نص الشبهة:
يروي الشيعة عن أبي عبد الله – جعفر الصادق – أنه قال: «صاحب هذا الأمر رجل لا يسميه باسمه إلا كافر..» (الأنوار النعمانية 2/53).
ويروون عن أبي محمد الحسن العسكري أنه قال لأم المهدي: «ستحملين ذكرًا، واسمه محمد وهو القائم من بعدي….» (الأنوار النعمانية 2/55).
أليس هذا من التناقض؟! مرة تقولون: من ناداه باسمه فهو كافر، ومرة تقولون: إن الحسن العسكري سماه محمدًا!
الجواب:
أنه إذا ثبت أن هناك تناقضاً أو تعارضاً في الروايات فعلى الباحث أن يتحقق أولاً من صحة تلك الروايات المتعارضة، فلعل بعضها ضعيف السند، فيلزم طرحه وترك العمل به، ويجب العمل بالرواية الصحيحة التي لا يضرّها أن تكون معارَضة بروايات أخرى ضعيفة.
وأما إذا كانت تلك الروايات كلها صحيحة السند، فلا بد من الجمع الدلالي بين تلك الأخبار، بالجمع العرفي الصحيح، حذراً من طرح رواية صحيحة السند، وهنا تبرز براعة الباحث ومهارة الفقيه.
وإذا لم يمكن الجمع العرفي بين الروايات الصحيحة المتعارضة، لأنها متناقضة جزماً، فلا مناص حينئذ من طرحها جميعاً، فلا يجوز العمل بها جميعاً؛ لأن أدلة حجية خبر الواحد لا تشمل مورد التعارض بالحديث الصحيح، فلا تكون تلك الروايات بأجمعها حجة.
ولو كان هذا المشكل على الشيعة منصفاً، وتأمّل الخبرين اللذين ذكرهما، لعلم وجه الجمع بينهما بعد التسليم بصحة سندهما؛ فإن الخبر الأول وهو صحيحة ابن رئاب موجَّه إلى عامة الشيعة، الذين يراد منهم كتمان اسم الإمام المهدي عليه السلام وعدم إفشائه؛ لئلا يتمكن سلاطين الجور من معرفة الإمام عليه السلام وتتبعه وقتله.
وهذا المعنى ورد في التوقيع الذي رواه أبو عبد الله الصالحي، قال: سألني أصحابنا بعد مضي أبي محمد عليه السلام أن أسأل عن الاسم والمكان، فخرج الجواب: إنْ دللْتَهم على الاسم أذاعوه، وإن عرفوا المكان دلّوا عليه1.
وأما الخبر الثاني فالإمام العسكري عليه السلام خاطب فيه والدة الإمام المهدي عليه السلام التي هي أحرص الناس على سلامته وحفظه، وهي سلام الله عليها إذا كانت مأمونة عليه فكيف لا تكون مأمونة على اسمه المبارك؟!
وعدم جواز ذكر اسم الإمام المهدي عليه السلام إنما كان مخصوصاً بذلك الوقت الذي كان التصريح فيه باسم الإمام عليه السلام موجباً لوقوع الإمام المهدي عليه السلام في يد السلطة الجائرة، وأما في زماننا هذا بعد أن عُلم اسمه، وتَرك السلطان البحث عنه؛ لعدم اعتقاده بوجوده كل هذا العمر الطويل، فإن ذكر اسمه المبارك جائز لا محذور فيه.
وقد سُئل مرجع الطائفة السيد أبو القاسم الخوئي قدّس سره سؤالاً نصّه:
هل تجوز شرعاً تسمية الإمام الحجة عجَّل الله تعالى فرَجه الشريف باسمه الشريف الخاص في محفل من الناس؟ أم أن الروايات المانعة من ذلك تعم زمان الغيبة الكبرى؟
فأجاب قدس سره بقوله: لا تعم تلك زماننا هذا2.
ولعل المراد بالكفر في قوله عليه السلام: «صاحب هذا الأمر لا يسمِّيه باسمه إلا كافر»، الكفر والإنكار لوجوده عليه السلام، أو جحد كونه إماماً مفترض الطاعة يجب على العباد التسليم له، أو أن من أفشى باسم الإمام عليه السلام فهو كافر بالله تعالى؛ لأنه تسبب في هلاك إمام من أئمة المسلمين، أو نحو ذلك، والله العالم3.