يُعدُّ السّلوك البشريّ من أهم الاختصاصات الإنسانيّة التي عمل على تطويرها علماء علم النفس البشري والتنمية البشرية وإيجاد أفضل الطرائق السلوكيّة للسيطرة على انفعالات الإنسان وسلوكه على حدٍ سواء والسبب في هذه العناية هو إيجاد تكامل اجتماعي داخل المجتمع الواحد للحصول على أفراد ناجحين بكل الانفعالات مهما كان نوع الانفعال؛ إذ عَرّفَ المختصّون السلوكَ هو كل الافعال والنشاطات التي تصدر عن الفرد سواء كانت ظاهرة أم غير ظاهرة وقد عمل العلماء المختصون على إيجاد طرائق صحيحة لتقويم السلوك البشري وتعديله وقد رأى العالمان (كوبر وهيرون ونيوارد) تعديل السلوك هو العلم الذي يشمل على تطبيق المنظم للأساليب التي انبثقت عن القوانين السلوكية؛ وبهذه الانطلاقة العلمية من علم الاختراع والتجارب الإنسانية نجد أن القرآن الكريم قد سبق الفكر البشري بإعطاء ملاحظات قويمة وعلوم جسيمة في استحصال طريقة للحفاظ على السلوك البشري وتطبيق طرائق لتقويمه وتهذيبه وجعل من هذه القوانين طرائق عبادية للوصول إلى الكمال في طاعة الله والحفاظ على المسار الصحيح في النهج القرآنيّ المبارك فجعل الإنسان تحت أنظمة الفريضة التي أوجب من خلالها الطاعة إلى الله تعالى وجعل له مساراً ومنهاجاً خاطب فيها الأمم (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) (المائدة: 48)، فتُعد هذه الشريعة والمنهاج خطًا مستقيمًا إذا انتهجه الإنسان انتقل إلى مراحل الرقي العقلي والسلوك الفردي داخل المجتمع الواحد ومن خلال هذا ستتكون مجتمعات متماسكة في كل انحاء المعمورة.
ولو انتقل القارئ بفكره الكريم إلى مجموعة العبادات والاعمال المفروض على الإنسان الإتيان بها لوجد جميعها عبارة عن خط واحد يكمّل بعضه بعضا كسلسلةٍ ذهبيةٍ للرقي بالسلوك الإنساني كفرد، والمجتمع بصورة عامة فمجموعة الأصول والفروع التي فُرض على الإنسان الإيمان بها ماهي إلّا ترتيب لمقدرات الإنسان في الولاء والتعامل مع القدرة واللطف والرحمة الإلهيّة حتّى قال تعالى :(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة:55) فدعا الله تعالى إلى توحيده أولا والإيمان برسالة النّبيّ (صلى الله عليه وآله) وإكمال المنهج القويم بالاعتراف بالولاية الإلهيّة لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) فالإيمان والولاء لهذا الخط يعطي بصيرة خاصة ونظرة ثاقبة يرتقي بها العقل البشري وبعد هذه الأصول التي تخص الفكر والعقيدة الإنسانية النابعة من تقابل العواطف مع الأفكار السائرة وفق المنهج الإصلاحي لذات الإنسان ينتقل بعد الاعتراف بها إلى تقبل الأعمال المفروضة للوصول للتقبل الإلهيّ للإنسان كإنسان فالصلاة والزكاة والصيام ومجموعة الفروع العبادية الاخرى هي طريقة لجعل الانسان يسير على وفق خطة خاصة لحياته اليومية، فالدعوة الى الصلاة والتأكيد عليها على أنها عمود الدين ومنها يُعرف المؤمنون، ليس فقط لأنها مجموعة حركات يقوم بها الفرد المسلم، إنما هي علاقة روحانية بينه وبين الله (جل علاه) ومحطة اتصال بين العبد وربه هذه من ناحية أما من ناحية ثانية فهي تعد الناقل السريع والمهيأ الخاص لنفسية الإنسان التي امتازت بالشهوات والملذات ونقلها إلى الاستقرار والهدوء والطاعة فضلاً عن كونها منبهًا لذكر الله والثناء والإخلاص له وحده لا شريك له (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت:45)، والصلاة تبدأ من حيث تنهي فعلى الإنسان بعد اتمام صلاته أن يكون متزنًا للحفاظ على ما ارتقت إليه نفسه من الخشوع والخضوع إلى الله وتحقيق مراد الله باستقامة سلوكه مع المجتمع المحيط به ومن بعد الصلاة يأتي دور الصيام الذي يعد مدرسة عُليا بتهذيب سلوك الفرد وتنظيمه في جملة حياته فهو الطريقة المثلى لتجسيد الناس سواسية لمدة 30 يوما فالكل واحد بالجوع والعطش ولا سيما فيه دعوة للتقارب الإنساني والتكافل الاجتماعي بين الغني والفقير والرحمة على الصغير والكبير (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183) وهو مفتاح خاص للتذكير بالزكاة لذلك كان أولُ أيامِ الفطر فيه زكاة الفطرة والتذكير بالطبقات الإنسانيّة الخاصة التي قد تتضوّر جوعًا أو لم تملك ملبسًا كما يملك الغني.
وقد اعتنى القرآن بالدعوة إلى الزكاة وعدد مستحقيها، فقال تعالى:(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة:60).
بقي أن نشير إلى وجهة نظر وهي أنّ كلَّ مبادئ الدعوة الإسلاميّة المحمَّديَّة جاءت لتهذيب الهيئة السلوكية للبشر وتحسينها بصورة عامة وكانت الدعوةُ صريحةً إلى هذا الاتجاه والتحلّي بالرحمة والأخلاق الحميدة والتواصل والتكافؤ والتراضي بين أفراد المسلمين ونبذ الطبقية والتحلّي باللطف والأخوة بين أبناء المجتمع ومن هنا لابدّ لكل مسلم أن يجعل النظام الإسلاميّ هو النظام السلوكيّ له والدعوة للناس جميعًا وليس الفرد المسلم فقط لأنّها دعوة الناس جميعا فالنبي صلى الله عليه واله بعث بالإسلام رحمة للعالمين.
حسين علي الشامي