السعادة في حقيقتها هي الراحة الشاملة التي تعم الجسم و النفس فينتج عنها حالة من الرضى و الارتياح و القناعة و السرور و الانبساط، و عكسها هو الشقاء التي هي الشدة و المحنة و التعب و عدم الارتياح.
و من الواضح أن السعادة بهذا المعنى أشبه بالمعدوم في عالم الدنيا، و ليست حتى من نصيب الملوك و الزعماء و أصحاب الثروة و القوة و السلطان و إن توهموا أحياناً أنهم سُعداء لفترات قصيرة عابرة، ذلك لأنهم سرعان ما يجدوا أن تلك السعادة وهمية و أشبه بالسراب، أما الفقراء و الضعفاء و الغالبية الوسطى من الناس فهم أيضا لم يتذوقوا السعادة إلا نادراً و هم في شكوى مستمرة من حياتهم و واقعهم.
سعادة المؤمنين في الدنيا
كما و أن أعز خلق الله عَزَّ و جَلَّ من الانبياء و الاولياء و الائمة عليهم السلام لم تتوفر لهم السعادة الشاملة و الكاملة بالمعنى الذي ذكرناه فكيف بغيرهم!
فالسعادة الشاملة رغم أنها بُغية الجميع إلا أنها عملة نادرة بل غير متوفرة، ذلك لأن الدنيا ليست موطناً للسعادة.
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: “اعْلَمُوا أَنَّكُمْ مَيِّتُونَ وَ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ وَ مَوْقُوفُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ وَ مُجْزَوْنَ بِهَا، وَ لَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا دَارٌ بِالْبَلَاءِ مَحْفُوفَةٌ وَ بِالْعَنَاءِ مَعْرُوفَةٌ وَ بِالْغَدْرِ مَوْصُوفَةٌ، وَ كُلُّ مَا فِيهَا إِلَى زَوَالٍ، وَ هِيَ بَيْنَ أَهْلِهَا دُوَلٌ وَ سِجَالٌ، لَا تَدُومُ أَحْوَالُهَا وَ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ شَرِّهَا نُزَّالُهَا، بَيْنَا أَهْلُهَا مِنْهَا فِي رَخَاءٍ وَ سُرُورٍ إِذَا هُمْ فِي بَلَاءٍ وَ غُرُورٍ، أَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ وَ تَارَاتٌ مُتَصَرِّفَةٌ، الْعَيْشُ فِيهَا مَذْمُومٌ وَ الرَّخَاءُ فِيهَا لَا يَدُومُ، وَ إِنَّمَا أَهْلُهَا فِيهَا أَغْرَاضٌ مُسْتَهْدَفَةٌ فَتَرْمِيهِمْ سِهَامُهَا وَ تَقْصِمُهُمْ بِحِمَامِهَا، وَ كُلٌّ حَتْفُهُ فِيهَا مَقْدُورٌ، وَ حَظُّهُ مِنْهَا غَيْرُ مَوْفُورٍ” 1.
و قال عليه السلام : قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: “إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ فَنَاءٍ وَ عَنَاءٍ وَ عِبَرٍ وَ غِيَرٍ.
فَمِنَ الْفَنَاءِ أَنَّ الدَّهْرَ مُوتِرٌ قَوْسَهُ، مُفَوِّقٌ نَبْلَهُ، لَا يَطِيشُ سِهَامُهُ، وَ لَا تُؤْسِي جِرَاحُهُ، يَرْمِي الشَّبَابَ بِالْهَرَمِ، وَ الصَّحِيحَ بِالسَّقَمِ، وَ الْحَيَاةَ بِالْمَوْتِ، شَارِبٌ لَا يَرْوَى، وَ آكِلٌ لَا يَشْبَعُ.
وَ مِنَ الْعَنَاءِ: أَنَّ الْمَرْءَ يَجْمَعُ مَا لَا يَأْكُلُ، وَ يَبْنِي مَا لَا يَسْكُنُ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى اللَّهِ بِلَا بِنَاءٍ نَقَلَ وَ لَا مَالٍ حَمَلَ.
وَ مِنْ عِبَرِهَا: أَنَّهَا تُرِيكَ الْمَرْحُومَ مَغْبُوطاً وَ الْمَغْبُوطَ مَرْحُوماً، لَيْسَ بَيْنَ ذَلِكَ إِلَّا نَعِيمٌ زَلَّ وَ بُؤْسٌ نَزَلَ.
وَ مِنْ غِيَرِهَا: أَنَّ الْمَرْءَ يُشْرِفُ عَلَى أَمَلِهِ فَيَقْتَطِعُهُ دُونَهُ أَجَلُهُ، فَلَا أَمَلٌ مُدْرَكٌ وَ لَا مُؤَمِّلٌ يُتْرَكُ.
فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَعَزَّ سُرُورَهَا وَ أَظْمَأَ رَيَّهَا وَ أَضْحَى فَيْئَهَا، كَأَنَّ الَّذِي كَانَ مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ، وَ كَأَنَّ الَّذِي هُوَ كَائِنٌ مِنْهَا قَدْ كَانَ، لَا جَاءٍ يُرَدُّ وَ لَا مَاضٍ يَرْتَجِعُ” 2.
هذا و رغم التقدم البشري الهائل في كافة مجالات الحياة، و رغم الازدهار المادي و التوسعة الشاملة، و رغم وفرة المال و التقدم العلمي، و رغم وفرة الأطعمة و المأكولات و المشروبات و الملبوسات و الملذات التي لا تعد و لا تحصى و التي لم تخطر يوماً ما على بال ملك من الملوك و سلطان من السلاطين، رغم كل ذلك فإن إنسان اليوم لا يشعر بالسعادة و لا يهنأ بالعيش في هذا الكوكب المتألق.
السعادة النسبية
أما السعادة النسبية فقد تتوفر في حياتنا الدنيوية و قد تكون شاملة بصورة نسبية أو عابرة أو مؤقتة.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله:” مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ الزَّوْجَةُ الصَّالِحَةُ” 3.
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله: “مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَ الْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ، وَ الْمَرْكَبُ الْبَهِيُّ، وَ الْوَلَدُ الصَّالِحُ” 4.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله: “مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ حُسْنُ الْخُلُقِ وَ مِنْ شَقَاوَتِهِ سُوءُ الْخُلُق” 5.
و قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام: “إِنَّ مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ مَتْجَرُهُ فِي بَلَدِهِ، وَ يَكُونَ خُلَطَاؤُهُ صَالِحِينَ، وَ يَكُونَ لَهُ وُلْدٌ يَسْتَعِينُ بِهِمْ” 6.
حقيقة السعادة في الدنيا
أما حقيقة السعادة التي ينبغي السعي وراءها فقد ذكرها الامام أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً : “إِنَّ حَقِيقَةَ السَّعَادَةِ أَنْ يُخْتَمَ لِلْمَرْءِ عَمَلُهُ بِالسَّعَادَةِ، وَ إِنَّ حَقِيقَةَ الشَّقَاءِ أَنْ يُخْتَمَ لِلْمَرْءِ عَمَلُهُ بِالشَّقاءِ” 7.
- 1. عيون الحكم و المواعظ: 91، لعلي بن محمد الليثي الواسطي، المتوفى في القرن السادس الهجري، الطبعة الأولى، سنة 1418 هجرية، قم/إيران.
- 2. عيون الحكم و المواعظ: 147.
- 3. الكافي : 5 / 327 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني، المُلَقَّب بثقة الإسلام، المتوفى سنة: 329 هجرية، طبعة دار الكتب الإسلامية، سنة: 1365 هجرية/شمسية، طهران/إيران.
- 4. مكارم الأخلاق: 125، لرضي الدين حسن بن فضل الطبرسي، من علماء القرن السادس الهجري، طبعة: إنتشارات شريف، قم / إيران، 1412 هجرية.
- 5. تنبيه الخواطر و نزهة النواظر (مجموعة ورام): 2 / 250 ، لورّام بن أبي فراس، مسعود بن عيسى، المتوفى سنة: 605 هجرية، الطبعة الأولى، قم/ايران سنة 1410 هجرية.
- 6. الكافي: 5 / 257 .
- 7. معاني الأخبار: 345 ، طبعة جماعة المدرسين، قم المقدسة/ إيران، سنة: 1403 هجرية. و هو ما ألَّفه الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي المعروف بـ ” الشيخ الصدوق ” المولود في سنة: 305 هجرية بقم، و المتوفى سنة: 381 هجرية.