نص الشبهة:
ويروون: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» نزل أدنى ماء ببدر؛ فأشار عليه الحباب بن المنذر بأن ينزل أدنى ماء من القوم، ثم يصنع حوضاً للماء، ويغور سائر القلب؛ فيشرب المسلمون، ولا يشرب المشركون. ففعل الرسول «صلى الله عليه وآله» ذلك، ثم صوب رأي الحباب. فسمي الحباب حينئذٍٍ: «الحباب ذو الرأي» (سيرة ابن هشام ج2 ص272، وتاريخ الخميس ج1 ص376، والسيرة الحلبية ج2 ص155؛ والكامل لابن الأثير ج2 ص122، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص403 و402، والبداية والنهاية ج3 ص267، وغير ذلك).
الجواب:
ولكن هذه الرواية لا تصح، وذلك:
أولاً: إنه قد دل الدليل على أن النبي «صلى الله عليه وآله» مصيب في كل ما يفعل ويرتئي، ولا يصغى لما يقال من جواز الخطأ عليه في الأمور الدنيوية، فإنه مما يدفعه العقل والنقل. (وسيأتي البحث عن أن العصمة عن الخطأ والنسيان اختيارية عن قريب إن شاء الله تعالى).
وثانياً: إن العدوة القصوى التي أناخ بها المشركون كان فيها الماء، وكانت أرضاً لا بأس بها. ولا ماء بالعدوة الدنيا، وهي خبار 1 تسوخ فيها الأرجل 2.
وثالثاً: إن المشركين هم الذين سبقوا بالنزول في بدر كما سيأتي؛ ولا يعقل أن ينزلوا في مكان لا ماء فيه، ويتركوا الماء لغيرهم.
ورابعاً: إن ابن إسحاق ينص على أن المشركين وردوا الحوض، فأمر النبي «صلى الله عليه وآله» أن لا يعترضوهم 3. وقد فعل أمير المؤمنين علي «عليه السلام» في صفين مثل ذلك؛ حيث أباح الماء لأعدائه القاسطين، مع أنهم كانوا قد منعوه إياه أولاً 4.
ومن الواضح: أن منعهم من الماء لا ينسجم مع أخلاقيات ومبادئ الإسلام ونبيه الأعظم «صلى الله عليه وآله».
فالصحيح هو الرواية التي تقول: إن المسلمين لم يكونوا على الماء، فأرسل الله السماء عليهم ليلاً حتى سال الوادي، فاتخذوا الحياض، وشربوا وسقوا الركائب، واغتسلوا وملأوا الأسقية 5 كما أشار إليه تعالى، حين قال:﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ﴾ 6.
وذلك هو سر بناء الحوض، وليس ما ذكروه 7.
- 1. الخَبَار: ما لان من الأرض واسترخى.
- 2. راجع: فتح القدير ج2 ص291 عن الزجاجو311، والكشاف ج2 ص223 و203، وتاريخ الخميس ج1 ص375، وتفسير ابن كثير ج2 ص292 عن ابن عباس، وقتادة، والسدي، والضحاك، والدر المنثور ج3 ص171 عن ابن المنذر، وأبي الشيخ، والسيرة الحلبية ج2 ص154، وسيرة ابن كثير ج2 ص400 وعن الكشاف، وأنوار التنزيل، والمدارك، وغير ذلك.
- 3. وراجع: الكامل لابن الأثير ج2 ص123.
- 4. راجع كتابنا: الإسلام ومبدأ المقابلة بالمثل.
- 5. راجع: الكشاف ج2 ص203 و204، وتفسير ابن كثير ج2 ص292 غير أنه لم يذكر اتخاذ الحياض.
- 6. القران الكريم: سورة الأنفال (8)، الآية: 11، الصفحة: 178.
- 7. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله)، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الخامسة، 2005 م. ـ 1425 هـ. ق، الجزء الخامس.