نص الشبهة:
ألف: طلحة، وسعيد بن زيد: ويقولون هنا: إن طلحة وسعيد بن زيد لم يحضرا بدراً، وذلك لأن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد أرسلهما ليتجسسا له خبر العير؛ فرجعا إلى المدينة بعد خروجه «صلى الله عليه وآله» إلى بدر، فخرجا إليها، فوجداه قد عاد منها؛ فضرب لهما النبي «صلى الله عليه وآله» بسهميهما من الغنائم (راجع: السيرة الحلبية ج2 ص147 و185 وغيره.).
الجواب:
ولكن ذلك لا يصح، وذلك لما يلي:
1 ـ إننا نجد نصاً آخر يقول: إنهما كانا في تجارة إلى الشام، فقدما بعد رجوعه «صلى الله عليه وآله» من غزوة بدر، فضرب لهما «صلى الله عليه وآله» بسهميهما بعد رجوعهما 1.
ولكن الشق الأخير من النص لا يصح، إذ لماذا يضرب لهما بسهميهما دون سائر من تخلف؟!
وهل لمن لا يحضر غزاة حق في غنائم تلك الغزاة شرعاً؟!
وكيف رضي المسلمون إعطاء هذين الرجلين، دون غيرهما ممن تخلف عن الحرب لعذر، أو لغيره؟!.
وإذا كان النبي «صلى الله عليه وآله» يتسامح مع المسلمين في الأموال؛ فإنما كان يتسامح معهم بأمواله هو، لا بأموال غيره. كما أنه كان يتسامح مع من حضر الحرب، دون من لم يحضر.
2 ـ إن السيوطي ـ تبعاً لغيره ـ لا يقر بهذه الفضيلة لهما، بل ينكرها على كل من عدا عثمان، فهو يقول: وضرب لعثمان يوم بدر، ولم يضرب لأحد غاب غيره، رواه أبو داود عن ابن عمر، قال الخطابي: هذا خاص بعثمان، لأنه كان يمرض ابنة رسول الله «صلى الله عليه وآله» 2.
وحتى بالنسبة لعثمان فسنرى أن ذلك أيضاً لا يصح.
3 ـ لقد جاء في حديث مناشدة علي «عليه السلام» لأصحاب الشورى وفيهم طلحة وعثمان قوله: «أفيكم أحد كان له سهم في الحاضر، وسهم في الغائب؟
قالوا: لا» 3.
ويمكن أن يكون إعطاؤه سهماً في الغائب من جهة أنه يكون في مهمة قتالية حينئذٍٍ؛ أو أنه أعطاه «صلى الله عليه وآله» من سهمه الذي كان يرده على المقاتلين. هذا بالإضافة إلى أنه لم يتخلف إلا في غزوة تبوك.
فقد نص الزمخشري في فضائل العشرة على أنه «صلى الله عليه وآله» جلس في المسجد يقسم غنائم تبوك، فدفع لكل واحد منهم سهماً ودفع لعلي كرم الله وجهه سهمين، ثم ذكر اعتراض زائدة بن الأكوع، وجواب النبي «صلى الله عليه وآله» له بأن جبرائيل كان يقاتل في تبوك، وأنه قد أمره بأن يعطي علياً «عليه السلام» سهمين 4.
ونلاحظ هنا: أن جعفر بن أبي طالب كان له أيضاً سهم في الحاضر، وسهم في الغائب، فقد روي عن الإمام الباقر «عليه السلام» أنه قال: ضرب رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم بدر لجعفر بن أبي طالب بسهمه، وأجره 5. وذلك لا ينافي ما تقدم بالنسبة لعلي «عليه السلام»، فإن الذين ناشدهم علي «عليه السلام» لم يكن فيهم غير علي له هذه الخصوصية، فلا يمنع أن يكون جعفر أيضاً ـ الذي لم يكن معهم آنئذٍ، لأنه قد استشهد في مؤتة ـ قد كانت له هذه الخصوصية أيضاً.. 6.
- 1. سيرة ابن هشام ج2 ص339،340، والتنبيه والأشراف ص205، ولكنه ذكره بلفظ قيل. والإصابة ج2 ص229، والإستيعاب بهامشها ص219.
- 2. السيرة الحلبية ج2 ص185.
- 3. ترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر، بتحقيق المحمودي ج3 ص93، واللآلي المصنوعة ج1 ص362، والضعفاء الكبير ج1 ص211 و212.
- 4. راجع: السيرة الحلبية ج3 ص142.
- 5. سير أعلام النبلاء ج1 ص216.
- 6. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الخامسة، 2005 م. ـ 1425 هـ. ق، الجزء السادس.