التطرف في المعنى العام هو: خروج عن حالة الوسطية والاعتدال، ويظهر ذلك في تكوين نمط من التصورات والأحكام والمواقف والتفسيرات، ويحصل ذلك تجاه أفكار أو أشخاص أو مؤسسات أو جماعات أو دول أو سياسات على أنواع هذه السياسات.
والتطرف في المعنى الخاص هو: ذلك النمط الفكري والسلوكي الذي يتسم بالتشدد والتعصب والانغلاق، والادعاء باحتكار الحقيقة، وامتلاك الحق، ومصادرة حق الاجتهاد والاختلاف، ويتسبب هذا النمط عادة في خلق حالة من الانقسام والنزاع والصدام، الفكري تارة، والاجتماعي تارة أخرى، والسياسي تارة ثالثة، وهكذا، وقد يصل الحال بهذا النمط الفكري والسلوكي إلى تبني خيارات تدفع نحو العنف والإرهاب، وحتى تكفير الدولة والمجتمع والمؤسسات.
ومن الجهة الدينية، يتمثل التطرف في فرض الفهم الأحادي، والتفسير الضيق للدين والشريعة، بالشكل الذي يعرض حياة الناس ومعاملاتهم ومصالحهم ومعاشهم لنوع من الضيق والعسر والحرج، بخلاف ما جاءت به الشريعة التي ما جعلت في الدين من حرج، وأرادت للناس اليسر وليس العسر، ووضعت عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم.
ومن جانب آخر، يمكن اعتبار التطرف أنه بمثابة مرض يصيب الذهن والفكر، فهو من الأمراض الفكرية، التي تخرج الإنسان عن السلوك السوي، وعن الشخصية المتوازنة، وبتأثير هذا المرض الفكري يتحول الإنسان إلى طاقة سلبية، تميل إلى الهدم، وتنزع نحو ما يعرف في الدراسات النفسية بالسلوك العدواني، الذي يمكن أن يتطور إلى سلوك عنيف.
ليس هذا فحسب، بل إن التطرف قد تحول في وقتنا الراهن إلى ما يشبه الآفة المعدية، فهناك ما يشبه الابتلاء بالتطرف، قياسا على تسمية الابتلاء بالتغرب التي جاءت عنوانا شهيرا لكتاب الأديب والناقد الإيراني جلال آل أحمد (1923-1969م).
والمعركة الحقيقية مع التطرف بنية وذهنية ونمطا، هي في ساحة الفكر والثقافة والمعرفة، وذلك لكون أن هذه المعركة في عمقها وجوهرها هي معركة أفكار ومنابت ومنابع ومفاهيم، وهي معركة مفاهيم في الدرجة الأولى، ولكون أن التطرف في جذوره وأساسياته يرجع إلى حزمة من الأفكار والمفاهيم.
وطبيعة المواجهة الثقافية مع التطرف أنها تتسم بأربع سمات أساسية، لا بد من إدراكها والتفطن لها، حتى تعطي هذه المواجهة ثمرتها، وهذه السمات الأربع هي:
أولا: أنها مواجهة ناعمة، أي أنها لا تعتمد على أدوات خشنة أو عنيفة، وإنما على أدوات لها صفة أخرى مغايرة تتسم بالنعومة، فهي تعتمد على أدوات من قبيل القلم والكتاب والكلمة وغيرها، وعلى الوسائط السمعية والبصرية والمقروءة.
وقد تطور الاهتمام كثيرا بهذا النمط من المواجهة الموصوفة بالناعمة، وتأكدت قيمته وفاعليته وتأثيره، فهو النمط الذي بإمكانه أن يخترق جميع الموانع والحواجز الطبيعية وغير الطبيعية مهما كانت قوتها ونوعيتها، ويمتد بتأثيره إلى أبعد مدى، ويؤثر في جميع الأوقات، وفي كل الحالات، وعلى مختلف الأعمار، وبطرق ظاهرة وغير ظاهرة، مرئية وغير مرئية.
ثانيا: أنها مواجهة بطيئة، بمعنى أن الانتصار والغلبة في هذه المواجهة الثقافية لا يتحقق بسرعة أو بطريقة فورية أو على شكل قفزات متسارعة، لأنها مواجهة مع أفكار ومناهج ومفاهيم، والتي من طبيعتها أنها لا تكتسب بسرعة، ولا تزول بسرعة.
ثالثا: أنها مواجهة طويلة الأمد، بمعنى أن هذه المواجهة الثقافية مع التطرف بحاجة إلى وقت طويل لعل من الصعب تقديره وتحديده على وجه الدقة، ولا تتحقق الغلبة في هذا النوع من المواجهة خلال وقت قصير، وقد تكون هذه المواجهة مواجهة دائمة ومستمرة لا تتوقف ولا تنتهي، حتى لا يكون للتطرف أي فرصة للتشكل والظهور.
رابعا: أنها مواجهة جذرية وعميقة، بمعنى أن هذه المواجهة الثقافية مع التطرف ليست مواجهة سطحية أو ظاهرية، تلامس السطح وما هو ظاهر لا غير، وإنما هي مواجهة تنفذ إلى الأعماق وتصل إلى الجذور، وتقطع هذه الجذور قطعا نهائيا، وهذا هو الرهان الحقيقي لهذه المواجهة الثقافية.
لهذا علينا أن ندرك أن الثقافة لها دور فعال في مواجهة التطرف من جهة، وتنمية الاعتدال من جهة أخرى، وليس هناك أقوى من الثقافة في مواجهة التطرف وتنمية الاعتدال، لكن علينا أن ندرك قوة الثقافة، ونحسن تفعيل هذه القوة في مواجهة التطرف، وفي تنمية الاعتدال1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة الحوار، الرياض، مجلة فصلية، العدد 17، ربيع الثاني 1436هـ/ يناير 2015م