
ان الإسلام يحارب الطبقة المنافقة بهذا الاسلوب ، وذلك من خلال نسف القيم التي تعتمد عليها هذه الطبقة ؛ قيمة المال ، والجاه ، والنسب . . . فالنسب له قيمة معينة ، ومحددة ، وهكذا الحال بالنسبة الى المال والجاه ، ولكن هذه القيم تتساقط وتتهاوى ازاء القيمة الاساسية في المجتمع الإسلامي الا وهي قيمة التقوى ، والعلم ، وفقه الإسلام والعمل به .
ومادامت هناك قيمة اساسية فان الإسلام عندما ينسف القيم الزائفة فان من الطبيعي ان يتلقى اولئك الذين يعتمدون على هذه القيم الضربات القاصمة . وعلى سبيل المثال فان الرسول صلى الله عليه وآله عندما كان يقود المسلمين في المدينة المنورة ، فقد كانت هناك ثروات طائلة بيد الاثرياء في المجتمع الإسلامي ، ومن اجل القضاء على هذه الظاهرة المولدة للنفاق فان الإسلام امر المسلمين بان لا يغتروا بالثروة ، ذلك لان الإنسان الثري وخصوصاً مع انعدام التقوى والالتزام من شأنه ان يتنفذ بينهم ، فيشتري ذممهم واصواتهم ، ويجعلهماقماراً تدور حول فلكه .
ونفس الكلام يمكن ان يقال عن النسب . فاذا كان النسب مهماً ، ويمثل قيمة اساسية ، لكانت قبيلة قريش افضل القبائل لانتساب النبي صلى الله عليه وآله اليها . ولكن الإسلام عمد الى ضرب الانساب وما يماثلها من القيم الزائفة تمهيداً لتقويض ظاهرة النفاق .
وعن المال وكونه قيمة ثانوية زائفة يقول عز وجل مخاطباً نبيه صلى الله عليه وآله ، وكل الذين يتلون القرآن الكريم : ﴿ وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا … ﴾ 2.
فالمال لا يمثل قيمة ، وكذلك الكثرة العددية . والله سبحانه وتعالى يريد من اولئك المغترين بأموالهم واولادهم ان يموتوا وهم كفار : ﴿ … وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ 2.
ذلك لان المال من شأنه ان يمدهم في غيهم ، ويحولهم الى اناس مغرورين . فالإنسان المنافق عندما يكثر لديه المال يتصور انه على حق ، لان الله تعالى قد رزقه الثروة ، وهذا تصور واهم بعيد كل البعد عن الصواب . فالحصول على المال لا يمكن ان يكون دليلاً على كون الإنسان محقاً ، فمن الممكن ان يحصل على الاموال الطائلة وهو على باطل ، لان هذه الاموال هي بمثابة امتحان وابتلاء له .

3 ـ التصفية النهائية

مرحلة التصفية النهائية ، وهي المرحلة التي لم يدخلها الرسول صلى الله عليه وآله ولكنه أمر بها في قوله : ” اذا رأيتم معاوية بن ابي سفيان على المنبر فاضربوه بالسيف “3 . وبالفعل فقد قام امير المؤمنين عليه السلام بدور الرسول صلى الله عليه وآله في قتال المنافقين . فقد قام هذا الامام بأعظم عمل عندما عمد الى انقاذ الامة الإسلامية من تأثيرات المنافقين الهدامة ، رغم انه لم ينتصر في بعض معاركه العسكرية . ذلك لانه عندما ضرب بيد من حديد جميع الاستثمارات المغلوطة ، ومظاهر الفساد الاداري ، وجميع الذين اشتريت ذممهم بالمال . . فانه كان يستهدف تعرية المنافقين وكشف خطوطهم ، وتوعية الامة في سبيل انشاء قوة إسلامية ضاربة لمقاتلة المنافقين ، وتصفيتهم عن آخرهم .
وهكذا فان اجراءات الامام علي عليه السلام تلك كانت تمثل خطة مدروسة ولم تكن مجرد عبث ، لان الامام كان يفكر تفكيراً بعيد المدى يتمثل في محاولة عزل الشرائح المنافقة عن الأمة ، وتكوين أمة نزيهة لا مجال فيها للمنافقين .
وللاسف فان هناك اشخاصاً يعيشون على هامش هذه القضايا المهمة والرئيسية ، رغم ان الرسول صلى الله عليه وآله أمر بشكل صريح بان يعمل على تصفية المنافقين ومقاطعتهم في قوله تعالى : ﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ 4.
فقد نهي النبي صلى الله عليه وآله عن الصلاة على قبور المنافقين ، كما ونهي عن القيام على قبورهم .
وقد يتبادر الى الأذهان هنا السؤال التالي : ترى لماذا صلّى النبي صلى الله عليه وآله على قبر عبد الله بن اُبي ، وقام على قبره رغم انه كان يمثل رأس النفاق آنذاك ؟ فقد أجاب رسول الله صلى الله عليه وآله على عمر عندما قال : أتصلي على عدو الله وقد نهاك الله ان تصلي على المنافقين ؟ فقال له : وما يدريك ما قلت له ؟ فاني قلت : اللهم احش قبره ناراً ، وسلّط عليه الحيّات والعقارب 5 . وقيل : انه قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله : لِمَ وجّهت بقميصك اليه يكفن فيه وهو كافر ؟ فقال : ان قميصي لن يغني عنه من الله شيئاً ، وإني اؤمل من الله ان يدخل بهذا السبب في الإسلام خلق كثير . فروى انه أسلم ألف من الخزرج ـ القبيلة التي ينتمي لها عبد الله بن اُبي ـ لما رأوه يطلب الاستشفاء بثوب رسول الله صلى الله عليه وآله 6 . وهذا يعني ان الرسول والائمة والفقهاء لهم الصلاحية في القيام بما يرونه مناسباً للصالح العام .
فالرسول صلى الله عليه وآله مكلف من قبل الله جلت قدرته بهداية الناس ، وعدم القيام على قبور المنافقين ، وعدم الاستغفار لهم والصلاة عليهم . وهذه واجبات اولية ، ولكن اذا اقتضت الضرورة القصوى للامة الإسلامية وسيرتها ان يصلي على قبورهم فان ذلك جائز بالنسبة له . وخلاصة القول ان تكفل بمحاربة الشريحة المنافقة من خلال ثلاثة اساليب :
1 ـ تعريتهم امام الجماهير بعد كشفهم وفضح مخططاتهم .
2 ـ ضرب القيم الاجتماعية المادية الزائفة التي يعتمد عليها المنافقون كقيمة المال والاولاد والجاه .
3 ـ التصفية الجسدية للمنافقين بعد تعريتهم ، وضرب القيم التي يستندون اليها 7 .

  • 1. a. b. c. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 83، الصفحة: 200.
  • 2. a. b. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 85، الصفحة: 200.
  • 3. بحار الأنوار ج 33 ص 196 رواية 481 .
  • 4. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 84، الصفحة: 200.
  • 5. تفسير نور الثقلين ج 2 ص 215 ح 267 .
  • 6. المصدر ص 250 ح 266 .
  • 7. من كتاب : ” لكي نواجه النفاق ، للسيد محمد تقي المدرسي .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى