مقالات

الأخذ بالمجمع عليه وترك الشاذِّ…

بسم الله الرحمن الرحيم

بقلم: زكريَّا بركات

يختلف أهل العلم في كيفيَّة الموازنة والتقييم للروايات والأحكام المختلفة فيما إذا كان الطرفان متكافئين من حيث الوثاقة في النقل.. وممَّا يرتبط بهذا الموضوع معتبرة “عمر بن حنظلة” التي اختلف أهل العلم في اعتبارها، والتحقيق ـ وفاقاً لجماعة من الأعلام ـ أنَّها معتبرة، ويعبِّر كثير من الأعلام عنها بـ “مقبولة عمر بن حنظلة”.

روى الشيخ الكليني في “الكافي” 1 : 67 برقم 10 ، بسند معتبر على التحقيق، عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال ـ في حديث ـ : “يُنْظَرُ إِلَى مَا كَانَ مِنْ رِوَايَتِهِمْ عَنَّا فِي ذَلِكَ الَّذِي حَكَمَا بِهِ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِكَ، فَيُؤْخَذُ بِهِ مِنْ حُكْمِنَا، وَيُتْرَكُ الشَّاذُّ الَّذِي لَيْسَ بِمَشْهُورٍ عِنْدَ أَصْحَابِكَ؛ فَإِنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَا رَيْبَ فِيه”. الحديث.

‏ومثله في “من لا يحضره الفقيه” للشيخ الصدوق 3 : 8 ، ومثله في “تهذيب لأحكام” للشيخ الطوسي 6 : 301 ، وعنهم الحُرُّ العاملي في “وسائل الشيعة” 27 : 107 الباب 9 برقم 33334 .

وفي الرواية الشريفة تقسيم للحديث إلى مجمع عليه معتبر، وشاذٍّ متروك لمخالفته الشهرة والإجماع، مع التعليل بأنَّ الإجماع والشهرة سببٌ لانتفاء الريبة.

وقد يتساءل طالب العلم: ما وجه تضعيف مقبولة عمر بن حنظلة عند من ضعَّفها؟ وما وجه اعتبارها عند من قبلها؟

فالجواب: أنَّ سبب التضعيف هو عمر بن حنظلة الذي لم يرد في حقِّه توثيق صريح ولا مدح.

ووجه الاعتبار هو أنَّ عمر بن حنظلة من مشايخ صفوان بن يحيى البجلي وابن أبي عمير، وهما لا يرويان ولا يرسلان إلَّا عمَّن يوثق به كما صرَّح الشيخ الطوسي في كتابه «العُدَّة في أصول الفقه» 1 : 154 .

أضف إلى ذلك أن الرواية من طريق صفوان بن يحيى البجلي، وقد قال الكشي في رجاله (ص556) أنه ممن أجمعت الطائفة على تصحيح ما يصح عنه.

وبغضِّ النظر عن الاختلاف الذي في اعتبار سند مقبولة عمر بن حنظلة، فإنَّ المرتكز عند العقلاء هو الركون إلى المجمع عليه وإلى ما هو مشهور، وترك الشاذِّ المخالف للإجماع والشهرة لما فيه من شكِّ وريبة، وهذا الارتكاز مُمضى من قبل المعصومين عليهم السلام، وارتباط مضمون المقبولة بهذا المرتكز شاهدٌ على صحَّتها، وإن كان الارتكاز دليلاً قائماً بحدِّ ذاته.

ومن المهمِّ تثبيت هذا المرتكز في التربية والتعليم؛ لأنَّ إجماع العلماء أو الشهرة في نطاق أهل الحقِّ لا يتولَّدان بغير سبب، فكثيراً ما يكون المجمع عليه بين العلماء قطعيًّا أو قريباً من القطع؛ بسبب أنَّ العلماء الأمناء لا يجمعون في مسألة إلَّا على أساس مستندات علميَّة.. فلذلك يحصل لدى العوامِّ ركون وسكون إلى المجمع عليه، فالعوام ـ في هذا الموقف ـ عقلائيون وموقفهم مبني على نكتة منطقيَّة وإن كانوا هم أنفسهم غير ملتفتين إليها تفصيلاً..

وفي الوقت نفسه تمثِّل دعوات الضلال والانحرافات ـ بمختلف أنواعها ودرجاتها ـ التي تنشق من داخل المجتمع حالةً شاذَّة تخالف المجمع عليه أو المشهور بين علماء الطائفة المحقَّة، وعادةً ما يرتاب فيها أهل الاستقامة والصلاح من عوامِّ المؤمنين لمجرَّد كونها شاذَّةً مخالفة للمجمع عليه أو المشهور.. فالعوامُّ في هذا الارتياب ـ أيضاً ـ على بصيرة؛ لأنَّهم عقلائيون يستندون ـ ولو من حيث لا يشعرون ـ إلى النكتة نفسها.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى