بسم اللّٰه الرَّحمن الرَّحيم
بقلم: زكريَّا بركات
أجمع العلماءُ في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) على حُرمة الغِناء، وممَّن صرَّح بتحقُّق الإجماع: المحقِّق النَّراقي في (مستند الشيعة 14 : 129) ، والسيِّد الخوئي كما في (مصباح الفقاهة 1 : 477) ، بل قال النَّراقي والخوئي: إنَّ ثبوت حُرمة الغناء من الضروريَّات الدينيَّة.
وأمَّا الأخبارُ الدالَّة على حُرمة الغِناء في مصادر مدرسة أهل البيت عليهم السلام فهي كثيرةٌ متواترةٌ، فقد قال النَّراقي في (مستند الشيعة 14 : 131) : إنَّها كثيرةٌ جدًّا، وقال السيِّدُ الخوئي ـ كما في (مصباح الفقاهة 1 : 480) ـ : إنَّها مُتواترةٌ.
وقد عقد الكلينيُّ باباً للغناء في الجزء السادس من الكافي 6 : 431 .
وتجد الأحاديثَ المرتبطة بالموضوع في الجزء الـ 17 من كتاب وسائل الشيعة، في الأبواب: 99 و 100 و 101 من أبواب ما يُتكسَّب به في كتاب التجارة.
وفي ما يلي نذكر أهمَّ ما رُوي من الأحاديث عن أهل البيت (عليهم السلام) في موضوع الغناء، مع حذف الأسانيد بُغيةَ الاختصار:
1 ـ الكافي 6 : 432 ، بسند معتبر على التحقيق، عن الإمام الصادق (ع) ، أنَّ رجلاً سأله عن استماعه لأصوات المغنِّيات من بيت جيرانه، فقال له الإمام (ع) : لا تفعل، ثم تلا عليه قوله تعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤولاً) [الإسراء: 36] ، فتاب الرجلُ واستغفر، فأمره الإمام (ع) بغُسل التَّوبة قائلاً: قُم فاغتسل، وسل ما بدا لك، فإنَّك كنتَ مُقيماً على أمرٍ عظيم، ما كان أسوأ حالك لو متَّ على ذلك.. احمد الله، وسله التوبةَ من كُلِّ ما يكره، فإنَّه لا يكره إلَّا كلَّ قبيح، والقبيحَ دعه لأهله، فإنَّ لكلٍّ أهلاً.
بيان: فيه دلالة على حرمة الاستماع ولو من غير مخالطة الرجال للنساء، بالأضافة إلى دلالته على أن الاستماع من عظائم الذنوب.
2 ـ الكافي 6 : 435 ، بسند موثَّق عن الإمام الصادق عليه السلام، أنه سُئل عن قوله تعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) ، فقال (ع) : الرِّجْسُ مِنَ الْأَوْثَانِ: الشِّطْرَنْجُ، وَقَوْلُ الزُّورِ: الْغِنَاءُ.
3 ـ الكافي 6 : 431 ، بسند صحيح عن الإمام الباقر عليه السلام، قال: الْغِنَاءُ مِمَّا وَعَدَ اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ) عَلَيْهِ النَّارَ.. الحديث.
4 ـ الخصال 1 : 251 ، بسند معتبر عن الإمام الصادق عليه السلام، أنه سُئل عن الغناء، فقال (ع) : لا خير فيه، لا تفعلوا.. الحديث.
5 ـ عيون أخبار الرضا (ع) 2 : 14 برقم 32 ، بسند صحيح عن الإمام الرضا عليه السلام، أنه سُئل عن دعوى أحدهم أنه رخَّص له الإمام الرضا (ع) في استماع الغناء، فقال (ع) : كذب الزِّنديق.
6 ـ عيون أخبار الرضا (ع) 2 : 14 برقم 32 ، بسند صحيح عن الإمام الباقر عليه السلام، أنَّ رجلاً سأله عن استماع الغناء، فقال له الإمام (ع) : إذا ميَّز اللهُ بين الحقِّ والباطل فأين يكون الغناء؟ فقال: مع الباطل. فقال له الإمام(ع) : قد قَضَيْتَ.
7 ـ الكافي 6 : 433 ، بسند صحيح عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: بَيْتُ الْغِنَاءِ لَا تُؤْمَنُ فِيهِ الْفَجِيعَةُ، وَلَا تُجَابُ فِيهِ الدَّعْوَةُ، وَلَا يَدْخُلُهُ الْمَلَكُ.
8 ـ الكافي 6 : 434 ، بسند معتبر عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: اسْتِمَاعُ الْغِنَاءِ وَاللَّهْوِ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الزَّرْعَ.
9 ـ الكافي 6 : 431 ، بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: الغناءُ عُشُّ النفاق.
10 ـ الخصال 1 : 24 ، بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: الغناءُ يُورثُ النِّفاقَ ويُعقب الفقرَ.
11 ـ الكافي 6 : 433 ، بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: الْغِنَاءُ مَجْلِسٌ لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَى أَهْلِهِ.. الحديث.
12 ـ عيون أخبار الرضا (ع) 2 : 128 ، بسنده عن الإمام الرضا عليه السلام، أنه سُئل عن السَّماع إلى الغناء، فقال (ع) : هو في حيِّز الباطل واللَّهو.. ثم تلا قوله تعالى: (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) .
13 ـ من لا يحضره الفقيه 4 : 365 ، بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال ـ ضمن حديث طويل ـ : ثَلَاثَةٌ يُقْسِينَ الْقَلْبَ: اسْتِمَاعُ اللَّهْوِ، وَطَلَبُ الصَّيْدِ، وَإِتْيَانُ بَابِ السُّلْطَانِ.
14 ـ المحاسن 2 : 375 ، بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام، أنه قال: أمَا يَسْتَحْيِي أحدُكُمْ أن يُغنِّيَ على دابَّته وهي تُسبِّحُ.
بيان: يُفهم منه التنافي بين الغناء والذِّكر، وأنَّ الغناء ممَّا ينبغي أن يُسْتَحْيَى منه.
15 ـ الخصال 2 : 504 ، بسنده عن الإمام عليٍّ عليه السلام، أنه قال ـ ضمن حديث ـ : كثرة الاستماع إلى الغناء يورث الفقر… الحديث.
16 ـ الخصال 2 : 630 ، بسنده عن الإمام علي عليه السلام، أنه قال ـ ضمن حديث الأربعمائة ـ : الغناء نَوْحُ إبليس على الجنَّة… الحديث.
17 ـ الكافي 5 : 120 ، بسنده عن الإمام الرضا عليه السلام، قال: قَدْ تَكُونُ لِلرَّجُلِ الْجَارِيَةُ تُلْهِيهِ، وَمَا ثَمَنُهَا إِلَّا ثَمَنُ كَلْبٍ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ سُحْتٌ، وَالسُّحْتُ فِي النَّارِ.
18 ـ الكافي 5 : 120 ، بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام، أنه سُئل عن بيع الجواري المغنِّيات، فقال (ع) : شِرَاؤُهُنَّ وَبَيْعُهُنَّ حَرَامٌ، وَتَعْلِيمُهُنَّ كُفْرٌ، وَاسْتِمَاعُهُنَّ نِفَاقٌ.
19 ـ الكافي 5 : 120 ، بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: الْمُغَنِّيَةُ مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَنْ أَكَلَ كَسْبَهَا.
20 ـ الكافي 5 : 120 ، بسنده عن الإمام الكاظم عليه السلام، أنه بيعت جوارٍ مُغنِّيات، وحُمل الثمنُ إلى الإمام الكاظم عليه السلام بوصية من متوفًّى، فقال (ع) عن الثمن: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ؛ إِنَّ هَذَا سُحْتٌ، وَتَعْلِيمَهُنَّ كُفْرٌ، وَالِاسْتِمَاعَ مِنْهُنَّ نِفَاقٌ، وَثَمَنَهُنَّ سُحْتٌ.
21 ـ الكافي 6 : 432 ، بسند معتبر عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أَنْهَاكُمْ عَنِ الزَّفْنِ وَالْمِزْمَارِ وَعَنِ الْكُوبَاتِ وَالْكَبَرَاتِ.
بيان: الزَّفن هو الرَّقص، والكُوبَةُ: الطَّبْل والنَّرْدُ، وفي الصحاح: الطَّبْلُ الصَّغير المُخَصَّرُ. والكَبَرُ: طبل له وجه واحد.
22 ـ الكافي 6 : 434 ، بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: ضَرْبُ الْعِيدَانِ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الْخُضْرَةَ.
23 ـ الكافي 6 : 431 ، بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: لَمَّا مَاتَ آدَمُ (ع) وَشَمِتَ بِهِ إِبْلِيسُ وَقَابِيلُ، فَاجْتَمَعَا فِي الْأَرْضِ فَجَعَلَ إِبْلِيسُ وَقَابِيلُ الْمَعَازِفَ وَالْمَلَاهِيَ شَمَاتَةً بِآدَمَ (ع) ، فَكُلُّ مَا كَانَ فِي الْأَرْضِ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ الَّذِي يَتَلَذَّذُ بِهِ النَّاسُ، فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ ذَاكَ.
24 ـ عيون أخبار الرضا (ع) 1 : 245 ، بسنده عن الإمام علي عليه السلام في حديث طويل، أنه سُئل عن هدير الحمام الراعبيَّة، فقال (ع) : تَدْعُو على أهلِ المعَازِفِ والقِيَانِ والمزاميرِ والعِيدَانِ.
25 ـ الخصال 1 : 62 ، بسنده عن الإمام الصادق عليه السلام، أنه سُئل عن السَّفلة، فقال (ع) : من يشرب الخمر ويضرب بالطُّنبور.
بيان: الطُّنبور من آلات اللَّهو الوتريَّة.
26 ـ من لا يحضره الفقيه 4 : 58 ، عن الإمام الصادق عليه السلام، أنه قال ـ ضمن حديث ـ : إِيَّاكَ وَالضَّرْبَ بِالصَّوَانِيجِ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَرْكُضُ مَعَكَ وَالْمَلَائِكَةَ تَنْفِرُ عَنْكَ، وَمَنْ بَقِيَ فِي بَيْتِهِ طُنْبُورٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
بيان: الصَّنجُ ـ عند العرب ـ من آلات اللهو، يكون من صُفر يضرب بعضه ببعض. وعند العجم: من آلات اللَّهو الوتريَّة.
وختاماً ننقل عبارة من كتاب “الأربعون حديثاً” للإمام الخُمينيِّ، حيث قال: “إنَّ أكثر ما يُسبِّب فقدَ الإنسانِ العزمَ والإرادةَ هو الاستماعُ للغناءِ”. انتهى.
نسأل الله تعالى أن يوفِّق المؤمنين إلى اجتناب كلِّ قبيح يوجب سخط الله تعالى.
واللّٰه وليُّ التوفيق، والحمد للّٰه ربِّ العالمين.