في عهد الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و في الكوفة عاصمة خلافته و بالتحديد في اليوم الأول من شهر رمضان مرَّ النجاشي 1 بصديق له يسمى أبا سمَّال العدويّ فدعاه إلى الغداء فأغراه، و قال له: ما تقول في رءوس حُمْلانٌ 2 في كرش 3 في تنوّر قد أينع من أوّل الليل إلى آخره؟
فقال له النجاشي: ويحك! في شهر رمضان تقول هذا؟
فقال له: ما شهر رمضان و شوّال إلاّ سواء.
قال له النجاشي: فما تسقيني عليه؟
قال: شرابا كأنّه الورس 4 يطيّب النفس و يجري في العظام و يسهّل الكلام، فدخلا المنزل فأكلا و شربا، فلمّا أخذ الشراب منهما مأخذا تفاخرا، و علت أصواتهما، فسمع جار صوتهما فسارع إلى الإمام فأخبره، فأرسل للقبض عليهما بعض شرطته، فأمّا أبو سمّال فقد هرب و لم يقبض عليه، و أمّا النجاشي فقد قبضت عليه الشرطة و جاءت به مخفورا إلى الإمام.
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: “ويحك! إنّنا صيام و أنت مفطر”؟ !
ثمّ أمر أن يضرب ثمانين سوطا، و زاده عشرين سوطا، فقال النجاشي:
ما هذه الزيادة يا أبا الحسن؟ !
فقال عليهالسلام: “لجرأتك على الله في شهر رمضان ” 5.
ثمّ رفعه إلى الناس في تبّان، و ذلك لإهانته حتى يرتدع الناس من شرب الخمر، و لم يقم أي وزن لمدح النجاشي له، و من جيّد شعره في الإمام قوله مخاطبا معاوية:
واعلم بأنّ عليّ الخير من بشر *** شمّ العرانين لا يعلوهم بشر
نعم الفتى هو إلاّ أنّ بينكما *** كما تفاضل نور الشّمس و القمر
و ما أظنّك إلاّ لست منتهيا *** حتّى يمسّك من أظفارهم ظفر
إنّي امرؤ قلّما اثني على أحد *** حتّى أرى بعض ما يأتي و ما يذر
لا تحمدنّ امرأ حتّى تجرّبه *** و لا تذمّنّ من لم يبله الخبر6
- 1. النجاشي هو قيس بن عمرو بن مالك من بني الحارث بن كعب، كان شاعر أهل العراق بصفين و كان موهوبا في أدبه، و كان ممن نصر الإمام علي عليه السلام بلسانه و يده في هذه الواقعة.
- 2. الحَمَل: الصَّغير من الضأن، و الجمع: حُمْلانٌ.
- 3. الكِرْشُ، للحيوانات المجترّة، بمثابة المعدة للإنسان، حيث تتّصل بالمريء و تشغل ثلاثة أرباع الجوف.
- 4. الوَرَس: نبتٌ يُستعمَلُ لتلوين الملابس الحريرية، لاحتوائه على مادة حمراء.
- 5. التُّبَّانُ: سروال قصير إِلى الرُّكبة أَو ما فوقها يستر العورة.
- 6. موسوعة الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام: 11 / 35، للعلامة الفقيد الشيخ باقر شريف القرشي رحمه الله.