ما إن فتح الله على يد رسوله الكريم محمد ( صلَّى الله عليه و آله ) مكة ، و هو بعدُ لم يمكُث فيها إلا خمسة عشر يوماً حتى بلغه أن هوازن 1 و ثقيف قد جمعت بحُنين جمعاً كثيراً و رئيسهم مالك بن عوف النصري يريدون مقاتلة المسلمين ، فعزم النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) على الخروج إليهم ، فخرج إليهم في يوم الأحد 2 النصف من شهر شوال 2 عام الفتح أي العام الثامن بعد الهجرة .
لماذا سميت هذه الغزوة بحنين ؟
أما سبب تسمية هذه الغزوة بغزوة حنين فيعود إلى أن الكثير من الغزوات و الحروب سميت بأسماء الأمكنة و البقاع التي دارت عليها المعارك و الحروب ، و منها هذه الغزوة ، و حنين وادٍ إلى جنب ذي المجاز ، كما ذكره الطبري 3 دارت عليها رحى الحرب في هذه الغزوة .
استعدّ النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) لهذه الغزوة ، فأخذ من صفوان بن أمية مائة درع ، و قال عارية مضمونة ، و خرج في جيش عظيم قوامه اثنا عشر ألفاً ، عشرة آلاف من أصحابه الذين فتح بهم مكة ، و ألفان من أهل مكة ممن أسلم طوعاً أو كرهاً .
أما بعض المسلمين فقد أخذه العُجب لماّ رأى هذا الجيش العظيم ، فأعجبت المسلمين كثرتهم ، و قال بعضهم : ما نؤتي من قلة ، فكَرِه رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) ذلك من قولهم 4 ، و إلى هذا يُشير الله عَزَّ و جَلَّ في قوله : ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾ 5 .
كيف بدأ القتال و كيف انتهى ؟
كانت هوازن قد كَمِنت في الوادي و استقرت فيه قبل طلوع الفجر ، و استعدت بما لديها من القوة و العتاد لمفاجأة المسلمين و مواجهتهم على حين غفلة و من حيث لا يتوقعون .
أما النبي فقد ركب بغلته البيضاء التي يقال لها دلدل 6 و استعد لقتال المشركين ، و انحدر المسلمون نحو وادي حنين ، فخرجت هوازن و ثقيف من مخابئها وأحاطوا بالمسلمين دفعة واحدة و هم يرمونهم بالسهام ويرشقونهم بالحجارة و يحملون عليهم من جميع الجهات ، فكان يوماً عظيم الخطب ، و انهزم المسلمون عن رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) ، فلم يبق مع الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) إلا نفر من المهاجرين و الأنصار و أهل بيته 7 ، حتى بقي في عشرة من بني هاشم ، و قيل تسعة ، منهم علي بن أبي طالب ، و العباس بن عبد المطلب 8 .
و أبدى بعض قريش ـ رغم كونهم في جيش المسلمين ـ ما كان في نفسه ، فقال أبو سفيان : لا تنتهي والله هزيمتهم دون البحر ، و قال كلدة بن حنبل : اليوم بطل السحر ، و قال شيبة بن عثمان : اليوم أقتل محمداً ، و قصد النبيَ ليقتله ، فأخذ النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) الحربة منه فأشعرها فؤاده 4 .
و فرّ المسلمون و ظهرت بوادر الهزيمة ، إلا أن الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) قال للعباس : صِح يا للأنصار ، و صِح يا أهل بيعة الرضوان ، و صِح يا أصحاب سورة البقرة ، يا أصحاب السمرة .
و كان النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) ينادي : ” أين ! أيها الناس هلمّ إليّ أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبد الله ” 7 .
و كان ( صلَّى الله عليه و آله ) ينادي المسلمين و يقول : ” يا أنصار الله و أنصار رسوله ، أنا عبد الله و رسوله ” .
و هكذا تمكّن الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) من بثّ روح الجهاد في نفوس المسلمين من جديد ، و قد كان أصابهم الخوف و الذعر و أوشكوا على الفرار الكامل و تسجيل الهزيمة النكراء ، فاجتمع المسلمون ثانية و هجموا هجمة واحدة على المشركين ، ومضى علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) إلى صاحب راية هوازن فقتله ، و بعد مقتله كانت الهزيمة للمشركين .
و هكذا كتب الله النصر لرسوله الكريم و نصرهم بجنود من الملائكة ، و إلى هذا النصر يشير القرآن الكريم : ﴿ ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ ﴾ 9 .
عدد القتلى و الشهداء
قتل من هوازن في ذلك اليوم خلق عظيم ، و قتل دريد بن الصمة فأعظم الناس ذلك ، فقال رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) : ” إلى النار و بئس المصير ، إمام من أئمة الكفر ، إن لم يُعِنْ بيده فإنه أعان برأيه ” .
و استشهد في ذلك اليوم من المسلمين أربعة 10 نفر هم :
1. أيمن بن عبيد 11 ، من بني هاشم .
2. يزيد بن زمعة بن الأسود ، من بني أسد .
3. سراقة بن الحارث بن عدي ، من الأنصار .
4. أبو عامر الأشعري ، من الأشعريين .
و سبى المسلمون من المشركين في ذلك اليوم سبايا كثيرة ، بلغت عدّتهم ألف فارس ، و بلغت الغنائم أثنى عشر ألف ناقة سوى الأسلاب .
ثم جمعت إلى رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) سبايا حنين و أموالها ، و كان على المغانم مسعود بن عمرو القاري ، فأمر النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) بالسبايا و الأموال إلى الجعرانة فحُبست بها 12 ، ثم توجّه ( صلَّى الله عليه و آله ) إلى الطائف .
و بعدما رجع النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) من غزوة الطائف ، نزل بالجعرانة فقَدِمت عليه وفود هوازن و قد أسلموا ، ثم أعتنق أبناؤهم و نساؤهم الإسلام كلهم 13 .
ثم أهلّ النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) بالعمرة من الجُعرانة ، و ذلك في ذي القعدة 13 .
- 1. هوازن : قبيلة من قيس ، و هو هَوَازِن بن منصور بن عكرمة ، يراجع : مجمع البحرين : 6 / 329 ، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي ، المولود سنة : 979 هجرية بالنجف الأشرف / العراق ، و المتوفى سنة : 1087 هجرية بالرماحية ، و المدفون بالنجف الأشرف / العراق ، الطبعة الثانية سنة : 1365 شمسية ، مكتبة المرتضوي ، طهران / إيران .
- 2. a. b. تاريخ ابن الخياط : 42 .
- 3. تاريخ الطبري : 3 / 69 .
- 4. a. b. تاريخ اليعقوبي : 2 / 62 .
- 5. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 25 ، الصفحة : 190 .
- 6. تاريخ الطبري : 3 / 75 و 78 .
- 7. a. b. تاريخ الطبري : 3 / 74 .
- 8. تاريخ اليعقوبي : 2 / 62 ـ 64 .
- 9. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 26 ، الصفحة : 190 .
- 10. راجع تاريخ الطبري : 3 / 81 ، و تاريخ ابن الخياط : 42 .
- 11. هو ابن أم أيمن مولاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
- 12. تاريخ الطبري : 3 / 81 .
- 13. a. b. تاريخ الطبري : 3 / 82 .