يُعدُّ الجانب الإعلامي من أبرز الوسائل التي يُعتمَد عليها في التبليغ والإفصاح عما يراد إبرازه للآخرين، بحيث يكون أسهل وسيلة في ايصال المراد للمخاطبين بوسيلة سهلة للغاية. ولذا تعتمد عليه كثير من الحركات الإصلاحية لإبراز أهدافها وأطروحاتها الفكرية وقد اعتمد الأنبياء والمرسلون (عليهم السلام) في دعوتهم الصادقة لتوحيد الحق سبحانه وتعالى كما أشارت لذلك العديد من الآيات القرآنية التي تتحدث عن تبليغ الرسالة، أو القراءة والتلاوة، وتعليم الحكمة، حيث إنَّ جميع ذلك نوع إعلام بإبراز الإطروحات الفكرية التي يدعو إليها ذلك الرسالي المبعوث من قبل السماء. ولا ريب أن الإمام الحسين “ع” كان ملتفتاً لأهمية هذا الدور في إبراز ثورته المباركة وبيان أهدافها، وإيضاح أطروحاتها وعليه فمن البعيد إغفاله “ع” له، بل الصحيح أنه قد خطّط له تخطيطاً واضحاً، وعمل على الإستفادة من الناحية الإعلامية في ذلك.وقد سار الأئمة “ع” من بعده في الإستفادة من العامل الإعلامي لنشر القضية الحسينية وإبراز أهدافها.
ولذا ينبغي أن نتحدث عن الوسائل الإعلامية التي استخدمت في إبراز النهضة الحسينية وإيضاح أهدافها سواء من قبله “ع” أم من قبل الأئمة “ع” من بعده.
ومما تحتاج الإشارة إليه هنا بيان الإعلام المضاد ووسائله التي لجأ إليها الأمويون حيث إنهم ولا شك لن يتركوا الحسين “ع” يستفيد من الجانب الإعلامي دون أن يقفوا في وجهه.
ومن هنا يقع حديثنا ضمن محورين:
الأول: الإعلام المضاد الذي اتخذه الأمويون
الثاني: الإعلام الذي استخدمه أهل البيت “ع” في هذه النهضة.
هذا وسوف يتضح من خلال بيان المحور الثاني كيفية علاج الإمام الحسين والأئمة “ع” من بعده للتضليل والجهل الذي اتخذه الأمويون تشويهاً لصورة الإمام الحسين “ع”ثم إنه ينبغي الإشارة إجمالاً إلى تقديم يتضمن كيفية الدعاية التي استخدمها الأمويون لأجل تشويه الصورة الحقيقية عند الناس لأهل بيت النبوة والعصمة “ع” فنقول: أتخذ هؤلاء ومرتزقتهم مجموعة من الوسائل لأجل ذلك:
منها: وضع الأحاديث:
وتعتبر هذه من أبشع الجرائم التي منيت بها الأمة، ولعمري إن ويلاتها تعانيها الأمة حتّى يومنا هذا. إذ نراهم في سبيل الوقوف أمام ما صدر من النبي الأكرم “ص” فعلاً في حق أمير المؤمنين “ع” يضعون الأحاديث بواسطة بعض مرتزقة الصحابة كأبي هريرة وسمرة بن جندب في فضائل الثلاثة الأول وبني أمية وبالخصوص معاوية وهكذا.
وقد أدى هذا إلى انحراف الأمة عن مسيرتها الطبيعية فأنحرفت عن الجادة القويمة لها هذا وقد ساعد هذا العامل على قصور الوعي عند الأمة واطباق حالة من الجهل عليها.
ومنها: ترويج الشائعات:
وقد استخدمه الأمويون في مواقف عديدة فقد أشاع معاوية وأزلامه يوم صفين أن علياً وصحبه لا يصلون ولا يصومون فهرع الناس لقتالهم. وقد أشاعوا قبل ذلك تورط علي “ع” بقتل عثمان واشتراكه في دمه.
وقد أشاعوا على الإمام الحسين “ع” بأنّه شقَّ عصا الطاعة، وفرّق كلمة الأمة بعد اجتماعها على خلافة يزيد.
وها نحن اليوم نعيش شيئاً من ترويج تلك الإشاعات الأموية التي تحمل في مضمونها تبرئة ساحة يزيد وطهارة يده عن الاشتراك في قتل أبي الأحرار الحسين “ع”. أو دعوى أن الحسين “ع” إنما قتل بسيف جده “ص” لما ورد عنه “ص” من الأمر بقتل كل من شق عصا الطاعة على المسلمين.
ولقد تصدى أئمتنا “ع” لمثل هذه الدعايات وغيرها مما صدر عن تلك الفئة الضالة فطرحوا الميزان الحق الذي من خلاله تعرف النصوص الصادرة عن الساحة المحمدية كما وضعوا الحلول القويمة في مواجهة الشائعات والوقوف أمامها بكل قوة وصرامة مستندين في ذلك إلى ما ورد في الكتاب الشريف من النهي عن إشاعة الفاحشة بين الذين آمنوا وما ورد في الكذب والكذابين.
بعد اتضاح هذا التقديم على نحو الإجمال نصل للحديث حول المحور الأول:
المحور الأول: الإعلام المضاد:
الذي اتخذه يزيد بن معاوية والأمويون في محاولة تشويه صورة النهضة المباركة لأبي الأحرار سيد الشهداء الحسين بن علي “ع”، وقد تمثل ذلك في جانبين:
الجانب الأول: ترويج الشائعة وتشويه الحقيقة، وتزييفها من خلال عدة ادعاءات:
منها: إن هذا خارجي خرج على جماعة المسلمين فينبغي قتله. ويشهد لذلك مواقف عديدة منها على سبيل المثال ذلك الشيخ الشامي الذي جاء إلى الإمام زين العابدين “ع” في أرض الشام ودار بينهما الحوار المعروف على ألسنة الخطباء أعزهم الله حيث نلاحظ فيه أن الخلفية التي كانت لديه هي أن هؤلاء سبايا خوارج من الترك أو الديلم.
وكذا لما أدخلوا إلى أرض الكوفة كان المشاع بين أهلها ذلك المعنى وكذا في أغلب الأماكن التي دخلوها.
بل كان العسكر الأموي يتجنب دخول البلدان المعروفة بالولاء لأهل البيت “ع” لمعرفتهم بعدم انطلاء هذه الشائعة، وهذا التضليل الإعلامي على أهاليها.
ولقد كان للخطب التي ألقيت في الكوفة ومن بعد ذلك في الشام من الإمام السجاد “ع” و من العلويات “ع” كبير الأثر في تغيير الوعي والإدراك عند الأمة ورفع الغشاوة عن عيونهم، ورفض تلك الشائعات التي بثها جهاز الإعلام الأموي في ذلك الوقت، ومن الشواهد أيضاً قضية فاطمة الصغرى بنت الإمام الحسين “ع” في مجلس يزيد مع ذلك الشامي لما أراد استخدامها.
وكذا قضية النصراني في مجلس يزيد أيضاً، وغير ذلك من الشواهد التي تشير إلى أنهم قد أشاعوا بين الناس أمراً مخالفاً للحقيقة والواقع بحيث جعلوا الناس لا يرون في قتل الإمام الحسين “ع” أي حاجز أو مانع أصلاً.
الجانب الثاني: الاستفادة من كبار رجالات الدولة:
في تصحيح عمل يزيد باختلاق مسألة أن الحسين “ع” إنما قتل بسيف جده “ص”، وهو سيف الحقِّ والإسلام لما ورد من نهي عن النبي “ص” بقتل كل من شقَّ عصا المسلمين وأثار الفتنة والخلاف بينهم وسعى إلى فرقتهم وتشتيت شملهم وتفريق جمعهم.
المحور الثاني: الإعلام الحسيني للثورة:
وللأئمة “ع” من بعده في إبراز صورة النهضة الحسينية على حقيقتها واعطائها ما هي عليه من واقع. وذلك عِبر استخدام عدة أساليب، ابتدأت بخروجه “ع” من أرض المدينة، ثم من مكة مروراً بكربلاء، وكيف كان فلا بأس بالإشارة إجمالاً لهذه الأساليب:
الأول: الخطب والكلمات الحسينية في المدينة ومكة وكربلاء:
وقد ذكرت في كتب المقاتل كما نص على أكثرها كلُّ من كتب حول الإمام الحسين “ع” وعلى أيٍّ تتولّى هذه النماذج الصادرة من الإمام “ع” الإشارة إلى كثير من الأمور التي تهم الأمة، فنراه “ع” يوضِّح الهدف والغاية التي خرج من أجلها، ويشير في مورد آخر إلى أنه لا يهدف أمراً دنيوياً خاصاً به، ومرة ثالثة يبيِّن آثار بقاء حكم بني أمية على الأمة وما سيؤول إليه مصيرها نتيجة ذلك.
ولا يخفى أن هذا النوع من الإعلام الصريح يعتبر من أفضل الأساليب الإعلامية الصريحة التي تكشف عن صدق القول وانطباقه على الفعل.
الثاني: الخطب والكلمات التي تولتها العائلة العلوية:
متمثلة في ربيبات علي والزهراء “ع” وعلى رأسهم عقيلة الطالبيين زينب “ع”، وفي شخص الإمام زين العابدين “ع” من أول الخروج من كربلاء مروراً بالكوفة، حتّى الشام والمنازل التي وقفوا فيها وأقاموا فيها حيث تضمنت هذه الخطب الإشارة إلى مظلومية الإمام الحسين “ع” وهو الذي خرج للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مدافعاً عن الحق رافضا الباطل، ساعياً لإقامة حكم الله في الأرض، كما أشارت إلى وحشية وهمجية بني أمية وأنهم قد مرقوا من الدين، وخرجوا من شريعة سيد المرسلين (ص) بل قد تجردوا حتّى من القيم الإنسانية. وقد كان لهذه الخطابات أثرها الفعال في تحريك عواطف الأمة، وإيقاظ ضميرها وإزالة غشاوة الجهل التي نصبها بنو أمية على أعينها فضلل الناس من خلالها.
ولعل هذا أحد الأسرار التي دعت الإمام الحسين “ع” إلى حمل العائلة من نساء وأطفال معه؛ لأنهم سوف يواصلون المسير بحمل الإعلام التوضيحي للأمة عن أهداف هذه الثورة الخالدة
الثالث: المآتم العائلية:
وقد عقد أولها يوم عاشوراء عصراً بعد وقوع شهيد الطف قتيلاً بيد الأعداء. تضمنت هذه المآتم تعداد فضائل تلك الثلة المقتولة ومالها من مآثر ومفاخر، وبيان منزلتها العبادية والأخلاقية والاجتماعية، كما يشار حتما إلى مقامها النسبي واتصالها بالرسول الأكرم “ص” وهذا يعني بيان مظلومية هذه الفئة وأنها كانت تسير على الحق وفي الحق وإلى الحق، وقد طغى عليها الطغاة فقتلوا من قتلوا وشردوا من شردوا
الرابع: الشعر:
وقد كان يعتبر ولا يزال أحد المنابر السيارة التي من خلالها توضح الغايات التي قام من أجلها الإمام الحسين “ع” ولذا حث الأئمة “ع” على إنشاد الشعر في الإمام الحسين (ع) وصحبه “رض” وأشاروا إلى عظيم ثواب ذلك.وكان الشعر في تلك الفترة أبرز البوابات التي يُذكر من خلالها مظلومية الإمام الحسين “ع” وفضح الأمويين، فراجع ما ورد في تراجم الكميت وغيره من الشعراء ومالاقوهُ في سبيل ذلك من متاعب ومصاعب.
الرابع: الزيارة:
اشتملت أغلب الزيارات الواردة في الإمام الحسين “ع” على العناصر الآتية:
1 ـ ذكر الله وتسبيحه وتحميده وبيان سعة سلطانه وقدرته وعظمته.
2 ـ تعظيم الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه “رض” على أساس كونهم ممثلين للشريعة والسلوك المستقيم الملتزم بالشريعة وقضايا الإنسان المسلم، بل الإنسان بوجه عام
3 ـ الإشارة إلى ثورة الإمام الحسين “ع” وشهادته على أساس كونها ذروة النضال في سبيل إحقاق الحق وإقامة العدل.
4 ـ التركيز على نصر آتٍ ورفض اليأس
5 ـ إعلان الارتباط بين الإنسان الشيعي وبين الإمام الحسين “ع” ونهجه والبراءة من كل نهج يغاير نهج الإمام الحسين “ع”
وهذه العناصر المتكررة في زيارة الإمام الحسين “ع” بأساليب مختلفة من ضمن أهدافها الإعلام عن تلك النهضة المباركة والحركة الخالدة التي قام بها سيد الشهداء الإمامم الحسين “ع”
السلام على الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أخوان الحسين وعلى أصحاب الحسين ورزقنا الله طلب ثأره مع إمام هدى ظاهر ناطق بالعدل، ورزقنا شفاعة الحسين (ع) يوم الورود.
المصدر:www.wybqalhosin.com