بسم الله الرحمن الرحيم
ـ الحلقةُ الثالث عشرة ـ
بقلم الرَّاجي عفوَ ربِّه: زكريَّا بركات
تحدَّثنا في مقالاتٍ سابقة عن أسُس التقارُب ومُبرِّرات الوحدة بين الزيديَّة والإماميَّة، وأشرنا إلى أنَّ من تلك الأسُس والمبرِّرات: روايةَ أئمَّة الزيديَّة عن عُلماء الإماميَّة، ممَّا يكشف عن وجود التواصُل والثِّقة بين الطَّرَفين.. وأريد في هذه الحلقات أن أضرب أمثلةً لذلك من أسانيد روايات كتاب تيسير المطالب في أمالي أبي طالب، وهو من أهمِّ مصادر الزيديَّة في الحديث، وهو لإمام الزيديَّة: أبي طالب يحيى بن الحسين الهاروني (ت 424 هـ) ، الملقَّب عندهم بـ (الإمام النَّاطق بالحقِّ) . فقد روى الإمامُ أبو طالبٍ الهارونيِّ في أماليه مجموعة من الأحاديث عن جماعة من علماء الإماميَّة، وقد استخرتُ الله في استخراج أسماء علماء الإماميَّة الذين اعتمد عليهم الإمام أبو طالب الهاروني في روايات كتابه الأمالي.. وهذه هي الحلقة الثالث عشرة والَّتي نتناول فيها رواية الإمام أبي طالب الهاروني عن الفقيه المحدِّث الإماميِّ الاثناعشريِّ الثقة الجليل: أبي بصير الأسدي رضي الله عنه، واسمه: يحيى بن القاسم، أو يحيى بن أبي القاسم.
فقد تتبَّعتُ روايات الإمام أبي طالب الهارونيِّ فوجدته روى عن أبي بصير في موضعين من كتاب الأمالي، إلَّا أنَّ الاسم قد تحرَّف في الموضع الثاني (ص703 محقَّقة العزِّي، وص358 غير المحققة) إلى: أبي نصير..!
وقد كان (أبو بصير يحيى الأسدي) المتوفى سنة 150 هـ ، من أجلَّاء فُقهاء الإماميَّة الاثناعشريَّة وثقاتِ محدِّثيهم ومُصنِّفيهم، روى عن ثلاثة من الأئمَّة: الباقر والصادق والكاظم (ع) .
ترجم له النجاشي في رجاله (ص441) برقم 1187 ، وقال: ثقةٌ وجيهٌ. انتهى.
وقد ثبت بصحيح السند في رجال الكشي (ص171) برقم 291 ، أنَّ الإمام الصادق (ع) جعله مرجعاً في مسائل الدين. وحكى الكشي في رجاله برقم (431) إجماع الإماميَّة على تصديق جماعة من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (ع) والانقياد لهم بالفقه، وذكر منهم أبا بصير الأسدي.
وتجد ترجمته مع فوائد مهمَّة في معجم رجال الخوئي 20 : 74 برقم 13570 .
ومواضع روايات (أبي بصير) في الكتب الأربعة عند الإماميَّة تتجاوز 2500 موضعاً، وفي غيرها أكثر من 1500 موضعاً.
وبمتابعة كتُب الإماميَّة الاثناعشريَّة نجد أنَّهم رووا كثيراً من نصوص الإمامة عن أبي بصير، منها روايتهم عنه في الكافي 1 : 535 برقم 20 ، بسند موثَّق عن الباقر (ع) أنه قال: نحن اثنا عشر محدَّثاً. كما رووا عنه في الخصال للصدوق 2 : 419 برقم 12 ، والإرشاد للمفيد 2 : 347 بسند معتبر عن الباقر (ع) في أنَّ الأئمَّة تسعة من ولد الحسين (ع) وتاسعهم قائمهم (ع) . ورووا عنه في كمال الدين للصدوق 1 : 287 برقم 4 ، بسند موثَّق عن رسول الله (ص) أنه أخبر بغيبة الإمام المهدي (ع) ، ورووا عنه نفس المضمون في المصدر نفسه 2 : 358 برقم 55 بسند معتبر عن الصادق (ع) .. إلى غير ذلك مما يصعب حصره لكثرة عدده واختلاف مصادره.
إنَّ النَّظر بإنصاف إلى رواية أئمَّة الزيديَّة عن علماء الإماميَّة وفقهائهم، ممَّا يحمل البصير على القول بثقة أئمَّة الزيديَّة بعلماء الإماميَّة، خصوصاً حين يأخذ بعين الاعتبار أنَّ كتُب أئمَّة الزيديَّة متلقَّاة بالقبول عندهم، وهم يعتمدون عليها في العلم والفتيا؛ فإنَّ الكتاب الحديثيَّ لا يكون معتمداً إلَّا بعد سلامة طُرُق روايته واعتبارها، واعتبارُ طُرُق الرواية لا يتمُّ إلَّا بالثِّقة بمن يقع في أسانيدها من رُواة، وباتِّضاح هذه الفكرة يُمكن التوفيقُ بين الزيديَّة والإماميَّة بإزالة سوءِ الظنِّ، كخُطوة من خطوات التَّقريب والتَّوفيق بين هذين المذهبين العريقين على أساس مُعطيات علميَّة حقيقيَّة.
والحمدُ للّهِ ربِّ العالمين.