التاريخ الإسلاميالتعليمالفكر و التاريخمقالات

معاوية والخمر …

– أخرج إمام الحنابلة أحمد في مسنده 5: 347 من طريق عبد الله بن بريدة قال: دخلت أنا وأبي على معاوية فأجلسنا على الفرش ثم أتينا بالطعام فأكلنا، ثم أتينا بالشراب فشرب معاوية ثم ناول أبي ثم قال: ما شربته منذ حرمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال معاوية: كنت أجمل شباب قريش، وأجودهم ثغرا، وما شيئ كنت أجد له لذة كما كنت أجده وأنا شاب غير اللبن أو إنسان حسن الحديث يحدثني.
2 – أخرج ابن عساكر في تاريخه 7: 211 من طريق عمير بن رفاعة قال: مر على عبادة (1) بن الصامت وهو في الشام قطارة تحمل الخمر فقال: ما هذه؟ أزيت؟ قيل لا، بل: خمر تباع لفلان، فأخذ شفرة من السوق فقام إليها فلم يذر فيها راوية إلا بقرها وأبو هريرة إذ ذاك بالشام، فأرسل فلان إلى أبي هريرة يقول له: أما تمسك عنا أخاك عبادة؟ أما بالغدوات فيغدوا إلى السوق فيفسد على أهل الذمة متاجرهم، وأما بالعشي فيقعد في المسجد ليس له عمل إلا شتم أعراضنا أو عيبنا، فأمسك عنا أخاك، فأقبل أبو هريرة يمشي حتى دخل على عبادة فقال له: يا عبادة! مالك ولمعاوية؟ ذره وما حمل، فإن الله يقول: تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم. قال: يا أبا هريرة؟
لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعناه على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن نقول في الله لا تأخذنا في الله لومة لائم، وعلى أن ننصره إذا قدم علينا يثرب، فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأهلنا ولنا الجنة، فهذه بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي بايعناه عليها فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما بايع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الله له بما بايع عليه نبيه. فلم يكلمه أبو هريرة بشئ.
3 – وأخرج في التاريخ 7 ص 213 من طريق عمرو بن قيس قال: إن عبادة أتى حجرة معاوية وهو بأنطرطوس (2) فألزم ظهره الحجرة وأقبل على الناس بوجهه وهو يقول: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أبالي في الله لومة لائم، ألا إن المقداد بن الأسود قد غل بالأمس حمارا، وأقبلت أوسق من مال، فأشارت الناس إليها فقال: أيها الناس إنها تحمل الخمر، والله ما يحل لصاحب هذه الحجرة أن يعطيكم منها شيئا، ولا يحل لكم أن تسألوه، وإن كانت مقبلة – يعني سهما – في جنب أحدكم، فأتى رجل المقداد وفي يده قرصافة، فجعل يتل الحمار بها وهو يقول: معاوية! هذا حمارك شأنك به، حتى أورده الحجرة.
4 – وفد عبد الله (3) بن الحارث بن أمية بن عبد شمس على معاوية فقر به حتى مست ركبتاه رأسه ثم قال له معاوية: ما بقي منك؟ قال: ذهب والله خيري وشري، فقال له معاوية: ذهب والله خير قليل، وبقي شر كثير، فما لنا عندك؟ قال: إن أحسنت لم أحمدك، وإن أسأت لمتك، قال: والله ما أنصفتني، قال: ومتى أنصفك؟ فوالله لقد شججت أخاك حنظلة فما أعطيتك عقلا ولا قودا وأنا الذي أقول:
أصخر بن حرب لا نعدك سيدا * فسد غيرنا إذ كنت لست بسيد
وأنت الذي تقول:
شربت الخمر حتى صرت كلا * على الأدنى وما لي من صديق
وحتى ما أوسد من وساد * إذا أنسوا سوى الترب السحيق
ثم وثب على معاوية يخبطه بيده ومعاوية ينحاز ويضحك.
رواها ابن عساكر في تاريخه 7: 346، وقال ابن حجر في الإصابة 2: 291: روى الكوكبي من طريق عبسة بن عمر وقال: وفد عبد الله بن الحارث على معاوية فقال له معاوية: ما بقي منك؟ قال: ذهب والله خيري وشري، فذكر قصة. [يعني هذه]
5 – أخرج ابن عساكر في تاريخه، وابن سفيان في مسنده، وابن قانع وابن مندة من طريق محمد بن كعب القرظي قال: غزا عبد الرحمن بن سهل الأنصاري في زمن عثمان، ومعاوية أمير على الشام فمرت به روايا خمر – لمعاوية – فقام إليها برمحه فبقر كل راوية منها فناوشه الغلمان حتى بلغ شأنه معاوية فقال: دعوه فإنه شيخ قد ذهب عقله. فقال:
كلا والله ما ذهب عقلي ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندخل بطوننا وأسقيتنا خمرا، و أحلف بالله لئن بقيت حتى أرى في معاوية ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبقرن بطنه أو لأموتن دونه.
وذكره ابن حجر في الإصابة 2: 401، ولخصه في تهذيب التهذيب 6: 192، وأخرجه ملخصا أبو عمر في الاستيعاب 2: 401، وذكره ابن الأثير في أسد الغابة 3: 299 باللفظ المذكور إلى (وأسقيتنا) فقال: أخرجه الثلاثة (يعني ابن مندة وأبو نعيم وأبو عمر).
قال الأميني: لعل في الناس من يحسب أن سلسلة الاستهتار بمعاقرة الخمور كانت مبدوة بيزيد بن معاوية، وإن لم يحكم الضمير الحر بإنتاج أبوين صالحين في دار طنبت بالصلاح والدين تخلو عن الخمور والفجور ولدا مستهترا مثل يزيد الطاغية المتخصص في فنون العيث والفساد، لكن هذه الأنباء تعلمنا أن هاتيك الخزاية كانت موروثة له من أبيه الماجن المشيع للفحشاء في الذين آمنوا بحمل الخمور إلى حاضرته على القطار تارة، وعلى حماره أخرى، بملأ من الاشهاد، ونصب أعين المسلمين، وتوزيعها في الملأ الديني، وهو يحاول مع ذلك أن لا ينقده أحد، ولا ينقم عليه ناقم، وكم لهذه المحاولة من نظائر ينبو عنها العدد ولا تقف على حد، فهو وما ولد سواسية في الخمر والفحشاء، والمجون وهذه هي التي أسقطته عند صلحاء الأمة، وحطته عن أعينهم، فلا يرون له حرمة ولا كرامة، ولا يقيمون له وزنا، حتى إنه لما استخلف قام على المنبر فخطب الناس فذكر أبا بكر وعمر وعثمان ثم قال: وليت فأخذت حتى خالط لحمي ودمي، فهو خير مني، و أنا خير ممن بعدي. يا أيها الناس! إنما أنا لكم جنة، فقام عبادة بن صامت فقال: أرأيت إن احترقت الجنة؟ قال: إذن تخلص إليك النار، قال: من ذلك أفر، فأمر به فأخذ، فأضرط بمعاوية، ثم قال: علمت كيف كانت البيعتان حين دعينا إليهما؟ دعينا على أن نبايع على أن لا نزني ولا نسرق ولا نخاف في الله لومة لائم، فقلت: أما هذه فاعفني يا رسول الله، ومضيت أنا عليها، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنت يا معاوية أصغر في عيني من أن أخاف في الله عز وجل. (4) وذكر معاوية الفرار من الطاعون في خطبته فقال له عبادة: أمك هند أعلم منك (5) وسيوافيك قوله له: لا أساكنك بأرض، وقوله: لنحدثن بما سمعنا من رسول الله وإن رغم معاوية، ما أبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء، وقال أبو الدرداء له: لا أساكنك بأرض أنت بها.
ومن جراء هذه المكافحة والكشف عن عورات الرجل كتب معاوية إلى عثمان بالمدينة: إن عبادة قد أفسد علي الشام وأهله، فإما أن تكفه إليك، وإما أن أخلي بينه وبين الشام. فكتب إليه عثمان: أن أرحل عبادة حتى ترجعه إلى داره من المدينة فبعث بعبادة حتى قدم المدينة، فدخل على عثمان في الدار وليس فيها إلا رجل من السابقين أو من التابعين الذين قد أدركوا القوم متوافرين فلم يفج عثمان به إلا وهو قاعد في جانب الدار فالتفت إليه وقال: مالنا ولك يا عبادة؟ فقام عبادة بين ظهراني الناس فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا القاسم يقول: إنه سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى، فلا تضلوا بربكم، فوالذي نفس عبادة بيده إن فلانا – يعني معاوية – لمن أولئك. فما راجعه عثمان بحرف (6).
وحذا معاوية في هذه الموبقة حذو أبيه أبي سفيان فإنه كان يشرب الخمر وهو من أظهر آثامه وبوائقه، وقد جاء في حديث أبي مريم السلولي الخمار بالطائف أنه نزل عنده وشرب وثمل وزنا بسمية أم زياد بن أبيه، والحديث يأتي في استلحاق معاوية زيادا.
فبيت معاوية حانوت الخمر، ودكة الفجور، ودار الفحشاء والمنكر من أول يومه، والخمر شعار أهله، وما أغنتهم النذر إذ جاءت، وهم بمجنب عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – لا بل هم أهله – لعنت الخمر وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وحاملها، والمحمولة إليه، وعاصرها، ومعتصرها، وآكل ثمنها (7).
وعن قوله صلى الله عليه وآله: شارب الخمر كعابد وثن. وفي لفظ: مدمن خمر كعابد وثن (8).
وعن قوله صلى الله عليه وآله: ثلاثة حرم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر في أهله الخبث. (9).
وعن قوله صلى الله عليه وآله: ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا: الديوث، والرجلة من النساء، ومدمن الخمر (10).
وعن قوله صلى الله عليه وآله: من شرب الخمر خرج نور الإيمان من جوفه.
وعن قوله صلى الله عليه وآله: من شرب الخمر سقاه الله من حميم جهنم.
وعن قوله صلى الله عليه وآله: إن عند الله عهدا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال قالوا: يا رسول الله! وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار. أو: عصارة أهل النار.
وعن قوله صلى الله عليه وآله: من شرب حسوة من خمر لم يقبل الله منه ثلاثة أيام صرفا ولا عدلا، ومن شرب كأسا لم يقبل الله صلاته أربعين صباحا، ومدمن الخمر حقا على الله أن يسقيه من نهر الخبال قيل: يا رسول الله! وما نهر الخبال؟ قال صديد أهل النار (11) إلى أحاديث كثيرة في الترهيب من هذا الرجس الذي كان يشربه معاوية ووالده وولده.
***************************************
(1) كان بدريا عقبيا أحد نقباء الأنصار بايع رسول الله على أن لا يخاف في الله لومة لائم.
سنن البيهقي 5: 277.
(2) بلدة من سواحل بحر الشام، هي آخر أعمال دمشق من البلاد الساحلية وأول أعمال حمص. معجم.
(3) أدرك الاسلام وهو شيخ كبير ثم عاش بعد ذلك إلى خلافة معاوية. الإصابة 2: 291.
(4) تاريخ الشام لابن عساكر 7: 213.
(5) أخرجه ابن عساكر والطبراني كما في تاريخ الشام 7: 210.
(6) مسند أحمد 5: 325، تاريخ ابن عساكر 7: 212.
(7) سنن أبي داود 2: 161، سنن ابن ماجة 2: 174، جامع الترمذي 1: 167، مستدرك الحاكم 4: 144، 145. وأخرجه أحمد في المسند 2: 71، وابن أبي شيبة، وابن راهويه والبزار، وابن حبان، راجع نصب الراية للزيلعي 2: 264.
(8) أخرجه ابن ماجة وابن حبان والبزار وغيرهم، راجع الترغيب والترهيب 3: 102، نصب الراية 2: 298.
(9) أخرجه أحمد والنسائي والبزار والحاكم وصححه. راجع الترغيب والترهيب 3: 104.
(10) أخرجه الطبراني، وابن المنذر في الترغيب والترهيب 3: 104 وقال: رواته لا أعلم فيهم مجروحا.
(11) راجع الترغيب والترهيب 3: 101 – 110.

المصدر : من حياة معاوية بن أبي سفيان

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى