الْحَمْدُ للهِ غَيْرَ مَقْنُوط مِنْ رَحْمَتِهِ، وَلاَ مَخْلُوٍّ مِنْ نِعْمَتِهِ، وَلاَ مَأْيُوس مِنْ مَغْفِرَتِهِ، وَلاَ مُسْتَنْكَف عَنْ عِبَادَتِهِ، الَّذِي لاَ تَبْرَحُ مِنْهُ رَحْمَةٌ، وَلاَ تُفْقَدُ لَهُ نِعْمَةٌ، والصلاة والسلام على خير الأنام أبي القاسم محمد وآله الأطهار.
اولا- اسمه ونسبه:
هو عُثْمَانُ بنُ حنيف ابن واهب بن عُكَيْمِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ الحَارِثِ بنِ مَجْدَعَةَ بنِ عَمْرِو بنِ حَنَشِ بنِ عَوْفِ بنِ عَمْرِو بنِ عَوْفٍ الأنصاريُّ الأَوْسِيُّ القُبَائِيُّ ، وَكنيته أَبَو عَبْدِ اللهِ([1])، واسم جده أوس هو الذي تنسب اليه قبيلة الاوس التي كانت تقطن في المدينة المنورة. إذ بايعوا الرسول (صلى الله عليه وسلم) فريقًا واحدًا مع قبيلة الخزرج، وبصوت واحد، وعلى بنود واحدة([2]) ولم تُحدّد لنا المصادر تاريخ ولادته ومكانها، إلاّ أنّه من أعلام القرن الأوّل الهجري.. وله من الأبناء: عَبْدِ اللهِ, وَحَارِثَةَ, وَالبَرَاءِ، وَمُحَمَّدٍ، وَأُمُّ سَهْلٍ، وهم مِنْ جُلَّة الأنصار([3])، واشتهر بعضهم برواية الحديث([4])
ثانيا: أخوته:
أما أخوته فهم: سَهل بن حنيف([5]): وهو الصحابي الجليل الذي حضر بيعة العقبة، وشارك في غزوة بدر وأحد، و كان من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) ومات في زمنه، فكفّنه وصلّى عليه، و كان من شرطة الخميس. وسهل بن حنيف أحد الرماة الأبطال، بايع رسول (الله صلى الله عليه وسلم) على الموت، ثم قام بدور فعال في رد المشركين([6])، سمع النَّبِي (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم) ورَوَى عَنهُ، مَاتَ بِالْكُوفَةِ سنة (38) للهجرة. ومن اخوته ايضا عبّاد بن حنيف([7])، فهو إذاً من بيت عريق وله مكانته الاجتماعية في المدينة المنورة، بادروا إلى اعتناق الإسلام مذ وصلتهم بوادر الدعوة النبوية، وبذلك يعد عثمان بن حنيف واسرته من الصحابة الذين نذروا أنفسهم خدمة للإسلام وطاعت الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم).
ثالثا: طبقته :
يُعد عثمان بن حنيف من الصحابة الثابتين على نهج الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وله مواقف مشرقة في مسيرة حياته، تمثلت بالالتزام بوصايا الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وتعاليمه وله تجليات كثيرة تعرب عن حسن سيرته وصدق إيمانه؛ إذ يُعدّ عثمان بن حنيف من الصحابة السابقين في الإسلام من أهل المدينة، إذ حكم رجال الجرح والتعديل من السنّة والشيعة بوثاقته، أمّا حكم أهل السنّة فجاء في إطار قولهم بعدالة كل صحابي، وأمّا الشيعة فقد وثّقوه لما نُقِل عنه من استقامة وعدالة. وقد روى عن النبي الأكرم وروى عنه ابن أخيه أبو إمامة أسعد بن سهل بن حنيف([8]) .
وقد عدّه الشيخ الطوسي من رجاله، وجعله من أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكذلك من أصحاب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)([9]). وعدّه ابن داود من رجاله([10])، وكذا البرقي ، وأشار إلى أنّه من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) الذين عرفوا بشَرَطَة الخميس، وجعله ابن حبّان من ثقاته([11])، و تَرْجَم له جُملة مِنْ رجالات أهل السنّة وعدّوه من الصحابة، مثل: أبو نعيم الأصبهاني([12]) وابن الأثير([13])،وابن عبد البر([14]) وابن حجر العسقلاني([15])…
رابعا: صحبته مع رسول الله صلى الله عليه وآله:
نال عثمان بن حنيف شرف الصحبة للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وروى عنه الحديث، وتسنم مناصب مهمة في الدولة سيأتي ذكرها([16])، فكان مِن جملة الأفراد المدنيين الأوائل الذين بايعوا رسول الله محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وصدقوا وثبتوا على إيمانهم، بل وجاهدوا مع النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) في معاركه([17])، و((كان من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان عاملًا على البصرة، من الثقات))([18]) .
وقد اعترض على احداث السقيفة وما جرى فيها من أحداث، إذ كان من الطليعة المعترضة على خلافة أبي بكر ، فقال له عثمان بن حنيف رضي الله عنه : سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : أهل بيتي نجوم الأرض فلا تتقدموهم وقدموهم فهم الولاة من بعدي، فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله وأي أهل بيتك ؟ فقال ، علي والطاهرون من ولده . وقد بين (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا تكن يا أبا بكر أول كافر به ، ولا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون([19]) .
وقد ولّاه الإمام علي عليه السلام البصرة ، عندما بعث (عليه السلام) عنه عماله إلى الأمصار، فاستعمل عثمان بن حنيف على البصرة([20])، وكان له دور بارز في معركة الجمل والنهروان وصفين، ونراه يوم الجمل يقول: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون!( دارت رحى الإسلام ورب الكعبة)([21]).
واستمر الصحابي عثمان بن حنيف مخلصا لخط النبوة ومتأهبا للدفاع عن الإسلام، فكان ممن (( شهد مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يوم الجمل وصفين))([22]) حتى توفى عثمان بن حنيف بالكوفة في زمن معاوية بعد سنة41 هجرية([23]). وله ترجمة خاصة في كتاب مستقل يعرض أهم محطات حياة هذا الصحابي الجليل، وأثره في الحياة الإسلامية، والكتاب مطبوع في مؤسسة علوم نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينية المقدسة.
الهوامش:
([1]) ينظر: المنتخب من ذيل المذيل، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (ت: 310هـ) ،مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت – لبنان(د. ط)، (د. ت): 155. و سير أعلام النبلاء ، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (ت: 748هـ)، دار الحديث- القاهرة ،(د. ط)، 1427هـ-2006 م : 4/5.
([2]) السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني، أحمد أحمد غلوش ، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، ط1،1424هـ- 2004م : 50.
([3]) ينظر: سير أعلام النبلاء : 4/5.
([4]) ينظر: الطبقات الكبرى، القسم المتمم لتابعي أهل المدينة ومن بعدهم ، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء، البصري، البغدادي المعروف بابن سعد (ت: 230هـ)
تحقيق: زياد محمد منصور، مكتبة العلوم والحكم – المدينة المنورة ، ط2، 1408 :467.
([5]) ينظر: شرح الشفا ، علي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (ت: 1014هـ) ، دار الكتب العلمية – بيروت ، ط1،1421 هـ: 1/ 255.
([6]) ينظر: السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني : 352.
([7]) مشاهير علماء الأمصار وأعلام فقهاء الأقطار ، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي (ت: 354هـ)حققه ووثقه وعلق عليه: مرزوق على ابراهيم ، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع – المنصورة، ط1، 1411 هـ – 1991 م :49. وينظر: سير اعلام النبلاء: 17/ 497.
([8]) ينظر: المُعْجَمُ الكَبِير للطبراني قِطْعَةٌ مِنَ المُجَلَّدِ الحَادِي والعِشْرِينَ (يَتَضَمَّنُ جُزْءًا مِنْ مُسْنَدِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ)،سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني (ت: 360هـ)، تحقيق: فريق من الباحثين بإشراف وعناية: د/ سعد بن عبد الله الحميد و د/ خالد بن عبد الرحمن الجريسي،ط1، 1427هـ – 2006 م: 9/ 17-18.
([9]) الأبواب(رجال الطوسي)، للشيخ الطوسي (ت:460ه)، تحقيق: جواد القيومي الاصفهاني، مؤسسة النشر الإسلامي التابع لجماعة المدرسين بقم المشررفة،ط1، 1415ه، من روى عن أمير المؤمنين (عليه السلام): 71.
([10]) ينظر: رجال بن داوود، لابن داود الحلّي(ت : 740ه) ، تحقيق : تحقيق وتقديم : السيد محمد صادق آل بحر العلوم،(د. ط)، منشورات مطبعة الحيدرية – النجف الأشرف،(د. ط)، 1392 – 1972 م، حرف العين، رقم الترجمة 990،: 133.
([11]) ينظر: كتاب الثقات، ابن حبان(ت:354 ه)، مؤسسة الكتب الثقافية، مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن، ط1 ،1393ه: 3: 261.
([12]) ينظر: معرفة الصحابة، أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني (ت: 430هـ)، تحقيق: عادل بن يوسف العزازي، دار الوطن للنشر، الرياض، ط1 ،1419 هـ – 1998 م: 1958.
([13]) ينظر: أسد الغابة في معرفة الصحابة، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (ت 630هـ) ، دار الفكر – بيروت،(د. ط)، 1409هـ – 1989م: 3/ 473.
([14]) ينظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (ت: 463هـ)، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت، ط1 ،1412 هـ – 1992 م ، باب عثمان، رقم الترجمة 1769: 3/ 1033.
([15]) الإصابة في تمييز الصحابة، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (ت: 852هـ)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، دار الكتب العلمية – بيروت، ط1 ،1415 هـ ، حرف العين، رقم الترجمة 5460: 7/ 92.
([16] ) ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، حبيب الله الهاشمي الخوئي (ت: 1324هـ)، تحقيق: سيد إبراهيم الميانجي ، مطبعة الإسلامية بطهران، ط4 :20/ 90.
([17]) الاصابة في تمييز الصحابة:4/ 372.
([18]) تاريخ الثقات، أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلى الكوفي (ت: 261هـ)، دار الباز، ط1، 1405هـ-1984م: 327.
([19]) ينظر: بحار الانوار:28/ 193، والاحتجاج:1: 88.
([20]) ينظر: الاخبار الطوال: 140 – 141.
([21]) أراد أن الناكثين بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) وهم أصحاب الجمل قد أزعجوا الإسلام عن مناطه ، وأزحفوه عن قراره . وأما الحال المحمودة ، فهي أن يكون دور الرحا عبارة عن تحرك جد القوم ، وقوة أمرهم ، وعلو نجمهم ، يقال : دارت رحا بنى فلان ، إذا اتفقت لهم هذه الأحوال المحمودة . ومن هذا القبيل أيضا العبارة بدوران الرحا عن هزم عسكر لعسكر ، وكسر فيلق لفيلق . قال الشاعر :
طحنت رحا بدر لهلك فتية * ولمثل بدر تستهل الأدمع
فهذه حال كان دور الرحا فيها محمودا لمن دارت له ، ومذموما لمن دارت عليه . وإنما قالوا : دارت رحا الحرب لجولان الابطال فيها ، وحركات الخيل تحتها . وقد روى هذا الخبر على وجه آخر ، وهو قوله : ” تزول رحا الإسلام ” ، والمراد بذلك أنها تزول عن ثباتها ، وتميل عن موضع استقرارها. ينظر: المجازات النبوية، الشريف الرضي، تحقيق: طه محمد الزبيدي، ( د. ط)، منشورات مكتبة بصيرتي-قم، (د.ت): 157.
[22])) المجموع اللفيف: 1/ 494- 495.
([23]) ينظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة:3/147.
المصدر: http://inahj.org