وهذا يعني أنّ لمحرم خصوصية وتميزاً. فبحلول هذا الموسم وبمجرد أن يهلّ هلال هذا الشهر يتبادر إلى الذهن اسم الإمام الحسين (عليه السلام)، حيث قُتل في العاشر منه مظلوماً شهيداً، ويذكّرنا بمسؤوليتنا تجاه قضية الحسين والثأر لدم الحسين (عليه السلام)، ومن جملة مسؤوليتنا أمران؛ الأوّل: التعريف بالحسين (عليه السلام) وقضيته وجعله علماً بحيث يراه كل إنسان في شرق الأرض وغربها.
لقد نقلت العقيلة زينب بنت الإمام أمير المؤمنين (عليهما السلام) لابن أخيها زين العابدين (صلوات الله عليه) في الحادي عشر من المحرم لما رأته يجود بنفسه حديثاً سمعته من أم أيمن إحدى زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)) تسليه به فقالت: “لا يجزعنك ما ترى فوالله إن ذلك لعهد من رسول الله إلى جدك وأبيك وعمك ولقد أخذ الله الميثاق من أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأمة وهم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها وهذه الجسوم المضرجة وينصبون لهذا الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلاّ ظهوراً وأمره إلاّ علواً”.
إذن علينا تأسيس عزاء الحسين (عليه السلام) وتشجيع إقامته بمختلف أساليبه وأشكاله المشروعة، والفقهاء المتخصصون في معرفة الحلال والحرام – وهم مراجع التقليد – يحددون ما هو جائز منها وحسب، ولا ينبغي الاستماع لغيرهم أو القول دون علم.
أما الأمر الثاني وهو الأهم، بل جُعل الأمر الأوّل طريقاً إليه، فهو متابعة أهداف الإمام الحسين (عليه السلام).
نقول في زيارته (عليه السلام): “وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة” [8]. واللام في (ليستنقذ) لام التعليل، أي لهذا السبب. فهذا هو هدف الإمام الحسين (عليه السلام). وليس المقصود بكلمة “عبادك” المؤمنين المتقين منهم، المعتقدين بالإمام الحسين (عليه السلام) ومَن عبّر عنهم القرآن بقوله تعالى: “عباد الرحمن” فهؤلاء ليسوا في جهالة وضلالة، وهم يعرفون الإمام الحسين (عليه السلام)، بل المقصود غيرهم من سائر البشر. وهذا الأمر يدعونا للتأمل في زيارات الإمام الحسين عليه السلام.
فكتاب البحار (مثلاً) في متناول الجميع يمكن الحصول عليه بسهولة، فلنطالع زيارات الحسين (عليه السلام) فيه بتأمل، ولنتدبر في المفاهيم الموجودة فيها، فإنّ مطالب كثيرة سيحصل عليها الإنسان خلال التدبر في هذه الزيارات.
فالتعريف بالحسين وقضيته من خلال إقامة مجالس العزاء والشعائر الحسينية – من جانب – والعمل على تحقيق هدف الإمام الحسين المتمثل بإنقاذ العباد من جهالة الكفر وضلالة الباطل إلى نور الحق والإسلام والإيمان – من جانب آخر – هما ضمن المسؤولية الملقاة علينا جميعاً تجاه الثأر للإمام الحسين (عليه السلام).
فلنشمر عن ساعد الجد في هذين الشهرين بالخصوص، ولنعدّ ونستعد من قبل حلولهما ولنستثمر كل طاقاتنا في هذا السبيل من أجل أن يكون الحسين علماً وهادياً لكل البشر.. من خلال المواكب والشعائر، من خلال الأفلام والتسجيلات ومن خلال الانترنيت والفضائيات ومن خلال المنابر والندوات، وكل الوسائل المتاحة لنا، فهذه جزء من مسؤوليتنا الواردة في قول الإمام الصادق (عليه السلام) يخاطب جده الإمام الحسين: “وضمن الأرض ومَن عليها دمك وثارك”. فما أكثر الناس الذين لا يعرفون الحسين وقضيته وأهداف نهضته! وما أثقل مسؤوليتنا إذاً.
المصدر: http://www.wybqalhosin.com