كانت فقرة (حَيَّ على خير العمل) فصلاً من الأذان في عهد النبي صلى الله عليه وآله ، وعهد أبي بكر ، وقسمٍ من عهد عمر ، ثم حذفها عمر بحجة أن الناس قد يتصورون أن الصلاة خيرٌ من الجهاد ويتركون فتح البلاد ! واعترض عليه أهل البيت عليهم السلام وبعض الصحابة والتابعين ، وكان ابنه عبد الله بن عمر يؤذن بها !
وقد ألف عدد من العلماء رسائل في إثبات كونها جزءً من الأذان الذي أوحاه الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وعلمه إياه جبرئيل عليه السلام ، تزيد عن خمسين رسالة.
قال في الإيضاح / 201 : (ورويتم عن أبي يوسف القاضي ، رواه محمد بن الحسن وأصحابه ، عن أبي حنيفة قالوا : كان الأذان على عهد رسول الله وعلى عهد أبي بكر وصدر من خلافة عمر ينادى فيه : حيَّ على خير العمل. فقال عمر بن الخطاب : إني أخاف أن يتكل الناس على الصلاة إذا قيل : حي على خير العمل ويدعوا الجهاد ! فأمر أن يطرح من الأذان حيَّ على خير العمل).
وفي دعائم الإسلام : 1 / 142 : (وروينا عن أبي جعفر محمد بن علي صلوات الله عليه قال : كان الأذان بحي على خير العمل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وبه أمروا في أيام أبى بكر وصدر من أيام عمر ، ثم أمر عمر بقطعه وحذفه من الأذان والإقامة ، فقيل له في ذلك فقال : إذا سمع الناس أن الصلاة خير العمل تهاونوا بالجهاد وتخلفوا عنه ! وروينا مثل ذلك عن جعفر بن محمد صلوات الله عليه ، والعامة تروى مثل هذا ، وهم بأجمعهم إلى اليوم مصرون على اتِّباع عمر في هذا وترك اتباع رسول الله صلى الله عليه وآله ! واحتجوا بقول عمر هذا ، وظاهر هذا القول يغني عن الإحتجاج على قائله ، وإنما أمر الله عز وجل بالأخذ عن رسوله صلى الله عليه وآله فقال : ﴿ … وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا … ﴾ 1 ، وقال : ﴿ … فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ 2 . وقال : ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴾ 3 وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إتبعوا ولا تبتدعوا ، فكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار !
أفكان عمر عند هؤلاء الرعاع أعلم بمصالح الدين والمسلمين أم الله ورسوله ؟ وقد أنزل الله عز وجل في كتابه من الرغائب والحضَّ على الصلاة وعلى الجهاد ، وعلى كثير من أعمال البر ، ما أنزله ، وافترض فرائضه ! فهل لأحد أن يُسقط من كتاب الله عز وجل شيئاً مما حض به على فريضة من فرائضه ؟ أو هل وسع لأحد في ترك فريضة لأنه حض ورغب في غيرها أكثر مما حض ورغب فيها ؟! هذا ما لا يقوله عالم ولا جاهل ، ولا بلغنا عن أحد من الناس أنه توهمه… وفساد هذا القول أبين من أن يحتاج إلى الشواهد والدلائل… نسأل الله العصمة من الزيغ عن دينه والثبات على طاعته وطاعة أوليائه). انتهى.
وقال السيد شرف الدين في النص والإجتهاد / 199 : (وفي رواية أخرى أنه قال : أيها الناس : ثلاثٌ كنَّ على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن : متعة الحج ، ومتعة النساء ، وحي على خير العمل) ! وقد أنكر عليه في هذا أهل البيت كافة وتبعهم في ذلك أولياؤهم جميعاً ، ولم يقره عليه كثير من أعلام الصحابة وإخبارهم في ذلك متواترة ) 4 .
(أورد القوشجي قول عمر : ثلاثٌ كنَّ على عهد رسول الله وأنا أحرمهنَّ وأعاقبُ عليهنّ : متعة النساء ومتعة الحج وحيَّ على خير العمل ! ثم قال : إن ذلك ليس مما يوجب قدحاً فيه ، فإن مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الإجتهادية ليس ببدع !
وهو كلام عجيب حقاً فهل تحريم الرسول الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى ، كان رأياً واجتهاداً منه صلى الله عليه وآله حتى يعارضه القوشجي باجتهاد آخرين ؟!
وهل يصح اجتهاد عمر في مقابل النص القرآني والتشريع النبوي ؟!
وإذا كان عمر قد اجتهد في هذا الأمر ولنفرض أن الرسول صلى الله عليه وآله قد اجتهد فيه أيضاً نعوذ بالله من خطل القول ، فأيهما أحق أن يتبع ؟ وأيهما قال الله في حقه : ما آتاكم الرسول فخذوه ؟ وماذا على من ترك اجتهاد عمر لعمر وأخذ بالنص القرآني والتشريع الإلهي الوارد على لسان النبي الأمي ؟!
وماذا يصنع القوشجي بقول الرازي : إن ذلك يوجب تكفير الصحابة ، لأن من علم أن النبي (ص)حكمَ بإباحة المتعة ثم قال : إنها محرمةٌ محظورةٌ من غير نسخ لها ، فهو كافر بالله ؟! ومن الواضح أن القوشجي وصاحب المنار والرازي وغيرهم لم يستطيعوا أن يدركوا وجه العذر لعمر في إقدامه على تحريم المتعة وغيرها فتشبثوا بالطحلب ، بل صدر منهم ما فيه أيضاً نيل من كرامة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وتصغير لشأنه من حيث يعلمون أو من حيث لايعلمون) ! 5 .
أقول : ومن يوم حرَّم عمر ما فرضه النبي صلى الله عليه وآله تحركت شرطة الخلافة لقمع كل مسلم يطيع النبي صلى الله عليه وآله ولايطيع عمر! وما زالت شرطتهم وتهويلهم تطارد الشيعة باسم الدين الى يومنا هذا ! وكان مطلب الشيعة منهم أن يتركوهم يؤذنون في مساجدهم ومناطقهم كما يعتقدون ، ولم تفرض أي حكومة شيعية على أحد الأذان بحيَّ على خير العمل ! فالفرض والإجبار كان وما زال من عمل شرطة عمر والقبائل القرشية !
***
شريط تاريخي لجهاد الشيعة من أجل سنة النبي صلى الله عليه وآله
كافح الشيعة عصوراً طويلة من أجل هذا الفصل من الأذان ، حتى صار الأذان بحيَّ على خير العمل علامةً للإمامية والزيدية والإسماعيلية ، وشعاراً يرفعه الثوار على الحكومات ! وهذا شريط تاريخي يوضح إصرار الشيعة على سنة النبي صلى الله عليه وآله ، وإصرار أتباع الخلافة على فرض سنة عمر بدلها !
***
في سير الذهبي : 15 / 164 : (قلت : ظهر هذا الوقت الرفض وأبدى صفحته وشمخ بأنفه في مصر والشام والحجاز والغرب بالدولة العبيدية ، وبالعراق والجزيرة والعجم بيني بويه ، وكان الخليفة المطيع ضعيف الدست والرتبة مع بني بويه ، ثم ضعف بدنه وأصابه فالج وخرس فعزلوه وأقاموا ابنه الطائع له ، وله السكة والخطبة وقليل من الأمور ، فكانت مملكة هذا المعز أعظم وأمكن… وأعلن الأذان بالشام ومصر بحي على خير العمل . فلله الأمر كله ).
***
وفي تاريخ أبي الفداء / 507 : (وفي هذه السنة (444)كانت الفتنة ببغداد بين السنية والشيعة ، وأعادت الشيعة الأذان بحي على خير العمل ، وكتبوا في مساجدهم محمد وعلي خير البشر) .
***
وفي النهاية : 12 / 96 : (وأعادت الروافض الأذان بحي على خير العمل ، وأذن به في سائر نواحي بغداد (في مساجدهم) في الجمعات والجماعات ، وخطب ببغداد للخليفة المستنصر العبيدي على منابرها وغيرها ، وضربت له السكة على الذهب والفضة وحوصرت دار الخلافة).
***
وفي النجوم الزاهرة : 5 / 281 : (وهي سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة فيها أزال السلطان نور الدين محمود بن زنكي صاحب دمشق من حلب الأذان بحي على خير العمل وسب الصحابة بها ، وقال : من عاد إليه قتلته ، فلم يعد أحد).
أقول : لم يكن الشيعة يسبُّون الصحابة ، نعم كانوا وما زالوا يلعنون ظالمي أهل البيت عليهم السلام ، وهو مبدأ متفق عليه ، فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وآله ظالمي أهل بيته الطاهرين بأحاديث صحيحة عند الجميع ، بل لعنهم الله تعالى في صريح قرآنه بقوله : ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ 6 ، وقد استدل أحمد بن حنبل بهذه الآية على لعن يزيد ، وروى كبار محدثيهم تفسيرها ببني أمية ، لكن بمجرد أن يقول الشيعي لعن الله ظالمي آل محمد ، يقولون له إنك تقصد أبا بكر وعمر ! إنك تلعن وتسب وتشتم الصحابة ، ويصورون الشيعة كأن شغلهم الشاغل في ليلهم ونهارهم شتم الصحابة ! وغرضهم من هذا التهريج أن يمنعوهم من لعن ظالمي أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله ومضطهديهم وقاتليهم !
***
وصف أبو الفرج في مقاتل الطالبيين / 297 ، حركةً للعلويين في المدينة المنورة فقال : (فاجتمعوا ستة وعشرين رجلاً من ولد علي عليه السلام ، وعشرةٌ من الحاج ، ونفرٌ من الموالي ، فلما أذَّن المؤذن للصبح دخلوا المسجد ثم نادوا : أحد ، أحد ، وصعد عبد الله بن الحسن الأفطس المنارة التي عند رأس النبي صلى الله عليه وآله عند موضع الجنائز فقال للمؤذن : أذِّنْ بحيَّ على خير العمل ، فلما نظر إلى السيف في يده أذن بها ، وسمعه العمري(حاكم المدينة من قبل المنصور العباسي) فأحس بالشر ، ودهش وصاح : أغلقوا البغلة (يقصد الباب) وأطعموني حبتي ماء ! قال علي بن إبراهيم في حديثه : فوُلده إلى الآن بالمدينة يُعرفون ببني حبتي ماء) !
***
وقال ابن الجوزي في المنتظم : 5 / 28 : (وفي أول يوم من شوال حضر الموكب النقباء والأشراف والقضاة والشهود ، فنهض بعض المتفقهة وأورد إخباراً في مدح الصحابة وقال : ما بال الجنائز تمنع من ذكر الصحابة عليها بمقابر قريش وربع الكرخ ؟ والسنة ظاهرة ويد أمير المؤمنين قاهرة ؟! فطولع بما قال فخرج التوقيع بما معناه : أنهيَ ما ارتكب بمقابر قريش من إخمال ذكر صاحبي رسول الله (ص) وتورطهم في هذه الجهالة ، واستمرارهم على هذه الضلالة ، التي استوجبوا بها النكال واستحقوا عظيم الخزي والوبال ، وإنما يتوجه العتب في ذلك نحو نقيب الطالبيين ، ولولا ما تدرَّع به من جلباب الحكم وأسباب يتوخاها ، لتقدم في فرضه ما يرتدع به الجهال ، فليؤجر بإظهار شغل السنة في مقابر باب التبن ورَبْع الكًرْخ من ذكر الصحابة على الجنائز ، وحثهم على الجمعة والجماعة ، والتثويب بالصلاة خير من النوم ، وذكر الصحابة على مساجدهم ومحاريبهم أسوة بمساجد السنة ، والتقدم بمكاتبة ابن مزيد(الشيعي حاكم الحلة والمشهدين النجف وكربلاء)ليجري على هذه السيرة في بلاده ، ﴿ … فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ 2 .
أقول : أنظر الى أسلوب الخلافة العدواني وأن حيثية هذا المرسوم الخلافي هو : إخمال ذكر الصحابة ، ومعناه أن الشيعة في مساجدهم ومناطقهم يذكرون أهل البيت عليهم السلام ، ولا شغل لهم بغيرهم ، فاعتبر ذلك إخمالاً لذكر أبي بكر وعمر وعثمان الذين يجب إحياء ذكرهم ! فحيثية المرسوم أن ذكر أبي بكر وعمر واجب (والسنة ظاهرة ويد أمير المؤمنين قاهرة) ؟! أي قادرة على إجبار الشيعة على مذهب الحكومة ! ومعناه أنه كلما أمكن الإجبار بالقوة وجب ! وهذه سياسة أتباع أبي بكر وعمر وبني أمية ، الى يومنا هذا !
ولا تعجب من ذلك فقد كانت سياسة الخلافة عدوانية ضد الشيعة وكانت تحرك لها الغوغاء ومؤرخوها يغطون جرائمها ويبكون من ظلم الشيعة لهم !
قال ابن الجوزي في المنتظم : 6 / 217 : (ثم دخلت سنة إحدى وستين وخمسمائة.. وظهر في هذه الأيام من الروافض أمر عظيم من ذكر الصحابة وسبهم ، وكانوا في الكرخ إذا رأوا مكحول العين ضربوه) ! 7 .
أقول : يقصد هذان الناصبيان أن الشيعة في مجالس عزائهم على الإمام الحسين عليه السلام يلعنون ظالمي آل محمد صلى الله عليه وآله وقاتليهم ! ولم يبينا لماذا كان بعض الشيعة يضربون مكحول العين إذا دخل الى محلاتهم في الكَرْخ أو غيرها ! وهذا أسلوب أتباع الخلافة فهم يُغَطُّون جريمة المجرم ويظهرونه مظلوماً ويبكون عليه ! والقضية أن الشيعة يتخذون أيام عاشوراء أيام حزن ويلبسون السواد ويعقدون مجالس النوح والرثاء وذكر فضائل أهل البيت عليهم السلام .
وكان أتباع الخلافة يعملون لتعطيل تلك المراسم ، بل كانوا يُظهرون الفرح ويلبسون الثياب الجديدة ويتخذون تلك الأيام عيداً ! ولم يكتفوا بذلك في بلادهم ومحلاتهم بل كانوا في بغداد والشام يلبسون الثياب الجديدة ويكتحلون ويذهبون الى محلات الشيعة ليغيضوهم بذلك ! فمن الطبيعي أن يواجه شباب الشيعة النواصب المكحَّلين والمكحَّلات الذين يَتَحَدَّوْنَهم !
ومن العجيب أن الدولة العباسية (الهاشمية) لم تمنع الشماتة والفرح بقتل الإمام الحسين عليه السلام الذي ثارت باسمه ، بل كانت تشجع النواصب على إظهار الفرح لإغاضة الشيعة ، ثم تدافع عنهم وتدعي أنهم مظلومون !
قال البكري في إعانة الطالبين : 2 / 301 ، وهو من كبار علماء السنة : (يكره الكحل يوم عاشوراء ، لأن يزيداً وابن زياد اكتحلا بدم الحسين هذا اليوم ! وقيل بالإثمد لتقرَّ عينهما بفعله . قال العلامة الأجهوري : ولقد سألت بعض أئمة الحديث والفقه عن الكحل وطبخ الحبوب ولبس الجديد وإظهار السرور فقال : لم يرد فيه حديث صحيح عن النبي ولا عن أحد من الصحابة ، ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين). انتهى. وهذا يدلك على أن عداءهم لأهل البيت عليهم السلام دفعهم الى تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله لتصحيح عمل يزيد وابن زياد وشيعتهما وجعل إظهار الفرح بيوم عاشوراء جزءً من الإسلام !
قال ابن حجر في الدراية : 1 / 280 : (قوله : وقد ندب النبي إلى الإكتحال يوم عاشوراء وإلى الصوم فيه . أما الإكتحال فأخرجه البيهقي في الشُّعب في الثالث والعشرين منه ، من طريق جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس رفعه (يعني الى النبي صلى الله عليه وآله ) : من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبداً ! وهو إسنادٌ واهٍ . (لأن الضحاك لم يلق ابن عباس) وأورده ابن الجوزي في الموضوعات من هذا الوجه ، ومن حديث أبي هريرة بسندين فيه أحمد بن منصور الشونيزي ، فكأنه أدخل عليه ، وهو إسناد مختلف لهذا المتن قطعياً). انتهى. الى آخر كلامهم في فقههم !
لكن لا تغترَّ بما تقرؤه في كتب فقهائهم وعلمائهم مما يتعلق بأهل البيت عليهم السلام والصحابة ، فهم نظرياً ينفون صحة أحاديث التكحل والفرح بنصر يزيد والتبرك بيوم عاشوراء، ولكنهم عملياً يطبقونه ، وقد يطبقه فقيههم أكثر من عوامهم !
وكذلك تراهم ينفون صحة حديث (أصحابي كالنجوم) ويحكمون بأنه موضوع مكذوب ، ولكنهم يستشهدون به في الفقه والأصول والتفسير والعقائد ، ويقمعون به من لا يقدس صحابتهم المفضلين ، ويطبلون به في إعلامهم حتى يكون الحديث الموضوع عملياً أقوى من الحديث الصحيح !
***
وفي تاريخ أبي الفداء / 503 : (وفيها (سنة 441) وقعت الفتنة ببغداد بين السنية والشيعة وعظم الأمر حتى بطلت الأسواق وشرع أهل الكرخ في بناء سور عليهم محيطاً بالكرخ ، وشرع السنية من القلابين ومن يجري مجراهم في بناء سور على سوق القلابين ، وكان الأذان بأماكن الشيعة بحي على خير العمل ، وبأماكن السنية الصلاة خير من النوم ) .
***
وفي كامل ابن الأثير : 9 / 576 ، في أحداث سنة 443 ، قال : (وكان سبب هذه الفتنة أن أهل الكرْخ شرعوا في عمل باب السمَّاكين وأهل القلائين في عمل ما بقي من باب مسعود ، ففرغ أهل الكرخ وعملوا أبراجاً كتبوا عليها بالذهب محمد وعلي خير البشر ، وأنكر السنية ذلك وادعوا أن المكتوب محمد وعلي خير البشر فمن رضي فقد شكر ومن أبى فقد كفر ! وأنكر أهل الكرخ الزيادة وقالوا ما تجاوزنا ما جرت به عادتنا فيما نكتبه على مساجدنا ، فأرسل الخليفة القائم بأمر الله أبا تمام نقيب العباسيين ونقيب العلويين وهو عدنان بن الرضي لكشف الحال وإنهائه ، فكتبا بتصديق قول الكرخيين فأمر حينئذ الخليفة ونواب الرحيم بكف القتال فلم يقبلوا !
وانتدب ابن المذهب القاضي والزهيري وغيرهما من الحنابلة أصحاب عبد الصمد أن يحمل العامة على الإغراق في الفتنة فأمسك نواب الملك الرحيم (آخر السلاطين البويهيين) عن كفهم غيظاً من رئيس الرؤساء لميله إلى الحنابلة ، ومنع هؤلاء السنية من حمل الماء من دجلة إلى الكرخ ، وكان نهر عيسى قد انفتح بثقه فعظم الأمر عليهم وانتدب جماعة منهم وقصدوا دجلة وحملوا الماء وجعلوه في الظروف وصبوا عليه ماء الورد ، ونادوا الماء للسبيل فأغروا بهم السنية !
وتشدد رئيس الرؤساء على الشيعة فمحوا خير البشر وكتبوا ( عليهما السلام ) فقالت السنية لا نرضى إلا أن يقلع الآجر الذي عليه محمد وعلي وأن لا يؤذن حيَّ على خير العمل ! وامتنع الشيعة من ذلك ودام القتال إلى ثالث ربيع الأول…
قصدوا (الحنابلة) مشهد باب التبن فأغلق بابه فنقبوا في سورها وتهددوا البواب فخافهم وفتح الباب فدخلوا ونهبوا ما في المشهد من قناديل ومحاريب ذهب وفضة وستور وغير ذلك ، ونهبوا ما في الترب والدور وأدركهم الليل فعادوا !
فلما كان الغد كثر الجمع فقصدوا المشهد وأحرقوا جميع الترب والأراج واحترق ضريح موسى وضريح ابن ابنه محمد بن علي والجوار والقبتان الساج اللتان عليهما)!!
***
تاريخ الذهبي : 30 / 9 : (سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة… فلما كان في ربيع الآخر خطب(وزير الخليفة)بجامع براثا مأوى الشيعة ، وأسقط من الأذان حي على خير العمل ودق الخطيب المنبر بالسيف ، وذكر في خطبته العباس) . انتهى.
لاحظ فعل الخطيب بحضور وزير الخليفة متحدياً الشيعة في مسجدهم الكبير في العاصمة : (ودقَّ الخطيب المنبر بالسيف) ! إنها أخلاق خلافة قريش في القهر والإجبار واضطهاد من خالفها في الرأي حتى في مسجده وعبادته ووضوئه وصلاته ، وحتى في نيته في قلبه ! فهي خلافة عصا القبيلة وسوط رئيسها ، وليست خلافة النبوة والإسلام !
***
في النجوم الزاهرة : 5 / 59 : ( وهي سنة ثمان وأربعين وأربعمائة . فيها عم الوباء والقحط بغداد والشام ومصر والدنيا . وفيها أقيم الأذان في مشهد موسى بن جعفر ومساجد الكرخ بالصلاة خير من النوم على رغم أنف الشيعة ! وأزيل ما كانوا يقولونه في الأذان من حي على خير العمل).
***
وفي المواعظ للمقريزي / 1677 : (وفي إمارة هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون أنكر رجل من أهل مصر أن يكون أحد خيراً من أهل البيت ، فوثبت إليه العامة (عوام الحكومة وغوغاؤها) فضرب بالسياط يوم الجمعة في جمادى الأولى سنة خمس وثمانين ومائتين ! ومازال أمر الشيعة يقوى بمصر إلى أن دخلت سنة خمسين وثلاثمائة ، ففي يوم عاشوراء كانت منازعة بين الجند وبين جماعة من الرعية عند قبر كلثوم العلوية بسبب ذكر السلف والنوح قتل فيها جماعة من الفريقين ، وتعصب السودان (غلمان الحكومة) على الرعية (المصريين) فكانوا إذا لقوا أحداً قالوا له : من خالك فإن لم يقل معاوية وإلا بطشوا به وشَلَّحُوه ! ثم كثر القول معاوية خال علي ! وكان على باب الجامع العتيق شيخان من العامة يناديان في كل يوم جمعة في وجوه الناس من الخاص والعام : معاوية خالي وخال المؤمنين وكاتب الوحي ورديف رسول الله ! وكان هذا أحسن ما يقولونه ، وإلا فقد كانوا يقولون معاوية خال علي من هاهنا ويشيرون إلى أصل الأذن…! وفي شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة ، أخذ رجل يعرف بابن أبي الليث الملطي ينسب إلى التشيع ، فضرب مائتي سوط ودرة ، ثم ضرب في شوال خمسمائة سوط ودرة ، وجعل في عنقه غِلٌّ وحُبس ، وكان يُتفقد في كل يوم لئلا يخفف عنه ، ويبصق في وجهه ، فمات في محبسه! فحمل ليلاً ودفن فمضت جماعة إلى قبره لينبشوه ، وبلغوا إلى القبر فمنعهم جماعة من الإخشيدية والكافورية فأبوا) !
فانظر الى سياسة الخلافة وقمعها الوحشي لهذا المؤمن الملطي ، أي الذي أصله رومي مسيحي رحمه الله ، وملطية مدينة رومية في تركية 8 . ويظهر أن الروم بنوها على إسم جزيرة مالطة الأوربية .
***
في المواعظ للمقريزي / 1546 ، وسلك الدرر للمرادي / 887 : (وكان أول تأذينه بذلك في أيام سيف الدولة بن حمدان بحلب في سنة سبع وأربعين وثلاثمائة ، قاله الشريف محمد بن أسعد الجواني النسابة ، ولم يزل الأذان بحلب يزاد فيه حي على خير العمل ومحمد وعلى خير البشر إلى أيام نور الدين محمود ، فلما فتح المدرسة الكبيرة المعروفة بالحلاوية استدعى أبا الحسن علي بن الحسن بن محمد البلخي الحنفي إليها فجاء ومعه جماعة من الفقهاء وألقى بها الدروس ، فلما سمع الأذان أمر الفقهاء فصعدوا المنارة وقت الأذان وقال لهم : مُرُوهم يؤذنوا الأذان المشروع ، ومن امتنع كُبُّوهُ على رأسه ! فصعدوا وفعلوا ما أمرهم به ، واستمر الأمر على ذلك !
وأما مصر فلم يزل الأذان بها على مذهب القوم إلى أن استبدَّ السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بسلطنة ديار مصر وأزال الدولة الفاطمية ، في سنة سبع وستين وخمسمائة ، وكان ينتحل مذهب الإمام الشافعي وعقيدة الشيخ أبي الحسن الأشعري ، فأبطل من الأذان قول حي على خير العمل ، وصار يؤذن في سائر إقليم مصر والشام بأذان أهل مكة ، وفيه تربيع وترجيع الشهادتين ، فاستمر الأمر على ذلك إلى أن بنت الأتراك المدارس بديار مصر وانتشر مذهب أبي حنيفة في مصر فصار يؤذن في بعض المدارس التي للحنفية بأذان أهل الكوفة وتقام الصلاة أيضاً على رأيهم ، وما عدا ذلك فعلى ما قلنا ) 9 .
أي أن قوة الأتراك في مصر أجبرت صلاح الدين على إعطائهم الحرية المذهبية في مؤسساتهم فرضخ وأعطاهم ! وبقيت المذاهب الأخرى مضطهدة !
***
وفي نهاية ابن كثير : 12 / 355 : (ثم سار إلى حلب فنزل على جبل جوشن ، ثم نودي في أهل حلب بالحضور في ميدان باب العراق ، فاجتمعوا فأشرف عليهم ابن الملك نور الدين فتودد إليهم وتباكى لديهم وحضَّهم على قتال صلاح الدين ، وذلك عن إشارة الأمراء المقدمين ، فأجابه أهل البلد بوجوب طاعته على كل أحد ، وشرط عليه الروافض منهم أن يعاد الأذان بحي على خير العمل وأن يذكَّر في الأسواق (بذكر فضائل أهل البيت عليهم السلام )وأن يكون لهم في الجامع الجانب الشرقي ، وأن يُذكر أسماء الأئمة الإثني عشر بين يدي الجنائز ، وأن يكبروا على الجنازة خمساً ، وأن تكون عقود أنكحتهم إلى الشريف أبي طاهر بن أبي المكارم حمزة بن زهرة الحسيني فأجيبوا إلى ذلك كله ! فأذن بالجامع وسائر البلد بحي على خير العمل).
***
وفي النجوم الزاهرة : 5 / 120 : (وكان بدر الجمالي أرمني الجنس فاتكاً جباراً قتل خلقاً كثيراً من العلماء وغيرهم وأقام الأذان بحي على خير العمل ، وكبر على الجنائز خمساً ، وكتب سب الصحابة على الحيطان . قلت : وبالجملة إنه كان من مساوئ الدنيا جزاه الله . وغالب من كان بمصر في تلك الأيام كان رافضياً خبيثاً ، بسبب ولاة مصر بني عبيد ، إلا من ثبته الله تعالى على السنة ). انتهى.
أقول : هذا ظلم صريح لقائد الجيش المصري الملك الأفضل الجمالي ، الذي شهدوا له بالعدل والنزاهة والشجاعة الفائقة ، فقد قاتل الصليبين بجدارة في مصر والشام وفلسطين ، وحقق عليهم انتصارات وعزاً للمسلمين ، ثم جاء بعده صلاح الدين فقاتلهم قليلاً لكنه ضعف وصالحهم وأعطاهم إمتيازات ومناطق لم يحلموا بها زمن القائد الشيعي بدر الجمالي رحمه الله . ولا مجال للتفصيل.
***
وفي رحلة ابن جبير / 51 : (وللحرم أربعة أثمة سنية وإمام خامس لفرقة تسمى الزيدية . وأشراف أهل هذه البلدة على مذهبهم وهم يزيدون في الأذان : حي على خير العمل إثر قول المؤذن حي على الفلاح ، وهم روافض سبابون والله من وراء حسابهم وجزائهم ، ولا يُجَمِّعُون مع الناس إنما يصلون ظهراً أربعاً ، ويصلون المغرب بعد فراغ الأئمة من صلاتها).
***
وفي نهاية ابن كثير : 12 / 323 : (ثم دخلت سنة خمس وستين وخمسمائة ، في صفر منها حاصرت الفرنج مدينة دمياط من بلاد مصر خمسين يوماً ، بحيث ضيقوا على أهلها وقتلوا أمماً كثيرة… وفيها قطع صلاح الدين الأذان بحي على خير العمل من ديار مصر كلها ، وشرع في تمهيد الخطبة لبني العباس على المنابر).
***
وفي تاريخ الذهبي : 42 / 127 : (صالح بن عيسى بن عبد الملك الفقيه الصالح…. لما زالت دولة العبيديين كان يخرج إلى البلاد المصرية ويخطب بها ، وينسخ ما كان بها من الأذان بحي على خير العمل ، ثم ينتقل إلى بلد آخر احتساباً) .
أقول : لابد أن هذا الشيخ كان معه شرطة تفرض على قرى مصر أذان الدولة!
***
وفي سير الذهبي : 20 / 276 : (البلخي الذي تنسب إليه المدرسة البلخية بباب البريد ، هو الإمام أبو الحسن علي بن الحسن بن محمد البلخي الحنفي ، نزيل دمشق ومدرس الصادرية . وعظ وأقرأ وجعلت له دار الأمير طرخان مدرسة ، وثارت عليه الحنابلة لأنه نال منهم ، وكان ذا جلالة ووجاهة ويلقب بالبرهان البلخي . درس أيضاً بمسجد خاتون وأبطل من حلب الأذان بحي على خير العمل ).
***
وفي النجوم الزاهرة : 6 / 103 : (وفيها دخل سيف الإسلام أخو صلاح الدين إلى مكة ومنع من الأذان في الحرم بن حي على خير العمل).
***
وفي تاريخ أبي الفداء / 604 : (ثم دخلت سنة ست وعشرين وخمسمائة ، فيها قتل أبو علي بن الفضل بن بدر الجمالي وزير الحافظ لدين الله العلوي ، وكان أبو علي المذكور قد حجر على الحافظ وقطع خطبة العلويين وخطب لنفسه خاصة ، وقطع من الأذان بحي على خير العمل ، فنفرت منه قلوب شيعة العلويين (وهماهل مصر) وثار به جماعة من المماليك وهو يلعب الكرة فقتلوه ونهبت داره) .
***
وفي اليواقيت لأبي الفداء / 58 : ( وغيَّر سعد الدولة الأذان بحلب وزاد فيه : حي على خير العمل محمد وعلي خير البشر . وقيل : إنه فعل ذلك في سنة369 ، وقيل : سنة58 ثمان وخمسين وثلاثمائة) .
***
وفي النجوم العوالي للعصامي / 1436 : (واستولى الزيدية على غالب حضرموت ، ثم في سنة سبعين استولى على حضرموت كلها ، وأمرهم أن يزيدوا في الأذان حي على خير العمل ، وترك الترضي عن الشيخين) .
***
وفي كامل ابن الأثير : 9 / 592 : (وأعاد الشيعة الأذان بحي على خير العمل ، وكتبوا على مساجدهم محمد وعلي خير البشر ، وجرى القتال بينهم وعظم الشر ).
***
وفي سير الذهبي : 15 / 159 : (هو المعز لدين الله ، أبو تميم معد بن المنصور إسماعيل بن القائم ، العبيدي المهدوي المغربي ، الذي بنيت القاهرة المعزية له ، كان صاحب المغرب وكان ولي عهد أبيه . وليَ سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة ، وسار في نواحي إفريقية يمهد ملكه فذلل الخارجين عليه…وساروا في أول سنة ثمان وخمسين في أهبة عظيمة وكانت مصر في القحط فأخذها جوهر ، وأخذ الشام والحجاز . ونفذ يعرِّف مولاه(المعز)بانتظام الأمر ، وضربت السكة على الدينار بمصر وهي : لا إله إلا الله محمد رسول لله علي خير الوصيين . والوجه الآخر اسم المعز والتاريخ . وأعلن الأذان بحيَّ على خير العمل ، ونودي : من مات عن بنت وأخ أو أخت فالمال كله للبنت . فهذا رأي هؤلاء).
***
وفي أعيان الشيعة : 9 / 91 : (جاء البساسيري بجيش عظيم من مصر إلى بغداد وقبض على الخليفة وسجنه في الحديثة ، وفي بغداد جعل الخطبة والسكة مدة عأمين باسم المستنصر الذي كان خليفة الإسماعيلية في مصر ، وفي النهاية علم طغرلبك بذلك فأسرع من خراسان وقصد البساسيري في جيش جرار وقبض عليه وقتله ، وأخرج الخليفة من السجن وأعاده إلى بغداد ، وأجلسه على عرش الخلافة).
ويقول ابن كثير في النهاية 12 / 96 ، عن هاتين السنتين : (وأعادت الروافض الأذان بحي على خير العمل ، وأذن به في سائر نواحي بغداد في الجمعات والجماعات وخطب ببغداد للخليفة المستنصر العبيدي على منابرها وغيرها ، وضربت له السكة على الذهب والفضة ، وحوصرت دار الخلافة).
أقول : هذا يدل على أن شعبية الخلافة الفاطمية في بغداد كانت أكثر من شعبية الخلافة العباسية ، وأن عدد الشيعة في بغداد أكثر من السنة .
***
وفي نهاية الإرب / 5257 : (وفي سنة اثنتين وستين ورد رسول صاحب مكة… وأسقط خطبة صاحب مصر وترك الأذان بحي على خير العمل ، فأعطاه السلطان (ألب السلجوقي) ثلاثين ألف دينار وخلعاً نفيسة ، وأجرى له في كل سنة عشرة آلاف دينار).
***
وفي النجوم الزاهرة : 5 / 89 : (السنة السابعة والثلاثون من ولاية المستنصر معد على مصر وهي سنة أربع وستين وأربعمائة . فيها بعث الخليفة القائم بأمر الله الشريف أبا طالب الحسن بن محمد أخا طراد الزينبي ، إلي أبي هاشم محمد أمير مكة بمال وخلع وقال له : غيِّر الأذان وأبطل حي على خير العمل ، فناظره أبو هاشم المذكور مناظرة طويلة ، وقال له : هذا أذان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال له أخو الشريف : ما صح عنه وإنما عبد الله بن عمر بن الخطاب روي عنه أنه أذن به في بعض أسفاره ، وما أنت وابن عمر ؟! فأسقطه من الأذان ) !
***
وفي الدرر الكامنة : 2 / 8 : (ثم تزوج بنت بيبرس فتضاعفت حرمته ، ولما كانت وقعة شقحب انهزم هزيمة قبيحة فغضب منه السلطان ثم عفا عنه بشفاعة الأمراء فأمره على الحج سنة 702 ، فأبطل الأذان بحي على خير العمل ، وجمع الزيدية ومنعهم من الإمامة بالمسجد الحرام ).
***
وفي صبح الأعشى : 4 / 171 : (ثم تغلب عليها أتسز بن أرتق الخوارزمي ، أحد أمراء السلطان ملكشاه السلجوقي في سنة ثمان وستين وأربعمائة ، وقطع الخطبة بها للمستنصر الفاطمي وخطب للمقتدي العباسي ، ومنع من الأذان بحي على خير العمل ولم يخطب بعد ذلك بالشام لأحد من الفاطميين) .
***
وفي نهاية ابن كثير : 12 / 137 : (قلت : الأقسيس هذا.. وهو أول من استعاد بلاد الشام من أيدي الفاطميين وأزال الأذان منها بحي على خير العمل بعد أن كان يؤذن به على منابر دمشق وسائر الشام مائة وست سنين ، كان على أبواب الجوامع والمساجد مكتوب لعنة الصحابة رضي الله عنهم (يقصد لعنة ظالمي آل محمد صلى الله عليه وآله !)فأمر هذا السلطان المؤذنين والخطباء أن يترضوا عن الصحابة أجمعين ونشر العدل وأظهر السنة ). انتهى.
أقول : لاحظ أن مطلب الشيعة كان دائماً حريتهم في مساجدهم ، وأن يكتبوا في مساجدهم أو محلاتهم محمد وعلي خير البشر صلى الله عليه وآله ، ويقولوا في مجالسهم اللهم العن ظالمي آل محمد صلى الله عليه وآله ويكتبوها شعاراً دينياً . فكل مطلبهم حرية عبادتهم وعقيدتهم في مناطقهم ، ولا يريدون فرضها على أحد !
بينما سياسة مخالفيهم أن يفرضوا عليهم في مساجدهم ومناطقهم حذف (حي على خير العمل) والترضي على أبي بكر وعمر وعثمان ومدحهم !
والنص التالي لابن كثير يشهد بأن السلاجقة أول ما سيطروا على بغداد ألغوا الحرية المذهبية التي كانت في زمن الدولة البويهية الشيعية ، وفرضوا مذهبهم بالإجبار والقتل ! قال في النهاية : 12 / 86 : (وفيها أُلْزِمَ الروافض بترك الأذان بحي على خير العمل ، وأمروا أن ينادي مؤذنهم في أذان الصبح بعد حي على الفلاح : الصلاة خير من النوم مرتين ، وأزيل ما كان على أبواب مساجدهم من كتابة : محمد وعلي خير البشر ، ودخل المنشدون من باب البصرة إلى باب الكرخ ينشدون بالقصائد التي فيها مدح الصحابة ! وذلك أن نَوْءَ الرافضة اضمحل لأن بني بُويَهْ كانوا حكاماً وكانوا يقوونهم وينصرونهم ، فزالوا وبادوا وذهبت دولتهم ، وجاء بعدهم قوم آخرون من الأتراك السلجوقية الذين يحبون أهل السنة ويوالونهم ويرفعون قدرهم ، والله المحمود أبداً على طول المدى . وأمر رئيس الرؤساء الوالي بقتل أبي عبد الله بن الجلاب شيخ الروافض لمَا كان تظاهر به من الرفض والغلو فيه فقتل على باب دكانه ، وهرب أبو جعفر الطوسي ونهبت داره ).انتهى. وهكذا يحمدون الله تعالى على توفيقهم لمصادرة حريات الناس وإكراهم على الأذان والعبادة حسب مذهب الحكومة ، وعلى توفيقهم لقتل أحد علماء الشيعة أمام دكانه ، واضطرار مرجع الشيعة وكبير علماء بغداد الشيخ الطوسي الى الهرب من بغداد الى النجف ! ويتأسفون لأنهم لم يقتلوه لكنهم عوضوا عن ذلك بنهب داره ومكتبته ، وقتل آخرين !
***
وفي مقابل هذا الجوْر القاسي من الخلافة ، لم يسجِّل أحد من الرواة أن الشيعة أجبروا أحداً على أذانهم ومذهبهم ، ولا قتلوا أحداً من علماء السنة من أي مذهب ، طيلة دولة السلاطين البويهيين الشيعة ، ودولة الخليفة الناصر العباسي الشيعي ، ودولة السلاطين المغول الشيعة ، بل كان علماء المذاهب محترمين مقربين من الحكام الشيعة ، ومن علماء الشيعة . وبهذا صح قول ابن الصيفي رحمه الله : (وكل إناء بالذي فيه ينضحُ) 10 .
**********************************************
1. القران الكريم : سورة الحشر ( 59 ) ، الآية : 7 ، الصفحة : 546 .
2. a. b. القران الكريم : سورة النور ( 24 ) ، الآية : 63 ، الصفحة : 359 .
3. القران الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 36 ، الصفحة : 423 .
4. ونحوه في كتابه مسائل فقهية / 68 .
5. شرح التجريد للقوشجي / 484 ، وكنز العرفان / 158 ، عن الطبري في المستنير ، والصراط المستقيم : 3 / 277 ، عن الطبري ، والغدير : 6 / 213 ، عن الطبري ، وجواهر الإخبار ، والآثار المستخرجة : 2 / 192 ، عن التفتازاني في حاشيته على شرح العضدي ، ونفحات اللاهوت / 98. وعدَّ في شرح النهج : 3 / 363 تحريم عمر للمتعة من اجتهاده ، زواج المتعة : 3 / 8 ، للسيد جعفر مرتضى .
6. القران الكريم : سورة محمد ( 47 ) ، الآية : 22 و 23 ، الصفحة : 509 .
7. ومثله الذهبي في تاريخه : 39 / 5 .
8. معجم البلدان : 5 / 193 .
9. ونحوه المواعظ للمقريزي / 1547 .
10. كيف رد الشيعة غزو المغول ( دراسة لدور المرجعين نصير الدين طوسي و العلامة الحلي في رد الغزو المغولي ) ، العلامة الشيخ علي الكوراني العاملي ، مركز الثقافي للعلامة الحلي رحمه الله ، الطبعة الأولى ، سنة 1426 ، ص 232 ـ 250 .
المصدر : مرکز الإشعاع الإسلامي