سلام مكي الطائي
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الخلقِ أجمعين أبي القاسم مُحَمَّد وآله الغرّ الميامين واللعن الدَّائم على أعدائهم إلى قيامِ يوم الدِّين.
أمَّا بعد…
فإن مكارم الأخلاق الحسنة كثيرة جدّاً ولا بد من توفرها في الإنسان المؤمن؛ لكي يكون كذلك، وهي من أولويَّات تعاليم الدّين الإسلامي وأكّد عليها، ولابد لنا من التَّحلّي بها عن طريق الالتزام بتعاليم الدين التي جاء بها وبالسُّنَّة النَّبويَّة وبالتمسّك والتَّحلِّيّ بأخلاق الرَّسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) وبالعترة الطَّاهرة (عليهم السَّلَام)، إذ قال الله تعالى في مُحكم كتابه العزيز في حق النَّبي الأكرم (صلَّى الله عليه وآله): ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[1].
فمن هذه مكارم الأخلاق الحسنة والحميدة: (السَّخاء)، وهي الخصلة والصّفّة الأخلاقيَّة الحميدة من خصال الأنبياء التي أخذت حيّزاً من أقوال وحكم الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) الواردة في هذا الشأن، فروي عنه (عليه السَّلَام) أنَّه قال: (السَّخاءُ خُلق الأنبياء)[2]، وإنَّ صفة السَّخاء من صفات الإنسان التي توجب على الآخرين احترامه وتوقيره وإنها من أفضل الصفَّات الأخلاقية وأكرمها، فروي عن الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام): (عليه السَّلَام): (أكرم الأخلاق السَّخَاء)[3]، وقال (عليه السَّلَام) أيضاً: (السَّخَاءُ سجيَّةٌ)، وإنَّ هذه الخصلة إن توفّرت في الفرد فهذا دليل على أنّه من عباد الله تعالى الصَّالحين الذين نالوا رضاه عنهم وحبّه لهم، لأنّ من نال رضا الرَّحمن سبحانه وحبَّه له أودع هذه الخصلة فيه، فروي عن الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام): (السَّخَاء والشَّجاعة غرائز شريفة يضعها الله سبحانه فيمن أحبّه وامتحنه)[4].
بالإضافة إلى ما تقدَّم من كلام بخصوص السخاء أنّ من كان حاملاً لهذه الصّفة فهو من أشجع الناس من حيث إكرام الضيف وإعطاء السَّائل وغير ذلك، فروي عن الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام): (أشجع النَّاس أسخاهم)[5]، وأيضاً أن من مميزات هذه الخصلة أنَّها زينة الفرد وثمرة عقله ودليل على نُبل أخلاقه ورفعتها، فإن توفّرت في الفرد هذه الخصلة أصبح ذو عقل كامل ومتزناً في تصرّفاته وتعامله مع النّاس، وذلك لأنّها على ما روي عن أمير المؤمنين عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام): (السَّخاء ثمرة العقل)[6].
· الآثار المُترتِّبة على السَّخاء:
إنَّ لكلّ خصلة أخلاقيَّة تترتَّب عليها آثار، وللسَّخاء آثار إيجابية تنعكس على حاملها، فمن آثاره:
1- إن السَّخاء يكون أحد الأسباب التي تؤدّي إلى الألفة بين الآخرين وزرع الحبّ في قلوبهم، فروي عن الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) أنَّه قال: (ما استجلبتْ المحَبّة بمثلِ السَّخَاءِ…)[7]، وروي عنه (عليه السَّلَام) أنَّه قال: (السَّخَاء يَزرَعُ المَحَبَّة)[8]، وقال أيضاً (عليه السَّلَام): (السَّخاء يكسبُ المحبّة ويزيّن الأخلاق)، وأنَّه أيضاً روي عن الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) أنَّه قال عنه: (السَّخاء يثمرُ الصَّفَاء)[9]، أي: أنّ السَّخاءَ يساهمُ أيضاً في صفاءِ قلوبِ النَّاسِ ولا يَجعلهَا تتكدَّر بالحُقدِ والغَيض على الآخرين.
2- وكذلك له دور فعَّال في تمحيص الذّنوبِ ويساعد الفرد على التَّخلّص منها، فروي عن الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام): (السَّخاء يُمَحصّ الذُّنوب)[10].
3- يكون من الأسباب التي توجب توسعة الرّزق بالنسبة للفرد إذا اجتمع مع حُسن الخُلق، فيؤكّد عليه الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام) فيما روي عنه فيقول (عليه السَّلَام): (عليكم بالسَّخاء وحُسن الخُلق فإنّهما يزيدان الرّزقِ ويوجبان المَحَبَّة)[11].
4- ومن آثاره إنّ كُثرته تُزيد من أولياء الفرد وتساهم في اصلاح نفوس أعدائه، وهذا ما يؤكّده قول سيّد الوًّصيِّين (عليه السَّلَام) فروي عنه أنه قال في هذا الشَّأن (عليه السَّلَام): (كثرة السَّخاء تكثر الأولياء وتُستَصلح الأعداء)[12].
فالسَّخاء على ما جاء في أقوالِ الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام)، أنَّه من أفضل خصال الفرد وأنَّه من أفضل مكارم الأخلاق إذ يساهم في بناء المجتمع وتقويته من التفرقة وتماسك أفراده فيما بينهم، وهذا ما نكتفي فيه من كلام مختصر عن (السَّخاء)، وآثاره.
وفي الختام: أن الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَامِ على أشرف الأنبياءِ والمرسلين أبي القاسم مُحَمَّد بن عبد الله وآله الأطهار الغر الميامين المُنتجبين واللعن الدَّائم على أعدائهم ومبغضيهم ما بقيت وبقي الليل والنَّهارِ إلى قيامِ يوم الدِّين.
الهوامش:
[1] سورة القلم، الآية: (4).
[2] غُرر الحكم ودُرر الكلم لعبد الواحد الآمدي التّميمي: 160.
[3] عيون الحكم والمواعظ، لِعليّ بن مُحمَّد الليثي الواسطي: 122.
[4] الأخلاق الحُسَينيَّة، لجعفر البيَّاتي: 129.
[5] عيون الحكم والمواعظ، لِعليّ بن مُحمَّد الليثي الواسطي: 117.
[6] غُرر الحكم ودُرر الكلم لعبد الواحد الآمدي التّميمي: 160.
[7] موسوعة الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام)، لمُحمَّد الرَّيشهري: 10/225.
[8] غُرر الحكم ودُرر الكلم لعبد الواحد الآمدي التّميمي: 160.
[9] عيون الحكم والمواعظ، لِعليّ بن مُحمَّد الليثي الواسطي: 42.
[10] ميزان الحكمة، لمُحمَّد الرَّيشهري: 2/1277.
[11] المصدر نفسه.
[12] المصدر نفسه.
المصدر: http://inahj.org